أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سعيد الريحاني - جون جونيه: بين البحر والسجن والمقبرة














المزيد.....

جون جونيه: بين البحر والسجن والمقبرة


محمد سعيد الريحاني
أديب وباحث في دراسات الترجمة

(Mohamed Said Raihani)


الحوار المتمدن-العدد: 1443 - 2006 / 1 / 27 - 10:19
المحور: الادب والفن
    


"حين تهدي أحدا كتابا، فإنك لا تهديه فقط ورقا ومدادا وغراء. إنك تهديه إمكانية عيش حياة جديدة."
Christopher Morley
كريستوفر مورليه



مطر، سواد، سكون يسبق العاصفة...

اسودت السماء، ازداد سوادها قتامة. نزلت السحب الحبلى حتى مستوى الأشجار الحائرة تحت هياج الرياح. الكون يتمزق ضياء بين الفينة والفينة والرعد يزمجر في كل مكان. والظلام يحتوي الوجود رويدا رويدا.

رونيه، ضيفي الفرنسي، غير محظوظ. رونيه حل ضيفا علي لمساعدته في إنجاز بحثه المعنون: "جون جونيه : بين البحر والسجن والمقبرة "، وهو أطروحة لنيل الدكتوراة لكنه يعتزم من خلاله دخول عالم الكتابة والطبع والنشر. وقد وعدني بتخليدي على صفحة الإهداء حين يصدر البحث كتابا.

إقامته معي ستدوم أسبوعا. لكن تخمينات النشرة الجوية للأسبوع الحالي تتوقع تساقطات مطرية كبيرة وانخفاضا كبيرا في درجة الحرارة وهو ما سيحصر إقامته معي في مقهى على الشرفة الأطلنتيكية، قبالة البحر، أو في إحدى غرف بيتي في "كريان جنان باشا"*.

جون جوني، بين كل مدن الدنيا، كان يبحث عن مدينة تجمع محطات حياته الثلاث في مثلث متساوي الأضلاع : السجن حيث قضى سبع سنوات من حياته، والبحر متنفس الصدور بعد كل ضيق، والمقبرة غرفة النوم الأبدي لكل المتعبين...

بين كل مدن الدنيا، لم يجد جون جونيه سكنا يطل مباشرة على مثلثه الوجودي إلا في هذه المدينة. ولهذا اشترى ذلك المنزل هناك حيث كان يقضي معظم وقته تحت قبعته متأرجحا، طول الوقت، على كرسيه الهزاز يرقب من الشرفة زوايا المثلث متنقلا بنظره من المقبرة حيث أوصى بدفنه، إلى السجن على اليمين، إلى البحر الممتد إلى مالا نهاية له ثم إلى المقبرة ثانية وثالثة ورابعة...

كان ضيفي، رونيه، يدون كل ما أتلفظ به. وكانت أساريره منفرجة وكان سعيدا رغم الجو الكئيب ورغم سواد المظلة المشتركة الذي كان يحتمل أن يجعل إحساسنا بالكآبة والسواد مضاعفا.

المطر يهطل بغزارة وهد ير البحر يملأ الكون صخبا ولا مجال للتجول في الشوارع والطرقات ...

دعوته للذهاب للاحتماء ببيتي فاستجاب .

هذا هو حيي: " كاريان اجنان باشا "*، بعيدا عن مثلث جونيه ، لكن رونيه، ضيفي، لم يكن سعيدا أو ربما فترت سعادته أو ربما هو متعب.

نزلنا "الكاريان"* في مسالك ملتوية ضيقة كما ننـزل حافة نهر وادي المخازن... كان رونيه صامتا يتبعني من الخلف يخطو حيثما خطوت ويتوقف حيثما توقفت للاحتماء من نوبة مطرية عاصفة...

تفضل! مرحبا! هذا هو بيتي...

رفع إيف عينيه إلى الجهة التي نزلنا منها حيث العمارات الشاهقة وفنون المعمار والبناء والتعمير، واستدار بنظره من اليمين إلى اليسار فبدا له حيي مثل مجمر وقوده الناس والبراريك والأزبال. وبدأ الخجل يخامرني...

فتحت الباب وأضأت المكان.

سألني رونيه متعجبا:
- هل لديكم كهرباء؟
- طبعا. هنا، يمكنك أن تسكن في أي "كاريان"*وسيأتيك الماء والكهرباء وكل الحقوق حتى باب بيتك.

جدران الغرفة ازدادت برودة كما كان عليه الحال صباحا.

الجدران انتفخت وطفت عليها خضرة خفيفة. الصور الكبيرة الملونة المعلقة باللصاق المائي قد انفصلت زواياها عن الحائط فقد تحولت من بورتريهات إلى منحوتات بفعل رطوبة المكان المبدع...

أدركت أن ضيفي مستاء للغاية من جو الضيافة. لم يعد يسأل عن جون جونيه. هو فقط يحملق في شكل المكان ويحاول تسمية مرافقه. قال سهوا وهو يتحسس الصدأ الذي علا شباك النافدة الوحيدة الصغيرة المطلة على الخارج:
- هل شاهدت فيلم " الهاربون من اركاتراس "؟

أجبت آليا:
- نعم. ولكن السجن سنخرج لرؤيته بعدما يصحو الجو. نحن رأينا فقط المقبرة والبحر ومنزل جون جوني...

اندهش رونيه وجعد جبينه غير مصدق، قائلا:
- هل بعد كل هذا، لازالت هناك سجون وراء "الكاريانات"* !؟

ازداد غضب المطر.

المطر، الآن، لا يهطل: المطر، الآن، يركل السقوف...

المطر، الآن، يبصق على زجاج النوافذ.

المطر، الآن، يمسح كل الأسماء على الألواح.

المطر، الآن، يمسح كل الشعارات على اللافتات.

المطر، الآن، يمسح كل شيء...

العرائش، بتاريخ: 26 يوليوز 2005
-----------
هامش:
• "الكاريان": مقلع من مقالع الرمال او الصخور



#محمد_سعيد_الريحاني (هاشتاغ)       Mohamed_Said_Raihani#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة شذرية : سياحة جنسية
- شهادة: القصة القصيرة شكل من أشكال التعبير والتغيير
- قصة قصيرة - الحياة بالأقدمية
- قصة قصيرة - تنمية
- نص قصصي: شيخوخة
- قصة قصيرة : الحاءات الثلاث
- نص قصصي: لكل سماؤه
- قصة قصيرة: الرجل الأرنب
- قصة قصيرة: كلاب
- مدينة الحجاج بن يوسف الثقفي
- قصة قصيرة: حفل راقص
- فخامة السيد الرئيس الحبيب الحي ديما
- موسم الهجرة إلى أي مكان
- العولمة عولمتان: عولمة هيمنة وعولمة مساواة- ، أجرت الحوار ال ...
- في حوار شامل ، الكاتب المغربي محمد سعيد الريحاني
- لا ديوان للعرب بدون قاعدة جماهيرية قارئة
- في انتظار الصبـاح - مجموعة قصصية
- هــــــــــــوية - قصة قصيرة
- إصدار جديد في انتظار الصباح
- الشــــــــرخ


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سعيد الريحاني - جون جونيه: بين البحر والسجن والمقبرة