أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مازن كم الماز - الشهيدان














المزيد.....

الشهيدان


مازن كم الماز

الحوار المتمدن-العدد: 5381 - 2016 / 12 / 24 - 14:45
المحور: الادب والفن
    


كانت "الجبهة" بين غزة و إسرائيل أفضل مكان للقائهما , أولا لأنها قريبة من منزليهما , و ثانيا لأنها مليئة بالحفر و الخنادق التي كانت المكان الوحيد الممكن للقاءاتهما .. كان من المستحيل أن يتبادلا أكثر من بعض النظرات الخاطفة عندما يلتقيان في الشارع , كانت تجر أخاها الصغير بينما تبحث عيناها عنه , ما أن تراه حتى تحاول أن تفهمه موعد لقائهما القادم , بأي إشارة ممكنة , بعينيها , أصابعها , مشيتها , و أشياء أخرى لا تخطر على بال أحد سواهما .. كانت تعرف أنه سيذهب باكرا , جدا , لينتظرها هناك , ستمر أولا على "المجاهدين" أو "المرابطين" , و تقدم لهم الطعام و الشاي الذي أعدته هي و أمها , ثم تسير "عائدة" بهدوء و هي تتوقعه عند كل خطوة , كانت تعرف أنه هناك , يرهف سمعه ليتعرف على خطواتها , ينتظرها في حفرة ما , و أن يده ستظهر فجأة و تجذبها إلى داخل تلك الحفرة , و أنه سيحضنها بينما تردد له في كل مرة أنه لا يمكنها أن تتأخر .. أنه سيقبلها , و ستقبله ... لكن قبل أن تسكرها خمرة شفتيه أو عندما سيحاول رفع ثوبها أو عندما ستشعر بقرب انهيار دفاعاتها الأخيرة , كانت ستستجمع كل قواها لتبتعد عنه , و هي تقول له : يكفي , أو تأخرت , أو لننتظر إلى المرة القادمة .. كانت تعرف أنها لعبة خطرة , جدا .. أنها في يوم ما , قد يكون اليوم , ستعجز عن فعل ذلك , و ستكمل معه اللعبة حتى النهاية .. كلما فكرت بذلك ينتابها خوف عابر , سرعان ما يموت , ستقنع نفسها أن هذا لن يحدث , ستردد كل ما يمكنها من أسباب لتذهب إلى هناك مرة أخرى , بينما تحاول في سرها أن تتخيل يده على جسدها , و أن تتذكر , خفية , تلك الأحاسيس التي تستحوذ عليها و هي بين ذراعيه .. كانا أصغر من أن يعرفا أن الأوامر قد صدرت للدبابات كي تتقدم نحو الحفرة التي سيلتقيان فيها هذا الصباح .. عندما كانت تفكر بالعيون التي تخشى أن تكتشف أمرها كانت تسير ببطء و تردد , تتلفت أحيانا و تنظر إلى السماء و كأنها تتفحص طريقها , و كلما تذكرته كانت تسرع في سيرها .. سلمت صرة الطعام للمجاهد الملتحي , كانت تنظر إليه لكنها لم تكن تراه أو تسمعه , كانت تفكر فقط بما سيحدث بعد قليل .. أدارت ظهرها بسرعة , حاولت أن تبدو متماسكة , ثم بدأت تبتعد .. مع كل خطوة كانت دقات قلبها تتسارع , أصبحت بعيدة بعض الشيء عن مكان المجاهدين الذي تركته قبل قليل .. إنها الآن تترقبه مع كل خطوة , تقترب من كل حفرة , تحاول ألا تنظر , لكن عيناها تبحثان عنه في كل مكان .. أين هو ؟ هل ذهبت أبعد مما يجب , هل عليها أن تعود قليلا , أن تذهب قليلا إلى اليسار أو اليمين ؟ مع كل خطوة كانت أفكارها تعذبها أكثر .. فجأة يلتقطها .. تسقط معه في الحفرة .. يحاول تقبيلها بينما تحاول أن تشتمه , كاد قلبها يتوقف من القلق و الخوف , لكن شفتاها سرعان ما تتوقفان عن أية محاولة للكلام أو التنفس , إلا عبر شفتيه .. في مكان ما في قلبها , أو جسدها , كانت تضحك و تفكر بخبث فتي : لعله يفعلها اليوم , لعلنا ... اليوم .. لا يمكن معرفة هل فاجأتهم الانفجارات أم لا .. يقال أن القذائف أو الصواريخ الحديثة تسير أسرع من الصوت , ما كان أجدادنا يصفوه بلمح البصر ... و في الحروب , و كذلك في القصص , لا يمكن لأحد أن يحدد بالضبط أي رصاصة أصابت من و أية قذيفة قتلت من , و أية قذيفة أو صاروخ , الخ , هي التي سقطت بجوارهما في تلك الحفرة .. هل كانت قذيفة ميركافا أم صاروخ قسام , أم ماذا ؟ ..... و لا يمكن لأحد أن يعرف أيضا هل سمحت لهما تلك القذيفة , أو ما لا نعرفه بالضبط , أن يشعرا بالألم لبعض الوقت أو أن يفهما ما كان يحدث أم أن كل شيء انتهى "بلمح البصر" .. الأكيد أنهما كانا تماما وسط الجحيم .. تناغمت أصوات قذائف الدبابات مع المدافع و الطائرات مع صواريخ المجاهدين و الرصاص الطائش في كل اتجاه في موسيقا جنائزية مرعبة , لا نعرف بالضبط هل سمعاها أم كم سمعاها .. هذه أشياء لن يعرفها إلا "رب العالمين" , لذلك من الأفضل ألا نتعب أنفسنا بالحديث عنها .. و لا شك أيضا أن المناظير الكثيرة التي كانت تراقب "ساحة المعركة" قد رصدتهما .. مع ذلك كان تحديد نوع "الهدف" الذي تمت إصابته أمرا صعبا على تلك العيون التي راقبت بصمت موتهما الصاخب .. تقول أهم قوانين الحرب , أية حرب , أن من ليس معنا فهو ضدنا , إنه عدو ... و لما كان من الواضح أنهما ليسا من حماس و لا من جيش الدفاع , فلا شك أن مجاهدي القسام و جنود جيش الدفاع قد افترضوا أنهم أصابوا عدوا "ما" عندما شاهدوا جثتيهما الممزقتين في تلك الحفرة - القبر .. و الأغلب أنهما قد ذكرا مرتين في نشرات الأخبار و البيانات العسكرية : مرة كجندي و جندية من جيش الدفاع و مرة أخرى كمجاهد و مجاهدة ( انتحارية على الأغلب ) من حماس .. و على الأرجح أن عائلتيهما لم تعرفا بالضبط ظروف "استشهادهما" أو زمان و مكان "اختفائهما" , و أنهما قد حصلا بالتالي على المأتم الخطأ , و أن موتهما قد أهدي لصالح "القضية" و أنهما "زفا عروسين" لفلسطين , أن آخر ما قد يخطر على بال أحد أن ما وجد في تلك الحفرة كان أشلاء حبهما الصغير الذي أخفوه بمهارة عن كل العيون .. لن يمكننا أيضا أن نعرف لأي مدى ابتعدت بهما أحلامها الصغيرة , و ما الذي حدث يومها بالضبط , و كم عرفا من متع هذه الحياة , قبل أن يتوقفا فجأة عن الحلم و الحياة إلى الأبد .. و الأهم , أننا لن نعرف أبدا من الذي انتصر على هذين الجسدين



#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السعيد
- المرأة العربية : جسد مهدد , إنسان مسجون – ماجدة سلمان
- اعتقال هيربيرتو باديلا و بلقيس كوزا مالي
- كان سان : الثورة البروليتارية الثقافية العظمى
- مسألة التكتيكات – إيريكو مالاتيستا
- الماركيز دي ساد و التنوير
- حفيد غيفارا الأناركي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ...
- التوليتارية و الأدب – جورج أورويل
- هل يمكننا تغيير العالم من دون الاستيلاء على السلطة ؟ جون هول ...
- 1نيتشه و الأناركية – شاهين
- تأسيس الأممية الأولى
- الدكتور فيصل القاسم و الدواعش و العلمانجيون
- المعارضة السورية و أياديها البيضاء على الثورة السورية 2
- الخلفية الأناركية للأممية الأولى
- الشيوعيون و الهوموفوبيا أو رهاب – كراهية المثليين , حوار مع ...
- المثلية الجنسية في اتحاد السوفيتي
- المعارضة السورية و أياديها البيضاء على الثورة السورية
- الناشطون بين المشهد النيوليبرالي و التسيير الذاتي للجماهير
- دماغ لينين - بول غريغوري


المزيد.....




- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...
- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...
- طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف ه ...
- بوتين يمنح عازف كمان وقائد أوركسترا روسيا مشهورا لقب -بطل ال ...
- كيلوغ: توقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف تأخر بسبب ترجم ...
- عرض موسيقي مفاجئ من مانو شاو وسط انقطاع الكهرباء في برشلونة ...
- مسقط.. أكثر من 70 ألف زائر بيوم واحد للمعرض الدولي للكتاب


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مازن كم الماز - الشهيدان