أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمود كرم - اللاعنفيون رومانسيون حقيقيون














المزيد.....

اللاعنفيون رومانسيون حقيقيون


محمود كرم

الحوار المتمدن-العدد: 1397 - 2005 / 12 / 12 - 09:46
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يصعب على المرء تخيل أن إنسانا ً كهذا كان مثلنا يطأ الثرى ..
كان هذا كلام المراسل الأمريكي وهو يصف تشييع جنازة غاندي ..

أتذكر قبل أكثر من عشرين عاما ً كنتُ أهيم عشقا ً بقراءة مذكرات غاندي ( قصة تجاربي مع الحقيقة ) وكنتُ يومها قد أكملتُ السنة الثالثة بعد العشرين من عمري ..

أتذكر أني كنتُ مأخوذا ً بمذكراته إلى درجة أني حفظت الكثير من قصصها المثيرة وحكاياتها المشوقة ووقفتُ على نضاله السلمي وقدرته الفائقة على فرض احترامه على كل مَن كان يتعامل معه ..

ولكن في تلك الفترة التي كنتُ فيها قارئا ً لمذكرات غاندي لم نكن نعطي لثقافة اللاعنف التي كان غاندي أحد مؤسسيها في منهجية العمل السياسي والحياتي أية اهمية تذكر لأن الساحة كانت يومها مشحونة بثقافة النضال السياسي العنفي وتابعة في معظمها لقوى التوجهات الراديكالية التي كانت تتمترس خلف شعارات المقاومة المسلحة وتقدس الكفاح العسكري ..

كنتُ أتناقش مع أصدقائي في ثقافة اللاعنف التي تبناها غاندي في الهند أيام الأستعمار الإنجليزي وكنا كما أتذكر نختلف حولها في وجهات النظر ولكن لم تكن نظريته تلقى القبول لدى أكثريتنا وخاصة إننا كنا نعتقد أن كل قضايا شعوبنا لا تحل إلا من خلال العمل المسلح بما فيها القضية الفلسطينية ..

وحينما زرتُ لندن في صيف هذا العام حرصتُ على أن أصطحب معي عائلتي إلى متحف الشمع المعروف بمدام توسو لأخذ بعض الصور عند تمثال غاندي الذي لازال يختال عملاقا ً فوق أجنحة التاريخ ..

عظمة غاندي لم تكن في تمثاله الشمعي الخالد الذي يزوره الآلاف من الناس بل في نهجه الإنساني الذي أسسه في زمن ٍ متوحش متصادم ينزع نحو ابتكار النزاعات البشرية الفتاكة ..
هل كان غاندي في ثقافته اللاعنف يريد أن يقول أن على الإنسان أن يبادر في نزع ( القوة ) أي العنف من طرفه فقط دون الاهتمام إن كان الطرف الآخر يريد أن يحتفظ بالقوة وربما هذه الثقافة استحضرها غاندي من فلسفة هابيل ابن آدم الأول وربما كان غاندي يريد أن يقول أن مَن يحتفظ بالقوة والسلاح فأنه بالتأكيد يبني ذلك على سوء الظن بالجار أو الأخ القريب أو البلد المجاور ..

وقد نندهش كثيرا ً أمام سحر غاندي الذي جعل شعبه يهتف له بالحب والورود نفديك ولم يسمح لهم أن يهتفوا بالدم بالروح نفديك يا زعيم وكيف كانت نظرية اللاعنف التي تبناها بإيمان ثاتب وعقيدة راسخة أثبتت نجاحا ً باهرا ً في مواجهة الاستعمار ..

واليوم أينما نلتفت فإننا لا نرى سوى دوائر العنف ومعاقل الكراهية التي تتفجر في كل مكان وكأن من المستحيل أن نجسّد اللون الأحمر في لوحة جميلة أو وردة فاتنة بل لا بد أن يتجسّد اللون الأحمر في الموت والدماء وساحات المعارك ..

والعنف شجرة خبيثة على حد قول الدكتور خالص جلبي لأنها لا تنبت سوى العنف الذي يتوالد ويتكاثر من الشجرة ذاتها وبإمكان هذه الشجرة الخبيثة أن تفسد التربة المحيطة بها ولذلك فإن ثقافة غاندي الإنسانية في اللاعنف لن تجد قبولا ً عند الجهاديين الدينيين الذين استساغوا مذاق الطعم التفجيري من ثمرات شجرة العنف الخبيثة ..

وقد يظن البعض أن غاندي كان رومانسيا ً حالما ً في تبنيه لثقافة اللاعنف ولن تستقيم هذه الرومانسية اليوم في عالم ٍ ينزع نحو اختلاق العداوات وإذكاء نيرانها ولكن مهما يكن الأمر فإن غاندي استطاع أن يؤكد على جمالية نظرية التفوق الأخلاقي في الصراع مع الآخر عبر نبذه المطلق لثقافة العنف ..

وربما كان محقا ً ( ليو بوسكاليا ) حينما قال :

( أن الحب والذات واحد ، واكتشاف أي منهما إنما هو تحقيق لكليهما ) .

ومن وجهة نظري القاصرة انطلاقا ً من هذه المقولة أعتقد أن قدرة الإنسان على اكتشاف كينونة ذاته الحقيقية هو تحقيق للحب الذي يترافق فطريا ً مع عالم الذات وكذلك أيضا ً مَن يستطيع أن يفجر ينبوع الحب في داخله فأنه قد استنطق الذات في أجمل تجلياتها الروحانية والرومانسية أيضا ً ..

وربما غاندي عبر إيمانه العميق بمفهوم اللاعنف و ثقافة التسامح الإنساني وتعلقه بالحب كأحد أهم ثوابت الذات الإنسانية كان إنسانا ً استثنائيا ً ومن هنا ربما نفهم مقولة المراسل الأمريكي الذي قال عنه من الصعب أن نتخيل أن إنسانا ً كهذا مثلنا كان يطأ الثرى على اعتبار أن اللوحة الرومانسية الرقيقة التي كان يرسمها غاندي بأخلاقه وتسامحه وروحه المرهفة المشبعة بالحب ونبذ العنف كانت لوحة زاهية تجسّد أرقى المعاني الإنسانية الجميلة ..

وأني أجد أن غاندي قد انحاز وبدون أية افتعالات ارتجالية أو تصنع تعبيري ومسلكي إلى تجلي المعنى العميق في اللاعنف وتمجيد هذه الثقافة في مستوياتها الرومانسية الطبيعية الساحرة وأيضا ً نستشف من ثقافته تركيزه العميق على اكتشاف مكنونات الذات الإنسانية التي يجب أن تكون رمزا ً ناطقا ً للحب وكذلك نزعة غاندي الكبيرة للتأملات الوجدانية والفكرية وميلهِ لطرق الوجد واعتماده على شفافية الحدس كلها كانت تعتبر بالنسبة له المدخل الأساسي لفهم عمق الأشياء وجوهرها الحقيقي ولذلك كان غاندي واضحا ً جدا ً من حيث تبنيه الراسخ لثقافة اللاعنف التي كان يؤمن بأنها تعبيرا ً معرفيا ً لروح الحقيقة وقوتها كما عبر عنها غاندي نفسه ولأنه كان يؤمن أن ثقافة اللاعنف في أساسها الارتكازي ( تعني قوة الحق والحق ليس بحاجة إلى أسلحة أو عضلات أو صراخ ويستطيع الحق أن يقف لوحده لأنه قوي بطبعه ) كما يقول الدكتور خالص جلبي ..

فهل نحن فعلا ً بحاجة إلى الرومانسيين الحقيقيين الذين يؤمنون عميقا ً بثقافة اللاعنف ؟؟!!



#محمود_كرم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة الأمنيات
- الهويات القاتلة
- الفكر الحر


المزيد.....




- السيسي يكشف عن أرقام مهولة تحتاجها مصر من قطاع المعلومات
- -عار عليكم-.. مظاهرة داعمة لغزة أمام حفل عشاء مراسلي البيت ا ...
- غزة تلقي بطلالها على خطاب العشاء السنوي لمراسلي البيت الأبيض ...
- نصرة لغزة.. تونسيون يطردون سفير إيطاليا من معرض الكتاب (فيدي ...
- وزير الخارجية الفرنسي في لبنان لاحتواء التصعيد على الحدود مع ...
- مقتل شخص بحادث إطلاق للنار غربي ألمانيا
- أول ظهور لبن غفير بعد خروجه من المستشفى (فيديو)
- من هم المتظاهرون في الجامعات الأمريكية دعما للفلسطينيين وما ...
- إصابة جندي إسرائيلي بصاروخ من لبنان ومساع فرنسية لخفض التصعي ...
- كاميرا الجزيرة ترصد آخر تطورات اعتصام طلاب جامعة كولومبيا بش ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمود كرم - اللاعنفيون رومانسيون حقيقيون