"حليب نسوان الصين"
الخميس 13 فبراير 2003
لا تطلبوا الحليب من الصين إنما اطلبوا السلع والثروة وجربوا الثورة الصناعية الثقيلة والأخرى الخفيفة، لكن لا تطلبوا الحليب من هناك لأنه حليب من صدور الأمهات الصينيات، اللواتي بعن حليبهن من أجل المال، نعم هناك في منطقة ريفية من إقليم هونان الصيني تقوم ست نساء صينيات بتأمين حليبهن لأحد المطاعم الصينية الذي يقوم بدوره بطهي وجبات معدة بشكل جيد وشهي للزبائن الذين يجيئون خصيصا لتناول تلك الوجبات في شانغسا عاصمة الإقليم المذكور، ومن يدري قد يصبحن ستة آلاف أو ستة ملايين في المستقبل. وقد أثارت تلك الوجبات عاصفة من التعليقات الصحفية التي وصل بعضها حد نعت صاحب المطعم بالإنسان العديم الأخلاق وتلقى تهديدات عبر الانترنت. أما السلطات الصينية فقد رأت أنه من غير الوارد استغلال حليب الأم كسلعة لتحقيق أرباح، وهذا صحيح لأن التجار قد يستغلون النساء الفقيرات والمعدمات فيشترون حليبهن وبهذا يكون الرضع من الأطفال عرضة للخطر نتيجة بقاءهم بلا حليب للرضاعة. أن حاجة الفقراء للمال تجعلهم يبيعون مثل تلك الأشياء وحاجة الجشعين إلى الجديد والمزيد تجعلهم يقبلون كل ما هو غريب ومثير، مثل حليب النساء. أنا لا أعرف كيف يقبل الزبائن بتلك الوجبات التي تحتوي على حليب من صدور النساء وليس من البقر أو الماعز، فالإنسان العادي لا يمكنه قبول مثل تلك الوجبات والمشاركة في الجريمة، أقول الجريمة لأن مثل تلك الأمور تدخل في عداد المتاجرة بأجساد الناس والتلاعب بفقرهم وعوزهم حد جعل الأمهات الفقيرات تبعن حليبهن من اجل المال، ومن يدري لو أن الفكرة لاقت استحسان الزبائن وحصلت على رخصة شرعية لكنا شهدنا ثورة في صناعة الحليب الآدمي ومجالا جديدا للتجارة بالحليب وبالأمهات والأطفال والعائلات. لكن صحوة السلطات المحلية في الإقليم الصيني فوتت على التجارة الجديدة فرصة التواصل ولو علناً مع الوجبات الجديدة التي تحتوي على حليب آدمي لا ندري إن كان فيه فائدة أو طعم لذيذ يجعله أكثر قبولا وتقبلا عند الزبائن.
ترى لو أن هذه الصناعة والتجارة الصينية الجديدة كتب لها النجاح والاستمرار وبدأت الصين التي تعتبر أكثر بلدان العالم من ناحية تعداد السكان، ففيها من النساء القادرات على الحلب أو تزويد التجار المحتملين بالحليب، عشرات الملايين. و من الفقيرات اللواتي يمكنهن تصدير الحليب الآدمي الكثيرات. ولو نجحت تجربة المطعم الصيني الأول وتعممت على العالم لكنا فعلا شهدنا عصرا جديدا وعهدا غريبا من عهود التجارة بتلك السلعة العجيبة، بحيث أن هناك في العالم الحديث، عالم جورج بوش وتوني بلير وارييل شارون الكثير من العجب العجاب والبشر الذين هم بلا قلوب وبلا رحمة، بحيث يكون بمستطاع هؤلاء عبر التواصل مع التجار المحليين في بلاد الحليب الغريب بناء صرح تجاري عالمي جديد يضاهي التجارة الأخرى بالمصنوعات الصينية المعهودة والمعروفة التي تسيطر وتهيمن على الأسواق العالمية من النرويج حتى السعودية.
لكن والحمد لصاحب الحمد فأن الخوف من استمرار تلك الوجبات تبدد ولو على الأقل في مكان مولده في الصين، وأصبحت القصة معروفة للناس، وما على الذين يفكرون بأعمال شبيهة وتجارة مشابهة إلا التفكير بالعواقب والتأمل جيدا، فحياة الأمهات والأطفال الرضع أهم من تناول وجبة لذيذة أو عجيبة في مطعم لا هم لصاحبه سوى جمع الأموال واستقطاب الزبائن من اجل المزيد من الثروة والشهرة. هذا من ناحية ومن الجهة الأخرى على العالم العمل الجاد من أجل مكافحة الفقر وتأمين حياة كريمة للبشر في عالمنا المحكوم من قبل الأنظمة المختلفة. بالمناسبة فأن الصين تعتبر اكبر مصدر ومنتج للأسلحة المتطورة في العالم و كما هو معروف من البلاد الأكثر تصنيعا في العالم ومن أهم الدول التي تنتج وتطور كل شيء تقريبا وخاصة الأسلحة المتطورة عالية التكنولوجيا، فقد شهدت الصناعة الصينية قفزات هائلة وحققت مجموعتها العامة لصناعة الأسلحة مبيعات قدرت في العام الماضي بأربعين مليار يوان أي ما يعادل خمسة مليارت دولار أمريكي، وعمر هذه المجموعة قصير جدا قياسا بعمر الشركات العالمية المعروفة ومنها الصينية ايضا، هذه المجموعة العامة الصينية لصناعة الأسلحة لها من العمر ثلاثة أعوام فقط لا غير. والصين تعتبر الدولة الأولى في العالم من حيث إنتاج وتصدير الأسلحة المتطورة، أما أسواق البيع فهي رحبة وكثيرة وبالأخص في شرق المتوسط المبتلي بالحروب والتدخلات الخارجية وبالذهب الأسود الذي جعله محط أنظار وأطماع القوى العظمى والأقل منها عظمة أيضا.
وبعيدا عن الصين وحليبها وصناعاتها ففي لبنان ألقت الشرطة الشهر الماضي القبض على عصابة تتاجر بالأطفال، تبيع وتشتري منهم حسب الطلب والنوعية، ذكر أم أنثى، وهذه العصابة الإجرامية تتألف من امرأتان ورجلان وتقاضوا مبالغ ضخمة عن كل طفل كانوا يبيعونه في السوق المحلية تراوحت المبالغ بين عشرة وعشرين ألف دولار أمريكي للطفل الواحد. فعلى ذمة جريدة السفير البيروتية أن الشرطة استدرجت العصابة واستطاعت الإيقاع بها واعتقال أفرادها بالجرم المشهود. أن الإنسان يقف محتارا أمام تلك المصائب التي لم توفر الأطفال في يوم من الأيام، إذ كيف لهؤلاء الأوباش الذين يتاجرون بالحليب من النساء اللواتي يبعن حليبهن ويحرمن أطفالهن الطعام من اجل تأمين لقمة العيش والمال للعائلة أن يهنئوا بطعامهم المجبول والمخلوط بحليب الأم. وفي لبنان نرى أن الأجرام اتسع ليشمل المتاجرة بالأطفال، بأبناء الناس، بعصافير الجنة وبراعم الفردوس كما نسميهم، بالأطفال الذين ولدتهم أمهاتهم أحرارا كما قال الفاروق عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء المسلمين والذي اشتهرت في عهده الخلافة الإسلامية بالعدل والمساواة والعظمة. ثم يجيء هؤلاء الأوباش من لصوص كل شيء ليتاجروا بالإنسان الحي وبطرق لم تستعملها حتى الحيوانات.
أن عالمنا الذي يزداد غرابة وعجائب ومصائب من كل صوب وحدب أصبح أشبه بغابة آدمية للمتوحشين من كل الأصناف والأجناس، غابة لا مكان فيها حتى للحيوانات، تلك التي تقتل كي تأكل ولكي تحبا، أما الإنسان فأنه يقتل ويسرق ويغدر ويظلم ويفعل كل شيء غير عادي من اجل مصالحه ومطامعه التي لا تنتهي، ويل لبشرية حكمت فيها مصالحها الأنانية وسيطرت عليها الدول اللقيطة والأمم المخلوطة بمبتكراتها الجديدة والتي سميت ظلما وعدوانا حضارة أو ثقافة، لأنه لا يوجد حضارة تحلل كل شيء وتبيح كل شيء، هذه حقارة وليست حضارة، هناك محرمات يعرفها الإنسان بدون واسطة أحد وبشكل غريزي يصدر من العقل وعن القلب. لكن هناك أيضا بشر لا يعرفون من الحياة سوى إشباع رغباتهم وجيوبهم بأي طريقة كانت، والى أن يريحنا الحظ من تلك الحضارات الغريبة والخطيرة علينا العمل بدأب وصدق ونشاط وفاعلية لكي نلجم أصحاب تلك الحضارات التي أدت إلى بروز ظواهر بيع الأمهات لحليبهن والفقراء لأعضائهم واللصوص لأطفال وأبناء الناس