|
الفكر الإقتصادي اليهودي والفكر الإقتصادي المسيحي
تامر البطراوي
الحوار المتمدن-العدد: 5468 - 2017 / 3 / 22 - 08:55
المحور:
الادارة و الاقتصاد
الفكر الإقتصادي اليهودي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ظهر متاخماً للدولة الحديثة رافداً فكرياً كان له أثر بمكان لا يمكن تجاهله في الفكر الإقتصادي والشأن السياسي بعد ذلك وهو نشأة الديانة اليهودية بين قبائل بني يعقوب بأرض كنعان ، فعندما نشأة الدولة المصرية القديمة حول وادي النيل كان الكنعانيون يُنشئون حضارتهم بأرض كنعان الممتدة ما بين نهر الأردن والساحل الشرقي للبحر المتوسط ، إلا أنها كانت حضارة محدودة لم تبلغ من القدرة التصدي لنزاعاتهم المتكررة مع العبرانيين ، وقد كان العبرانيون بدو رُحل وخليط من شعوب آسيوية على خلاف الكنعانيين والذين اضطروا للإستعانة بالفراعنة لصد هجمات العبرانيين المتكررة مُقابل أموال عينية ، استقر العبرانيون بجوار الكنعانيون وانحدر منهم شخصيات إبراهيم ويعقوب "إسرائيل" وإسحاق وموسى والذين اشتهروا بلقب "بني إسرائيل" (شوفاني، 1996) لا يُعلم تحديداً ميلاد موسى (moses) أو نشأة اليهودية فضلاً عن وجود دليل تاريخي على وجود موسى مما دعا البعض لإعتباره شخصية أُسطورية ضمن شخصيات اليهود الأسطورية (فرويد، 1986) ، بينما رجح فرويد في كتابه "موسى والتوحيد" أنه "راع موزا" (Ramoses) وزير اخناتون 1353 – 1336 ق. م بالأسرة الثامنة عشر ، وأن الفكر اليهودي انحدر عن الاتونية (عقيدة التوحيد الجديدة التي حاول إخناتون نشرها في مصر القديمة) ، خاصة وأن إسم موسى تكرر كثيراً بالاسرة الثامنة عشر (كاموزا ، راموزا ، أعحموزا ، أحمس ، تحوت-موسي "تحتمس") ، وأن وزير اخناتون (رع موسي) لم يدفن في مقبرته ولا يعرف كيف انتهي أمره وأن مقبرته تعرضت للتخريبب المُتعمد ، مما يرجح حدوث ثورة من قبل الكهنه ضد اخناتون وقتله لإعاده الوضع الديني لسابق عهده ، أما وزيره رع موسى فكان أحد هؤلاء الفارين بعد مقتل إخناتون ضمن مجموعة أصرت على الاحتفاظ بدين التوحيد الاخناتوني حتي بعد مقتله ، وأنه بشكل طبيعي حاول الهرب من القمع والملاحقة ضد ديانة التوحيد الجديدة مع بعض المؤمنين بها وتوجه بهم الى سيناء ومن بعد سيناء حاولوا التوجه الي فلسطين ، ولأن المعتقدات الجديدة كانت في طور التكوين ولم يكن لها جذوراً حقيقة فقد أخذت تتطور بشكل عشوائي منفصل ، خاصه أنها لم تكن مدونه عند الهاربيين ، وأن الوزير (رع موسي) الهارب بهم ربما كان الوحيد بينهم الذي يمتلك القدرة على الكتابة ، وكان بالطبيعة أعلمهم بالدين الجديد بحكم كونه وزيرا سابقا عند إخناتون فهذا جعله ياخذ موقع النبي في نظرهم والمرسل المباشر لهم من الإله الواحد ، والذي يدعم هذا التصور هو أن نشيد اخناتون هو نفسه المزمور رقم 104 من مزامير داوود المدونه في العهد القديم بل إن التشابهات بين العهد القديم والميثولوجيا المصرية تتخطي هذا بكثير (فرويد، 1986) ، رفض هذه الفرضية بعض الأثريين الذين أكدوا عودة رعموزا بعد فترة من هروبه بعد توبته عن الهرطقة ، كما أن اتجاهً آخراً من المؤمنين برسالته رفض تماماً هذه الفكرة ودافع عن الوجود الحقيقي لشخصيته ورسالته وقارب لأن تكون فترة النشاط الموسوي ما بين 1391 – 1271 قبل الميلاد ، كما رجح آخرون لأن يكون خلال الفترة ما بين 1320 – 1205 قبل الميلاد بالتزامن مع الأسرة التاسعة عشر ، تحديدا خلال حكم رمسيس الثاني 1303 – 1213 قبل الميلاد ، والذي خرج بجيشه إلى آسيا ثلاث مرات الثانية منهم كانت للقضاء على ثورة ضد الحكم المصري بفلسطين (مسعود ج.، 1991، صفحة 345) مما ولد عداء تجاه الحاكم المصري ، إلا أن اتجاهًا آخر رفض تلك الفرضية واعتبر أنه لم يكن هناك إشكالية ما بين رمسيس الثاني وما بين العبرانيين أو الكنعانيين وإنما كانت حروبه مع الحيثيين بالرغم من وقوع إحداها على أرض فلسطين. كان اليهود الأوائل يعبدون الله مع تقديسهم لبعض الأصنام وطائفة أخرى تقدس الكهنة والأشراف والملوك بتأثر من الديانة المصرية القديمة ، أما اليهود الموحدون فكانوا قلة ولكنهم بدأو في الزيادة شيئاً فشيئاً (أبوذؤيب، 1927) ، ويبقى أن الثابت تاريخياً هو أن الفكر اليهودي انتشر خلال القرن الثالث عشر قبل الميلاد ، وبدأ بسلسلة من الهجرات بداية من حكم الملك حازقياه 717 – 690 ق.م نحو قلب الجزيرة العربية على إثر استبداد واضطهاد الحُكام لهم ثم الغزو الإغريقي والروماني بعد ذلك (أبوذؤيب، 1927) ، حتى بلغت الهجرة أشدها بعد حرب اليهود والرومان سنة 70 ق. م ، ليصبح اليهود أول من استوطن يثرب (المدينة المنورة) وخيبر (شاهين، 2004) ، وكانت المدن المقامة على الطريق البري ما بين الشام واليمن تمثل محطات تجارية وإن كانت يثرب قائمة على النشاط الزراعي والصناعي على خلاف مكة التي اشتهرت بالنشاط التجاري. أما من جانب السياسات الإقتصادية فقد تضمنت الشريعة اليهودية والتي تأثرت صياغتها بالحضارة المصرية من جانب ومن جانب آخر طبيعة العلاقات القبلية المُغلقة لأبناء يعقوب والتي أفرزت بدورها لوناً عنصرياً تَمَثَل في منع أخذ فائدة أو ربح أو زيادة (ربا) عن قرض ما بين الإخوة (اليهود) ، وإن كانت الشريعة اليهودية لم تعتبره رذيلة بحد ذاته وإنما ربحاً مشروع وأمراً اعتيادياً لدى المجتمعات القديمة والذي قيده القانون المصري القديم (الفرعوني) بحد أقصى نسبة 33% من المال بالسنة ، ولذلك أباحت التعامل به مع الغير وإنما منعت التعامل به ما بين اليهود كنوع من أنواع التضامن المُجتمعي* ، أما المِلكية فبتأثر من العقيدة المصرية القديمة بأن الأرض مِلك للإله يهب الإنتفاع بها لمن يشاء من الأفراد ينتقل المبدأ نفسه للشريعة اليهودية وإن كان الإله هذه المرة لم يكن الحاكم بن رع وإنما الإله الذي في السماء الذي يُرسل أوامره برسائل إلى المجتمع من خلال موسى الرسول ، فالأرض مِلك الإله والذي سمح لهم بالملكية الفردية (غير مباشرة) كوكلاء عليها للإنتفاع بها ، أما الأراضي والموارد ذات المنافع العامة فغير مسموح للأفراد بتملكها وتُتزع مِلكيتها للمصلحة العامة بصفة السيادة الإلهية التي يُطبقها الحاكم أو الدولة وفقا لما يترائى له وبشكل مناسب ما هو ضروري للمجتمع (Kaiser, 2012) ، أما فيما يتعلق بالمشكلة الإقتصادية فكانت المجتمعات القديمة تُحد من وطئتها بدمج الظاهرة الإقتصادية بالظاهرة الإجتماعية والتضامن لإكفاء ذوي الحاجة والفقراء ، والذي كان يتم عادةً إما بدافع قبلي ومسؤلية جماعية أو ميثولوجي وسُلطة غيبية ، ففي العهد القديم قدم إبراهيم (والذي ترجع ولادته بأرض كنعان وفقاً للتوراة لعام 1900 ق.م) العُشُور لملكي صادق كما أن حفيده يعقوب وعد الله بأن يقدم له العشور ، وعلى نفس المسار كانت الشريعة اليهودية في معالجة ظاهرة فقراء المُجتمع ، والتي فرضت العُشور وهي عُشر الناتج السنوي كل ثلاث سنوات مرة أي بمعدل 3.3% سنوياً ، والتَقْدُمة وهي ما يتم التنازل عليه من أفضل الأموال وتقديمه للرب ، والباكوره وهي أول الناتج من العمل أو الأرض أو الماشية...، والنذور من الأموال التي يتم نذرها للرب ، ويتم جمع هذه الأموال في ببيت الرب لتصبح تحت تصرف الكهنة في توزيعها (الأديب، 2014). كما أقرت الشريعة اليهودية حق التجارة الخارجية للأفراد ، والتي كانت ما تزال في طور المقايضة السلعية (فلم تكن النقود المعدنية قد اكتُشفت بعد) ، وتدريجياً مال التُجار إلى حمل المعادن النفيسة لغرض المبادلة لصغر حجمها وارتفاع قيمتها كالذهب والفضة لتصبح بعد ذلك أساس المُبادلات التجارية ، وبجوارها كانت تُستخدم أموالاً معدنية مُساعدة كالحديد والنحاس والبرونز لكونها أقل قيمة ، كانت تلك المبادلات في بدايتها تتم من خلال وزن المعدن مع كل عملية بيع ، والذي كان في صورة أشكال وأحجام وخواص متباينة ، ثم تطورت تلك القطع المعدنية لتصبح في شكل قطع صغيرة منقوش عليها وزنها وعيارها لتخطي عملية الوزن وتسهيل التبادل ، وكان الصيارفة يقومون بصك النقود الخاصة بهم بمعرفتهم ، فإذا ما اشتهر أحدهم بالصدق مال الأفراد للتعامل بنقوده ، إلا أن كثرة ممارسة الغش بالأوزان والأعيرة المصكوكة حال دون استمرار ترك تلك العملية للعامة ، فتدخلت الدولة باحتكار صك النقود بوحدات متساوية الوزن ومختومة بختم رسمي يتضمن وزنها وعيارها وقابليتها للتداول كما وصفتها بأسماء كالدينار ، إلا أن التعامل بالنقود الغير مصكوكة من خلال الوزن ظل متاحاً ، وترجع أقدم عملة قامت الدولة بسكها إلى القرن السابع قبل الميلاد بدولة ليديا بتأثر من بسكان العراق القديم خاصة سكان الشمال (الآشوريون) والذين ظهر لديهم أقدم قطعة معدنية مسكوكة الوزن في عهد الملك سنحاريب 681-704 ق.م ، والتي عُرفت باسم "الشيقل" وكان يُعادل 4,71 جم (ما يعادل 80 حبة) وذلك بهدف تسهيل المعاملات التجارية (الشيخ، 2012) ، ومن الآشوريين شرقاً إلى الليديين غرباً سكان آسيا الصغرى (غرب تركيا) والذين استلهموا الفكرة من الآشوريين ليقوموا بسك أول عملة في التاريخ بعهد الملك أرديس 652 – 625 ق.م من الإلكتروم (خليط من الذهب والفضة) ومنقوش عليها أسد فاتح فاه ، بالإضافة إلى خاتم باسم ملك ليديا كضامن لها ولقيمتها الموحدة (عبدالرحمن، 2009) ، أما أقدم عملة ليدية جيدة فيرجع للقرن السادس قبل الميلاد بعهد الملك كرويسيوس 561 – 546 ق. م (والمعروف لدى العرب باسم قارون) ، وفي النصف الثاني من القرن السادس قبل الميلاد قام المالك الليدي كرويسوس بضرب مسكوكة ذهبية وفضية ونحاسية خالصة بدلاً من معدن الإلكتروم ، كما ظهرت على المسكوكات صور الملك (حسين إ.، 2012، صفحة 315) ، ومن ليديا إلى الإخمينيين ببلاد الفرس ومن بعدهم الساسانيين شرقاً ، وإلى الإغريق باليونان ومن بعدهم بيزنطيين روما غرباً انتقلت فكرة العملات المعدنية المسكوكة ، حيث ظهرت أول عملة لآثينا بالقرن الخامس قبل الميلاد والتي توسع فيها الإغريق وأطلقوا على المسكوكة الزهبية اسم ديناريوس (δηνάριον) وكان يُعادل 4,25 جم ذهب ، والذي عُرف لدى العرب باسم الدينار البيزنطي* (الروماني) وقد كان للثروات المعدنية التي استولت عليها الإمبراطورية الإغريقية على إثر غزواتها بالشرق (بالقرن الرابع قبل الميلاد) دوراً هاماً في انتشار النقود حيث قامت بسك تلك الأموال في صورة نقود معدنية مما عزز انتشارها وشاع التبادل بها (عبدالرحمن، 2009).
الفكر الإقتصادي المسيحي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وعودة إلى الشرق بأرض كنعان والتي كانت تحت حُكم الإمبراطورية الرومانية آنذاك والتي ستشهد حدثاً خلال تلك الفترة سَيُحدِث أثراً بالغاً على امبراطوريات وشعوب العالم القديم وهو ميلاد يسوع (Jesus) [ترجع تسمية يسوع أو"يشوع" بعيسى إلى اليهود الذين رفضوا دعوته وأطلقوا عليه لقب عيسى أو عيسو تشبيهاً بعيسو أخو يعقوب الذي كان مرفوضاً من الإله لمخالفته وصايا الرب.] بالمجتمع اليهودي ليبدأ العام الميلادي الأول ، وكما تأثرت الفلسفة الرومانية بالإغريقية وكانت امتداداً لها ، فبالمِثل كانت المسيحية امتداداً لليهودية واستكمالاً لها ["لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس او الانبياء ما جئت لانقض بل لاكمل ، فاني الحق اقول لكم الى ان تزول السماء و الارض لا يزول حرف واحد او نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل ، فمن نقض احدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا يدعى اصغر في ملكوت السماوات و اما من عمل وعلم فهذا يدعى عظيما في ملكوت السماوات ، فاني اقول لكم انكم ان لم يزد بركم على الكتبة و الفريسيين لن تدخلوا ملكوت السماوات " ( مت 5 : 17 ـ 20 )] ، فكما عالجت اليهودية (العهد القديم) المشكلة الإقتصادية من خلال مفاهيم العشور والتقدمة والباكورة والنذور ، فالمسيحية (العهد الجديد) سارت على نفس الإتجاه واستكملته بتأكيد مفهوم الوكالة (أي أن الإنسان وكيل علي كل ما يمتلكه وعليه أن يتبرع بسرور وانتظام ونسبية وطوعية) (الأديب، 2014) ، فالأموال في عمومها هي مِلكاً للرب (وهو تأصيل لا تخلو منه أي عقيدة دينية لتقييد حقوق المِلكية بسلطة الشريعة) والأفراد وكلاء عليها بملكيتهم لها التي هي بمثابة هدية من الرب تستحق الشكر ["للرب الأرض وملؤها. المسكونة وكل الساكنين فيها" (مز24: 1 و2) ، وقال: "إذا كنتم غير أمناء فيما هو للغير فمن يعطيكم ما هو لكم". والغير هنا هو الرب.]، كما أكدت الشريعة المسيحية على إثبات حقوق المِلكية بالكتابة والإشهاد في العقود العقارية (Geoffrey P. M., 2013, p. 445) ، وبجانب الملكية الفردية أقرت أيضاً المسيحية الملكية العامة والمشتركة للمجتمع كما سبق بالعهد القديم (Small, 2005, p. 9) ، وحيث كان حواريي يسوع أغبهم من خلفيات متواضعة إقتصادياً فقد سارت المسيحية باتجاه محاباة الفقراء واعتبرت أن لهم فضيلة روحية خاصة ، ودعت إلى إلغاء الأفضلية الطبقية التي أفرزتها المجتمعات القديمة (بخلاف العُبودية التي أقرها يسوع وأمره للعبيد بطاعة سادتهم) فلا حق مُقدس للأثرياء بل إن السلطان من الممكن أن يكون للذين يعملون بأيديهم ، فالجميع هم أبناء الله ومتساوون جميعاً في أخوة الإنسان ، ووفقا لهذه الوصية كانت هناك شبهة حتمية في الثروة باعتبارها تمييز بين الإخوة ، والتي حاولت معالجتها النصوص الواضحة التي حَرَّمَت الإكتناز وذَمَّت السعي وراء الدنيا وتحقيق الثروات [إنجيل متى 19 – 21 : (إن أردت أن تكون كاملا فاذهب وبع أملاكك واعط الفقراء ,فيكون لك كنز في السماء وتعال فاتبعني ) ، وفي العدد ( 24 ): (ان مرور جمل من ثقب ابرة ايسر من دخول غني الى ملكوت الله ) ، وانجيل متى 6 – 19 (لاتكنزوا لكم كنوزا على الارض). ، "إن كان لنا قوت وكسوة فلنكتفِ بهما" (1تي 6: 8). ، ويقول بولس "وآخاب الملك الشرير رغم كل غناه، بنى قصرًا من العاج إلا أنه كان مكتئبًا مغمومًا لأنه كان يريد قطعة أرض أخرى ليزرعها بستان" (1مل21: 2 و4).] ، أقر يسوع ما ذهب إليه الفلاسفة الإغريق برفض وإدانة الربا بعمومه بخلاف ما ذهب إليه موسى بالعهد القديم من رفض للربا ما بين الإخوة فقط ، وذلك لرفضه للمبدأ بشكل عام واعتباره استغلال من الغني الأكثر حظاً للفقير الأقل حظاً (Olechnowicz, 2011) ، لينتقل بذلك مفهوم عائد رأس المال بعملية الإنتاج من الربا المُحدد إلى ربح المشاركة غير المُحدد ، أما فيما يتعلق بعنصر العمل فقد أكد العهد الجديد على أهمية العمل واتقانه كما لو كان الفرد سيؤدي ذلك العمل للرب ["أَيُّهَا الْعَبِيدُ، أَطِيعُوا سَادَتَكُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ، فِي بَسَاطَةِ قُلُوبِكُمْ كَمَا لِلْمَسِيحِ لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي النَّاسَ، بَلْ كَعَبِيدِ الْمَسِيحِ، عَامِلِينَ مَشِيئَةَ اللهِ مِنَ الْقَلْبِ، خَادِمِينَ بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ كَمَا لِلرَّبِّ، لَيْسَ لِلنَّاسِ. عَالِمِينَ أَنْ مَهْمَا عَمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَيْرِ فَذلِكَ يَنَالُهُ مِنَ الرَّبِّ، عَبْدًا كَانَ أَمْ حُرًّا." أفسس 6: 5- 8 أَيُّهَا الْعَبِيدُ، أَطِيعُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ سَادَتَكُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ، لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي النَّاسَ، بَلْ بِبَسَاطَةِ الْقَلْبِ، خَائِفِينَ الرَّبَّ. وَكُلُّ مَا فَعَلْتُمْ، فَاعْمَلُوا مِنَ الْقَلْبِ، كَمَا لِلرَّبِّ لَيْسَ لِلنَّاسِ، عَالِمِينَ أَنَّكُمْ مِنَ الرَّبِّ سَتَأْخُذُونَ جَزَاءَ الْمِيرَاثِ، لأَنَّكُمْ تَخْدِمُونَ الرَّبَّ الْمَسِيحَ. وَأَمَّا الظَّالِمُ فَسَينَالُ مَا ظَلَمَ بِهِ، وَلَيْسَ مُحَابَاةٌ." كولوسي 3: 22- 25 – أي مهما نفعله، علينا أن نفعله من القلب، كما لو كنا سنفعله للرب! ونرى نفس الكلام مرة أخرى في بداية هذه الفقرة إذ قال أنه علينا أن نطيع سادتنا حسب الجسد.]، كما أمر أرباب الأعمال بالمعاملة العادلة للعاملين والأجراء (John , Mason, & Schaefer, 1999, p. 6). ومما سبق يتبين أن الأفكار الإقتصادية بالفكر المسيحي سارت بنفس اتجاه الفكر اليهودي من حيث علاج المشكلة الإقتصادية بدمج البُعد الإجتماعي التضامني بالبُعد الإقتصادي الإنتاجي ، واتجاه الفلسفة الإغريقية من حيث ربط تحليل الظاهرة الإقتصادية بالمنطق الأخلاقي وإن كانت أكثر تطوراً أخلاقياً هذه المرة بما تضمنته من نصوص دينية واضحة حول إلغاء التفاوت الطبقي تتمتع بقوى روحية إلزامية (Kahan, 2010, p. 42). ومن الإلزامية الروحية إلى الإلزامية القانونية تنتقل المسيحية بالأمبراطورية الرومانية على يد قسطنطين الأول "گايُس فلاڤيُس ڤاليريُس أَوريليُس كونستانتِنُس" 272 - 337 م (Gaius Flavius Valerius Aurelius Constantinus) خلال حكمه للإمبراطورية الرومانية بالفترة (306 - 337م) لتنتهي فترة إضطهاد معتنقي المسيحية في عام 313م والذي أصدر فيه مرسوم ميلانو الذي أعلن فيه إلغاء العقوبات المفروضة على من يعتنق المسيحية وقام بإعادة أملاك الكنيسة المصادرة وجعل من أسقف روما بابا الكنيسة الكاثوليكية وبذلك أنهى فترة اضطهاد المسيحيين ، ثم أعلن المسيحية الديانة الرسمية للدولة الرومانية وصادر المعابد الوثنية وحوّل الكثير منها إلى كنائس ، وعفا رجال الدين المسيحي من الضرائب ، وفي عام 330م أعلن بيزنطة عاصمة رسمية للإمبراطورية الرومانية والتي تم تغير اسمها إلى القسطنطينية بعد موته عام 337م ، وفي عام 359م قام الإمبراطور ديوكلتيانوس بتقسيم الإمبراطورية الرومانية إلى شرقية عاصمتها بيزنطة وغربية عاصمتها ميلانو بهدف السيطرة بكفاءه على الإمبراطورية الرومانية ، أما الامبراطور ثيودوسيوس الأول فقد أعلن عام 391م أن المسيحية الدين الوحيد للإمبراطورية الرومانية وأبطل الديانات الوثنية رسمياً ، كما قسم الإمبراطورية الرومانية بين ولديه آكاديوس بالإمبراطورية الشرقية ، وهونوريوس بالإمبراطورية الغربية ، إلا أنها انفصلت بعد وفاته رسميا إلى شرقية وغربية عام 395م ، وفي عام 476م سقطت الإمبراطورية الرومانية الغربية والتي كانت تحت قيادة آخر إمبراطور لها "رومولوس أوغستولوس" على يد القائد الجرماني "أودكر" وتفككت الإمبراطورية الغربية ، في حين ظلت الإمبراطورية الرومانية الشرقية (الإمبراطورية البيزنطية) والتي كانت تضم أقاليم الشام ومصر (دون جزيرة العرب) متماسكة تحت حكم الإمبراطور "زينون" (474- 491م).
البطراوي، تامر (2017). أبحاث في الإقتصاد السياسي، مطبعة دار بيبول: الطبعة الثانية، الأسكندرية.
Facebook: Tamer Elbatrawy Email: [email protected]
#تامر_البطراوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رأس المال التنظيمي (الهيكل التنظيمي)
-
رأس المال الفكري (الهيكل الفكري) وعلاقته بالتنمية الإقتصادية
-
رأس المال الثقافي (الهيكل الثقافي) وأثره على التنمية الإقتصا
...
-
رأس المال الإجتماعي (الهيكل الإجتماعي)
-
رأس المال النفسي ورأس المال البشري كمكونات جوهرية بعنصر العم
...
-
هل العلاقة ما بين الإقتصاد (متوسط الدخل) وما بين السياسة (جو
...
-
عن النفس والعلاقات الإنسانية بالمصري
-
هل عملية التنمية الإقتصادية بطبيعتها سريعة أم بطيئة؟
-
التنمية الإقتصادية مفاهيم وتساؤلات
-
التواصل البيئي: الأرض على طاولة المناقشات مرة أخرى ولكن من م
...
-
حوار التنمية بين الشمال والجنوب بالعقدين الأول والثاني
-
نظرية التنمية الإقتصادية - الجزء الأول
-
نظرية الثورة على التبعية للرأسمالية الإمبريالية: الإرهاصات ا
...
-
قراءة أكرونولوجية للتحولات المفاهيمية للسببة التراكمية والدا
...
-
روشتة مختصرة للخروج من الأزمة الإقتصادية المصرية الحالية
-
ماكليلاند والدافعية للإنجاز.. دفع الهمم نحو التميز والتفوق و
...
-
هايجن ورؤية ثقافية لتغيير المجتمعات النامية..
-
الدرجة التحصيلية والإضافة العلمية ما بين النظرية والتطبيق وع
...
-
ذِكرياتٍ فاحشة وآمالٍ لامُوحِشة
-
السائحة (لا عفيف)..
المزيد.....
-
ماذا يعني الدخول في مرحلة اقتصاد حرب؟ متحدث الحكومة يوضح
-
في ذكرى انتصار أكتوبر.. ماذا يعني تلويح مصر بـ-اقتصاد الحرب-
...
-
بنك إسرائيل يثبت الفائدة مجددا والحرب تزيد التضخم
-
أسهم أوروبا تغلق على ارتفاع وسط ترقب لتقرير التضخم بأميركا
-
محضر الفيدرالي: آراء المسؤولين اختلفت بشأن نسبة خفض الفائدة
...
-
المركزي الإسرائيلي يثبت الفائدة للمرة السادسة على التوالي
-
النفط يتراجع مع تغلب زيادة المعروض على مخاطر الشرق الأوسط
-
إطلاق استراتيجية -دبي اللانقدية- لتعزيز حلول الدفع الرقمي
-
الإمارات توقع اتفاقية لإطلاق مركبة لاستكشاف حزام الكويكبات
-
ارتفاع مخزونات النفط الخام بأكثر من التوقعات في أميركا
المزيد.....
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
-
جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال
...
/ الهادي هبَّاني
-
الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية
/ دلير زنكنة
المزيد.....
|