أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود كرم - حديث الأمكنة















المزيد.....

حديث الأمكنة


محمود كرم

الحوار المتمدن-العدد: 1426 - 2006 / 1 / 10 - 09:59
المحور: الادب والفن
    


أعـتـرفُ بأنـي واحـد ٌ مـن أولـئـك الـذيـن تـأسـرهـم الأمـكـنـة بـجـمـالـيـاتـهـا وهـيـمـنـتـهـا الـثـقـافـيـة وتـجـلـيـاتـهـا الـروحـيـة وزوايـاهـا الـحـمـيـمـة ..

وعـلـى سـبـيـل الـمـثـال لـم أكـن أتـخـيـّـل لـحـظـة ً أن مـديـنـة فـاتـنـة كــ ( أوبـسـالا ) الـسـويـديـة الـتـي مـكـثـت فـيـهـا مـا يـقـارب الـسـتـة أشـهـر سـتـصـبـحُ كـائـنـا ً جـمـيـلا ً فـي مـنـظـومـة الـذات وتـتـحـول إلـى ذاكـرة مـفـعـمـة تـنـسـاب بـتـفـاصـيـلَ بـاذخـة تــُـمـسـكُ بـنـاصـيـة الـوجـدان ..

ولا أدري لـمـاذا شـعـرتُ فـجـأة بـأن الـمـبـدع ( أمـيـن مـعـلـوف ) كـان مـحـقـا ً حـيـنـمـا قـال ذات مـرة :

( الإنـسـان يـتـجـه نـحـو الإحـسـاس بـالـوطـن فـي ذاتـه )

يـقـيـنـي أن ذاتـه الـتـي يـقـصـدهـا ( مـعـلـوف ) هـي ذات الآخـر الـمـتـخـمـة بـجـمـالـيـات الـمـكـان والـزمـان اللـذان فـرضـا وجـودهـمـا عـلـيـه بـعـيـدا ً عـن جـغـرافـيـة الانـتـمـاء ..

لا أدري حـقـيـقـة ً كـيـف تـسـتـطـيـع الأمـكـنـة عـبـر تـفـاصـيـلـهـا الـنـاطـقـة بـحـمـيـمـيـة زوايـاهـا ودروبـهـا ورائـحـتـهـا مـن أن تـتـحـول إلـى ذاكـرةٍ حـاضـرة فـي أعـمـاقـنـا وتـربـطـنـا بـجـمـالـيـات الـزمـن الـفـائـت والآتـي ..

هـل لأن الـمـكـان بـتـعـبـيـر ٍ أقـربُ إلـى الـشـاعـريـة هـو كـالـشـرفـةِ الـمـفـتـوحـة عـلـى الأرواح الـتـي سـرعـان مـا تـتـآلـف مـعـهـا بـعـلاقـة وجـدانـيـة تـسـتـحـضـر مـن خـلالـهـا أعـمـق الـنـبـضـات حـبـا ً وتـجـاذبـا ً وانـدفـاعـا ً لـخـلـق حـالـة انـدمـاجـيـة مـع ظـلالـهـا الـوارفـة فـي مـمـلـكـة الـذاكـرة ..

وربـمـا هـنـا عـلـيـنـا أن نـعـتـرف أن ( الـمـكـان ) لـه الـقـدرة الـجـمـالـيـة عـلـى الـتـشـارك مـع الآخـر الإنـسـانـي فـي صـنـع مـنـجـز ٍ جـمـالـي يـتـجـاوز مـحـدوديـة الانـتـمـاء لـيـسـبـح فـي فـضـاءات الـزمـن ..

كـثـيـرة هـي الأعـمـال الـروائـيـة والـشـعـريـة والـفـنـيـة الـتـي عـكـسـت بـدقـة مـتـنـاهـيـة عـلاقـة الـمـكـان بـالـمـتـآلـف مـعـه فـي انـجـازات إنـسـانـيـة حـضـاريـة اسـتـنـطـقـت جـمـال الـتـجـاذبـات الـروحـيـة والـثـقـافـيـة والـفـنـيـة ..

ويـتـمـاهـى الإنـسـان مـع الـمـكـان الأثـيـر لـديـه لـتـحـقـيـق مـنـجـز جـمـالـي عـبـر انـفـتـاحـه الـحـر الـواعـي عـلـيـه ولـيـس الـغـيـاب عـن الـوعـي إلـى درجـة الـضـيـاع والـتـبـعـثـر وفـقـدان الـرؤيـة الـواضـحـة ..

ولا يـمـكـن أن نـنـفـي أن للأمـكـنـة قـدرة اسـتـحـواذيـة عـلـيـنـا لأنـهـا قـادرة بـجـدارة عـلـى إلـهـامـنـا كـمـا تـقـول الـروائـيـة غـادة الـسـمـان :

( الأماكن تلهمنا لأنها بالتأكيد مزدحمة دائما حتى حين تبدو لأعين البعض خاوية ، وقد نلتقي بأنفسنا في مدينة لم نزرها من قبل كما كنا حين كنا أطفالا ، أو كما سنصير حين نشيخ ) ..

لا أعـرفُ تـحـديـدا ً ربـمـا هـنـاك عـلاقـة خـفـيـة بـيـن مـا نـشـعـر بـه مـن سـعـادة وبـيـن مـا نـسـتـحـضـره مـن ذكـريـات الأمـكـنـة ولـكـنـي عـلـى الـمـسـتـوى الـشـخـصـي أسـتـطـيـع أن أؤكـد أن ثـمـة سـعـادة تـخـامـرنـي حـيـنـمـا تـفـيـض ذاكـرتـي فـي بـعـض الأحـيـان بـجـمـالـيـات بـيـوتـنـا الـتـي حـوتـنـي فـي مـرحـلـة الـطـفـولـة ومـا بـعـدهـا مـن مـراحـل عـمـريـة وتـداخـلـت بـإيـجـابـيـة وتـآلـفـيـة مـع الـزمـن الـذي نـحـيـا فـيـه ولـذلك أتـسـاءل هـل نـحـن بـحـاجـةٍ إلـى أن نـجـدد فـي عـلاقـتـنـا مـع الأمـكـنـة حـيـنـمـا تـصـاب تـلك الـعـلاقـة بـالـضـمـور بـسـبـب رغـبـتـنـا فـي بـعـض الأحـيـان بـالانـفـصـال عـن الـعـالـم الـخـارجـي والـتـقـوقـع فـي الـعـالـم الـداخـلـي وبـسـبـب تـعـاطـيـنـا فـي بـعـض الأوقـات بـنـوع مـن عـدم الـمـبـالاة والـبـرود مـع الـمـكـان ..

لاشـكَ أن تـجـديـد الـعـلاقـة الـروحـيـة والـزمـانـيـة مـع الـمـكـان سـيـبـعـث فـي أعـمـاقـنـا إحـسـاسـنـا الـدافـيء بـحـضـورنـا الـمـتـألـق مـع الـعـالـم مـن حـولـنـا لأنـنـا بـبـسـاطـة لا نـسـتـطـيـع أن نـبـقـى خـارج الـزمـن لـوقـتٍ طـويـل ومـا اسـتـحـضـارنـا لـذاكـرة الـمـكـان إلا لأنـهـا تــُشـعـرنـا بـأنـنـا نـُـمـسـكُ بـتـلابـيـب الـحـاضـر الـذي نـهـوى صـنـاعـتـه بـحـمـيـمـيـة تـزرع ُ فـيـنـا الـقـدرة عـلـى الـتـفـاعـل الإيـجـابـي مـعـه لأنـنـا نـصـبـح وقـتـهـا مـدركـيـن تـمـامـا ً لـوجـودنـا الـحـسـّي فـي تـبـدل الـمـكـان وتـعـاقـب الـزمـن ..

وتـقـول الـشـاعـرة الـكـويـتـيـة ( بـثـيـنـة الـعـيـسـى ) فـي مـقـطـع مـن مـوضـوع لـهـا حـول جـمـالـيـات الـمـكـان :

( فالأمكنة ، بكل ما تضمه من تفاصيل و ملامح و روائح و زوايا ، هي التي تضخ في أعقاب الذاكرة جذوة الزمن ، حيث يتعامد البعدان ، المكان و الزمن ، و يتحقق التواجد ، فعبر المكان وحده يسمح بلحظةِ التداخلِ بين الأزمنة .. و يصبح الماضي – من جديد – ملكاً لنا ، و نحن – بحكم إنسانيتنا – ندرك بأن ماضينا هو في الغالب أثمن ما نملك ، لأننا محصلة تراكمٍ حيٍ لحضوره الممعن في التجذر ، إننا ظلالٌ لحضوره ) ..

قـد نـكـون فـي حـاجـة مـاسـة إلـى أن نـسـتـحـضـر دائـمـا ً وبـروح تـتـسـم بـالانـفـتـاح الإيـجـابـي عـلـى مـا حـولـنـا دفء الأمـكـنـة وتـفـاصـيـلـهـا الـعـابـقـة بـرائـحـة الـزوايـا عـبـر اسـتـثـارة أسـئـلـتـهـا الـغـائـرة فـي تـقـاطـعـات الأزمـنـة لـنـعـيـد تـأثـيـث أعـمـاقـنـا بـجـمـالـيـاتـهـا الـخـلاقـة فـي أنـسـاق ٍ رائـعـة الآفـاق لـنـبـدو مـعـهـا وفـيـهـا أكـثـر انـسـجـامـا ً وتـصـالـحـا ً مـع ذواتـنـا ..

شـخـصـيـا ً هـنـاكَ ثـمـة إحـسـاس يـراودنـي بـأنـي أعـيـدُ تـشـكـيـل نـفـسـي عـلـى نـحـو ٍ أجـمـل كـلـمـا مـررتُ بـزوايـا الأمـاكـن الـتـي حـوت شـقـاوة الـطـفـولـة وصـخـب الـمـراهـقـة وثـورة الـشـبـاب ولا زلـتُ أجـد مـتـعـة كـبـيـرة حـيـنـمـا أسـتـطـعـمُ نـكـهـة الأشـيـاء ذات الـرائـحـة الـزمـكـانـيـة الـمـغـروسـة فـي الـذاكـرة ..



#محمود_كرم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حركة التاريخ
- حدَثَ في لندن
- الآخر هو أنا
- أيها العابرون مهلا ً
- ثقافة التلقين الديني
- اشتهاءات الحلم
- الانتماء للوطن وليس للأوهام
- استبداد الصورة
- الطغاة .. ذاكرة الماضي القبيح
- جبران تويني في دروب الضوء والنهار
- الشتاء وصديقتي والحزن
- اللاعنفيون رومانسيون حقيقيون
- ثقافة الأمنيات
- الهويات القاتلة
- الفكر الحر


المزيد.....




- مترجمة وكاملة.. المؤسس عثمان الحلقة 164 بجودة HD على قناة ال ...
- -موسم طانطان- في المغرب يحتفي بتقاليد الرُّحل وثقافة الصحراء ...
- “احداث قوية” مسلسل قيامة عثمان الحلقة 164 عبر قناة Atv الترك ...
- ناقد مغربي يدعو إلى تفعيل -سينما المقاومة- ويتوقع تغييرا في ...
- بعد جدل الصفعة.. هكذا تفاعل مشاهير مع معجبين اقتحموا المسرح ...
- -إلى القضاء-.. محامي عمرو دياب يكشف عن تعرض فنان آخر للشد من ...
- إلغاء حبس غادة والي وتأييد الغرامة في سرقة رسومات فنان روسي ...
- اعلان 2 الأحد ح164.. المؤسس عثمان الحلقة 164 مترجمة على قصة ...
- المجزرة المروّعة في النصيرات.. هل هي ترجمة لوعيد غالانت بالت ...
- -قد تنقذ مسيرته بعد صفعة الأوسكار-.. -مفاجأة- في فيلم ويل سم ...


المزيد.....

- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود كرم - حديث الأمكنة