أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - جواد كاظم غلوم - ألعاب أطفالٍ تُفسد التربية السليمة














المزيد.....

ألعاب أطفالٍ تُفسد التربية السليمة


جواد كاظم غلوم

الحوار المتمدن-العدد: 5512 - 2017 / 5 / 5 - 00:22
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


كثيرا ما أسعى وحدي وأزور إحدى رياض الأطفال القريبة من بيتي لأجلب حفيدي حينما يتأخر أبواه في الدوام الرسمي وعند اشتداد الخناق المروري -- وما أكثره عندنا -- فأرى في باحة الروضة الواسعة التي يتعلّم فيها حفيدي الصغير معلمةً أمسكت شفتاها صفّارة منبّهة ، وتعدّ لمباراة بين الاطفال دون سن الخامسة وتهيئ أربعة كراسي لخمسة أطفال في عملية تسابق ومباراة حالما يؤذن صفيرها بالتحرك وتحثهم للإسراع على استحواذ على الكراسي والجلوس عليها ليبقى أحدهم ربما الغافل او الكسول فيهم بلا كرسي ويكون مثار هزء وسخرية المعلّمة والصبية الصغار .
وفي المرحلة الثانية لسباق الاطفال تعود المعلمة لتقلل عدد الكراسي في جولة لاحقة ليخسر طفل آخر كرسيه وهكذا دواليك في مسابقة تجعلها رعناء تحبط عزائم الأطفال وتعلّمه أنانية الاستحواذ والسعي وراء غنيمته ومعاركة أقرانه من اجل إشباع رغبات الأنانية في دواخله إضافة الى إحياء حالة الإحباط للطفل الذي لم يظفر بكرسي في تلك المباراة الفجّة والأساليب التربوية السقيمة .
آلمني جدا اللوم والتقريع الذي صدر من المعلمة لهؤلاء الاطفال الذين لم يحظوا بكرسي وقد صبّت جام غضبها واتهمتهم بالكسل والخيبة والضعف وانهم لابدّ ان يكونوا سبّاقين في الاستحواذ قبل ان يناله غيرهم فالحياة – وفق تقديرها – فرص لنيل المكاسب والامتيازات ولا ترحم خانعا ضعيفا .
ظللت اراقب المشهد بحسرة وغضب وتأسٍّ لحالة الجيل الجديد من الصغار المحبطين الذين بدأوا يبكون بصراخٍ عالٍ وحالة الفائزين المنتفخين أنانيةً وكِـبَرا ، وكأنّ الفرد الواحد من الفائزين يقول في دواخلهِ ؛ لو أردتُ النجاح عليَّ أن أزيح زميلي وأدفعه بعيدا كي لاينال ما أناله أنا .
شعرت بالأسى على الأطفال المتسابقين الذين فشلوا في اللعبة حتى نسيت ان أنوّه المعلمة على الإتيان بحفيدي لآخذه الى البيت .
هذه اللعبة التي أراها سمجة محبطة مع انها موجودة في بقية أقطار العالم المتمدنة يلعبها أطفالهم ايضا لكنهم يحولونها منافسة شريفة ، فما ان يخسر الطفل مقعده وتنتهي اللعبة حتى يصيح به أقرانه وينادونه للجلوس معهم حيث يفسحون له مكانا ولو تَضايقوا في جلساتهم ، فلا مانع من ان يقتعد عشرة أطفال على تسعة كراسي يتراصّون مع بعض في مشهد يبعث على التوادّ والالتئام انطلاقا من قاعدة " لا نجاح الاّ بمساعدة الاخرين وفسح المجال لمن تعثّر اول الامر لينجح في المرة الثانية " من اجل نشر الوعي الجمعي الهادف والاتحاد معا وترسيخ فكرة التعاون والإيثار ونشر المحبة الجماعية لا الفردية ؛ فاللعبة نفس اللعبة لكن في محيطنا يتعلم الاطفال ثقافة الاستحواذ والأثرة بالغنيمة بينما في المحيط الاخر يكون الإيثار والتضحية بما عندك للآخرين هو المعيار وكأن طفلنا الفائز يقول : نفسي نفسي بينما الطرف الاخر يقول : غيري غيري .
أحسب ان الفوز والتألق لايتحقق بلا عون او سند مجتمعي ضمن المحيط الذي نعيش به ، فلا نجاح بدون دعم الاخرين وعلينا ان لانمتثل لمقولة جان بول سارتر الشهيرة في كل الحالات باعتبار ان الآخرين هم الجحيم بل هم النعيم والحافز والدافع ؛ فمثل هذه الثقافة الغيرية تراها في المجتمعات المتقدمة بكل مناحي الحياة ، فاذا خسر الطفل في اول جولاته كرسيّا فان المجتمع سيخسر واحدا ربما سيكون مبدعا وعالما مخترعا وكم من العباقرة قرأنا عنهم أنهم كانوا يعيشون طفولة كسولة متوحّدة وقد تعثّروا في تعليمهم الأساسي وما قبله لكنهم نبغوا أخيرا وصاروا في عداد الخالدين بفعل الحافز المجتمعي والتشجيع وإبراز التميّز على انه فعلٌ راقٍ يطمح اليه كل فرد انجذاباً اليه .
ليس النجاح لذيذا اذا ظهر وبرز بإحباط الغير ؛ ولكي نكون فائزبن علينا ان ننتشل ونرفع من شأن غيرنا قبل ان نرفع من شأننا ؛ فلا فوز وارتقاء دون مساعدة الآخرين على تجاوز الفشل والعبور الى ضفة النجاح .
الرقيّ والنجاح الجماعي هو تمكين الأمم والشعوب على النهوض الذي نريده لنا ولغيرنا .
ليت المربين والمعلمين يدركون ان اطفالنا يرون مانقوم به من عمل وابتكار وسلوك سوي وتهذيب وتصرّف سليم وأخلاقي في الجانب التربوي كي يثير اعجاب اولادنا فليس دائما ان يمتثل الطفل الى مانقوله بل الى مانعمله امامه من أفعال ايجابية تلفت الانظار إعجابا ؛ وهذا العمل هو الذي يرسخ في اذهانهم ، اما القول والنصح فكثيرا مايتشتت كالضباب امام الحقائق العملية الساطعة خاصة اذا فهمنا ان ليس كل ناصح يعدّ لبيباً حاذقا مثلما ليس المربّون كلهم يمتلكون تلك الكاريزما الآسرة للأطفال كحال تلك المعلمة الفاشلة التي رأيتها لاتعرف سوى الردع والزجر والتنكيل والاستهانة بالطفل حينما يخيب سعيه في الحصول على كرسي له وهو ينافس أقرانه .
أيها القائمون على تربية النشء الجديد ؛ تعلَّموا قبل ان تُعلِّموا



#جواد_كاظم_غلوم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحزانٌ حكيمة
- حلُم بناء الدولة المدنيّة في عالمنا العربيّ والإسلامي
- فساد الرعاة والرعيّة
- يا عيني على الصبر المخدّر
- أنا الربيت ولغيري يصيرون
- حذائي صديق صعلكتي
- مَن لنا غير اليانكي خلاصاً ؟؟
- قصيدة - قدٌ غيرُ ميّاس
- ألوان الثراء لا تعنيني
- مرثية مختنقة الصوت لأثر مسرح في شارع السعدون
- التلاعب بعقول الشعوب وإلهاؤها بالحاجات الوضيعة الرخوة
- التجارة ورتْق الدعارة
- ديكتاتوريون خارج مهابة الاستحياء
- قصيدة ( مثوى ومنفى )
- الشاعر الجواهري وسياط شعره على أوصياء الدين
- قصيدة ( بين جِنان السماء وعشش الارض )
- الضربة الأولى القاضية على الأسلمة والتطرف
- عطري الوفير
- كيف تتمّ قراءة الشعر ؟
- أخطاؤنا الكبيرة ؛ متى نتلافاها ؟


المزيد.....




- -لغز كبير-.. أثريون هواة يكتشفون قطعة رومانية غامضة بـ12 وجه ...
- بين الأمريكية والصينية.. لمن تميل كفة حاملة الطائرات الأحدث ...
- بي بي سي في جنوبي لبنان: منازل تحوّلت إلى -تلال من الركام-
- جامعة أمريكية توافق على إعادة النظر بعلاقاتها مع شركات مرتبط ...
- السلطات تجلي السكان بعد ثوران بركان جبل روانغ في إندونيسيا ...
- -الانفجار الكبير- ـ آفاق وتحديات توسيع الاتحاد الأوروبي
- الحكم بالسجن 6 سنوات على هاكر سرق بيانات 33 ألف مريض في فنلن ...
- إصابة 55 شخصا على الأقل جراء اصطدم قطار بحافلة في لوس أنجلوس ...
- سوريا: بين صراع الفصائل المسلحة والتجاذبات الإقليمية.. ما مس ...
- لا، جامعة هارفارد لم تستبدل العلم الأمريكي بالفلسطيني


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - جواد كاظم غلوم - ألعاب أطفالٍ تُفسد التربية السليمة