أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي مقلد - دماء على كرسي الخلافة 15















المزيد.....

دماء على كرسي الخلافة 15


علي مقلد

الحوار المتمدن-العدد: 5501 - 2017 / 4 / 24 - 16:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



ربما يتعجب البعض من تحول الفقيه ورجل الدين إلى محرض على القتل ، وتنتابهم حالة من الاستغراب ، إذ يتوقعون في رجل الدين أنه بعيد عن سفك الدماء وانتهاك الحرمات، لكن الأيام كفيلة دائما بالإجابة على هؤلاء المندهشين ، كما رأينا بعد عزل محمد مرسي وجماعته من السلطة في مصر ، حيث تبارى رجال الجماعة المتدثرة بالدين ، في التحريض على الإرهاب والحرق والقتل ،ورأى الناص "منصة رابعة" وهي تبيح كل الموبقات من أجل السلطة ، لكن فات الكثيرين أن هذه النوعية من رجال الدين القتلة قديمة قدم الأديان نفسها ، فرجل الدين عندما يكون صاحب هوى ،يكون أكثر إجراما وأشد عنفا وتطرفا ، خاصة أنه يلبس الإرهاب ثوبا دينيا ، ويزينه في قلوب المجرمين ، والقارئ للتاريخ الإسلامي يعرف ، مدى بشاعة رجال الدين في التحريض على القتل من أجل السلطة.
اليوم ونحن نستكمل مسيرة الدماء التي سالت على أعتاب "الخلافة الإسلامية" نصل إلى مرحلة هامة ومؤسسة لما بعدها ، وبطل مقال اليوم ، هو رجل دين تحول بسبب "كرسي الخلافة" من فقيه وراوي حديث إلى مجرم حرب ، وفاضت سنوات حكمه التي تربو على العشرين عاما بالرقاب المقطوعة والحرمات المنتهكة ، والغدر والخسة والندالة... إنه عبد الملك بن مروان ، الخليفة الخامس من خلفاء بني أمية والمؤسس الثاني للدولة الأموية ، وهو كما قلنا في المقال السابق انه استلم الحكم بعد أبيه مروان بن الحكم سنة 65 ، واستمر في السلطة واحدًا وعشرين عامًا ، وفي سنوات حكمه شهدت الإمبراطورية الإسلامية مجازر بشعة ، وسادت الفتن والاضطرابات والانقسامات في كل مكان ، وحتى يوطد بن مروان أركان عرشه سن سيفه وقرب إليه كل قساة القلوب في ذلك الزمان ، وراحوا يعملون السيف في كل من يخالفه أو يعارض سلطته ، لكن قبل الحديث عن الدماء التي أسالها ابن مروان وتمثيله بالجثث وقطع الرقاب وهدم الكعبة ، لابد من الحديث عن شخصية الرجل نفسه وكيف ، تحول من أحد الفقهاء إلى مجرم حرب .
يقول المؤرخون وأصحاب السير إن عبد الملك كان قبل توليه الخلافة من العباد الزهاد الفقهاء الملازمين للمسجد التالين للقرآن، وقد أورد شمس الدين الذهبي في كتابه "سير أعلام النبلاء" بعضا من الأقوال التي وردت في علم وشخصية عبد الملك بن مروان قبل توليه السلطة ،حيث نقل الذهبي عن جرير بن حازم ، عن نافع ، قال : لقد رأيت المدينة وما بها شاب أشد تشميرا ولا أفقه ولا أنسك ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك ، وقال أبو الزناد : فقهاء المدينة هم سعيد بن المسيب ، وعبد الملك بن مروان ، وعروة ، وقبيصة بن ذؤيب ، ونقل عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال : أول من صلى بين الظهر والعصر عبد الملك بن مروان وفتيان معه كانوا يصلون إلى العصر ،وأورد إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ،قوله : ما جالست أحدا إلا وجدت لي عليه الفضل إلا عبد الملك ، وقيل : إن بن مروان تأوه من تنفيذ يزيد جيشه إلى حرب ابن الزبير ، فلما ولي الأمر ، جهز إليه الحجاج الفاسق ،وقال ابن عائشة : أفضى الأمر إلى عبد الملك والمصحف بين يديه ، فأطبقه وقال : "هذا آخر العهد بك " ، فقلت : اللهم لا تمكر بنا ، وروي عن يحيى بن يحيى الغساني ، قال : كان عبد الملك كثيرا ما يجلس إلى أم الدرداء - وهي فَقِيهة ومُحدثة من رواة الحديث وهي زوجة الصحابي أبو الدرداء الأنصاري – في جانب من مسجد دمشق ، فقالت له : بلغني يا عبد الملك أنك شربت الطلاء " الخمر" بعد النسك والعبادة ، فقال : إي والله ، والدماء .
عبد الملك أيضا كان أحد رواة الحديث ، فقد روى عن أبيه ومعاوية بن أبي سفيان وعن أم المؤمنين أم سلمة وعن بريرة مولاة عائشة بنت أبي بكر، وعن جماعة من التابعين، وأبرز من نقلوا روايات عبد الملك للحديث ، البخاري في كتابه الأدب المفرد، والإمام الزهري وعروة بن الزبير وخالد بن معدان وهو من فقهاء التابعين ، ورجاء بن حيوة أحد أعلام المحدثين .
لكن ما إن وصل عبد الملك إلى كرس الخلافة ، ووجد أن ملك بني أموية قاب قوسين أو أدنى من الانهيار حتى شمر عن ساعديه ، وشحذ سيفه وسلطه على رقاب البشر شرقا وغربا شمالا وجنوبا ، فقد بويع بالخلافة والعالم الإسلامي منقسم بين أربع جماعات: فئة الأمويين الذين يسيطرون على الشام ومصر، وعبد الله بن الزبير الذي كان يسيطر على الحجاز واليمن والعراق، والحركة العلوية منتشرة في العراق وبلاد فارس ، وجماعة الخوارج منتشرة في أماكن متفرقة ، ولعل أكبر ما يوضح هذا الانقسام الحاد ، أنه في موسم حج عام 68 هـ ارتفعت أربعة ألوية: لواء عبد الملك بن مروان، ولواء محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية، ولواء نجدة بن عامر زعيم خوارج اليمامة، ولواء ابن الزبير.

لذلك قرر عبد الملك أن يقضى على كل خصومه وأن يخوض في الدماء ، وعلى جماجم البشر حتى آخر المدى لينفرد بالسلطة ، وكان أول قرار عسكري له ، أنه بعث إلى عبيد الله بن زياد يقرُّه على ما ولاّه عليه أبوه مروان في العراق، وبالفعل تقدم ابن زياد بجيشه لاسترداد العراق بعدما كان قد فر منها من قبل أمام مصعب بن الزبير ، ولكن بن زياد اضطر إلى أن يغير خطته العسكرية ، عندما ظهر في الميدان عدو جديد لم يكن في الحسبان ، وهم مجموعة من أنصار الحسين بن علي ، والتي عرفت حركتهم تاريخيا بـ "ثورة التوابين" ، وهي حركة شيعية كان أعضاؤها يجتمعون بعد مقتل الحسين في إطار من السرِّية ،ومناقشاته في البداية كانت أشبه ما تكون بالنقد الذاتي لتقصيرهم في مناصرة الحسين ، وكان يتزعم هذه المجموعة الصحابي سليمان بن صُرد الخزاعي، وهو صحابي كان اسمه يسار، وسمّاه رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وكان سليمان أيضا من أصحاب علي بن أبي طالب وشارك معه في حروبه التي خاضها من أجل كرسي الخلافة
استطاعت مجموعة الخزاعي الانتشار الكبير خاصة وسط العلويين وشكلوا رقما صعبا في مواجهة الأمويين ، فقد كانت أهدافهم واضحة وهم يؤمنون بها لدرجة الموت من أجل تحقيقها ، وتتمحور هذه الأهداف حول إزاحة الأُمويّين من السلطة في الكوفة وتحويلها إلى قاعدة للحكم ، وأخذ القصاص من قتلة الحسين ، ولذلك رفعوا شعار "يا لثأرات الحسين" ، وبالفعل استطاع الخزاعي أن يجمع خلفه نحو ستة عشر ألف مقاتل وقرروا الخروج من العراق، لمواجهة جيش بن زياد المكلف من عبد الملك لاسترداد العراق لحظيرة الدولة الأموية ، لكن تخاذل بعض التوابين عندما حانت ساعة الجد ، فلم يتبقى خلف الخزاعي سوى أربعة آلاف مقاتل ، توجه بهم في الثاني والعشرين من جمادى الأُولى 65هـ ، إلى منطقة "عين الوردة" بالقرب من الرقة .
لما التقى الجيشان ، ودارت رحى الحرب بين "التوابين" وبين جند الشام، ، كان النصر أول الأمر حليفا للتوابين ، غير أن ابن زياد سرعان ما أمد جيش الشام باثني عشر ألفاً بقيادة الحصين بن نمير، ثم بثمانية آلاف بقيادة شرحبيل بن ذي الكلاع، والاثنان قائدان عسكريان عركتهم الحروب ، ولهما فيها صولات وجولات بخلاف الخزاعي فهو رجل طاعن في السن لا يملك سوى الشجاعة والاستبسال حتى الموت ، لكن الشجاعة وحدها لا تحسم الحروب
بالفعل أحاط جيش الأمويين بالتوّابين من كلّ جانب، فلمّا رأى سليمان ما يلقى أصحابه من شدّة، ترجّل عن فرسه ـ وهو في الثالثة والتسعين من عمره - ودخل وسط الجيش الأموي هو وعدد من رجاله وتمكنوا بالفعل من قتل عدد كبير من جيش بن زياد ، لكن سهما صائبا أنهى مغامرة سليمان الخزاعي في الحرب وأرداه قتيلا ،ثم تساقط رجاله والقيادات من بعده واحدا تلو الآخر ، حتى وصلت راية التوابين إلى رفاعة بن شداد ، والذي وجد أن الحرب أصبحت مجرد "إلقاء للنفس في التهلكة" وأنهم مهزومون لا محالة ، فأصدر أوامره سرّاً إلى البقية الباقية من جيش التوّابين بالانسحاب والتراجع .

بذلك بدأ عبد الملك بن مروان مسيرته في السلطة بدماء "التوابين" وعزز انتصاره عليهم من سطوته كلاعب أساسي في الصراع ، وربما علمته تلك المعركة أن الصراع على السلطة، له شعار واحد "إما قاتل وإما قتيل" وهو اختار أن يكون القاتل طيلة سنوات حكمه ، لكن من بقايا " ثورة التوابين " ستولد "المختارية" وهي حركة أكثر عنفا ودموية لتواجه عبد الملك بن مروان وتتحالف تارة مع خصمه ابن الزبير وتحاربه تارة أخرى ، ليصبح الصراع ثلاثيا بين عبد الملك بن مروان وعبد الله بن الزبير والمختار بن أبي عبيد الله الثقفي، وهو أو خليفة غير قرشي يدخل ساحة الصراع على كرسي الخلافة ، وقد ساهمت حركة الثقفي إلى حد كبير في تطور الشيعة كفرقة دينية وسياسية ... والمختار مثل بقية المتصارعين على الحكم ولغ في الدماء حتى أذنيه واستمر يقاتل على السلطة ضد الزبيريين تارة والأمويين تارة ،حتى قتل.
في المقال القادم نواصل مسيرة عبد الملك بن مروان وصراعه على السلطة مع المختار الثقفي وبن الزبير .



#علي_مقلد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دماء على كرسي الخلافة 14
- دماء على كرسي الخلافة 13
- دماء على كرسي الخلافة -12-
- دماء على كرسي الخلافة -11-
- دماء على كرسي الخلافة -10-
- دماء على كرسي الخلافة 9
- دماء على كرسي الخلافة 8
- دماء على كرسي الخلافة 7
- دماء على كرسي الخلافة - 6-
- دماء على كرسي الخلافة -5-
- دماء على كرسي الخلافة 4
- دماء على كرسي الخلافة – 3
- دماء على كرسي الخلافة – 2
- دماء علي كرسي الخلافة - 1


المزيد.....




- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي مقلد - دماء على كرسي الخلافة 15