أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعادة أبو عراق - ليس كابوساً / ادب غرائبي














المزيد.....

ليس كابوساً / ادب غرائبي


سعادة أبو عراق

الحوار المتمدن-العدد: 5365 - 2016 / 12 / 8 - 15:50
المحور: الادب والفن
    


ليس كابوسا

حينما نهضْتُ من النوم هذا الصباح ، لم أكن مباليا بأن الشمس لها لون جديد غير ما عهدناه من ألوان ، كانت أشعتها أشبه بشلالات من الهلام، تصفع النافذة وتتلاشى، والهواء ثقيلٌ، تشعر بكثافته، كأنك تخوض في الماء، الغيوم حمراء تسير في السماء قطعانا من أيائل أو جمال أو قرود وخنازير، حسب خيال الرائي الذي يؤول أشكالها إلى ما يحبه أو يخشاه .
وكانت زوجتي قد استفاقت مبكرا وراحت تقطع رأس ابننا وتعطيه لأخيه الأصغر، لم أسألها لأنها أخبرتني أنه مريض وتود أن تبقيه في البيت كي يرتاح حتى يتحسن، ها هي قد فصدت رأسه ومسحت بفوطة مبلولة الدمَ الذي خضب الأرض، وذهبت بجثته إلى الثلاجة كي لا تتلف قبل أن يرجع أخوه بالرأس من المدرسة، لم يصرخ كثيرا وهي تحز رقبته ولا أصابني الذعر ولا أخذتني شفقة أو رعشة حنان، ذلك أنني بالأمس اقترحت عليها أن تفعل ذلك، وأن يأخذ أخوه الرأس إلى المدرسة، فالعلم مقره الرأس، يضعه في الصف، ويحضر الحصة كما الطلبة، ثم يعيده وقد استوعب الدروس، لم تجادلني في فكرتي فقد رأتها وجيهة حد الإبداع.
خرجت دون إفطار، لم تسألني زوجتي عن وجهتي، ذلك أننا فقدنا ملكة التذكر والتخطيط، والشعور بالزمن، وفقدنا الشعور بأنفسنا، خرجت كما بدا لي أن أذهب بمثل هذا الوقت، ولكنني آثرت الخروج من طاقة الحمام المشرعة لا لسبب، إنما هي الفكرة التي داهمتني ووجدتها جديرة بالتنفيذ، خرجت مرتديا نفسي التي اخلعها والبسها، كعمل روتيني أمارسه كل يوم ، وكان المشهد هذا اليوم جديدا، أرى أعمدة من ضياء، تتصعد من الأرض إلى السماء تخترق الهواء الذي صار له لون البياض الضبابي، تجعل الأفق غير واضح ولا هو مرئي، أشعر انه جميل ، ولا اعرف ما مصدر الجمال، بدا لي أن الأبنية والجبال أصبحن أعمدة شاهقة، توحي بالصلافة والجفاف، ما كان بإمكاني أن أتأكد أن الأبنية صارت على هذا النحو، فهي بعيدة قريبة عني، أكاد أن المسها، لكنها بعيدة، يدي التي أمدها إلى الأفق لا تصل إليها، فأعود من هذا التعب الفكري إلى نفسي التي كادت أن تفارقني.
هذا جاري الذي يقف على مبعدة من بيته، يرتدي ثوبا يوشي بارتياح غريب، أراه ينظر إلى الجرافة الصفراء الضخمة التي تفتك بيته الحجري المطهم بالرخام، تتناثر اجزاؤه كحالة من الغضب والعصاب التي أصبحت تصيب البيوت والجبال والطرق، دنوت منه لأسألة لماذا تهدم بيتك الحديث ،قال إن أحدا أراد أن يمارس هوايته المفضلة في هدم البيوت، قلت حقا إنها هواية ممتعة، وهل طلب منك ذلك؟ قال لم يطلب مني مباشرة ولكن حينما ابتدأ بالهدم لم اسأله التوقف، ولكنه ابتسم وقال لي انك سوف تكسب متعة مضاعفة وأنت ترى بيتك وقد سوي بالأرض، قلت لا شك انك مستمتع الآن قال وهو يمج سيجارته، ويطفئ عقبها في يافوخ طفله الواقف بجانبه، وكيف تراني ، تأملته وقلت له أما بمقدوره أن يجعلني استمتع أنا أيضا بهدم بيتي، قال كلّمه، عساه أن يفعل ذلك، فقلت له قل له أن يهدم بيتي وأعطيه أجرته، قال لي سأكلمه .
تركته مستغرقا في متعته ونشوته التي غيبته عن ملاحظة انصرافي، مشيت، لكن من أمر قدمي بالمشي؟ من توجه بي نحو متنزه الحي؟ كان هناك صهريجا كبيرا لنقل البترول، يتقدم رويدا من المتنزه، والسائق يمد من مؤخرة الصهريج أنبوبا مطاطيا ثخينا وطويلا، يريد أن يسقي شجيرات المتنزه التي بدا عليها الجفاف، كان الأنبوب يقذف نفطا له رائحة محرشة ، يغدق به على الشجيرات ويرشها كي ينظفها، سألته إن كان النفط أفضل من الماء، لم يجبني، لكنه بعد أن أفرغ الحمولة جاءت حافلات ودخلت المتنزه تفرغ حمولتها من مئات البشر، قال لي حينها هل تحب أن تحترق قلت لا ،قال إذن اصعد مع، صعدت الناقلة بينما هو راح يشعل كتلة قماش ملفوفة على رأس عصا، ويقذف بها على مستنقع البترول، ويشب حريق هائل، أبهج قلبي، أن أتصور طقوس الاحتراق، لكن السائق مضى بي بعيدا وما مكنني من أن أرى هذا الشواء الذي يقام في هذه الحديقة العامة،غضبت منه فقد حرمني لذة المشاهدة التي ترى فيها جهنم الحقيقية، شتمته وشتمني لكنه عند أول إشارة ضوئية أنزلني ،وغادرني دون اهتمام.
مشيت كأن قدماي تسيران بي دون إرادة مني أو توجيه، قادتني إلى ساحة كبيرة، أظن أني اعرفها، كان بها خلق كثير، وعلى المنصة كان هناك من يعلق كلابات على خشبة مرتفعة، ونساء تتعرى تماما، ينظر الناس إليهن كمشهد عادي، ليس فيه إثارة أو شهوة، وهناك من يأتي بالكلابات الخطافية، يدخلها بأعقاب أرجلهن ،ويشدّهن إلى أعلى، وتعلق على الخشبة كما تعلق الخراف، كان شعرهن الطويلة يصل الأرض، وأيديهن تنتفض، يمارسن صراخا جميلا خافتا، كأن حناجرهن قد أعطبت، قطعوا رؤوسهن، بعد سلخ الشعر، فجمجمة الرأس ليست مطلوبة، لم تنتفض أجسادهن كما تنتفض الخراف أو الدجاج تعلقا بالحياة، أراد الجزار أن يسلخ الجلد، لكن أحد العقلاء قال، لا داعي لسلخ الجلد، فجلد النساء لذيذ الدهن، فاستجاب الجزار لهذه الفكرة المعقولة وبدأ التقطيع، ابتدأ بالأثداء التي كانت مشتهاة من الجميع فبيعت بالثمن الأغلى، ألا الرأس فقد كان بخسا، ثم تابع الجزارون تقطيعهن قطعا ،وكل يأخذ حسب دوره المحدد والمرقوم على ورقة تحدد نوع حصته وكميتها، انتظرت طويلا لعلي اظفر بقطعة لحم نسائية، انفضَّ الناس وقد قضوا وطرا من شهوة عز إشباعها، تسولت قطعة امضغها أحملها ظافرا لزوجتي، اشبع نزوة تولدت في نفسي لكن الجزارون كانوا أقسى من أن تلين قلوبهم، إلا واحدا قال لي هناك رأس يمكنك أخذه، ذهبت إليه، كي أظفر بشيء مهما كان بخسا، حملته أتفرس به فوجدته رأس زوجتي .



#سعادة_أبو_عراق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تديين العادات
- حد الرجم في الإسلام
- مصدرا الخير والشر
- صورة الله
- هل فرض الله القراءة
- ظاهرة العنف الطلابي في الجامعات الأردنية
- الوباء - من الأدب الغرائبي
- غواية الموت
- لماذا رفض الصحابة تدوين الحديث
- الاجتياز
- جيوش عربية من ورق
- لماذا ابتعدنا عن ثقافة المطالعة
- فقه العقاب وفقه المعالجة
- يا إلهي كم من الجرائم تقترف باسمك
- أضواء على المثلية الجنسية
- بين الدين والفكر الديني
- المرأة في الفقه البدوي
- العنوسة
- مذهب النقل والعقل في تراثنا
- إلى الكتبة الفلسطينيين الذين يزيفون الوعي


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعادة أبو عراق - ليس كابوساً / ادب غرائبي