أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعادة أبو عراق - فقه إدارة البؤس















المزيد.....

فقه إدارة البؤس


سعادة أبو عراق

الحوار المتمدن-العدد: 5366 - 2016 / 12 / 9 - 16:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


فقه إدارة البؤس
نقول إدارة البؤس كما نقول إدارة الديون وإدارة الأزمة ، بمعنى أن هناك اعترافا بوجود الدين أو الأزمة ونريد أن نتعايش مع هذه الأزمة وهذا الدين ،مع علمنا أننا غير قادرين على التخلص من هذه الأزمة في الزمن القريب، لذلك علينا أن نقبل الواقع ونتكيف معه.
والبُؤس والبَأس مصدران كلاهما من جذر واحد وهي الشدة التي تقع على الأنسان، ومن الإنسان، واكثر ما يطلق البؤس على شدة الفقر والحاجة
والبؤس حالة ملازمة لحياة المجتمعات البشرية، فهناك دائما طبقات معوزة، تبتدئ من أناس لا يملكون شيئا، أو أنهم يملكون القليل القليل ، ولعل كل مجتمع له تقييمه للبؤس والفقر، فقد تكون الطبقة البائسة في ألمانيا أو اقطر أو بروناي افضل بكثير من الطبقة المتوسطة في الصومال مثلا أو اليمن
يهمنا في هذا المقال أن نتلمس البؤس في مجتمعاتنا التاريخية منذ الجاهلية إلى ما قبل قرن من الزمان، من خلال تصور الحياة الاقتصادية والمعيشية للناس، فقد كانت الثروة متجمعة لدي الطبقة السياسية من أمراء وحاشية الخلافة والقادة العسكريين والولاة والإقطاعيين وشيوح العشائر، وهذه المجموعة لا تشكل أكثر من واحد بالمائة من المجتمع،
أما الطبقة العاملة في المجتمع فهم إما مزارعين ومعظمهم من العبيد الذين يعملون بالسخرة، بمعنى انهم لا يملكون العيش الكريم، أو طبقة الصناع الذين يقومون بصناعة الأواني الفخارية والنحاسية وينسجون الملابس ويخيطونها أو يصنعون أحذية وأدوات زراعية، وهذه الطبقة أيضا من العبيد أو الطبقات الدنيا المهمشة، من أهل الذمة من يهود ونصارى وغيرهم لأن العرب كانوا يأنفون من العمل اليدوي ويسمونه مهنة، وهي مشتقة من الامتهان أي الذل.
ومع احتكار قلة من المتسلطين الترف والحياة المرفهة جعلت الشعب يتسول على أعتابهم أو يموت كمدا وجوعا، كما أن قصاص السرقة بقطع اليد كان يحمي أملاك هؤلاء المتسلطين ويصب في صالحهم، وليس في صالح المعدمين، وليس هذا فقط بل هناك الأمراض التي تفتك بالأطفال والنساء والشيوخ وسنوات القحط والجفاف وغارات الصعاليك واللصوص وعصابات قطع الطرق والسبي والهجرات الداخلية والحروب، كلها كانت تشكل غيمة من البؤس تظلل المجتمع.
هذه الصورة المعتمة التي تتناقض مع الصورة التي يرسمها لنا أنصار قيام الدولة الإسلامية، على أنها النموذج الأمثل في الحكم، ما كانت لهذا البؤس أن يخيم لو أن الأئمة والفقهاء وجهوا الفقه والفكر الديني من االتركيز على العبادات إلى تناول الإصلاح السياسي والإقتصادي والاجتماعي والتعليمي والصحي، لكن الفقهاء وهم الفئة المتنورة الواعية، راحوا يقولون أن العمل الدنيوي عمل غير مأجور، لذلك تم إبعاد الناس عن العمل الدنيوي إلى العبادات، ومعادات علماء الطب والطبيعة والفلسفة ، كابن سيناء وجابر بن حيان والخوارزمي والفارابي وغيرهم، وإلصاق تهمة الزندقة بهم,
هنا نشأ فقه موازي، وهو ما أسميته فقه أدارة البؤس ، فبدلا من أن يقوم الفقهاء بالحض على الإصلاح الزراعي بتهيئة الأرض وتعميرها، والرفع من شأن الأيادي المهنية والمهارات الصناعية وتعميق الاتجاه الدنيوي للعمل على رقي المجتمع ونمو الحضارة، راحوا يستخدمون الدين للقبول بما هو واقع ويروجون لشعار ( ركعتين لله افضل من الدنيا وما فيها) ، وقواعد هذا العلم قام على ما يلي:
1- تم التأسيس لهذا الفقه على قاعدة الإيمان بالقضاء والقدر، فكل ما يحدث لك إنما هو مقدر عليك من الله، قبل أن تولد، وان الأنسان لا يمكن له أن يهرب من القدر ويتقي ما هو مكتوب عليه، أكان هذا بفعل مقصود من الحكام والبشر ام الصدفة المحضة، لذلك تكرس مبدأ الاستكانة والخنوع للظلم والعسف، على انه مكتوب في اللوح المحفوظ، ونشأ على ذلك مذهب القدرية.
2- ظهور مبدأ التصوف الذي يرتقي فيه المؤمن بمراتب متدرجة إلى أن يرى نفسه جالسا بجانب الله أو في أحضانه، وهذه الحالة هي انفصال أو فصام تام عن الواقع، هدفه إشباع كاذب للرغبات الإنسانية الجائعة، إلى الاهتمام والرفعة والثقة بالنفس ، وهو لا يزيد عن كونه هروب من واقع مؤلم إلى نعيم ورقي وحظوة بالقرب من الله.
3- الإعلاء من قيمة الصبر، أي أن تحتمل ما أصابك دون تذمر، ذلك أن الله قد مدح الصابرين وأثابهم على هذا الجهد،( وبشر الصابرين ) و رغم أن الصبر الذي دعانا الله إليه ما كان إلا كي يأخذ العقل وقتا يستطيع به أن يتخذ القرار الصحيح بعيدا عن الرد الانفعالي، لكن أصبح الصبر حيلة من لا حيلة له، أي إعطاء التفكير إجازة من مهمة التحايل على المشكلة وإجاد الحلول الناجعة لها، إلى قبولها بمازوخية التلذذ بالألم.
4- تعظيم قيمة الزهد والقناعة والاكتفاء بالقليل، واعتبار أي شيء قليل نعمة كبيرة من عند الله، وما هذا إلا قتل لأي طموح نحو التحسين وزيادة الدخل، وأن الاكتفاء بالقليل هي القناعة المستحبة، والاقتصاد في كل شيء هو فضيلة ما بعدها فضيلة، حتى التنعم باللباس والفراش والأكل هو أمر رفاهي فيه إسراف غير محبب، وذهبت بنا هذه النظرية إلى أن تقتصد حتى في الضحك، ذلك أن الضحك سيعقبه غم.
5- قتل القيم الجمالية في الذائقة العامة، إذ أصبح التنعم وبناء المساكن وارتفاع البنيان وتحول المجتمع البدوي إلى مجتمع حضري يسكن المدن من علامات الساعة، وهذا تبرير تابع من قلة الحيلة والضعف المادي، وكذلك الفنون كالرسم والنحت والموسيقى والغناء، فلا ضرورة لها ما دمنا نستطيع العيش بدونها، وخاصة أنها تلهي عن ذكر الله.
6- الإفراط في العبادات من صوم وصلاة كتعويض عن عدم القدرة على الكسب، فاكتساب الحسنات عند الله هو نوع من التعويض عن الكسب المادي شبه المعدوم في هذه الدنيا.
7- ظهور كثير من الأقوال والشعارات والحكم التي تؤيد الاستكانة مثل (الكف ما بلاطع المخرز)، (اليد اللي لا تقدر عليها بوسها وادعي عليها بالكسر)
هذا المفاهيم التي تم بها تبرير البؤس بها, نشأ عنها ما لم يكن في الحسبان
1- انتشار مذهب الفردية، إذ اصبح عمل كل فرد لنفسة ابتداء من العبادات التي يكسب ثوابها، وانتهاء بسعيه المحدود لسد رمقه ورمق عياله، وهنا انتفى العمل الجماعي، وتبخر فائض الطاقة عند الخيرين والمبدعين والمبادرين، فالرقي والتقدم يحتاج إلى شخص ملهم واتباع ينفذون ويعملون معا ضمن مشروع ذهني واحد.
2- انتشار قيمة الرضا والقناعة، وأصبحت بديلا مريحا يكفي الآخرين عناء العمل، وأصبح الدعاء إلى الله بالرزق والغنى هو المتاح أمام الجوعى والعاطلين والكسالى، وصار انتظار الرزق المؤمل، بديلا عن التفكير الجاد بالوسائل الحقيقية التي تجلب الرزق والمال بشكل مؤكد.
3- مع هذا الواقع المجدب، هربت الكتابة أيضا من الواقع إلى الخيال، الشعر أصبح مهارات بلاغية، وهربت من المفكرين موضوعاتهم البناءة، وراح الفقه ينصب على سيناريوهات العذاب في القبور وفي جهنم ، والنعيم في أحضان الحور العين والملذات التي لا أول لها ولا آخر، بل أصبحت الحياة البشرية عند ابن تيمية بلا قيمة، فيفتي بالقتل كما لو أن البشر ذباب يجب التخلص منه أتفه الأسباب بقوله المأثور (يستتاب وإن لم يتب فيقتل) وأحصاها صديقنا الباحث أسامة عكنان في كتاب الفتاوى فكانت 480 فتوى بالقتل لأسباب تافهة, مع أن عقاب القتل لم برد في القرآن جزاءً على أكبر الذنوب.
4- في هذا الاختلال البيئي والاقتصادي والفكري. حدثت الهجرات والحروب الداخلية وخاصة مع الكوارث الطبيعية من زلازل وقحط وجراد، ولم يكن الولاة والسلاطين يرون من واجبهم مواجهة ذلك، فإن كثيرا من القرى الزراعية أقفرت ودمرت أو فنيت، ولا اعتقد أن مؤرخينا كانوا يهتمون بالتاريخ البيئي والاجتماعي,
5- أصبحت الحياة الاقتصادية ووسائل الكسب معتمدا إما على التسول على أعتاب الأثرياء ومحتكري المال، أو الغزو والسلب من أي جهة يمكن استهدافها، ولقد ورثنا تعظيما للكرم وحسبنا بها العرب كرماء وهم ما زالوا نطفة، والحقيقة، ما كان إلا مديحا كاذبا لمن يرجون منه عطاء، وأورثنا هذا أطنانا من الشعر الكاذب، كما تم تعظيم الصدقة عند الله، حتى أن الكافر يتمنى أن يعود إلى الدنيا ليتصدق لا ليصلي، وما هذا إلا حض على البذل بسبب مشكلة الفقر المتفشي،



#سعادة_أبو_عراق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليس كابوساً / ادب غرائبي
- تديين العادات
- حد الرجم في الإسلام
- مصدرا الخير والشر
- صورة الله
- هل فرض الله القراءة
- ظاهرة العنف الطلابي في الجامعات الأردنية
- الوباء - من الأدب الغرائبي
- غواية الموت
- لماذا رفض الصحابة تدوين الحديث
- الاجتياز
- جيوش عربية من ورق
- لماذا ابتعدنا عن ثقافة المطالعة
- فقه العقاب وفقه المعالجة
- يا إلهي كم من الجرائم تقترف باسمك
- أضواء على المثلية الجنسية
- بين الدين والفكر الديني
- المرأة في الفقه البدوي
- العنوسة
- مذهب النقل والعقل في تراثنا


المزيد.....




- تقرير فلسطيني: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى
- مصر.. هيئة البث الإسرائيلية تكشف اسم رجل الأعمال اليهودي الم ...
- كهنة مؤيدون لحق اللجوء يصفون حزب الاتحاد المسيحي بأنه -غير م ...
- حجة الاسلام شهرياري: -طوفان الاقصى- فرصة لترسيخ الوحدة داخل ...
- القناة 12 الإسرائيلية: مقتل رجل أعمال يهودي في مصر على خلفية ...
- وزيرة الداخلية الألمانية تعتزم التصدي للتصريحات الإسلاموية
- مراجعات الخطاب الإسلامي حول اليهود والصهاينة
- مدرس جامعي أميركي يعتدي على فتاة مسلمة ويثير غضب المغردين
- بعد إعادة انتخابه.. زعيم المعارضة الألمانية يحذر من الإسلام ...
- فلاديمير بوتين يحضر قداسا في كاتدرائية البشارة عقب تنصيبه


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعادة أبو عراق - فقه إدارة البؤس