أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سعيد الريحاني - قصة قصيرة: الرجل الأرنب














المزيد.....

قصة قصيرة: الرجل الأرنب


محمد سعيد الريحاني
أديب وباحث في دراسات الترجمة

(Mohamed Said Raihani)


الحوار المتمدن-العدد: 1381 - 2005 / 11 / 17 - 11:08
المحور: الادب والفن
    


" إذا ما عاملت إنسانا كما يبدو لك فستجعله أسوء مما كان عليه. وإذا عاملت إنسانا حسب الصورة التي يطمح هو أن يكونها، ستجعل منه ما يطمح هو إليه."
غوتــــه
Johann Wolfgang von Goethe
الأصدقاء يطلبون الكرة على الرأس وهم في معترك الخصم قبالة المرمى لكنني فضلت استعراض مهاراتي الفردية أمام مدافعين خشنين أرسلاني إلى الهواء بضربتي مقص فكان علي، وأنا في الهواء، أن أحدد جهة الأرضية التي سأسقط عليها وجهة جسمي التي سترتطم بها، ففضلت السقوط على ساقي و... تكسرت.

حملني اللاعبون، زملاء وخصوما، بالتناوب إلى أقرب طبيب للعظام.



الطبيب المحلف لدى المحاكم اشترط تسلم المال قبل إجراء العملية الجراحية على ساقي المكسور ثم طردني في منتصف الليل بعيد العملية وأنا لا أزال
تحت تأثير التخدير وأعطاني موعدا بعد شهر.


طيلة شهر كامل، لم تطأ قدماي حماما. النثونة تنبعث من جسدي على بعد أمتار طويلة من مكاني. صرت أخجل حتى من مجالسة أقاربي. أما في الكلية فصرت أكثر انطوائية وأضحيت أفضل الجلوس وحيدا في آخر المدرج تحت فعل الإحساس بالنتونة.


انتهت المهلة، أو الموعد. عدت ثانية إلى الطبيب المحلف لدى المحاكم كي يفسخ لي الجبس. لكن ساقي اليسرى ظهرت أقصر من الساق الثانية ثم إن ركبتي اليسرى لا تنثني!


سبقني الطبيب المحلف لدى المحاكم إلى الحل السحري:
- الآن، يمكنك الذهاب إلى الحمام. هناك، ستعود ركبتك للعمل...
- وساقي القصيرة ؟!
- إذهب أولا إلى الحمام. بعد ذلك سنرى مع قصر الساق...


ذهبت فرحا إلى الحمام ثم عدت إليه ثانية في اليوم الموالي ثم في اليوم الثالث ثم...


قضيت أسبوعا كاملا في التردد على الحمام العمومي حتى انتبه القيم عليه لمواظبتي اليومية على الاغتسال. وبدأت أسمعه يهمس في أذنه صاحبه:
- هذا أعرفه. هو غير متزوج. لكن لماذا كل هذا الاغتسال؟!!!


عدت إلى عيادة الطبيب المحلف لدى المحاكم. كان وحيدا في مكتبه منهمكا في حساب الفواتير حين أفزعته بسؤالي:
- لماذا عوجتني ؟
- أنا لم أعوجك. كل وحظه. العملية الجراحية دائما تسعة وتسعون في المئة نجاح، وواحد في المئة فشل...
- وماذا سأفعل الآن برجل واحدة في الأرض ورجل ثانية في الهواء؟!!
- المهم أنك تمتلك ساقين مثل كل الناس.. .
- سأقتلك، أيها الوغد !
- أغرب عن وجهي، أيها الصنديد!


ثم طاردني بساطور في يده اليمنى ومطرقة في يده اليسرى لكنني كنت أقفز كالأرنب هاربا من القصاص: أستقيم على الساق القصيرة ثم أدفع بنفسي في الهواء بالساق الطويلة فأجد نفسي قد قفزت تسع زليجات ثم تسع آخر ثم ... ثم... ثم...


لم أتوقف إلا وأنا بين رفقائي في الحرم الجامعي ففاجأتهم:
- أنتم شهودي ...
- على ماذا ؟
- الطبيب مسخني وسأحضر لمقاضاته وإلا سأقتله أو يقتلني...
- حذار أن تدخل في خصام مع الطبيب. هو يعرف كل الأدوية وكل السموم. ثم إن الموت بالنسبة له هي حالة عادية. الموت الذي نخافه هو عنده مجرد حالة. والموتى الذين نجلهم هو يقضي يومه يتعثر في جثتهم. إذا دخلت في عداوة معه،فقد يحقنك بحقنة واحدة فيحنطك مثل أفعى أو تمساح...


لم أفهم.


هل سيخذلني أصدقائي؟!...


سمعت أحدهم يردد وهم ينصرفون،جميعا، بعيدا عني:
- هذا قدر الله! ...


أحسست بالعالم يتغير أمامي...


عواطفي تتغير داخلي...


إدراكي يتغير، رؤاي، قناعاتي، تربيتي، آمالي...


هل خذلني أصدقائي؟... ووجدتني أهمس لنفسي:
كيف؟ !
هل ضعت في ساقي؟ !
هل سأتعلم حياة جديدة؟ !
هل أقبل بحياة الأرانب ؟ !...


الدوار ينتابني:
- هل صار لزاما علي أن أقبل بدور جديد في حياة جديدة كأرنب؟


الدوامة تتملك الكون أمام عيني:
- هل أصبحت أرنبا؟ !


ثم وجدت نفسي أصيح بحرقة من يغرق في دوامة من الوحل ويرى نهايته ويحسها:
- تعالوا، أيها الأصدقاء !


لكن الأصدقاء واصلوا ابتعادهم كلما واصلت التوسل:
- اجيبوني ثم انصرفوا إن شئتم: هل سأحيى بقية حياتي هكذا ؟


لكن الأمر لم يكن يهم أحدا غيري:
- أجيبوني من فضلكم. أيها الأصدقاء، إلى أين أنتم ذاهبون ؟ هل تتركوني أنتم أيضا؟...


لكنهم استمروا مبتعدين، صامتين .


نظرت إلى الأرض تحتي ووجدتني أقف على رجل واحدة والأخرى تتأرجح في الهواء. رددت سؤالي بصوت أضعف والدمع المطل من مقلتي يقعر الكون ويحدبه:
- هل توصوني بالحياة هكذا ؟


التفت إلي أحدهم، للمرة الأخيرة، قبل أن ينعطفوا جميعا خلف زاوية المقصف:
- "اشتر حذاء بكعب عال ووفر على نفسك كل العواقب غير المحسوبة !"...


انتبهت لنفسي وقد بقيت وحيدا وسط الحرم. الأساتذة من نوافذ كل الطوابق،على اليمين، يلغطون.هدير السيارات ونفير الشاحنات خارج الحرم، على اليسار، يصيبني بالدوار وأشرع في التفكير في تحويل اتجاهي إلى ما وراء اليمين واليسار، الأعلى: فعوض أن أقفز كأرنب إلى الأمام سأقفز كصاروخ إلى الأعلى:
وإني وإن كنت الأخير زمانه لآت بما لم تستطعه الأوائل
القصر الكبير، بتاريخ: 28/07/2005



#محمد_سعيد_الريحاني (هاشتاغ)       Mohamed_Said_Raihani#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة: كلاب
- مدينة الحجاج بن يوسف الثقفي
- قصة قصيرة: حفل راقص
- فخامة السيد الرئيس الحبيب الحي ديما
- موسم الهجرة إلى أي مكان
- العولمة عولمتان: عولمة هيمنة وعولمة مساواة- ، أجرت الحوار ال ...
- في حوار شامل ، الكاتب المغربي محمد سعيد الريحاني
- لا ديوان للعرب بدون قاعدة جماهيرية قارئة
- في انتظار الصبـاح - مجموعة قصصية
- هــــــــــــوية - قصة قصيرة
- إصدار جديد في انتظار الصباح
- الشــــــــرخ
- أرض الغيلان
- وطن العصافيرالمحبطة - قصة قصيرة
- بمناسبة إطفاء موقع -الحوار المتمدن- شمعته الثانية: النجاح وم ...
- في انتظار الصباح
- الحياة بملامح مجرم
- دليل الكاتب الناشئ إلى عالم الكتابة والنشر والتوزيع في مجتمع ...
- حوار مع الباحث المغربي محمد سعيد الريحاني حول كتابه -الإسم ا ...
- بمناسبة صدور مجموعته القصصية» في انتظار الصباح « ،الكاتب محم ...


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سعيد الريحاني - قصة قصيرة: الرجل الأرنب