أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - المنظور الاجتماعي في قصيدة الشاعرة وداد نبي (لا فراشات هنا)















المزيد.....

المنظور الاجتماعي في قصيدة الشاعرة وداد نبي (لا فراشات هنا)


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 5374 - 2016 / 12 / 17 - 12:58
المحور: الادب والفن
    


وديع العبيدي
المنظور الاجتماعي في قصيدة الشاعرة وداد نبي (لا فراشات هنا)


دمشق هي حديقة الزهور العربية، وسوريا هي هولنده المشرق، وحيث تكون الزهور فثمة (فراشات). الفراشات هي دالّة قصيدة الشاعرة وداد نبي. وعلامة النفي التي تسبق (فراشات)، انما هي تنسحب ثمة على الزهور. ويمثل الحرف (هنا) الركيزة الثالثة في العنوان الوجيز في تأثيث دالة المكان. وبغير ذلك تبقى (فراشات) دالة ذاتها، عامة عائمة في هيولى مفتوحة وزمن غير محدود. بل ان دالة المكان – الاشارية- (هنا) تتضمن في ذاتها دالة الزمان أيضا، وكأنها تقول: [لا فراشات هنا الآن!]. ولكن اكتمال المعنى – الضمني- أغنى عما يثقل العبارة.

ان حالة النفي ممثلة بالحرف (لا) هي أيضا علامة الرفض، أو صرخة بوجه الدمار والخراب الذي يفترس المدن والأحياء والحدائق، ويتكرر صوت الرفض (لا) في معظم قصائدها التي تتناول الحرب أو تنطلق منها، سواء في العنوان [لا فراشات هنا، لا أرحل، حيث لا أحد..]، أو في سياق النص والمعنى [بلا غيم، لن يكون، بلا أضواء، حلم لا يجتزأ، لا يسمّى ولا ينسى ولا يعرف..]. بل أن الرسم السيميائي لحرف الرفض (لا) يتخلل ألفاظا تتضمنه مثل [بلادي، الأخضر، الأول، الأرض، الأيائل، لأنه، اللاجئ، لأنقاض، الأبنية، ملامحك.. ] تفرض هيمنتها النفسية في لاوعي النص.

الظاهرة الأخرى في تقنية العنوان هي حالة – تنكير- اللفظ، أي عدم – التعريف بأل- العربية. التنكير هنا يضفي جوّا من الضبابية وعدم الوضوح، يفنّد الصورة العادية المألوفة في أرشيف الذاكرة، ويجعلها في مواجهة غريبة وغير متوقعة. حالة محكومة بالأسئلة وعلامات الاستفهام والتعجب. التنكير هنا يفيد تأكيد حالة -النفي- السابقة لها، لأن الفراشات عندما توجد، فهي تعرف نفسها ولا تحتمل التنكير أو الانكار ولا الاستنكار.

إذا كان ذكر أو صورة –الفراشات- توحي بالمرح والفرح وتستبطن حالة الحبّ والعشق، فأن عبارة – انكار وتنكير الفراشات- يعكس ذلك الانطباع، ويترك في مكانه حالة من الحزن والافتقاد.

هذا العنوان يذكر بشاعر الربيع العربي الأوّل البحتري أبي عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى التنوخي الطائي الحلبي [820- 897م] المشهور بميميته التي مطلعها..

أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً.. من الحسن حتى كاد أن يتكلما



الشاعرة تترك الفراشات تتحدث عن لواعجها وخلجاتها النفسية غير العادية..

فراشات ُ اللهفة
ضلّلن الطريق إليّ
مُذ تركت ُ بيتي الصغير
يا بلادي الجميلة
مُذ نسيت ُ أن أسلك
درب َ مشتل الورد
في السريان الجديدة!



الفراشات هي رسل الحبّ أو ملائكته في عالم الشاعرة –الوردي- المرهف، ولا تريد أن تتخلى عنها أو تفتقدها لسبب ما، ولا تريد أن تستبدل – فراشات الورد- ب – نوارس بحر- تستعيض بها في قلق الغربة. استخدام الشاعرة – للفراشات- أو – النوارس- يحيل أيضا على المدوّنة التراثية السوريّة مشخّصة في شاعر سوري آخر هو أبو تمام حبيب بن أوس الطائي الحوراني [803- 845م] في لاميته الشهيرة..

أقول وقد ناحت بقربي حمامة.. أيا جارتا لو تعلمين بحالي

وإذا كان البحتري دالة زمن الرخاء والأمن والاستقرار، في ذاكرة القصيدة، فأن استعارة تقنية أبي تمام تكاد تكون أكثر انطباقا وانسجاما مع ظرف القصيدة والحالة النفسية للشاعر والشاعرة في زمنيهما. فاستعارة أبي تمام لصورة (الحمامة) اقترنت بافتقاده الحياة الطبيعية وحالة حريته المستلَبَة وراء – القيود- أو وراء – الحدود- راهنيا.

الوظيفة التقنية لفن الاستعارة أو الاحالة المعنوية الضمنية تدخل في باب التنزه عن المباشرة و- حوشية- القول أو الاسلوب الشائعة في أدب الحرب أو الاضطرابات، وهي نفس الغاية أو التقنية التي اقترنت بآلية بناء العنوان المرهف الوجيز. وهو أمر لا يشي عن نفسه للمرّة الأولى، دون أن يقتنص لزومه من التأمل والاستغراق، وهو ما ينبغي لتفهم ما يجري والتمعن في سيناريوهات الفوضى، بعيدا عن الانفعالات السريعة وسواد المباشرة. ويحق للشاعرة وداد نبي الامتياز بهذا التفرد وعذوبة التصوير والتقديم.. في خريطة ما ينشر هذه الأيّام..

*

وحيث ترد الفراشات لا بدّ أن يوجد –الورد- في أكسسوار المكان، وجملة – أثاث- القصيدة. لكن الظرف القلق وغير العادي انعكس بدوره على حالة (الورد)، فنقله من ورد مستقر متعشق بالمكان وتفاصيله إلى ورد محمول في سلّة (بائع الورد)، وكأن اجتياح الحرب للمكان جعل كلّ شيء ينقلع من أرضه حتى (الورد) و (الفراشة) و (البشر)!. فالورد المحمول، يبيع نفسه لمن يمنحه أمنا ورعاية. أو هو ورد في طور الاعداد (مشتل) حيث ينقل بعدها للاستقرار في الأرض أو حياة المنزل والعائلة. وباستقراء قاموس القصدة نرى الجدول التكراري للمفردات الرئيسة في لوحة القصيدة كالتالي..

فراشات – وردت دائما في صيغة الجمع والتنكير: ترددت- أربع مرات.

الورد – صيغة تنفع الجمع والمفرد ودائما معرّفة-: ترددتْ- مرّتين.

يا بلادي الجميلة: ترددتْ- مرّتين.

الرحيل: ترددتْ- مرّتين.

وحيدة – دالّة شخصية نفسية تحيل على الذات الشاعرة: ترددتْ- مرّتين.

نوارس بحر، قطيع غزلان: وردت مرة واحدة.

الطريق، درب، بيتي، قلبي، حبّ، غناء، لهفة، أشرعة، متاهات، تيه، ساحات، مدن، منارة، بحارة، استانبول، سوريين، بعيدة: وردت مرة واحدة فقط.

قصيدة (لا فراشات هنا) حافلة وغنية بالدلالات والرموز ومحفزة لقراءات متعددة، رغم تركيزها ودرجة التكثيف العالي المستخدمة فيها. وقبل نهاية القراءة، أشير إلى النبض الدرامي المتصاعد منذ بدء النص.. وبهدوء سريري يبلغ ذروته، منتقلا من حالة الاستقرار [بيت، درب، (حي) السريان الجديدة] عبر مفردات [الطريق إلى، الرحيل، أشرعة، متاهات تيه، بحر، بحارة] إلى حالة الهجرة والغربة نحو [مدن بعيدة]. وعلى الرغم من صيغة الخطاب الذاتي التي طبعت القصيدة، فأن الشاعرة تكاد تفلت نفسها من النهاية الدرامية للنص باستخدام مفردة (السوريين) ذات الدالة الجمعية غير المحددة.

وقد وردت مفردة (منارة) قبل نهاية القصيدة تفيد دالة – الاشارة أو الاستدلال- عند البحارة أو الرحالة على البعد. وتذكر صورة البحارة والهجرة بنص بابلي قديم يقول..

لقد نفتنا الآلهة..

غرباء حتى مع أنفسنا

نجوس أزمنة التاريخ والمستقبل

دون قيثارات

هكذا كان حكمنا الأبدي

رحلة بحارة يعشقون النبيذ..

ان لغة الشاعرة السورية وداد نبي تجمع بين عمق وصدقية الانفعال من جهة، وبين دقة وعفوية التعبير، فيتخلل النص وعي القارئ بمكنة وطواعية. وأدناه نص قصيدة الشاعرة وداد نبي (لا فراشات هنا)..

لا فراشات هُنا
وحيدةٌ
أحرسُ قطيعَ غزلانٍ
على وشك الرحيل
فراشاتُ اللهفة
ضلّلن الطريق إليّ
مُذ تركتُ بيتي الصغير
يا بلادي الجميلة
مُذ نسيتُ أن أسلك
دربَ مشتل الورد
في السريان الجديدة
مُذ بعتُ قلبي
لبائع ِ الوردِ بقصيدةٍ مؤجّلة
لا فراشات هُنا
يا بلادي الجميلة
نوارسُ بحرٍ
قناديلُ حبٍّ

ساحاتٌ للغناء
وأشرعة للرحيل
لكن .. لا فراشاتَ هُنا
وحيدة
كمنارةِ استنبول
أُغنّي لبحّارةٍ
يوصلون السوريين
بمتاهاتِ التيه
للمدن البعيدة.

[ويمكن مطالعة نصوص الشاعرة في صفحتها الخاصة على الشبكة الالكترونية، ومنها: الحوار المتمدن-العدد: 4499 - 2014 / 7 / 1 ]



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنظور الاجتماعي في قصيدة الشاعر بلند الحيدري (عشرون ألف قت ...
- المنظور الاجتماعي في قصيدة الشاعر ياسين طه حافظ (السيدة)..
- المنظور الاجتماعي في قصيدة الشاعر أحمد عبد الحسين :قول (قصة ...
- المنظور الاجتماعي في قصيدة الشاعر سلمان داود محمد (عندما حذف ...
- بورتريه شخصي للدكتور صلاح نيازي (5)
- بورتريه شخصي للدكتور صلاح نيازي (4)
- بورتريه شخصي للدكتور صلاح نيازي (3)
- بوتريه شخصي للدكتور صلاح نيازي(2)
- بوتريه شخصي للدكتور صلاح نيازي(1)
- بورتريه جانبي للدكتور شاكر النابلسي
- (مقامة أميرجيو)
- التنوير عربيا.. اشكالية المصطلح (3-3)
- التنوير عربيا.. اشكالية المصطلح (2-3)
- التنوير عربيا.. اشكالية المصطلح (1- 3)
- أصداء نظرية الفراغ في رواية منى دايخ (غزل العلوج)
- المنظور الاجتماعي في رواية ليلى جراغي: (الصدأ)..
- الياس فركوح: الصعود الى حلب!.. الهوية والانتماء في رواية -قا ...
- (موسيقى في الظلام)
- (البستاني ذهب مع الريح)
- لوسيف..


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - المنظور الاجتماعي في قصيدة الشاعرة وداد نبي (لا فراشات هنا)