أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - لصوت الإنساني في رواية -نرجس العزلة- باسم خندقجي















المزيد.....


لصوت الإنساني في رواية -نرجس العزلة- باسم خندقجي


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 5489 - 2017 / 4 / 12 - 23:17
المحور: الادب والفن
    


لصوت الإنساني في رواية
"نرجس العزلة"
باسم خندقجي
عندما تكون الشخصية الروائية إنسانية تكون أقرب إلينا، من هنا كانت شخصية "رجب إسماعيل" بطل شرق المتوسط محبوبة من القراء رغم انهزامه أمام بطش النظام العربي، فهو قدم لنا كإنسان، وليس كبطل خارق، وهذا أهم ما في الرواية، فهي تقدم لنا بشر يتألمون، ويتراجعون ويتقدمون، يكفرون ويؤمنون، أعتقد أن هذا الأمر يعد أحد المفاصل الأساسية لأي عمل أدبي مقنع.
"باسم خندقجي" يقدم لنا في رواية "نرجس العزلة" شخصية إنسانية، لكنها ليست عادية، شخصية تحمل حس مرهف، فبطل الرواية هو شاعر، والشعراء يحملون مشاعر حساسة يمكن لأي حدث/فعل/كلام/صوت أن يؤثر فيه ويجعله يعيش في ألم موجع، فالشعراء هم أكثر الناس تأثرا بالأحداث، فما بالنا أن كان هذا الشاعر مناضل؟.
بالتأكيد سيكون هناك أكثر من صراع يمر به راوي الأحداث، لهذا سنجده يبدي وجهة نظره في الحزب الشيوعي، والكيفية التي يجب أن يكون عليها شكل وطريقة تقديم الأفكار للجماهير، فالراوي يقدم رؤية خاصة للتقدم من الجماهير.
بما أن الحديث يدور عن شاعر فلا بد إذن من أن تكون المرأة حاضرة في ولها مكانة خاصة، فهي المتنفس له، وهي من سيمنحه شيء من السكون، في ظل الصراعات المتشعبة التي يمر بها الراوي، فهناك امرأتان، امرأة البدء، وامرأة الهوية.
اللغة الشعرية
الرواية تفتتح بمقاطع من "جدارية درويش" والتي تركز على اللغة:
"هذه لغتي، وهذا الصوت وخز دمي
ولكن لمؤلف آخر" ص5
فهذه الفاتحة هي المفتاح الذي من خلاله نستطيع الدخول إلى النص، وإذا عرفنا أن هناك خاتمة شعرية في كل فصل من فصول الرواية الخمسة، يتوجب علينا الوقوف عند البداية والنهايات لكي نستشف منهما ما يريده الراوي، فهل يريدنا أن نتأكد بأننا أمام شاعر وروائي في ذات الوقت؟، أم أن هناك علاقة ما بين النهايات والفكرة التي يقدمها الراوي في نصه؟، وهل لهذه النهاية الشعرية علاقة بالفصول؟ أم أنها مجرد لعبة/تسلية لغوية؟.
للإجابة على هذه الأسئلة، نوضح أن هناك اللغة رفيعة جدا يستخدمها الراوي عندما يحدثنا عن مشاعره، فهو شاعر، لهذا سنجد مثل هذه اللغة الأدبية تسيطر على الرواية: "وأنت الجالس الآن في شرفتك، تتوق إلى التعلق بشمس تستمتع بدفئها وتحاورها بفنجان قهوة وجريدة على مرأى مدينة، أنه الصباح" ص13، يتمعنا الراوي بمثل هذه الصور والجمل، فهي أحدى أهم ركائز العمل الأدبي الجيد، ونقول بكل تجرد بأننا لو توقفنا عند لغة الرواية لوحدها لكانت كافية لتقديم المتعة المرجوة منها، واقناعنا بأننا أمام عمل يستحق التوقف عنده.
الفصل الأول يتحدث عن علاقة الشاعر بالمرأة التي لم يربط بها رغم ما تمتلكه من مفاتيح للحرية والتخلص من بؤس الواقع، السياسي والاقتصادي والوطني، فكان هذا النص الشعري الذي قدمه لنا الراوي:
"للفراق زينة وطقوس
ورد مجفف في أروقة الهدايا والرسائل
رسائل مهترئة تعبق بالذاكرة
ذاكرة تتطلب شرفة تطل على المدينة
مدينة تتطلب ينقصها مساء للأمسيات ومسرح
مسرح لشهقتنا الأخيرة معا
معا نمسح قلوب الحب وخربشاتنا عن جسدينا
وبيتنا
وبيتنا
بيت صغير نغلقه بهدوء
عله يصبح بعد قليل مطلع قصيدة" ص31و32
يبدو لنا بأن هذه المقاطع أقل جودة من تلك المستخدمة في الرواية، لكنها مقاطع تختزل الفكرة التي يحملها الفصل الأول، فالحديث يدور عن الحاجة/الرغبة في الحياة، في المرأة، الأولاد، البيت
وهنا نطرح سؤال: "لماذا كانت لغة السرد الروائي أرقى وأمتع من النص الشعري؟ أليس هذا يعد تناقض بين لغة الشاعر ولغة السرد الروائي؟، اجزم بأن هذه النهايات الشعرية التي جاءت بها الرواية تشير إلى حالة الصراع بين الشاعر والروائي، وكأن الراوي لا يستقر على حالة، فهو مرة يريد/يقدم نفسه على أنه شاعر، ومرة على أنه روائي، لهذا نجد أن خاتمة كل فصل تنتهي بنص شعري.
.

العقل الباطن للراوي
كما قلنا أهم ما في الرواية أنها تحدثنا عن إنسانية الراوي، فهو شخص يمر بحالة من الصراع بين الواجب الوطني والحاجة/الرغبة الشخصية له كإنسان، فهناك أكثر من مشهد يتناول فيه حاجته كالإنسان إلى الحياة السوية، البعيدة عن الصراع/المواجهة مع المحتل: "ولكن لماذا تمقت صفحة الاجتماعيات هل تغار؟ أم إنك لا تحب الخير للآخرين؟
إطلاقا.. فما هو إلا مجرد اختناق مرير حين تكتشف فادح خرابك، حين تلمح أخبارا للفرح، زفافا هنا، وتخرجا من الجامعة ومباركة بالمولود الجديد هناك، تدرك مدى تفرك في الخسارة والصمود حتى هذه اللحظة في عتي الوحدة.
ما الذي يستاهل كل هذا؟
تسأل نفسك جالسا أم مواسيا، كأنك على مقعد متحرك لذوي الاحتياجات الخاصة والقلوب المعطوبة، شمسك أنت باتت تطالبك بالرحيل لأنها ستصبح ضارة بعد قليل
تغادر الشرفة لترتب بيتا لا قافية فيه ولا وزن، ثمة صورة شعرية فيه تشي بأنك شاعر، شاعر بلا مدينة.. بلا وطن.. شاعر بلا شعر .. ربما" ص15، من خلال هذه المقاطع يمكننا أن نتأكد بأن هناك حالة وصل إليها الراوي تشير إلى عدم قناعته بالعمل السياسي/الحزبي/النضالي، فقد اكتشف نفسه، لا يحب الحياة السوية، من خلال عدم رغبته في مشاركة الآخرين فرحهم، وكأنه أصبح يعاني من حالة من المازوشية، لهذا نجده يفضل العزلة والانفرادية، وهو يصارحنا بحالته عندما شبه نفسه بذوي الاحتياجات الخاصة، ونجد هذا التأكيد على عدم سوية ما يمر فيه عندما قال "شمسك تطالبك بالرحيل" وهو يقدم نفسه وكأنه اكتشف عبثية نضاله من خلال قوله: "تغادر الشرفة لترتب بيتا لا قافية فيه ولا وزن" كل هذا يؤكد على أن الراوي يمر بحالة من مراجعة الذات، وعلى اكتشافه لعبثية ما قام به من نضال.
حالة عدم يقين/فاعلية ما قام به الراوي، جاءت من خلال: "فأنت تلعن زمانك في رواية، وتبارك زمانك الخاص في قصيدة، هو أنت المتأبد في حزن وخذلان بقدر ما تتوحد أكثر في خرابك" ص19، فهنا تأكيد على أن الراوي تراجع عن قناعته بالنضال، وأن قيامه بهذا الفعل يزيده خراب.
بعد هذه القناعة/الفكرة نجد الراوي يتقدم أكثر إلى الأمام، فيؤكد كفره بالعمل السياسي تماما "فاشهد خراب وطنك برفقة من كسرتهم أحلامهم الثورية وأحالتهم إما إلى مجانين هائمين أو إلى مكسورين.... قم فأبصق علينا وشتمنا فنحن لم نصن الدم ولا العهد ولا الحجر منذ أن سفكنا دمنا على دمنا" ص62، يطالب الراوي بإزالة آخر ورقة توت عن الحزب/المناضلين فهم يقومون بأدوار سلبية تكبل الوطن والمواطن.
وكأنه من خلال هذه البصقة يهجر/يطلق الحزب والنضال، ليبحث عن حياة/عمل آخر، لعله يجد فيه الحياة التي ينشدها
بعد هذا الطلاق، يعيد الراوي تسلسل الأحداث التي مرة بها، فيجد نفسه قد خدعت، هو والآخرين من قام بهذا الخداع، ها هو على مشارف الخمسين بلا زوجة أو ابنه تشد من أزر أحلامه" ص108، فقد وجد نفسه بلا امرأة ولا ولد، "لماذا لم يكونوا أولاده هو لماذا؟ لماذا يحدث؟ كل هذا؟ لماذا يحدث؟ لا يعلم" ص109، هذه الأسئلة تؤكد حالة اليقين الجديد الذي وصل إليه والمتمثل بعبثية النضال.
ونجد أثر مراجعة الذات عند الراوي بهذا الوصف: ""رغبتي في شيء ما، رغبتي بامرأة، بوطن، بالبكاء، حضن أمي، ماذا أريد الآن؟" ص132، فالحالة الإنسانية حاضرة فيه وفاعلة، لهذا نجده يتحدث عن حاجاته، رغباته، بالحياة، بالمرأة بالوطن الحر، حاجته للأم، لدفأها الذي يفتقده، وكان السؤال: "ماذا أريد الآن؟" يؤكد الحالة الصعبة التي وصل إليها، فهذه الا معرفة، الا أدري، تؤكد وجود الإنسان/الشاعر/المبدئي داخل الراوي.
الصراعات عند الراوي
هناك أكثر من صراع في الرواية، منها ما هو عام، كما هو الحال بينه وبين الحزب، بين واقع التنظيمات وبين المبادئ التي يؤمن بها، ومنها ما هو داخلي، بين امرأة البدء وامرأة الهوية، وبين الشاعر وبين الروائي، بين الشاعر والإنسان.
هناك أكثر من مشهد يقدم لنا الراوي ما يعانيه من صراع، يجملها لنا بهذا الوصف: "رغبتي في شيء ما، رغبتي بامرأة، بوطن، بالبكاء، حضن أمي، ماذا أريد الآن؟" ص132، المناضل المبدئي الصلب يبدي لنا مشاعره بصراحة ووضوح، وكأنه يريد أن يقول: بأنني إنسان بحاجة إلى المرأة والأم والوطن، وعندما قال: "بالبكاء" أريد أن يشير إلى ما يحمله من معاناة وألم كإنسان.
وهنا شكل آخر للصراع عند الراوي جاء من خلال قوله: "في اليوم السابع من عزلتي أثق تمام الثقة بأني مجنون دربي وأهبل وطني" ص148، الأمر متعلق بطريقة تعاطي الراوي مع المرأة من جهة، والطريقة التي تعامل بها مع الحزب/الوطن، فهو في كلتا الحالتين لم يكن يعي الصواب، لهذه نجده شبه نادم على ما فاته.
ذروة الصراع جاءت في هذه المشهد: "لن اقوى على خراب آخر، سأمارس عشقي للوطن باعتدال وحيادية إلى أن اصرخ صرختي الأخيرة.
أدرك الآن أنني نظيف.
...سأوكد إقامتي في لغتي رغم فشلي في إعراب شبه الجملة الوطنية.
أتماسك أكثر، فبعد قليل سأقيم وطنا من الكلمات أسكنها وتسكنني إلى حين تأتيني اللحظات، تصافحني وتمضي، لحظات شتائي القادم..
للشعر وقت" ص165، ما يحسب للراوي أنه لم يستطيع أن يحسم أمره، فهو ما زال يحمل في داخله هموم الوطن، وهمومه الشخصية، رغم كل المنغصات السلبية والانتهازية التي وجدها من الرفاق ومن التنظيمات ومن الأفراد الذين في نهبوا وسلبوا الوطن، فهو ما زال يعيش على تلك النبة التي غرسها في داخله وقت كان النضال نقي، صافي، بعيد عن التلوث والتشويه الذي أوجده الواقع الجديد.
الصراع بين امرأة البدء وامرأة الهوية
هناك تجربتان مر بهما الراوي، الأولى مع "فاديا" امرأة البدء، و"إنترنتية" امرأة الهوية، والتي جاءت لأنها: "عرضت عليك اللجوء والجنسية والجنس معا" ص 17، فهذه المرأة الانجليزية قدمت للراوي فرصة كان يمكنه من خلالها أن يغير مسار حياته بمجملها، من خلال الحصول على وطن جديد، والتخلص من الاحتلال، وأيضا التمتع بالحياة كإنسان حر، وكمواطن له حقوقه القانونية الكاملة.
أما "فاديا" فهي امرأة البدء، بمعنى الحب الأول، والتي وجد فيها خصائل فريدة، المرأة التي تمثل حالة التمرد والثورة، المرأة المتحررة من كل العادات والمفاهيم التقليدية، فهي تعاملت معه بهذا الشكل: "لم تخشى أي شيء ولم تكن تفكر للحظة أنها تعيش في أجواء من مجتمع ذكوري مقيت... أخذته إلى المطبخ...نبيذ أحمر..
"هي تشرب إذن يا حبيبي! قال في سره.
..."سآخذك هنا .. هنا في قلب الصدفة العمياء"... صرخا ...همسا... أتيا ...ذهبا...منثورة ملابسهما معلق على وجه كل ذلك البيت المفتوح على شرف مغلق.
ـ نحن صديقان .. دعك من الحب وقصص الاستقرار والزواج والنكد...صديقان ..فقط لا أق ...احبك الآن تحبني... ثم نمضي بعد قليل... قد نلتقي ولا نلتقي ولكن دعنا من الجراح وأغاني الفراق.
وـ أحبك لهذا يا كستناء شتائي الخفي... أحبك لهذا
هي فاديا .. نعم التي يلجأ إليها ويبوح لها بكل أسراره.. تقبل عليه الآن هاتفيا وهو عار، لم لا فهي نافست أمه في عدد المرات التي رأته فيها عاريا" ص 47-49، بكل تأكيد امثال "فاديا" قليلات جدا، فهي منحته معنى الحرية، قولا وفعلا، فعندما تتمرد المرأة يكون تمردها مزدوج، أولا على مجتمعها، وثانيا على ذاتها، فما بالنا أن كانت تحمل أفكار تحررية تتجاوز حتى تلك التي عند الراوي؟.
كل هذا يجعلها امرأة البدء امرأة استثنائية في حياته، ولا يمكن أن تمحى من الذاكرة، فحضورها وأثارها فاعل ومستمر.
لهذا سنجد أثر المرأة في أكثر من مشهد، فهي تعد احدى العناصر المخلصة له من الضغط والألم، فنجد هذا الحضور "هو الذي نضج في كل شيء سوى حب الوطن وامرأتين، امرأة البدء وامرأة الهوية التي خلفته حتى هذه اللحظة معلقا في مرآته" ص84، فالمرأة هناك لم تكن للتذكير وحسب، بل عامل محفز للراوي على البحث والتفكير بما آلت إليه أحواله بعد زمن خاضه في معترك الحياة.
ونجد حضورها من خلال قوله: "لو لم يكن ثمة احتلال هل كنت سألتقي حبيبتي امرأة بدئي اللاجئة؟ هل كنت سأتعثر بامرأة الهوية والدهشة؟" ص129، مثل هذا التساؤل يشير إلى عدم الاستقرار عند الراوي، فهو مضطرب وغير مستقر، فالمرأة هنا هي الباعث لهذا التساؤل، لهذا القلق، للتوقف عند الماضي، والتفكير فيما ستؤول إليه الأوضاع، فهل يعقل أن يمضي خمسين سنة من العمر دون أن ينتهز الفرصة ويرتبط بإحداهن، امرأة البدء أو امرأة الهوية؟
ذروة الحاجة للمرأة جاءت من خلال هذا المشهد: "ما بين امرأة البدء دماري الثاني وبين امرأة الهوية التي ستكون دماره الثاني ربما، كنت معهن، لم احرق قلوبهن ولم يحرقن قلبي هن نسائي الجميلات كن معي لاعتبارات العطب والآلام والتعب وكنت معهن شاعرا يليق بهن، ولكن ثمة حب واحد فقط، حب يحرق القلب، حب، حين نخوض فيه حتى النهاية فإما هو أو الموت، حب يحرقني لأعود أرضا خضراء مرة أخرى، لأعود شاعرا، أنا الذي أعرف أن الحب هو الحب لا اقل ولا اكثر، لحظة أو عمر بكامله، الحب الأول لا يزول، ولا يتبدد ولا يمكن تجاهله والتهرب منه" ص145، الراوي يؤكد دور المرأة في تخليصه من الألم والضغط الذي يمر فيه، فهو لم يتعامل مع نسائه بانتهازية، بل كانت علاقته معهن انسيابية وسلسة، ولم يشعر هو أو هن بأي خداع أو كذب.
وإذا ما توقفنا عن هذا الطرح "كن معي لاعتبارات العطب والآلام والتعب " يتأكد لنا بأن الراوي يمر بحالة من التعب، لهذا نجده يلتجأ للمرأة، فهو يرد أن يتخلص من ألمه من خلال استحضارها، فهذا المؤشر يدلنا على مسألتين، الأولى دور المرأة المحفز على التخلص من الألم والتقدم من الحياة/الفرح، والثانية تفجير الرجل عاطفيا، بحيث يعيد التفكير في مسار حياته، لتجعله متزن في تعاطيه/تعامله مع حاجاته الشخصية وهمومه الوطنية والقومية، وكأن المرأة هنا هي مصدر الاستقرار والحياة السوية المتوازية التي تجمع الحاجات العاطفية اتجاه الآخر واتجاه الوطن.
الصراع بين الشاعر والروائي
العديد من الشعراء اخذوا يكتبون الرواية، "وباسم خندقجي" واحد منهم، فهو شاعر في الأساس، لكنه أخذ يكتب الرواية، فكتب "مسك الكفاية" و "نرجس العزلة".
قلنا في موضع غير هذا أن عناصر الفرح، المخلصة من الضغط والألم، تتمثل في المرأة والكتابة والطبيعة، الراوي يؤكد هذا القول من خلال جعل المرأة والكتابة عناصر تمنحه الهدوء والسكينة، "كلما تذكرت امرأة بدئك كنت تشعر بمدى حاجتك إلى رواية تلقي بها كل ما فيك من حزن وألم وتناقضات جمة، ولكنك تخشى من فقدان لغتك إثرها، تخشى شح المعنى والكلمات، ولذلك زاولت الاختزال والكثافة اللغوية وسكنت مساحة شعرك المتاحة لك بأمانيها ومعانيها" ص69، رغم أن الكتابة عنصر مهدئ، إلا أنها هنا تشكل أيضا حالة من عدم الاستقرار، وكأنه الراوي محتار بأي شكل يكتب، فهو يعشق التكثيف والاختزال الكامن في الشعر، ويريد أن يفتح الباب لإخراج ما فيه من ألم وحب اتجاه امرأة البدء بشكل مفصل.
يؤكد لنا الراوي هذا الصراع من خلال قوله " فأنت لا تريد أن تذبح أكثر من عشرين عاما من الشعر في لحظة نزوة روائية" ص71، أن تكون الكتابة من العوامل التي تثير الحيرة والتعب يعد تجاوز للمألوف، فالقاعدة تقول بأن الكتابة/القراءة تعد من العناصر المخففة والمهدئة، لكن لماذا يصر الراوي على أن يجعلها عنصر اضطراب وعدم استقرار له؟ وهل لهذا التناول غير المألوف علاقة بحالة الصراع الذي يمر به الراوي؟،
اعتقد بأن الرواية بمجملها تعد حالة من الصراع، وفهي تتحدث عن إنسان، أولا وأخيرا، وهذا ما يجعل الراوية تشكل حالة فريدة، فنكاد لا نجد موضوع فيه استقرار، فكل العناصر والاحداث والشخصيات، يتم التعاطي معها بشكل صراع.
هناك حوار يجيب فيه الراوي عن سبب كتبته لهذه الرواية فيقول:
"ـ لماذا كتبت لي رواية؟
كنت سأقول لها: لأقول أحبك، لكن من خلال رواية" ص160، فهل هذا المبرر مقبول؟ أم أنه يؤكد على حالة الصراع التي يمر بها الراوي؟.
شاهد القبر
كتأكيد على حالة الصراع عدم الاستقرار التي يمر بها الراوي، يقدم لنا مشهدين يتحدث فيهما عن شاهد القبر، الأول جاء بهذا الطرح: "...قالوا ثمة من رآها ليلا في المقبرة الغربية وهي تحك عضوها بشاهد قبر وتصرخ وتئن من شدة اللذة والألم" ص 107، فهنا قدم لنا شاهد القبر بشكل سلبي، لكنه يقدمه في مشهد آخر بشكل مغاير تماما لما كان عليه آنفا: "وقتذاك ذهبت إلى قبر صديقي، إلى قبرك يا "أمجد" عانقت الشاهد وقبلت اسمك الشهيد وطالبتك بالانبعاث" ص150، هذا التناول المتناقض يؤكد حالة عدم الاستقرار التي يمر فيها الراوي، وإلا ما الداعي لتناول الأول، ألم يكن من الممكن أن يجعل تلك المرأة تقوم بهذا الفعل بغير شاهد القبر؟.
الأم
أيضا يقدم لنا الراوي الأم بشكلين مختلفين، الأول، الأم التي نعرفها جميعا، تلك المعطاءة، الحنونة، التي تغدق عاطفتها علينا، إن كنا أحياء أم أموات، يحدثنا الراوي عن أم صديقه "أمجد" الذي استشهد أثناء تأديتها فريضة الحج، وعندما عادت وعرفت أن ابنها استشهد، قامت بهذا الفعل: "ذهبت إلى القبر واعتصمت لأكثر من ثمانية أيام بلا طعام أو شراب، ...لم يكن لها سوى رجاء واحد: "أفتحوا القبر أريد أن أقبله وألقي عليه النظرة الأخيرة، ... ألقت النظرة الأخيرة عليه ثم قبلته وضمته إلى صدرها ثم زغردت أمه ثم غالبت عن وعيها" ص153، مثل هذه الأم تعطي صورة تؤكد الايجابية المطلقة التي تتمته بها الأم.
لكن الراوي يقدم لنا أم أخرى تتناقض تماما مع هذه المعطاءة، والتي تفيض حنان وعاطفة لتعطي كل الناس، فالمشهد السابق مؤثر وفاعل في المتلقي، لكنه لا يريدنا أن نتعاطى مع الافكار/الأشخاص/الأحداث برؤية مطلقة، بل نعطي كل حدث/شخص المكانة التي يستحقها، يحدثنا أم رفيقه "صبحي" قائلا عنها: "... اصبح يعرف ويدرك أكثر من أي وقت مضى بأن أمه تخون أباه ولديها أكثر من عشيق" ص64، فهنا كانت الأم سلبية، وغير محترمة، حتى أن أبنها قال عنها متسائلا: "ـ انتما تعتقدان أن أمي شرموطة؟" ص65، وكأن الراوي يؤكد على حالة عدم الاستقرار والتناقض الصراع بين الحالتين، "أم أمجد وأم صبحي"، فرغم أنهما رفيقاه إلا أنهما مختلفين وامهاتهما مختلفتان في السلوك، أليس هذا مؤشر آخر على حالة الصراع عند الراوي؟.
الطرح الساسي
الراوي يقدم نفسه عضو في الحزب الشيوعي، وكلنا يعلم الكيفية التي نظر بها الماركسية والماركسيين للدين، لكننا نجد هنا تقديم ماركسي جديد للدين، تقديم لا يخطر على بال أحدك
"ـهل أنت ماركسي؟
فأجاب بسخرية:
ـماركسي على سنة الله ورسوله
ـ وماذا عن عمال العالم؟
، الأفضل أن يصلوا على رسول الله بدلا من أن يتحدوا...وأن كان لا بد من ماركس فليكن عربيا فلسطينيا حليق الذقن وأنيق المظهر" ص94، رغم السخرية الكامنة في هذا المشهد إلا انها تحمل فكرة التناقض/الصراع بين ما يحمله الراوي من رؤية للماركسية وبين الواقع/الطريقة التي يتعامل بها الشيوعيون مع النظرية ومع الجماهير، لهذا هناك رؤية خاصة عند الراوي للفكر الماركسي تتمثل في: "...أن الشمولية تقتل الورد ذبولا" ص20، الراوي هنا يؤكد على أنه لم يعد يؤمن بالماركسية المطلقة، التي ترى في نفسها المثل الإنساني الأعلى والوحيد الصالح للبشر، ويؤكد على أن التعدد والتنوع سمة إنسانية، وهذا يتناقض مع الفكرة الماركسية التقليدية.
لغة الراوية
يستخدم الراوي لغة رفيعة عندما يتحدث عن نفسه، ونجد لغة ثانية عادية عندما يتحدث في السياسة، وهذا الأمر يؤكد على وجود الصراع داخل الراوي، فهو عندما يكتب عن ذاته، يكون ذاك الشاعر/الروائي المتألق، لكنه عندما يكتب في السياسة ينحدر بلغته إلى العادي، بحيث يفقد الابداع، أليس هذا أيضا عنصر يؤكد حالة الصراع الذي يمر به الراوي؟.
علاقة العنوان بالمضمون
النرجس زهرة جميلة لكن الراوي أضاف إليها وصف العزلة، فهناك جمال معزول، وهذا يشير حالة الصراع بين الجمال الذي من المفترض أن يمتع الجميع وبين العزلة التي من المفترض أن تكون للقبح/للشر.

الرواية من منشورات المكتبة الشعبية، نابلس، فلسطين، الطبعة الأولى 2017




#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنتمي في قصيدة -إله الحرب- منصور الريكان
- العدوان الامريكي
- أثر المكان في ديوان -الجبال التي أحبت ظلي- يونس عطاري
- الرمز في قصة -الرجل ذو العين الواحدة- مشهور البطران
- أنا والأم مشهور البطران
- وقفة مع اللقاءات الثقافية في دار الفاروق
- أثر الأم في قصيدة -أمي- علي بيطار
- السيرة النبوية في قصيدة -نور النبوة- محمود ضميدي
- -هذي دمشق- الملتقى الثقافي العربي
- تعدد الأصوات في قصيدة -فراش- عصام الديك
- لاستعجال في ديوان -همسات على هامش الوطن- مهند ذويب
- بساطة السرد في مجموعة -1986- سعود قبيلات
- الفاتحة القاسية في قصيدة -محاكاة لعينة- سامح أبو هنود
- اللغة الدينية في قصيدة -وقضى أرباب الدولة- مفلح أسعد
- الأنثى والحرب في رواية -لغة الماء- عفاف خلف
- صوت المرأة في قصيدة -بين الفؤاد- هالة إدريس
- الأدوات العادية والتألق في قصيدة -هذه الكأس- عبود الجابري
- المغالاة والتطرف في قصيدة -مقام الحرف- أحمد مولاي جلول
- التجديد في رواية -المأدبة الحمراء- محمد هاني أبو زياد
- التفكير


المزيد.....




- وفاة الفنان العراقي عامر جهاد
- الفنان السوداني أبو عركي البخيت فنار في زمن الحرب
- الفيلم الفلسطيني -الحياة حلوة- في مهرجان -هوت دوكس 31- بكندا ...
- البيت الأبيض يدين -بشدة- حكم إعدام مغني الراب الإيراني توماج ...
- شاهد.. فلسطين تهزم الرواية الإسرائيلية في الجامعات الأميركية ...
- -الكتب في حياتي-.. سيرة ذاتية لرجل الكتب كولن ويلسون
- عرض فيلم -السرب- بعد سنوات من التأجيل
- السجن 20 عاما لنجم عالمي استغل الأطفال في مواد إباحية (فيديو ...
- “مواصفات الورقة الإمتحانية وكامل التفاصيل” جدول امتحانات الث ...
- الامتحانات في هذا الموعد جهز نفسك.. مواعيد امتحانات نهاية ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - لصوت الإنساني في رواية -نرجس العزلة- باسم خندقجي