أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي مقلد - دماء على كرسي الخلافة 8















المزيد.....

دماء على كرسي الخلافة 8


علي مقلد

الحوار المتمدن-العدد: 5487 - 2017 / 4 / 10 - 13:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



علي مقلد
الأرض المروية بطوفان الكراهية ، المخضبة بدماء البشر ، التي لا تحوم فيها سوى غرابيب الفتن ، لا تنتج إلا أفكارا إجرامية قاتلة، وإن تحلت بشعارات براقة ، أو ارتدت ثياب الخير ، هكذا كان حال المسلمين سنة 40 هجرية ، فالإمبراطورية الإسلامية التي تمددت واتسعت منذ قرر العرب الخروج من صحراء الجزيرة العربية لغزو جيرانهم ، كانت في ذلك الوقت تعيش في فوضى وحروب وقتال طيلة خمس سنوات بين أمراء الحرب المتصارعين على السلطة، خمس سنوات فشلت فيها ، كل أصوات الحكمة ومساعي الصلح ، ونقضت فيها كل العهود والمواثيق ، وفشلت الهدن والمصالحات ، وبات لا صوت يعلو على صوت السيوف ، ولا رائحة تشم ، سوى رائحة جثث القتلى، الذين سقطوا في المعارك الطاحنة ، التي دارت بين علي ومعاوية على كرسي الخلافة ... في هذا الوقت العصيب من عمر الأمة، تجمع ثلاثة أشخاص تناقشوا وتباحثوا ورأوا أن خلاص الأمة ، لن يكون إلا بمزيد من سفك الدماء ، ولكنهم خططوا لاغتيال قادة الحرب الثلاثة ، علي بن أبي طالب ،ومعاوية بن أبي سفيان ،وعمرو بن العاص ،وكأن عقول الإرهاب لا تنتج أفكارا لحل الأزمات سوى بالقتل وسفك الدماء .
كنا وصلنا في المقال السابق، إلى مأساة محمد بن أبي بكر الصديق "والي مصر " ، عندما حشد معاوية جيوشه ، وغزا بها أرض الكنانة لانتزاع ولايتها من تحت سلطة الخليفة الرابع ، وتعزيز قوته وسلطته في الشام ، ورأينا كيف أقبل جيش معاوية على حرق جثة بن أبي بكر ، داخل جوف حمار ميت ، وبموته انتقصت خلافة علي وزادت إمارة معاوية ، ودخل المسلمون عصرا جديدا من الصراع ،حيث تحددت حدود دولة الخليفة غير المسيطر على الحجاز واليمن والعراق وما يليه من بلدان فارس ، والأمير المتمرد على الشام ومصر وما يليه من شمال أفريقيا، وبات التفكير لدى كليهما ،كيف ينقض على دولة عدوه .. لكن ظروف معاوية كانت مواتية أكثر من غريمه ، فهو قد وطد ملكه في الشام ثم انتزع مصر عنوة ،لكن علي كان لا يزال آنذاك يواجه الصعاب ،فالخوارج لا يبرحون، كل مدّة يخرجون عليه ، فيقتل منهم الكثير ويقتلون منه القليل نظرا للفارق العسكري بين الطرفين ، لكنهم استطاعوا على طريقة – حرب العصابات- أن يفسدوا عليه سلطته ويثيرون الرعب والذعر في أرجاء ملكه .
في هذه الآونة اجتمع ثلاثة من الخوارج هم ؛ عبد الرحمن بن ملجم الكندي، ويقال إنه كان معروفا بـ "علامة السجود" في وجهه من كثرة صلاة الفرائض والنوافل - لعل وجوه القتلة والإرهابيين من الدواعش والسلفيين والإخوان التي نراها اليوم لا تبعد كثيرا عن صورة بن ملجم - وآخر اسمه البرك بن عبد الله التميمي، وثالث يدعى عمرو بن بكر التميمي، وتشاوروا فيما ينبغي أن يفعلوه، فهم غير راضين بأمر التحكيم والهدنة بين الطرفين، ويكفرون عليًا، ومعاوية، وعمرو بن العاص ، ويكفرون كذلك كل من رضي بالتحكيم، كما أنهم يفكرون أيضا في عمل ثأري لإخوانهم الذين قتلوا في معركة "النهروان" التي دارت بين الخوارج وجيش بن أبي طالب ، ثم قالوا- حسب المصادر التاريخية وكتب التراث - : لو شرينا أنفسنا من هذه الدنيا، فأتينا أئمة الضلال فقتلناهم، فأرحنا منهم البلاد، وأخذنا منهم ثأر إخواننا ، فقال ابن ملجم: أنا أكفيكم أمر علي بن أبي طالب ، وقال البرك: وأنا أكفيكم معاوية ، وقال عمرو بن بكر: وأنا أكفيكم عمرو بن العاص ، فتعاهدوا على ذلك، واتفقوا على ألا ينقض أحد عهده، وأنهم سوف يذهبون لقتلهم، أو يموتون، وتواعدوا أن يقتلوا الثلاثة في شهر رمضان، وكتموا أمرهم إلا من قريبين منهم أفشوا سرهم فيما بعد – حسب الروايات،و يمكن القول أن هؤلاء الثلاثة ، يعتبرون بحق أول من أسس فرقة "اغتيال سياسي" في العصر الإسلامي ، كما أن تفكيرهم لا يختلف كثيرا عن إرهابيي هذا الزمان ، في طريقة القتل والتخطيط على طريقة "الذئاب المنفردة" ، التي تعمل بها بعض خلايا الإرهاب ، وهي موجودة بكثرة لدى تنظيم القاعدة وداعش والإخوان المسلمين ، ومفهوم الذئب المنفرد هو الشخص الذي يتشرب "ايدولوجيا" معينة، من دون أن يكون له أي صلات اتصال وتوجيه تنظيمي مباشر ، ثم يقوم وبتخطيط وتمويل ذاتي بتنفيذ الجريمة الإرهابية؛ خدمةً لأهداف جماعة بعينها أو فكرة ما.
نهاية القول ، أن الثلاثة الخوارج ، تواعدوا أن يقتلوا الثلاثة قادة الحرب أو "رؤوس الفتنة" كما كانوا يسمونهم ، على أن يتم ذلك يوم السابع عشر من شهر رمضان – المؤسف أن القتلة والمخطط لقتلهم - كانوا يقولون إنهم يخدمون الدين وأنهم يقتلون دفاعا عن الإسلام والشرعية وأنهم يقتلون من أجل نصرة الإسلام – يا لسخرية التاريخ منا ، إذ يعيد نفسه، ونحن على الأرائك ،نلوك بألسنتنا شعارات وحكايات لا نفطن معانيها - .... بالفعل توجه البرك إلى دمشق حيث معاوية بن أبي سفيان ، وتوجه عمرو بن بكر إلى الفسطاط بمصر حيث عمرو بن العاص ، وكان عبد الرحمن بن ملجم بالكوفة حيث علي بن أبي طالب ، وعندما حانت ساعة الصفر التي وضعتها خلية "الذئاب الثلاثة" انتظر عبد الرحمن بن ملجم وآخر معه، كان قد جنده في تنظيمه يدعى شبيب بن نجدة الشجعي ، وبعد جدال ومناقشة ، اتفقا على قتل الخليفة الرابع ، وقال بن ملجم لشبيب: إذا خرج علي لصلاة الفجر، شددنا عليه فقتلناه، فإن نجونا شفينا أنفسنا، وأدركنا ثأرنا، وإن قُتلنا فما عند الله خير ، فلما خرج علي من بيته ، وأخذ يمرّ على الناس يوقظهم للصلاة ، وما أن اقترب من المسجد خرج عليه "بن ملجم والشجعي" من كمين بالقرب من المسجد ، فضربه شبيب ضربة وقع منها على الأرض، لكنه لم يمت ، فأمسك به ابن ملجم، وضربه بالسيف المسموم على رأسه ، وهتف القاتل " يا علي الحكم ليس لك ، إن الحكم إلا لله ، وأخذ يتلو قول الله تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ" "البقرة: 207".
نفس ما يفعله الإرهابيون الآن يفجرون المؤسسات ويقطعون الطرق ويخربون الأرض ويذبحون رقاب البشر وهم يتلوون القرآن ، اللافت للنظر أن الخوارج كانوا يفخرون بقتل علي بن أبي طالب ، ويروون في قاتله بطلا ، فضلا عن كونه تقي ورع ، وأنه شهيد لقي مصرعه وارتقى للسماء ، دفاعا عن الإسلام ، مثل كل الإرهابيين في كل زمان ومكان يمجدون القتلة والمجرمين، لدرجة أن شاعرهم عمران بن حطان قال مادحا قاتل علي :
يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ... ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره حينا فأحسبه ... أوفى البرية عند الله ميزانا
هكذا يرى بن حطان أن قاتل علي بن أبي طالب في منزلة كبيرة عند الله ، وهنا تحضرني واقعة تؤكد أن الإرهابيين ذرية بعضها من بعض ، فالدكتور يوسف القرضاوي مفتي "الإخوان المسلمين" نقل في مذكرته ما يدل على استقبال عامة الإخوان، لحوادث القتل التي نفذها التنظيم الخاص الذي أسسه حسن البنا ، بالفرحة والسرور ، حتى أن القرضاوي في قصيدة له ، جعل عبد المجيد حسن قاتل "النقراشي باشا " إماما من الأئمة ، حيث قال القرضاوي في كتابه "سيرة ومسيرة" : قابل عامة الإخوان اغتيال النقراشي بفرحة مشوبة بالحذر ، فقد رد عبد المجيد حسن لهم كرامتهم وأثبت أن لحمهم مسموم لا يؤكل وأن من اعتدى عليهم لابد أن يأخذ جزاءه ، ثم أنشد القرضاوي معظما القاتل:
عبد المجيد تحية وسلام أبشر فإنك للشباب إمام
سممت كلبا جاء كلب بعده ولكل كلب عندنا سمام
نعود للتاريخ ... أما معاوية ، فكان كالعادة أكثر حظا من علي ، فقد انتظره البرك بن عبد الله الذي تعهد بقتله في نفس التوقيت، وضربه بالسيف المسموم فتجنّبه معاوية فأصاب فخذه، فحمله الناس إلى بيته، وقبضوا على البرك بن عبد الله ، وتم إسعاف معاوية ، فلم يمت من هذه الضربة ، أما عمرو بن العاص، فذهب إليه عمرو بن بكر المتعهد بقتله، وانتظر خروجه لصلاة الصبح، ولكنه لم يخرج من بيته في ذلك اليوم – يقال أنه كان مريضًا فلزم بيته، وعهد بالصلاة إلى نائبه "خارجة بن حذافة" ، فما خرج إلى الصلاة ظنّه الرجل عمرو بن العاص، فذهب إليه وقتله، فأمسكوا به وقتلوه به، ونجّى الله عمرو بن العاص من الاغتيال، وقال الناس :"أراد عمرًا وأراد الله خارجة" فصارت مثلا ، وبذلك تكون خطة "الذئاب الثلاثة" فشلت في إنهاء الفتنة ،وإن كانت قد أزاحت من طريق معاوية خصما قويا ،وجعلته قاب قوسين أو أدنى من القفز على كرسي الخلافة ،ويتحول من أمير متمرد ،إلى خليفة المسلمين وأمير المؤمنين ، ويهنأ بن العاص بمصر طعمة خالصة طيلة حياته.
بمقتل بن أبي طالب ، يكون قد انطوى عهد "الخلافة الراشدة" وهم أربعة خلفاء تولوا أمر المسلمين بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام ، تم استهداف ثلاثة منهم في عمليات اغتيال ناجحة، فقد تم اغتيال عمر بن الخطاب على يد أبو لؤلؤة سنة 23 من الهجرة، تم اغتيال عثمان بن عفان في حادثة فتنة " يوم الدار" سنة 35 من الهجرة وتم اغتيال علي بن أبي طالب على يد عبد الرحمن بن ملجم سنة 40 للهجرة.... في المقال المقبل ،، نواصل تتبع مسيرة الدماء التي سالت على كرسي الخلافة ، ونصل لمرحلة ما بعد مقتل علي وما حدث بين ابنه الحسن ،ومعاوية بن أبي سفيان



#علي_مقلد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دماء على كرسي الخلافة 7
- دماء على كرسي الخلافة - 6-
- دماء على كرسي الخلافة -5-
- دماء على كرسي الخلافة 4
- دماء على كرسي الخلافة – 3
- دماء على كرسي الخلافة – 2
- دماء علي كرسي الخلافة - 1


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي مقلد - دماء على كرسي الخلافة 8