أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالامير الركابي - 8 شباط : يوم قتل حلم الخلاص من ظلام القرون السبعه















المزيد.....

8 شباط : يوم قتل حلم الخلاص من ظلام القرون السبعه


عبدالامير الركابي

الحوار المتمدن-العدد: 5426 - 2017 / 2 / 8 - 13:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


8 شباط : يوم قتل حلم الخلاص من ظلام القرون السبعه
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
عبدالامير الركابي
يوم 8 شباط كنت في الطريق متظاهرا وسط جمع من الفقراء، كانت عيونهم تلتمع، وحناجرهم ترفع صوت الرفض والامل، لانهم لايريدون غياب عبدالكريم قاسم، صديقهم وصوت امالهم الذي ا حبوه ببساطه لانه كان منهم، كان اليوم يصادف 14 رمضان، وكنا صائمين في يوم بارد مشمس، حلت عليه قشعريرة الخساره الكبرى، قبل ان ياتي مساء اليوم الثاني المشؤوم، ونرى على شاشة التلفزيون صورة الزعيم مضرجا بدمه، دون ان يفقد هيبته وسطوع محياه المستبشر المقبل ، وجندي ما يمسك بشعره الاسود، كي يثبته بمواجهة الكاميرا . لكن ذلك لم ينفع ابدا في اقناع جموع المقهورين، فاشتعل فيهم خيال، لطالما اشتعل ضد القهرالابدي، وكان بمثابة حصن تحتمي خلفه ركامات الاحلام المضرجة بالدماء، قرنا بعد قرن، قالوا )لم يمت ... هذه خدعه الزعيم لايموت ( . وانقضى ذلك اليوم على بداية معركة اخرى لاتنتهي، وجدتها بعد اكثر من اربع سنوات في اهوار الغموكه، عندما راح ابناء المنطقة من الفلاحين والصيادين، يرددون اشاعة وجود عبدالكريم قاسم بيننا، كان قبلها قد مر حسب رايهم خطفا على الجميع، ورآه ))رواة موثوقون ((في عبادان، يركب دراجة هوائيه ، الان تلبس صورة خالد احمد زكي، لان سحنته كانت الاقرب الى البياض من بيننا، وربما لانه بالفعل له ملامح لاتبعد كثيرا عن ملامح الزعيم في صباه، )ربما لان الاثنين من الصويره(حيث قبر المتنبي، وارث ماني والحلاج، اما انا فلم تكن حصتي لتزيد على المذيع المعروف حافظ القباني ، من اين جاءوا باسمه ؟ قال احدهم مره : القباني ...وسرى الاسم، ولم يعد يتزحزح، والسبب هو انني كنت انا من يلقي عليهم بصوته، البيانات التي كانت تصلنا، او التي نكتبها في مناسبات محدده .
كنا مثل كل الاحداث التي لها مغزى، موجودين في الواقع وفي الخيال معا، والمقرر الوحيد للحقيقة والملموس،هو هذا الثنائي المحكوم الى فعل العبقرية التي تديم الاشياء، وتجعلها صالحه وفاعلة في الوجدان الانساني وفي الوجود رغم موتها العياني . ترى ماالذي يبدو في تاريخ العراق عاجزا عن ان يقرر ماهو حي وماهو طارئ وزائل ، تلك فلسفة اريد هنا ان اناقشها، قبل ان احاول عرض ما تسنى لي قوله بهذه المناسبه، فالصلة بين عبدالكريم قاسم، وبين جمع المقاتلين المفترضين في اهوار العوينه والغموكه، جاء عفو الخاطر، وبسلاسه لن يحصل عليها انقلابيو 8 شباط ابدا، ولن يكون لصدام حسين منها حصة مهما فعل ومهما حاول على مدى ثلاثين سنة واكثر من امساكة بمقاليد السلطة والحكم، والسبب هو الآخر بسيط، قيل مرة في القرن التاسع عشر في بريطانيا النهضة الصناعيه : امتان ؟
وهذا القول يطلق على الامم المنقسمة الى عالمين لاشبه بينهما ولالقاء، وفي العراق بالتحديد كان التاريخ منقسما على طول الخط، منذ ان لم تعد سومر الحلم الاول لوحدها، تكرر مفهوما عن العالم لايعرف الانقسام، ولايقبل الاندماج ، لكن الزمن تبدل ، وقام على ارض السواد )عالم او حيز الدول ( و)عالم او حيز المجتمع( . ولكي لانغوص كثيرا هنا في التفسيرات والشروح، سنذهب الى الوقائع العيانيه كما سجلها التاريخ العراقي، قبل ثورة تموزالتي وقعت في عام 1958، اي بعد سبعة قرون من انهيار بغداد على يد هولاكو، بالتمام والكمال، فبغداد سقطت في 1258 ولم تعرف هذه العاصمة تعيسة الحظ ، و على مدى سبعمائة سنه، حاكما عراقيا من اهل البلاد، الا مع عبدالكريم قاسم، قبل ذلك قامت حكومة برانيه، وهي امتداد مناسب لعهد جديد من السيطرة الاجنبيه، انشئت تحت السيطرة الانكليزيه، وبظل المعاهدات والقيود، بغض النظر عما اذا كان الحكام من اهل البلاد او لا. فمعنى العراقوية هنا واضح، وهي الاخرى تجعلنا نميل الى اعتماد نوع من التفريق الواجب، بين عراقيتين .
ليس الفرق بين الحالتين قليل، وهو بالطبع ياخذنا نحومواضع ابعد، في البحث عن طبيعة ومغزى الاحداث : عرف العراق خلال تاريخه الحديث صراعا لاحل له ولانهاية، بين حيزين، فالشعب العراقي كان ينمو ويبتعد، عن موته الذي غاص فيهن بعد الاحتلال المغولي )تراجع عدد العراقيين من مافوق الثلاثين مليونا، الى مايقرب من المليون، ودرست كل شواهد الحقبة العباسيه كاملة ، واسط سويت بالارض ، الكوفة العظيمه اصبحت اثرا بعد عين ، البصره لم يبق منها مايذكر بها سوى الخرائب ، بغداد حاضرة الدنيا، انمحت عن اخرها فهي غير بغداد الموجودة اليوم الى جنوب بغداد المنصور، الاولى كانت تقع شمالا عند مقابر قريش في الكاظميه الحالية ...( و لم ينقلب مسار الموت هذا، الا منذ اواخر القرن السادس عشر، حين انبثقت آلية، جعلت الدولة البرانيه تتازم من هنا وصاعدا، فكلما تصاعد واتسع مجال الحيز الاجتماعي، ونمت ملامح شعب العراق الخارج من الموت، كلما ضاق مجال تلك الدولة وتراجع .
ولست اريد الغوص في تلك الوقائع والتفاصيل الدالة على هذه الآليه، كما كانت تتجلى خلال القرون الثلاثة التي سبقت القرن العشرين، مع ان هذا الجزء الثري من تاريخ العراق الحديث، يستحق وقفة، لابل وقفات طويله، وغوصا في ميادين بكر، مليئة بالسير والدلالات والاحداث التي لم يمط عن مكنونها اللثام بعد .
الان دعونا نكتفي بالشروط التي جعلت دولة مابعد ثورة 1920، تقوم على الشكل الذي قامت عليه . فاندحار اشكال الدولة البرانيه على يد الغرب الراسمالي الصاعد اقتصاديا، ومن ثم ولاحقا على يد القوات البريطانيه، لم يكن ليزيل اسس تلك الدولة، بين ليلة وضحاها، بل كرس من الان وصاعدا ، نمطا جديدا من الصراع، ظهرت معه اسس )دولة برانيه بعناصر محليه (، هي امتداد وتحوير لها حسب مقتضيات الظرف الناشئ ، تغذت اصلا من المحيط الملحق بالدولة الزائله، واستندت باسماء عراقيه وعربيه، وارتكازا الى نفس اسس السلطة الفوقيه المحتمية، كماهي حال كل الدول البرانيه المدعمه بالمؤسسة العسكرية المحترفه، ) لايوجد في العالم بلد شهد ماشهده العراق من تطور سريع وغير منسجم مع حاجات البلاد السياديه للمؤسسة العسكريه، ولمؤسسات القمع من الشرطة الى اعظم واكبر اجهزة المخابرات في المنطقة ـ وربما وقياسا لتعداد السكان ـ في العالم اجمع ( . انه تكرار بديهي وثابته تخص كافة الدول ناهبة جهد الزراع، والتي تركب فوق المشاعات الزراعيه المنتجه المحاربة، وغير القابلة للاختراق، بفعل عوامل طبيعيه وتكوينيه، الامر الذي يحول تاريخ هذه البلاد الى تاريخ حرب اهليه، لاتوقف لها .
هذا كان حتى اليوم، قانون الدولة، كلما حدث وقامت في العراق ، دائما خارج المجال المنتج، والى الشمال : اكد شمال سومر ، بابل شمال اكد ، بغداد شمال البصرة والكوفة )انظروا في اسباب قيام بغدادعاصمة ثورة بني العباس الاولى، انه الهرب من المجتمع والعجز امام ثوراته المستمرة ، بغداد اصلا كان يمكن ان لاتبنى . ففي يوم اكتمال عدة بنائها، ثار ذو النفس الزكيه، واضطر المنصور لان يغادرموضع بناء عاصمته الجديده، تاركا على المواد التي كلفت ملايين الدراهم في اثره، رجلا اسمه اسلم قام باحراقها، لانه سمع اشاعة تقول ان الخليفة قتل ، وحين عاد الخليفة ، سمع ماقاله الرجل ولم يعاقبه ..كل مافعله انه جدد تلك المواد ودفع ثمنها للمرة الثانيه )راجعوا ـ ياقوت ج1 ص680 ـ 681 ، الطبري ج3 ص271ـ272 الفخري ، طبعة القاهره ، 143المورد ـ عدد خاص عن بغداد ـالمجلد الثامن شتاء1979 (
اعرف انني بهذا، انما اجازف مخالفا الترسيمات المتداولة عن مايسمونه الدولة الحديثه، في الادبيات الاقتصادوية الماركسيه والليبراليه والقومويه الانشائيه، فثمة مفهوم عن الدولة هوالمعتمد بطبعات متباينه، لكنها متشابهه، تكرس كلها صورة عن العراق غير عراقيه، ولاتمت بصلة الى التاريخ والخصائص التي ظلت تحكم العملية التاريخيه في العراق القديم والحديث . انني اميل بدل ذلك الى نظرية صراع الحيزين )العراقي المساواتي المشاعي الديمقراطي الزراعي المحارب (الذي يرفض الدولة المنفصلة عن المجتمع، وذلك )الفوقي البراني التسلطي الذي يقيم مفاهيم ونظم سيطرة اكراهية نهابه تجرد الغزوات على المنتجين لكي تحلب منهم الريع الزراعي ( .انه نمط سلطة لاتستطيع العيش بين المنتجين، بل تنتحي بعيدا لتشكل الدولة المعسكر فوقهم، وبما يناقض كليا طبيعة تشكيلهم وقيمهم الاساسيه، وهي غالبا ماتعيش معزولة داخل اسوار مدن محصنه ، وقد تتبدل شروط ذلك الحيز ومادته، لتكون خارجيه صرفة احيانا، اوداخليه تستمد وجودها من قوى تكون مبعدة عن العملية الاقتصاديه، مثل بحر البداوة المختنقه التي تعيش في الجزيرة الممتدة بين العراق وسوريا، تلك القبائل التي جاءت الى العراق ضمن آخر موجة من موجات النزوح الجزيري، ولم تتمكن من دخول الوادي الزراعي المقاوم، بينما صدها من الشمال، وجود قوات الحكومه البرانيه، فضاعت عليها فرصة ان تتاقلم وتتعرق، وظلت غارقة وسط بداوة مختنقه، وحياة شحيحه جرداء، الى ان تسربت عبرطلائع من مناطق متقدمة، منها منعزلات مدينيه زراعية، الى الجيش، ثم سرعان ماادركت قيمة التغلغل في حزب له بنيه ثوريه، يؤمن لها تصفية مؤسسات الحيز الاجتماعي وقواه واحزابه الجديده، ومن هذا الخليط، صنع المايستروصدام حسين، افظع الحان الموت في العقود الاخيره، مستعملا موارد النفط الهائله، ومعطلا قاعدة التوازن الاجتماعي، التي يحققها العمل والانتاج، وهاربا بلا توقف الى امام، كانه يرفع راية موت آخر، طال انتظارة لسبعة الاف سنه، اوكانه على علم اكيد، بانه آخرحاملي اختام الطغيان ، فبعد هذا الكابوس، لن تقوم للحيز البراني قائمه .
هل يدخل عبدالكريم قاسم، في اللوحة التي ستاخذ العراقيين الى مستقبل، كان موجودا في ماضيهم، هم الذين راوا الجنة ، وتطلعوا مع الابراهيميه الى حلم بعيد من وراثة الله للارض وماعليها . لاشك ان للرجل كل ماهوجدير بان يجعله يظل حيا، يتنقل مابين عبادان ومدن اخرى ، ففي صورة عبدالكريم قاسم، تتداخل متناقضات وظلال قويه : من جهه كانت الشيوعيه حاضرة في كل مكان، ودخلت في الوعي العراقي، ابان الثورة وقبلها ، كانت موجودة ايضا بصيغة رمزيه، تدعمها الاخلاق والشهادة والتضحيات ، اي مايعتبر في دلالات الوعي العراقي، بطاقة دخول الزاميه الى الوجدان الجمعي، كان الدين هو الآخر يستطيع ان يحتج بقوة، وان يدافع عن مواقعه، فيجيش العامه ضد الالحاد، وكانت القوميه متحفزة يرعبها شعور مبهم، ولكن متوتر بالخطر ، فكلما بدا الزحف قويا، كلما نظرت بقايا الدولة المحليه البرانيه، الى احتمال ضياع امتيازها البديهي برعب ، كان يدفعها لان تميل الى استعمال الشئ الوحيد الذي ظلت تحسنه على مر التاريخ : العنف والارهاب فاين يقف رجل مثل عبدالكريم قاسم، بين هذه المتناقضات ؟
ظل هو مجرد موظف في الدولة، لم يزد على راتبه فلسا واحدا ، سار في الطرقات بين الناس، وصاحب سهارى الليل من العمال، وعمال الافران، وجلس واياهم على الارض ياكل الفشافيش ، ركب باصات مصلحة نقل الركاب، وقطع الدروب على اقاربه، فلم يسمح لاحد منهم ان يستغل اسمه )ارسل ابن اخيه للدراسة على نفقته الخاصه ( ، عاش بلا بيت ، وكان رحيما وودودا ، غارقا في هم الفقراء، وهذا بلا مراء شخص عراقي، وحاكم ينتمي الى روح هذه البلاد ، انه منها مثل الطين والنهرين، مثل النخيل ، حتى وان اخطا او ارتبك، فبعد كل تلك القرون القاحله، من يمكنه ان يكون سيد الحكمه، بينما الامواج تتلاطم، والافق يكفهر، والاعداء يشدون على نواجذهم متحفزين .
اتهموه بالفوضى : حسن ، لقد كرهوا مايخافونه، ففي هذه البلاد، لامكان للدولة الصارمه، لان المجتمع العراقي، هو مجتمع دولة التوافق، بينما هم لاينظرون الى استقامة الحياة من دون اسس مختلقة لتسلط ، يؤمن اختلالا نهابا للثروة من المواضع التي لاتنتجها لصالحهم . هنا يتساوى مفهوم المواطنة بضمان السيطرة والقوة، بوجود اجباري لجيش قادر على شن الغزوات، باتجاه الجنوب لكي تحلب الريع من المنتجين، فتتصادم معهم مرات، ويستسلمون لها احيانا قليله بانتظار فرصة افضل للعصيان ، فيظلون على مضض، وبتواطؤ من مشايخ كانوا دائما موجودين باسم )شيوخ الحكومه( يتسلطون بدعم المركز، ولايحكمون، بل يعيشون معزولين، تنقصهم الهيبة والاحترام، ومن ثم ـ السلطة ـ التي يتمتع بها عادة مشايخ احرار، يمثلون قيم المشاعة المحاربة الديمقراطية المساواتيه ، هناك يكون الشيخ بلا حوشية ولاازلام ولاامتيازات ، ومصروف مضيفه ياتي من ابناء العشيرة بالتبرع ، بالضبط مثل هذا الرجل الذي جاء من التعليم الى العسكريه، ابن النجارالمدعو عبدالكريم قاسم ابن " كيفيه "، انه اذن عراقي، كما ان كل متصدر لشؤون الزعامة والرئاسة في تاريخ العراق لايكون عراقيا، اذا لم تتجسد فيه روح كتلك، تجعل السياسة مستمدة من روح الجمع المتساوي المتحفز للنقد دائما، الذي لايتوقف على الاطلاق، عن لجاجة السؤال والشك .
قرون من الموت والصراع، لم تكن قد سنحت خلالها الفرصة حتى يتشكل منظور العراقيين للدولة و للقائد . ظل الاحساس يميل بالناس نحو نماذج بعينها ، ولكن ذلك لايكفي ، فهل الشيوعية التي حلت في الوجدان بسرعه، هي التجسيد الراهن لمثل الوطنية المطابقة لحالة العراق ؟ .من زوايا كثيره وفي لحظة من اللحظات .. نعم ، انها ايحاء قوي بانعدام الدولة، وهي تطابق ما مع مفهوم القيادة التي لاتقيم مملكة السلطة، بل تراهن على الخسارة والشهادة، كما تمثلت اولا بصورة استشهاد فهد، ومن معه ، مكررين منطوقا تاريخيا يوحي بتحقق مملكتين وخيارين ، فالمجتمع التوافقي المحروم من فرصة الخلاص، يبني عالمه ـ دولته ـ في القيم والخيال، ويختزن حدودة في دواخله، بصورة القادة العظام الزاهدين بالدنيا، الشهداء عند الحاجة ، هذه هي )مؤسسة القيادة الوطنيه العراقيه (، كما تجسدها الامثلة، وعبدالكريم قاسم، واحد من شخصياتها بلاشك، حتى وهو يكشف احيانا عن قصور في الرؤية، او عن عجز امام تلاطم الاهواء، وضغوط العصروالعالم المحيط .
ننتقل مع عبدالكريم، انتقالة شبه عابرة من الزعيم المقاوم، الى الزعيم الحاكم، اي الى وصول قوة الحيز الاجتماعي، الى المجال الاعلى من التشكل الاجتماعي والسياسي، وهوليس اقل من التماعة متقدمه كان لابد من ان تذبح ، لابسبب القصور الذاتي لممثلها، بل ولان اللحظة التي جعلته يمر في افق العراق مثل الشهاب، قبل ان يسقط مضرجا بدمه، هو ومعه المئات من العراقيين، لم تكن تسمح باكثر من هذا الحلم القصير، غير المكتمل والمشوش . لقد كان هو اشاره وقف ضدها الجميع، وعجز عن ان يدركها الجميع . فعراق عام 1958 هو عراق كان ينتظر هولاكو آخر، سوف يقتل كثيرا، ويحرق اكواما هائلة من الكتب، التي اخرجت من البيوت بالعنف الجلف والاستباحة الهوجاء، ليسد المنافذ والسبل على الحياة ، وكل هذا، لان العراق كان مايزال مضطرا للسير عقودا اخرى، قبل ان يكتشف لغته الخاصة ويدرك ذاته .
فهل كانت الاخطاء والقصور العام هي السبب ، نعم، وهذا حكم يقع على التاريخ، لا على القوى او الافراد . الشيوعيون كان يجب ان ينفصلوا اليوم عن بعدهم الايديلوجي، ويسقطون هم ايضا اذا لم يفعلوا ولن يفعلوا ، تحت قوة عقاب التاريخ، الذي لايقبل هنا عدم التطابق ، لقد قالوا انجررنا خلف الجماهير والغوغاء، وهذا ماكان يعني الافتراق الفعلي عنها، وعن لغتها، وهكذا سقطوا في الامتحان الكبير، ففي قلب ثورة تموز، كانت هنالك حالة من انعدام الدولة فرضها الشارع والناس ، فلايوجد مكان في العالم، الا في النادر، اجتثت فيه دولة هي وركائزها الاجتماعية ورموزها، وكنس كل مايتصل بها، وبمبادرة عفوية من الناس في الريف والمدينه، كما حدث يوم 14 تموز، فعاش العراقيون دولتهم التي يريدونها من دون سلطة . واغلقت مراكز الشرطة والحكم لمدة تزيد على السته اشهر، ومارس المجرمون فعل الاعتذار والندامة العلني ، فكنا نرى مجرما يقف في الشار ع بعد خروجه من السجن، ليعلن التوبة العلنية ويطب الاعتذار . راينا اناسا يقررون دفع اجرة الركاب في باص من الباصات، باسم المحبة، بغير حساب محبة المشابهين السعداء بانهيار السلطة، وبالحرية التي تثير انضباط الفطرة ......ولكن من كانوا ياترى انبياء هذا العالم، الذي وجد بالفطرة وفجاة وراحت الاحزاب تتلاعب به، بايدبيلوجياتها وارتباطاتها وتوافقاتها مع السياسات الدوليه والعربيه ؟كانت الايديلوجيا اقوى من مؤسسة الايديلوجيا الوطنيه، التي لم تر النور في الماضي، واطلت اليوم اطلالة باهرة وعارضة، في قلب التاريخ بعد سبعة قرون من الموت والغياب.
من داخل البلاد يولد هولاكو اليوم، لكنه هو العابر الذي لن يستطيع الا ان يحمل عارا دمويا ، ويقترب من مصيره المحتوم امام الملا ، فالى اين يذهب العراق والعراقيون، وهل نضج في دواخلهم ذلك الامل المذبوح، مع نهضة الحلم في كل مكان بعد ثورة تموز1958 اي بعد سبهة قرون على مجيء هولاكو بالتمام والكمال ، الامريكيون يريدون اليوم ان يجربوا حظهم، وهاهم ياتون : هولاكو آخريزيح هولاكو الارهاب الاقصى الصدامي ،وقد تآكل تحت ضربات الناس والزمن . اليوم وبعد اربعة عقود على سقوط القمر مضرجا بدمه، تتهيا ايادي اطفال العراق، لتغسل تلك الوديعة، وتزيل عنها التراب والزمن، بينما التاريخ يهمس في ارض مابين النهرين، ذلك قدركم ومصيركم، انتم المكلفون بالصعود نحو الشمس، بينما العالم تحل عليه الظلمة من جديد .



#عبدالامير_الركابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين ؟( 22)حيث الحزبية الايديلوجي ...
- أهلا ب- ترامب- في بلاد الرافدين
- كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين ؟ ( 21) السقف الدكتاتوري ال ...
- كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين ؟ (20) التدبيرات الثلاثة : ...
- نحو اللقاء التداولي الاول ل- قوى التغيير الوطني- في العراق
- كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين ؟ (19) وطنية مابعد ايديلوجية ...
- كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين؟(18) الذين يدخلون الوعي ل-م ...
- كيف ولماذا هزمتا امام صدام حسين ؟ (17) -مجتمع اللادولة المس ...
- كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين؟ (16) حزب يموت فيجنب قاتلية ...
- كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين؟ (14) ومن قتل - الحزب الشيوع ...
- كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين؟(13) شيوعية مضادة للشيوعية و ...
- كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين؟ (12) السردية الوطنية الامبر ...
- كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين؟ (11) قوانين الامبراكونيا وض ...
- كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين ؟ (10) تعاظم معضلة الحزب كهد ...
- كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين؟ ( 9) تمرينات في الوطنية ماب ...
- كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين؟ (8) نهاية الشيوعية الحزبية ...
- كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين ؟( 6) 1980/ 1988 مجزرة البعث ...
- كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين؟ الانشطار- الامبراكوني- وشيو ...
- كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين ؟ (4) متحالفون -ضد شيوعيين-م ...
- كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين؟ (3) حزب شيوعي ..... لا -حزب ...


المزيد.....




- مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
- من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين ...
- بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
- بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي.. ...
- داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين ...
- الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب ...
- استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
- لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
- روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
- -حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا ...


المزيد.....

- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالامير الركابي - 8 شباط : يوم قتل حلم الخلاص من ظلام القرون السبعه