أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حسقيل قوجمان - سبب حل الجيش العراقي















المزيد.....


سبب حل الجيش العراقي


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 1436 - 2006 / 1 / 20 - 10:36
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


قبل بضعة ايام شاهدت على قناة الديمقراطية الفضائية برنامجا حول اسباب حل الجيش العراقي. كان ضيفا البرنامج ضابطين سابقين في الجيش العراقي وكان المتصلون بالبرنامج تلفونيا ايضا من ضباط الجيش العراقي السابقين. وقد جذب انتباهي احد الضيفين وهو ضابط برتبة لواء كان في الجيش العراقي حتى موعد حله وحتى بعد ذلك مدة قصيرة قبل شعوره بالمهانة من سلوك المحتلين وانسحابه او استقالته.
جاء هذا اللواء، وربما كان اسمه صائب حلمي، باحصاءات دقيقة عن الجيش العراقي وبين ان الجيش العراقي لم يكن كله مواليا لصدام وكان من الممكن ابقاء الجيش العراقي وازاحة عدد من الضباط الموالين لصدام والمشتركين في الجرائم ضد الشعب العراقي وضد الجيش العراقي. وبين ان جيش حرس الحدود كان ابعد ما يكون عن الولاء لصدام نظرا الى انه كان في الواقع منفى للمغضوب عليهم وكان من الممكن ابقاء جيش حرس الحدود كما هو مما كان سيصون العراق من دخول العناصر الاجنبية المشتركة في الارهاب. وبين انه كان احد الضباط الذين دعتهم وزارة الخارجية الاميركية الى اجتماع ضم عسكريين ومدنيين عراقيين في كانون الاول ۲۰۰۲ لبحث مصير الجيش العراقي بعد اسقاط صدام حيث طلب من المجتمعين ان يعدوا تقارير عن هذا الموضوع للاجتماع القادم. وعقد الاجتماع الثاني في شباط ۲۰۰۳ حيث قدم المجتمعون وهو من ضمنهم تقاريرهم حول رايهم في مصير الجيش العراقي بعد الاحتلال وابدى هذا الضابط اسفه لان بين المجتمعين كان من طالبوا بحل الجيش العراقي. ومن رأيه ان سبب حل الجيش العراقي كان انتقال القضية من صلاحيات وزارة الخارجية الى البنتاغون ولو ان الموضوع بقي من صلاحيات وزارة الخارجية لما جرى حل الجيش العراقي. وبين ان قوات الاحتلال لم تسمح للضباط العراقيين بتدريب الجيش الجديد الذي انشأوه وانما اعطوا هذا الواجب لشركة اميركية دفعوا لها مبالغ ضخمة في سبيل ذلك. وانتقد الجيش الجديد لانه تدخل في السياسية اذ ان من رأيه ان الجيش يجب ان يفصل عن السياسة وقد بين ان من مظاهر اشتراك الجيش في السياسة اشتراك الجنود في الانتخاب قبل المدنيين.
وجاءت في البرنامج طبعا اوصاف مبالغ فيها عن طبيعة الجيش العراقي وعن ميزاته وشجاعته وبسالته وتاريخه الوطني المشرف ومآثره في الدفاع عن الوطن وعن ميزاته القتالية وكفاءاته العسكرية والهندسية والطبية والتكنولوجية العالية والمتميزة عن سائر الجيوش العربية. وكان الدور الاول في ذلك لمقدم البرنامج الذي يمارس اسلوبا خاصا يجعل الضيف امام أمر واقع يقرره هو في اسئلته الطويلة المتعددة التي تتضمن العديد من القرارات ثم يطلب من ضيفه "ماهو رأيك في ذلك؟".
لا اريد هنا مناقشة القضايا العسكرية التي جاءت في البرنامج ولا مناقشة ميزات الجيش العراقي. فأنا في الواقع امي في القضايا العسكرية لا اعرف حتى الفباءها. ولكني اود ان ابدي بعض الملاحظات حول اسباب حل الجيش العراقي وحول قرار احتلال العراق سبق لي ان بحثتها مفصلا في اول مقال نشر لي في الحوار المتقدم تحت عنوان خارطة طريق الولايات المتحدة وفي مقالات اخرى تناولت الموضوع ربما يكون من المفيد لقرائي الاعزاء ان يعودوا اليها.
تقرر احتلال العراق في الواقع منذ يوم القاء القنبلة الذرية على هيروشيما سنة ۱٩٤٥. فقد كان القاء هذه القنبلة بداية خطط الولايات المتحدة في الاستيلاء على العالم كله. والعراق جزء من هذا العالم ولا يمكن الاستيلاء على العالم بدون الاستيلاء على العراق. ولا اريد هنا ان اميز العراق عن سائر اجزاء العالم بانه بلد الحضارات وغير ذلك مما يحلو للكتاب ذكره في كل المناسبات ولا حول موقع العراق الاستراتيجي ولا عن غنى العراق في ثروة النفط وغيرها من الثروات. فلكل بلد في العالم ميزاته وحضاراته وثرواته وليس لدى من يريد الاستيلاء على العالم فرق بين بلد غني ومتحضر وبلد فقير وغير متحضر. فالاستيلاء على العالم يحتم الاستيلاء على جميع هذه البلدان بصرف النظر عن ميزاتها وثرواتها وحضاراتها.
كان بامكان الجيش الاميركي في ۱٩٩۱ احتلال العراق واسقاط صدام خلال ساعات خصوصا وانه كان يعمل تحت ستار الامم المتحدة وفي تآلف كبير مع دول العالم بمن فيها الدول العربية مما يضفي على الاحتلال صفة شرعية. ولكن الادارة الاميركية قررت عدم احتلال العراق وعدم اسقاط صدام ليس حبا بصدام وانما لان احتلال العراق في ۱٩٩۱ لم يكن منسجما مع اهداف وخطط الولايات المتحدة. وهذا يفسر ابقاءها على صدام وعلى جيشه ومساعدته على القضاء على الانتفاضة الشعبية التي كان بوش الاب قد دعا اليها انذاك. وهذا ايضا يفسر الحصار الاقتصادي الذي دمر الشعب العراقي وادى الى القضاء على اكثر من مليون عراقي بينهم نصف مليون طفل.
ان هدف الولايات المتحدة هو ان تحتل العراق بصورة تبدو تحريرا من صدام وليس احتلالا للعراق. وهذا ما تحقق للولايات المتحدة في ۲۰۰۳ في مجرى حربها العالمية الثالثة، الحرب التي اسميت بالحرب ضد الارهاب او الحرب من اجل نشر الديمقراطية او ما سيأتي في المستقبل من تسميات لهذه الحرب الطويلة غير المنتهية.
كان بامكان جيوش الاحتلال الاميركية البريطانية بعد اسقاط صدام واحتلال بغداد ان تبقي على الدولة العراقية ومؤسساتها وعلى الجيش العراقي والشرطة العراقية وجيش حرس الحدود العراقي والوزارات العراقية وجعل الاحتلال سيطرة غير مباشرة عن طريق تأليف حكومات موالية للامبريالية الاميركية. هذا الشكل من الاستعمار هو ما سمي بعد الحرب العالمية الثانية زوال الاستعمار القديم ونشوء الاستعمار الجديد. ولكن قادة الولايات المتحدة بتأثير المعلومات الكاذبة التي تلقوها من عملائهم حول استجابة الشعب العراقي "لتحرير العراق" واستقبالهم بالورد والرياحين والزغاريد والهلاهل، تصوروا ان الفرصة قد سنحت لهم لبداية عهد جديد من الاستعمار، اي العودة الى الاستعمار المباشر القديم كما كان الحال قبل الحرب العالمية الثانية بوجود عصبة الامم. تصور الاميركيون انهم بعد اسقاط صدام يستطيعون استنادا الى امتنان الشعب العراقي لتحريره من صدام ان يفرضوا على العراق حكما مباشرا بتعيين حاكم عسكري يحكم العراق مباشرة كما كان الحال في الهند تحت الاستعمار البريطاني الى سنة ۱٩٤٧ او كما اراد البريطانيون ان يحكموا العراق بعد احتلاله في نهاية الحرب العالمية الاولى لولا ان ثورة العشرين اجبرتهم على تغيير طريقة حكمهم للعراق. ولكن المقاومة التي جابههم بها الشعب العراقي اضطرتهم الى تغيير بعض سياساتهم وتأليف ما سمي بمجلس الحكم او ما يسميه العراقيون مجلس بريمر.
كان الوضع في العراق بعد الحرب العالمية الاولى مختلفا عن وضعه في ۲۰۰۳. فقد كان العراق واقعا تحت الحكم العثماني اي انه كان مستعمرا خال من اية مؤسسات دولة او جيش او حكومات منفصلة عن الحكم العثماني. وكان من الممكن انذاك ان يتحول حكم العثمانيين الى حكم البريطانيين دونما تغيير في الوضع العراقي اذ ان العراق في هذه الحال يتحول من مستعمرة عثمانية الى مستعمرة بريطانية. ولكن موقف الشعب العراقي وثورته ضد المحتلين البريطانيين فوت على بريطانيا فرصة تحويل العراق الى مستعمرة مباشرة او الى جزء من الهند كما كانت تريد ان تجعله.
الا ان الوضع في العراق عند الاحتلال الاميركي البريطاني كان مختلفا عن وضع العراق بعد الحرب العالمية الاولى. كانت في العراق دولة لها تاريخها ومؤسساتها وبناها التحتية ووزاراتها وجيشها وشرطتها وحرس حدودها ومحاكمها وحتى سجونها واستخباراتها وكان العراق من الاعضاء المؤسسين لهيئة الامم المتحدة. كان في الشعب العراقي مثقفوه في مختلف ميادين العلم ومؤسساته العلمية كالجامعات والمعاهد وغير ذلك من معالم الحضارة القائمة في عصرنا. وكان تحقيق اهداف المحتلين الاميركيين يتعارض مع وجود كل هذه المؤسسات والحضارات. لكي تستطيع جيوش الاحتلال ان تفرض حكمها المباشر بتعيين حاكم عسكري يحكم العراق كان من الضروري ان لا يكون اي منافس لهذا الحاكم العسكري. لذا كان على المحتل الاميركي ان يحقق وضعا مناسبا لتحقيق هدفه في حكم العراق حكما مباشرا. فكان على المحتل الاميركي ان يدمر جميع المؤسسات والكيانات التي تعيق تحقيق هدفه في الحكم المباشر للعراق، اي كان عليه ان يدمر الدولة العراقية. فجرى حل الجيش والشرطة والوزارات عدا وزارة النفط وحرس الحدود واضافة الى ذلك كان من الضروري تدمير كافة المعالم الحضارية القائمة في العراق. وقد تحقق ذلك عن طريق تدمير ونهب المتاحف والمكتبات العامة والجامعات والوزارات وحتى المدارس والمستشفيات. بل ان تدمير الكيانات العراقية شمل قتل مئات العلماء والاطباء وابرز الجامعيين العراقيين او اضطرارهم الى الهجرة حفاظا على حياتهم. ان هذا التدمير لم يكن عفويا او من قبيل الصدف او خطأ اقترفه بريمر او غير بريمر او فرهودا قامت به عصابات اجرامية بل كان ضرورة حتمية لتحويل العراق من دولة قائمة مع كل كياناتها الى شعب بدون دولة خال من جميع المؤسسات السياسية والعسكرية والثقافية والاجتماعية لكي يكون بامكان المحتلين تحويله الى مستعمرة مباشرة.
قال بعض الذين اطلعوا على كتابات بريمر ان بريمر يدعي انه حل الجيش العراقي بناء على طلب اسرائيل. ولا شك ان لاسرائيل مصلحة في اضعاف جميع الدول العربية ومنها العراق للمحافظة على دولتها وعلى توسيعها. ولكني لا اعتقد ان بريمر تلقى اوامره من اسرائيل في حل الجيش العراقي او تدمير الوزارات وجميع الكيانات العراقية. ان تدمير هذه الكيانات كان مقررا سلفا في الدوائر السياسية والعسكرية الاميركية ولم يكن بريمر الا منفذا لمقررات حكومته الاميركية.
ان حل الجيش العراقي كما هو الحال في تدمير جميع المؤسسات العراقية اذن امر مقصود ومقرر يهدف الى تحقيق خطط الادارة الاميركية في تحويل العراق الى مستعمرة مباشرة مثيلة للمستعمرات التي كانت قائمة قبل الحرب العالمية الثانية واختفت تقريبا بعد الحرب العالمية الثانية ولا استطيع ان اجد مثيلا لها في عصرنا الحاضر الا في فلسطين حيث لم تكن للفلسطينيين دولة او مؤسسات او جيش يدافع عنها بل كانت واقعة تحت حكم الاردن ومصر فحل الجيش الاسرائيلي محلهما في الاستيلاء على فلسطين وحولها من مستعمرة اردنية مصرية الى مستعمرة اسرائيلية.
انتقد اللواء حلمي قوات الاحتلال لانها لم تسمح للضباط العراقيين بتدريب الجيش الذي بدأت بتشكيله انما استأجرت شركة اميركية لهذا الغرض. وطبيعي ان اختيار الشركة الاميركية لهذا الغرض له هدف اقتصادي لانه يوفر للشركة الاميركية ارباحا طائلة. ولكن الغرض السياسي من القضية اكثر اهمية من موضوع توفير الارباح للشركة الاميركية. ان الجيش الذي تريد القوات المحتلة انشاءه وتدريبه ليس جيشا عراقيا بالمعنى الصحيح لكلمة عراقي. انها تريد جيشا يتألف جنوده من اشخاص عراقيين ولكنه ليس في الواقع سوى جيش اميركي بكل معنى الكلمة. تريد جيشا يشارك قوات الاحتلال في مداهماتها وهجوماتها ضد الشعب العراقي. تريد جيشا يمارس نفس الاساليب الوحشية التي يمارسها جنود الاحتلال ضد الشعب العراقي. تريد جيشا يكون درعا واقيا لجيش الاحتلال من غضب وانتقام الشعب العراقي. وربما تريد جيشا يشارك في المستقبل جيوش الاحتلال في توسعاتها القادمة في الشرق الاوسط او خارجه. لذلك كان من الضروري تدريب هذا الجيش بالروح الاميركية وبالمفاهيم الاميركية وبالاساليب الاميركية. وهذا ما شاهدناه ونشاهده في سلوك هذا الجيش الذي يسمى اعتباطا جيشا عراقيا وحرسا وطنيا عراقيا ومغاوير عراقيين. ولو سمح للضباط العراقيين ان يدربوا الجيش الجديد لدربوه حسب مفاهيمهم وسلوكهم وولاءاتهم العراقية مما يؤدي الى تشكيل جيش معاد للمحتلين وليس شريكا لهم. وهذا هو الاساس في تكليف شركة اميركية لتدريب الجيش او تدريب الجيش خارج العراق في الاردن او في المجر او في المانيا او في بريطانيا. ان السماح للضباط العراقيين بتدريب جيش جديد لا يتفق ومصالح جيوش الاحتلال الاميركية البريطانية.
انتقد اللواء المذكور اشتراك الجيش الجديد في التصويت في الانتخابات لانه يعتبر ان الجيش يجب ان يكون منفصلا عن السياسة. وهذا موضوع جدير بالنقاش. ما معنى ان يكون الجيش منفصلا عن السياسة؟ هل وجد في التاريخ جيش منفصل عن السياسة؟ اذا تتبعنا التاريخ العالمي نجد ان الجيوش في الحقيقة كانت على الدوام اهم اداة لتحقيق سياسة كافة الدول في شتى المراحل التاريخية. فالجيش هو الاداة السياسية الرئيسية التي تحقق الاهداف السياسية للدولة سواء منها السياسات الدفاعية ام السياسات الهجومية وحتى السياسات الداخلية حين تدعو الحاجة الى تدخل الجيش في قمع الحركات المعادية لنظام الحكم. ولنأخذ مثلا الجيش الاميركي الذي احتل العراق حاليا. هل هو جيش منفصل عن السياسة ام هو الاداة السياسية الكبرى من اجل تحقيق السياسة الاميركية؟ وهل كان الجيش العراقي منفصلا عن السياسة في حروبه ضد الاكراد والاثوريين واليزيديين في الثلاثينات من القرن الماضي؟ هل كان الجيش العراقي منفصلا عن السياسة في انقلاب بكر صدقي او في انقلاب رشيد عالي الكيلاني او في ثورة تموز او في الانقلابات العسكرية التي تلت ذلك؟ هل كان الجيش منفصلا عن السياسة في الحرب العراقية الايرانية. ذكر اللواء المذكور ان هيئة الحكم بالاعدام وتنفيذه كانت دائما في مؤخرة الجيش العراقي في هذه الحرب وقد جرى اعدام المئات من الضباط والمراتب لتمردهم على سياسة الجيش العراقي. ان مفهوم انفصال الجيش عن السياسة لا معنى له اذا تحدثنا عن الجيش كأداة سياسية طيعة بيد الحكومات ايا كانت.
هل يمكن اعتبار اشتراك الجنود في الانتخابات تدخلا في السياسة؟ ان جيوش الدول الديمقراطية كلها تشترك في الانتخابات ومن حق الجندي فيها بصفته مواطنا في بلده ان يشترك في الانتخابات وان ينتمي الى الاحزاب السياسية. ولكن هذا لا يمنح الجندي الحق في اتخاذ سياسات مختلفة عن سياسة الدولة مهما كانت اراؤه مخالفة للسياسة التي تتبعها الدولة. من اروع الامثلة على ذلك الجيش الاسرائيلي. فمن المعلوم ان الشباب الاسرائيلي ذكورا واناثا منذ بلوغه الثامنة عشرة من عمره وحتى بلوغه الخامسة والستين يبقى جنديا ويستدعى للخدمة الاجبارية كلما دعته الحكومة لذلك. ان المرأة الاسرائيلية مستثناة من ذلك اذ انها لا تدعى الى الخدمة الفعالة اذا تزوجت وانجبت اطفالا. ولكن المرأة الاسرائيلية بامكانها ان تبقى متطوعة في الجيش حتى بعد زواجها وانجابها الاطفال كأحد ضباط الجيش الاسرائيلي الدائميين. ولذلك فان الشباب الاسرائيلي يشترك في الانتخابات وينتمي الى الاحزاب السياسية حسب مشيئته بدون ان تتدخل الدولة في ذلك الا في حالة شاذة حين ينتمي الجندي او الضابط الى الحزب الشيوعي. حينذاك تجري مضايقة هذا الجندي او الضابط بحرمانه من التقدم او بحرمانه من ممارسة المهام التي تعتبر ذات اهمية خاصة. ولكن هذا كله لا يمنح الجندي الاسرائيلي اي جميع الشباب الاسرائيلي حق معارضة السياسة الرسمية الحكومية. ومثال على ذلك ان الجندي او الضابط الذي يمنعه ضميره عن ممارسة الحرب ضد الفلسطيننين فيمتنع عن الحرب في فلسطين يقدم الى المحاكم العسكرية ويكحم بالسجن. وهناك الكثير من الجنود والضباط الذين يحكمون بالسجن لامتناعهم عن الحرب في فلسطين لاسباب ضميرية.
ما هو المقصد الحقيقي من مبدأ فصل الجيش عن السياسة؟ يعني ابقاء الجيش خاضعا خضوعا اعمى لقادته العسكريين والسياسيين. ليس من مصلحة الدول الامبريالية والرجعية ان يكون الجندي مثقفا واعيا سياسيا واجتماعيا بحيث يميز بين السياسة التي تخدم مصلحة الشعب والجيش والسياسة التي تهدف الى تحقيق المصالح الجشعة للحكومات حتى على حساب تدمير وابادة الشعب والجيش. في الحكومات التي توجد فيها حريات سياسية شكلية وحرية تأليف الاحزاب السياسية اصبح من الطبيعي ان يشترك الجندي في الحياة السياسية وينضم الى الاحزاب ويبدي رأيه في الانتخابات وكان على الدولة ان تجد وسائل اخرى جديدة للسيطرة العملية على الجيش واجباره على سلوك سياسة حكومته شاء ام ابى. اما في الدول المشابهة للعراق، الدول التي يحلو للاعلام تسميتها دول العالم الثالث، فلم تصبح الحياة السياسية والحزبية حرة بعد في المجتمع. فمن المعروف ان الحكومات العراقية المتتالية لم تكن تسمح بتأليف الاحزاب واذا سمحت لفترة قصيرة بتأليف الاحزاب فانها تمنح اجازة لعدد من الاحزاب التي لا ترى فيها خطرا على كيانها ولا تمنح الاحزاب المعارضة الحقيقية اجازة ممارسة نشاطها وتعتبرها احزابا غير شرعية وغير مجازة وتعاقب على الانتماء اليها بالسجن والاعدام. كان ذلك واضحا في العهد الملكي وكان واضحا في عهد ثورة تموز وكان اوضح من ذلك في عهد صدام حيث كان يحكم بالاعدام كل عسكري يثبت ان له اية علاقة بالحزب الشيوعي حتى اثناء وجود الجبهة مع الحزب الشيوعي المجاز. وقد جرى اعدام العديد من الضباط العراقيين بهذه التهمة بدون ان يستطيع الحزب الشيوعي حتى الاحتجاج على ذلك لان اعدامهم جرى بموجب القانون.
ان مفهوم فصل الجيش عن السياسة له معنى حقيقي واحد هو منع الجيش بجنوده وضباطه عن اية حركة سياسية تخالف سياسة القيادة الرسمية السياسية والعسكرية لنظام الحكم القائم. اذا اخذنا حركة الضباط الاحرار في العراق مثلا نجد ان هذه المنظمة كانت تسلك سياسة مخالفة لسياسة حكومة نوري السعيد الموالية لبريطانيا ولو استطاعت حكومة العراق كشف هذه الحركة لكان مصير الضباط الاحرار الموت او السجن او في افضل الاحوال الاحالة على التقاعد. وقد ادى نجاح حركة الضباط الاحرار الى قيام ثورة تموز والاطاحة بالحكم الملكي الموالي لبريطانيا. والشعب العراقي يتذكر محاولة فئة من الضباط العراقيين تحقيق انقلاب عسكري ضد صدام واجتمعوا بالمخابرات البريطانية والاميركية طلبا للمساعدة فلم يكن من السي اي اي الا ان قدمت قائمة باسماء هؤلاء الضباط الى صدام فقام باعدام ٩٦ ضابطا. ولم يجر ذلك اعتباطا بل جرى لان اسقاط صدام بطريق الانقلاب العسكري لم يكن منسجما مع خطط الولايات المتحدة في الاستيلاء على العراق.
تحدث المشتركون في برنامج قناة الديمقراطية الانف الذكر عن بطولة وشجاعة الجيش العراقي وتاريخه المجيد وبسالته في الدفاع عن الوطن الى اخر ذلك من الصفات. فما الذي يحدد صفات اي جيش في العالم؟ ان طبيعة اي جيش هي طبيعة قيادته السياسية والعسكرية. فحين يقوم الجيش الاميركي بغزو العراق او افغانستان مثلا تتحدد صفته بقيادته السياسية والعسكرية. فهو جيش باسل يقوم باعمال بطولية ويقدم التضحيات الغالية في سبيل ذلك في عرف الادارة الاميركية كما يعبر الرئيس بوش عن ذلك في خطاباته المتكررة يوميا تقريبا. ولكن هذا الجيش هو جيش وحشي استعماري يمارس اقسى انواع القتل والتعذيب والابادة في عرف الشعب العراقي والشعب الافغاني. كان الجيش العراقي جيشا بطوليا في ثورة تموز نظرا الى انه حقق ثورة تقدمية قضت على النظام الملكي واقامت حكما جمهوريا وطنيا. ولكن هذا الجيش في العرف الامبريالي قام بحركة غير شرعية باسقاط حكومة شرعية عن طريق الانقلاب. وهل كان الجيش العراقي جيشا باسلا يتميز بالبطولة في الدفاع عن الوطن في الحرب العراقية الايرانية او في غزو الكويت؟ وهل كان الجيش العراقي باسلا في الدفاع عن الوطن خلال حرب الخليج الثانية في ۱٩٩۱؟ ان طبيعة الجيش تتحدد من طبيعة الاعمال التي يقوده اليها قادته العسكريون والسياسيون. فنفس الجيش يمكن ان يكون بطلا في معركة صحيحة ويكون جيشا استعماريا رجعيا في معركة غير صحيحة وليست في صالح الشعب الذي هو منه.
قال اللواء الضيف في برنامج الديمقراطية ان الجيش العراقي لم يكن كله مواليا لصدام. وانا اصدقه واتفق معه في ذلك. ففي الجيش العراقي قادة عسكريون ذوي ثقافة عسكرية وتجربة قتالية عالية ولابد انهم كانوا يشعرون بخطل السياسة العسكرية الصدامية ويعارضونها على الاقل من الناحية العسكرية المهنية الخالصة. ولكن هذا لم يجعل الجيش جيشا مخالفا سياسيا لسياسات حكومة صدام لان طبيعة الجيش وممارساته لا تحددها اراء هؤلاء الضباط بل تحددها القيادة السياسية والعسكرية المسيطرة. وفي حرب الدفاع عن العراق ضد الغزو الاميركي البريطاني كانت قيادة الجيش مقصورة على صدام وعدي وقصي وامثالهم من اشخاص لم تكن لهم اية خبرة او ثقافة عسكرية وميدانية وقد يكون هذا احد الاسباب الاساسية ان لم يكن السبب الاول في ضعف الدفاع عن العراق ومقاومة الغزو واستسلام بغداد هذا الاستسلام المهين. لم تكن للضباط الحقيقيين ذوي الخبرة العسكرية والممارسة القتالية اية فرصة لادارة حرب مقاومة الغزو قيادة عسكرية حكيمة. هذا لا يعني طبعا ان مقاومة الغزو كان بامكانها ان تفلح في انقاذ العراق من الاحتلال. فقد كان التفوق العسكري لدى جيوش الاحتلال تفوقا هائلا ولم يكن في وسع الجيش العراقي احباط الغزو ولكنه على الاقل كان بامكانه ان يبدي مقاومة حقيقية لهذا الغزو لو كانت له قيادات عسكرية وسياسية حكيمة.
الخلاصة هي ان طبيعة اي جيش في الحالات الاعتيادية تحددها القيادة السياسية والعسكرية للجيش ولا يحددها الجنود والضباط المنتمون اليه. ولا يختلف هذا الوضع الا حين توجد في الجيش حركة منظمة سرية على الاكثر تعمل على تغيير القيادة السياسية والعسكرية لذلك الجيش كما حدث على سبيل المثال في الجيش العراقي ووجود حركة الضباط الاحرار التي كان هدفها تغيير القيادة السياسية والعسكرية للجيش العراقي وهو ما حدث في ثورة تموز. واعظم مثل تاريخي لمثل هذه الحركة كانت حركة سوفييتات الجنود في روسيا سنة ۱٩۱٧ التى كانت اهم الوسائل لتحقيق ثورة اكتوبر الاشتراكية.



#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اسطورة حكومة الوحدة الوطنية
- نفقات الحرب ليست مجرد وسيلة لشن الحرب انما هي هدف من اهدافها ...
- ملحق بمقال -حقوق الانسان وقوانينها- – كمال سيد قادر
- حقوق الانسان وقوانينها
- الاشتراكية لا تبنى على الفقر 4 واخيرة
- صدفة جميلة
- الاشتراكية لا تبنى على الفقر 3
- الاشتراكية لا تبنى على الفقر 2
- الاشتراكية لا تبنى على الفقر 1
- من وحي كتاب سفر ومحطات - البعية للسوفييت ودور اليهود 2
- ماركسية ام ماركسية لينينية؟
- دور اليهود العراقيين في الحركات السياسية السرية
- من وحي كتاب سفر ومحطات - التبعية للسوفييت ودور اليهود 1
- التحول من مرحلة الثورة البرجوازية الى مرحلة الثورة الاشتراكي ...
- من وحي كتاب سفر ومحطات - الطريق اللاراسمالي
- لا ديمقراطية بدون دكتاتورية
- من وحي كتاب سفر ومحطات - العمل الحاسم
- الثورة البرجوازية وضرورتها
- نظام الاجور في الدولة الاشتراكية
- باسل ديوب-كلمة شكر


المزيد.....




- السعودي المسجون بأمريكا حميدان التركي أمام المحكمة مجددا.. و ...
- وزير الخارجية الأمريكي يأمل في إحراز تقدم مع الصين وبكين تكش ...
- مباشر: ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب ع ...
- أمريكا تعلن البدء في بناء رصيف بحري مؤقت قبالة ساحل غزة لإيص ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة (فيدي ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /26.04.2024/ ...
- البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمق ...
- لماذا غيّر رئيس مجلس النواب الأمريكي موقفه بخصوص أوكرانيا؟
- شاهد.. الشرطة الأوروبية تداهم أكبر ورشة لتصنيع العملات المزي ...
- -البول يساوي وزنه ذهبا-.. فكرة غريبة لزراعة الخضروات!


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حسقيل قوجمان - سبب حل الجيش العراقي