أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد لفته محل - العراقي والزواج















المزيد.....


العراقي والزواج


محمد لفته محل

الحوار المتمدن-العدد: 5359 - 2016 / 12 / 2 - 21:20
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الزواج مؤسسة اجتماعية قديمة وضعتها الجماعة لتقنين العلاقة الجنسية بين الجنسين وضبطها بما يتلائم والنظام الاجتماعي للحفاظ على تكاثرها، وهي تتولى الإشراف على طقوس الزفاف فجعلت الإشهار والطقوس الجماعية من أساسياته عند كثير من شعوبها. وهي مؤسسة قديمة قدم الجماعة أما الإباحية أو المشاعية الجنسية التي افترضها العلماء من الإناسة والاجتماع لفترة طويلة كمرحلة سبقت ظهور مؤسسة الزواج، تخالفها وثائق اثنوغرافية كثيرة تبين أن الزواج الأحادي هو السائد عند معظم الشعوب الدنيا المعاصرة وإن كلمة طلاق غير معروف لدى بعض منها(1). والزواج محطة مفصلية وقيمة اجتماعية دينية في المجتمع العراقي فهو يعتبر نصف الدين ونصف العقل فيقال على الطائش (من يتزوج يعقل) لأنه أشبه بطقس العبور/التأهيل (initation) عند المجتمعات البدائية، فقد كان الزواج في المجتمعات القديمة ("حدثاً خارقاً لأنه يقرب الإنسان من المقدس ويشركه في الفعل الإلهي المتمثل في الخلق وإثراء الحياة في جميع وجوهها")(2) وكما يقول الياد (الزواج الإنساني يعتبر تقليداً للزواج المقدس الكوني) حين يعلن الزوج لعروسه في المجتمعات البدائية "أنا السماء" وأنت (الأرض)" تشبهاً بالسماء والأرض، فهو مماثلة للظواهر الكونية (مطر، بذار)(3) فالأسطورة الدينية هي الأنموذج ألأمثل للزواج الإنساني(4). والزواج احد عوامل (إزالة الشعور بالذنب في النشاط الجنسي) أما في علم النفس فالزواج (قنطرة عبور بين احتياجات المجتمع لكي يحافظ على كيانه واحتياجات الأفراد لتحقيق ذاتهم وهو بناء تأسيس لإشباع توقعات كل من الفرد والمجتمع وهو أحد الشعائر المهمة للعبور من تبعية الطفولة إلى الحرية والمسؤولية المميزة للشخص الراشد)(5) فالذكر حين يبلغ يصبح (رجال=رجل) والأنثى حين تبلغ تكون (مرة=امرأة) عندها يكونا قد بلغا مرحلة الزواج، لكن تبقى المرأة العزباء تسمى (بنية=بنت) ويبقى الرجل الأعزب يسمى (ولد) حتى يتزوجوا لتتغير حالتهم الاجتماعية، والفرق بين العزوبة والزواج فرق نوعي اجتماعياً فمثلما يسأل الشخص عنه جنسه وعمله في المعاملات يسال عن الحالة الزوجية كذلك، وتتغير حقوقه على ضوئها، وللمتزوجين أسرار يجهلها العزاب حتى يتزوجوا، والزواج يعتبر كالقدر (قسمة) لان ابنة الشرق قد تكون لابن الغرب أو العكس كما يقال! وهذا المثل التعبير المكثف لقانون الزواج الخارجي، فترى الرجل حين يتشاجر مع زوجته يقول لها (خره بالقسمة، مو خوش قسمة)، ويمكن تفسير قدرية الزواج بالضرورة الاجتماعية والقيود التي تضعها الجماعة على الفرد لاختيار ألزوجه المثالية (كشرط تماثل الدين، قبول الأبوين من الخاطب والمخطوبة، والسمعة والأخلاق، والحسب والنسب، وشرط البكارة وصغر السن الخ) ما يجعل حظه بالاختيار محدود. هذه النظرة المثالية الدينية والأخلاقية، لكن للزواج نظرة أخرى سلبية يتبناها بعض من الرجل فالزواج في نظرهم (شر لابد منه) ودائما يصف الرجل أيام عزوبته بأنه كان (طير حر) وهذه التسمية جاءت لان الزواج يسمى (القفص الزوجي) والعائلة حين تريد التخلص من مشاكل ابناها ينصحهم البعض ب(زوجوا وخل يتورط) أو (اربطو بمرة)، وبعض المتزوجين يحسد العزاب وينصحوهم بعدم الزواج، لأنه مسؤولية وسلب للحرية ووجع الرأس وتورط بالمشاكل وحمل أكياس الخضار (المسواﮒ=المسواق) كما يقولون، وهناك بعض الرجال والنساء يلعن ساعة زواجه (خره بساعة السوده اللي عرفتني بيك).
الزواج يرفع من شأن الرجل والمرأة وعندما يأتيهم أطفال ترتفع مكانتهم أكثر فالرجل بالأطفال يدل على رجولته والمرأة تدل على خصوبتها، ويجب أن تسميهم الناس احتراما لهذه المنزلة (أبو فلان) أي أبو الطفل الأول والذي يفضل أن يكون ذكرا و(أم فلان)، وهذه العادة ترجع إلى العهود السومرية حيث كانت بعض الآلهة تسمى بأبوتها مثل الإله (ابو شنم)(6) والآلهة (ابو ننازو)(7) وعند جماعة "الكري" في أمريكا الشمالية لا ينادي الزوج زوجته إلا بأم ولده(8) ويمكن اعتبارها علامة تميز المتزوج من الأعزب لأنه كما قلت أن الزواج من شعائر العبور/التأهيل، وعليه فالمجتمع يقدم المتزوج على الأعزب والفحل على العقيم والخصبة على العاقر. لان الزواج هو شرط استمرارية الفرد بعد موته لذلك تسمى الذرية (خُلفه=أبناء يخلفوه) وبعكسه يقال (ما يخلف=لم ينجب أبناً يخلفه) وحين يموت الأب تقول الناس (الخلف ما مات) ويعزّون أبناءه (البقاء في حياتك) الذين يجب أن يكونوا في مقدمة العزاء لاستقبال المعزين ويجب أن تكتب أسمائهم على لافتة الوفاة السوداء لان الأبناء هم الخلف الذي سيواصل سيرة الأب وسمعته ومساعدته بالأعمال الخيرة في العالم الآخر. واعتبراً لذلك يمجد المجتمع الذرية الكثيرة لأنه يعتبرها (خير من الله) وأي طفل سيأتي يرسل الله معه (رزقه) حتى لا يفكر أحد بأعباء المعيشة، وواضح أن هذه الاعتقادات هي ضمان توريث الملكية للخلف وفكرة بدوية أيضا لمواجهة خطر الصحراء، لذلك فكرة تحديد النسل مستهجنة وحرام عندنا اجتماعيا. والمجتمع يمجد المرأة الولود ويصف الرجل أو المرأة الخيّرة (أبن حمولة أو بت حمولة=التي تحمل وتنجب) حتى أن الزواج ينفسخ إذا لم تكن المرأة تنجب أطفالاً لان وظيفة الزواج اجتماعيا هو التكاثر قبل إشباع الرغبة الجنسية وهذا ما تؤيده تقارير الإناسة (الاثنوغرافيا) إذ أن كثير من الشعوب تسمح بإقامة علاقة قبيل الزواج للتأكد من خصوبة الزوجين فإذا حدث الحمل تم الزواج وبعكسه ينفسخ على الأرجح(9) ووتتعرض المرأة العاقر للاحتقار كشيء لا فائدة منه ومخالف للطبيعة عند البدائيين(10) ويمكن اعتبار الخطوبة لدينا التي تباح فيها أشياء محرمة هي بقايا لتلك الحرية الجنسية، وهذه الحقيقة ملموسة في مجتمعنا الذي يستكره مجامعة الزوجة الحامل أو مضاجعتها من الخلف أو أثناء الطمث وهذا دليل آخر أن التكاثر وليس الرغبة الجنسية هو سبب الزواج. لان الزواج كما يقول (ويسترمارك) يتأسس على العائلة أكثر مما تتأسس العائلة على الزواج لان لدى كثير من الشعوب لا تبدأ الحياة الزوجية إلا بعد ولادة طفل(11). إن القاعدة العامة للشعوب البدائية تقتضي أن يتزوج كل من يصل إلى البلوغ(12) والمرأة العازبة التي ليس لها أطفال لا مكان لها في الحياة الاجتماعية لديهم، لان الوظيفة الأساسية لها هي إنجاب الأطفال أولا(13) فالعزوبة حالة نادرة عند الشعوب ذات النصيب الضئيل من الحضارة ويعدون الزواج واجباً(14) وبعض القبائل تنعت العازب بسخرية مثل (الكسالى والمسنين وغير النافعين) ويصنف كالسارق والساحر واللارجل(15). وللعزوبة معتقدات دينية حيث أن الأعزب لا احد يقدم واجبات الدفن له أو تقديم الأضاحي(16) والعزوبة محصورة في الذين يؤدين طقوس دينية عند كثير من الشعوب(17).
ورغم تطور المجتمع مدنياً لازال الزواج على يد المعمم هو الزواج الشرعي أما زواج المحكمة فهو لضمان الحقوق فقط! أي لازال الزواج مقدس لدينا ويحتفظ بتاريخه الديني في ذاكرتنا، وعند التقدم للخطبة يفضل مرافقة رجل دين يبتدئ كلامه بموضوع ديني لمفاتحة الأهل بالخطبة، يسبقه بأيام ارسال الأم والاخوات فقط لدار الفتاة لرؤيتها ومفاتحة اهلها بموضوع الخطبه وهي اشبه بجس النبض والاستطلاع. ولازال مجيء عائلة الخاطب وأعمامه وأخواله ضروري لبرهان التضامن أمام العشيرة الأخرى وعند الموافقة تقرأ الفاتحة بين الرجال المفصولين عن النساء بالمجلس تعم الزغاريد بين النساء كبداية للإشهار وقد يستخدم الرجال أطلاقات النار كعلامة على الإشهار وتبيان لقوتها المسلحة امام العشائر الأخرى. من تقاليد الزواج في مجتمعنا أن الرجل هو من يتكلف مصاريف الزواج من شراء غرفة النوم وفساتين وذهب العروسة وإقامة حفلة يوزع فيها الطعام والعصير، ويعتبر المهر والمؤخر علامة على مكانة المرأة ترتفع بارتفاع سعره وتنخفض بانخفاضه حيث تتقول عنها النساء بأنها (عوبة، ضالة محد ياخذها او محد يلفيها أو ممصدكة تتزوج) إذا كان مهرها منخفض، ويسبق الزفة ما يعرف ب(الحنة) حيث تحنى كف العريس والعروسة وتقام في بيتها الحفلة، ولحظة الزفاف تعم الزغاريد والرقص والموسيقى وترمى الشكولاتة وتُبخ الأشرطة الملونة، بينما السيارة المنمقة (مزورقة) بالبالونات والأشرطة والورود تكون بانتظارهم، التي تأخذهم أما إلى الفندق أو بيت العريس أو أهله، وزي العريسين يكون السترة والرباط للرجل والفستان الأبيض للمرأة كرمز إلى عفتها ربما كون شرف المرأة يشبه بالقطن الذي يتأثر بأي شائبة صغيرة. ويجب أن تتم دعوة الأقرباء والأصدقاء والجيران الذين بدورهم يجب أن يقدموا مال أو هدايا (واجب) كنوع من التكافل الاجتماعي وهو ما يسميه (موس) رد الهبة، وتكون وليمة جماعية للمدعويين أشبه بالوليمة الطوطمية يجب أن يشارك فيها الجميع بشراهة، والوليمة إناسيا توحد الجماعة خلف مثالهم الجمعي. ويجب أن لا يحضر الإخوة والأب للعرس وهذه العادة موجودة لدى شعوب بدائية كثيرة(18) لاعتقادات مختلفة منها الخجل من نوم ابنتهم مع رجل آخر. ولا يتزوج الصغار قبل الكبار لدى معظم الشعوب ذات المستوى المتدني من التحضر(19) كما حاصل لدى العرب والعراقيين.
يبلغ الزواج ذروته في ليلة الدخلة التي تنقل المرأة من بيت أهلها إلى بيت زوجها واترك الكلام لأستاذة علم الاجتماع (مباركة بلحسن) التي لها مقال رائع عن الزواج (الفتاة الحسانية وطقس الزفاف: مقاربة أنثروبولوجية) تتحدث فيه بجرأة فتقول (تعتبر ليلة الدخلة من أهم المراحل الطقوسية التأسيسية والانتقالية، لذلك فهي من الليالي المصيرية للرجل والمرأة معاً لكونها لحظة حرجة يتم فيها تصادم وتصارع بين العذرية والرجولة، وبين الشوق والخوف.)(20)(والغريب أن هذا التحضير يصاحبه الشجار والبكاء، بعد تلقين العروس، قبل الزفاف، تصرفات على أنها غير راضية في الخروج من بيت أهلها)(21) وهذا البكاء فسره الباحثون على أنه آثار باقية لحالات الزواج القائمة على الخطف في التاريخ، إذ يشكل بكاء الخطيبة عند الشعوب السلافّية عنصراً احتفالياً أساسياً، وهذا حال قبائل "باغاندا" وروسيا وشعوب "اوغروفينوا" (فنلندا)(22) وقد كان الأمر شائعا في الجزيرة العربية قبل الإسلام(23). فهو (امتحان للزوجين "ليلة الدخلة" الغرض منه تقديم برهان على احترامهما لمعيار الرجولة والعذرية، وامتحان للأقارب الذين تهمهم مسألة الشرف)(24) فالقلق يساور الرجل والمرأة حتى إتمام العملية، فالمرأة تثبت عذريتها والرجل فحولته لأنه معرضاً للارتباك أو البرود الجنسي الذي يفسره غالباً بالسحر المعمول ضده من نساء يغارن منه، وهو ملزم اجتماعيا بفض بكارتها من الليلة الأولى ولو تطلب ذلك القوة والعنف، ويجب على العروس أن تتمنع على عريسها كإثبات على غلاء شرفها وعفتها، وهذا المبدأ معمول به عند كثير من القبائل المحلية القاطنة في الهند اذ يقوم الرجل بتمزيق ملابس عروسه بسكين كونها ربطت نفسها بسيور جلدية او تهرب ويقوم بمطاردتها عند بعض القبائل الأخرى(25) ويلقن الرجل أن فض البكارة على الأرض أفضل من السرير وأن لا يجامعها بعد فض البكارة لمدة يوم، حتى لا يتضرر مهبلها، وهذا التصور لا يؤيده الطب وإنما معتقد إناسي تمارسه بعض الشعوب حتى لا يختلط الدم بالمني فيولد الطفل مريضا أو مشوها لاعتقادات تتعلق بخطورة دم الزواج(26) وفي مجتمعنا يحضر مجامعة الحائض لان الأطفال يخرجون (نغولة أو سود) رغم أن الحيض هو لفض للبيضة بالتالي استحالة الحمل، والعروسة ملزمة أن تحفظ دم بكارتها على قطعة قماش بيضاء لتعرضها على أهل زوجها وأهلها (والواقع أن البكر تجد نفسها مرغمة، في إطار الزواج، على قبول الجماع و الافتضاض ولو لم يمتلئ قلبها بحب العريس، لأن هذا من واجبها وإن كان قلبها ملك رجل آخر.)(27)(لأن الرغبة في مجامعة البكر لدى الرجل هو الرغبة في امتلاك ما قد يفقد خلال ما سمي "المرة الأولى") (أمّا موقفهم هنا في بنيته العميقة، فهو عائد لنظام الملكية، بقيمه البطريركية والقبلية)(28) المجسدة بالعفة والعذرية الجسدية للمرأة دون الرجل. ويقدم فرويد تفسيرا إناسياً جزئياً لحرمة البكارة لدى البدائيين لكون الدم له حرمة مستمدة من تحظير القتل(29) وبعدها (يتم الإشهار بنجاح عملية الافتضاض في ظروف ساخنة ومشحونة، لأن هذه العملية ليست حدثاً خاصاً بالزوجين فقط بل هي مسالة تهم إلى حد بعيد عائلتي الزوجين وذلك للتأكد من شرف الابنة وحسن اختيار الابن لها) وإذا لم تكن العروس باكر (ثيب) يتم إعادتها لبيت أهلها ومن حق الرجل استرجاع مصروفات التجهيز كالذهب والملابس الخ. ومن الواجبات الأهل أن يقدم (قيمر) فطور صباح اليوم الأول من أهل العروسة، وحين تجتمع العروسة بصديقاتها (يكون هذا مناسبة للقاء صديقاتها خاصة لتبادل الانطباعات والخبرات وكل ما يتعلق بليلة الدخلة والحياة الجنسية)(30) ويُسأل الرجل من المقربين (كمّلت شغلتك؟، أو طلّعت فلوسك؟، دبرتها؟ انكسرت الشيشة؟=فض البكارة) أما المرأة فتكون خجله محمرة الخدود في الصباح الأول بعد الزفة أمام أهل زوجها.
بعد الزواج تبدأ مشاكل جديدة للزوجين بدءًا من الإنجاب حيث تلح العائلة على معرفة خصوبة المرأة وفحولة الرجل بقولهم (اكو شي بالطريق؟ يله فرحونا بطفل) فإذا حدث أي تأخر بالحمل بدأت الأقاويل التي تشك في خصوبة المرأة أو بفحولة الرجل، وأم المرأة تلح أيضاً على ابنتها كي (تربط) زوجها بالأطفال كضمان على عدم تطليقها أو الزواج عليها، لأن التي لا تنجب يحق للرجل الزواج عليها أو تطليقها، فيبدأ الحديث عن السحر المعمول ضدها (تابعة، مجبوسه، منفوسه) الذي ينبغي فكه بسحر مضاد أو زيارة قبور مقدسة، حتى إذا حبلت بدأت الأقاويل عن جنس الجنين هل هو ذكر أو أنثى، وتحاول الأم إخفاء خبر جنس جنينها إذا كان ذكر خوفا من الحسد والسحر الذي قد يقتل جنينها أما إذا كان الجنين أنثى بدأت الشماتة والتشفي والأقاويل السلبية من النساء المحيطات عن كون هذه المرأة لا تنجب ذكور! وكما يقول المثل (مكروهة وجابت بنت) (لاحظ أن كلمة ولادة من جذر ولد أي أن العرب يفضلون المرأة التي تلد ذكور، فالتسمية منحازة) والمشاكل الأخرى بين الزوجة وعمتها وحمواتها في السيادة على الزوج أو البيت والتحكم بمصرفه ومواقفه والغيرة والنفاق بينهما ومحاولة استمالة الرجل في صف كل منهن.
أما مشكلة الخيانة الزوجية فهي من المشاكل المعروفة إذ يبيح الرجل لنفسه الخيانة الزوجية كونها مقبولة ضمنيا اجتماعيا فيسمى (نسونجي، ﮔﺤﺑﭼﻲ) فهي تأتي في سياق ثقافة الغزو البدوية، فالمرأة هي ارض للغير يغزوها الرجل وجسدها غنيمته يفخر بغزوها أمام أقرانه (نكتها، ضربتها، انطيتهياه، شيلتها، اخذت شغلتي أو حاجتي منها) ورغم موقف الدين الواضح من الخيانة التي يسميها (زنا، زاني، زانية) والمجتمع ذاته يظهر الشجب في العلن لكنه لا يعاقب الرجل وينعته بالطيش فقط دون أن يمس شرفه، أما زوجته فهي أرضه ملكه الخاص ولها حرمة عدم المساس بها أو وطئها، لهذا خيانة المرأة تتطلب القتل أو تطليق لتطهير الشرف/العرض، وهي كالأرض المملوكة تماما وهذا واضح في لغتنا التي تشترك فيها مفردات الأرض والمرأة معا، فكلاهما يعتبر عرض الرجل (الأرض عرض، نسائك عرضك) وكلاهما بلا زراعة تصبح بور (المرأة غير المتزوجة تسمى بايره في المجتمع العراقي) حتى أن الزواج يسمى في مناطق الجنوب (ملاﭽﺔ=تمليك) ويمكن استخدام مفردات المرأة على الأرض والعكس (رحم الأرض/المرأة، بطن الأرض/المرأة، خصوبة الأرض/المرأة، ارض بور، امرأة بايرة=بور) وكلاهما الدخول بهما يشترك بنفس المفردات (وطأ، داس، دخل) وكلاهما له حرمة فالمرأة تسمى (حرمة) والأرض الملك لها حرمة على الغريب، وهذا التصور الأرضي للمرأة عميق القدم في الذاكرة البشرية يؤيده الوثائق الإناسية عن الشعوب البدائية أو حفريات الإنسان القديم. وهذا (التصور الأسطوري الذي قاد العقل القديم إلى إسباغ هوية الأرض (الأرض الأم) على الفرج وإسباغ هوية الفرج على الأرض وتصور الجِماع كعملية حرث الأرض، شائع في العديد من الثقافات. وقد تصور العرب ركوب الذكر للأنثى لجماعها ك"حرث" لها) (وقد يشير ذلك التوحيد، أو الربط في المخيلة الجمعية، للفرج بالأرض، إلى ترسخ ضارب بجِذوره في تلك المخيلة للوجه الجنسي من أسطورية الإلهة الأم.)(31)
المحطة الخيرة بالزواج هي الطلاق المبغوض اجتماعيا حتى أن بعض المجتمعات البدائية ليس لديها مقابل لغوي للكلمة كونه فك لرابطة اجتماعية أسرية، والمجتمع ينظر باستهجان للمطلقة التي غالبا ما تحمل مسؤولية الطلاق حيث يكون سوء الظن هو الانطباع الأول ضدها، وتقل حضوضها وحقوقها عن الباكر كثيراً بالزواج، وتصبح موضع تحرش أكثر من الرجل لأنها قادرة على ممارسة الجنس بعد أن صارت ثيب، لهذا يحرص الأهل على التضييق على خروجها كثيراً نتيجة لذلك، والرجل المطلق أيضا تقل حضوضه بالزواج خوفا من استسهاله الطلاق، والزوج غالبا هو من يرغب الطلاق أكثر من المرأة لكن بشرط أن تتنازل عن حقوقها! أو يقوم بتركها عند أهلها دون تطليقها حتى لا يتيح لها فرصة الزواج (ﻣﻌﻟﮕﻪ=معلقة) للضغط عليها للتنازل عن حقوقها (المؤخر)، أما في حالة وفاة الزوج فإن المرأة يجب أن تلتزم ال(عدة) أربعة أشهر للتأكد أنها غير حامل، حتى مع توفر وسائل كشف الحمل ظل هذا الإجراء ملزما اجتماعيا ودينيا والغريب أن الأمر يتعدى عدم الزواج الأرمل إلى عدم رؤية أي رجل يحل عليها أربعة أشهر! ما يعني أن ارتباطها بالحمل مشكوك. والعدة عادة تشترك بها كثير من الأقوام البدائية وفسرها البعض من الباحثين بالإناسة والاجتماع على أنها بقايا من عادة قديمة تقتضي قتل المرأة بعد وفاة زوجها ودفنها معه أو عادة قديمة أخرى منع المرأة من الزواج للأبد، أما الذين يفسرون العدة بالتأكد من الحمل فقد وجد الباحثين أنها تطبق أيضا على الرجال عند بعض المجتمعات وفسرها البعض وهذا هو الأرجح باعتقاد البدائيين إن الأرملة ملوثة بالموت وكون روح زوجها تسكنها وهناك طقوس مختلفة لكل شعب لإزالة هذا التلوث قبل الزواج الثاني للأرمل كانتظار عام لحين مغادرة روح زوجها لها(32).
_____________
1_ادوراد ويسترمارك، موسوعة تاريخ الزواج، الإباحية الجنسية البدائية، الجاذبية الجنسية والغيرة الذكرية، كيفية الحصول على زوجة (دراسة أنتروبولوجية) ترجمة د.مصباح الصمد_د.صلاح صالح_هدى رطل الطبعة الأولى 2001م، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والوزيع، ص114.
2_مباركة بلحسن، الفتاة الحسانية وطقس الزفاف: مقاربة أنثروبولوجية، إضافات المجلة العربية لعلم الاجتماع، العددان 29_30 شتاء_ربيع 2015، ص91.
3_مرسيا الياد، المقدس والعادي، ترجمة عادل العوا، التنوير، ص195،196.
4_نفس المصدر، ص174.
5_مباركة بلحسن، مصدر سابق، ص91.
6_فراس السواح، مغامرة العقل الأولى، دراسة في الاسطورة_سورية وبلاد الرافدين، دار علاء الدين، ص119.
7_نفس المصدر، ص282.
8_ادوراد ويسترمارك، مصدر سابق، ص502.
9_نفس المصدر، ص143.
10_نفس المصدر، ص502.
11_نفس المصدر، ص70.
12_نفس المصدر، ص285.
13_نفس المصدر، ص289.
14_نفس المصدر، ص310.
15_نفس المصدر، ص290.
16_نفس المصدر، ص313.
17_نفس المصدر، ص328.
18_نفس المصدر، ص358.
19_نفس المصدر، ص309.
20_مباركة بلحسن، مصدر سابق، ص96.
21_نفس المصدر، ص97.
22_ادوراد ويسترمارك، مصدر سابق، ص751،753.
23_نفس المصدر، ص735.
24_مباركة بلحسن، مصدر سابق، ص101.
25_ ادوراد ويسترمارك، مصدر سابق، ص748،749.
26_نفس المصدر، ص167.
27_مباركة بلحسن، مصدر سابق، ص93.
28_نفس المصدر، ص93.
29_سيغموند فرويد، الحَيَاة الجنسيَّة، ترجمة: جُورج طَرابُيشي، دَارُ الطَليعَة للطّبَاعة وَالنشُر بيروت، الطبعة الاولى ايار (مايو)1982، ص97.
30_مباركة بلحسن، مصدر سابق، ص98.
31_صوفية السحيري بن حتيرة، الجسد والمجتمع، دراسة أنتروبولوجية لبعض الإعتقادات والتصورات حول الجسد، مؤسسة الانتشار العربي، دار محمد علي الحامي، الطبعة الأولى 2008، ص151.
32_ادوراد ويسترمارك، مصدر سابق، ص274،275،277.



#محمد_لفته_محل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب (سوسيولوجيا النزوح)
- من منشورات الفيس بوك
- العراقي والله
- انطباعات عن تفجير الكرادة
- انطباعات عن اعتصامات الصدريين
- قراءة في ديوان (أوراق وكلمات)
- قراءة في كتاب (لمن يجرؤ على العقلانية)
- العراقي والمال
- إناسة البيت العراقي
- أمريكا وداعش والسنة والشيعة بالعراق
- العراقيون والطعام
- الحرام النوعي للحارس والسجين
- العراقي والمثقف
- رؤية اجتماعية للصعود للقمر
- العراقي والشيوعية
- التحليل الثقافي لكلمات السخرية
- ما هو الحرام النوعي؟
- العراقي والنظافة
- القاموس العامي للمجتمع العراقي 1
- رؤية إناسية لرأس السنة


المزيد.....




- صياد بيدين عاريتين يواجه تمساحا طليقا.. شاهد لمن كانت الغلبة ...
- مقتل صحفيين فلسطينيين خلال تغطيتهما المواجهات في خان يونس
- إسرائيل تعتبر محادثات صفقة الرهائن -الفرصة الأخيرة- قبل الغز ...
- مقتل نجمة التيك توك العراقية -أم فهد- بالرصاص في بغداد
- قصف روسي أوكراني متبادل على مواقع للطاقة يوقع إصابات مؤثرة
- الشرطة الألمانية تفض بالقوة اعتصاما لمتضامنين مع سكان غزة
- ما الاستثمارات التي يريد طلاب أميركا من جامعاتهم سحبها؟
- بعثة أممية تدين الهجوم الدموي على حقل غاز بكردستان العراق
- أنباء عن نية بلجيكا تزويد أوكرانيا بـ4 مقاتلات -إف-16-
- فريق روسي يحقق -إنجازات ذهبية- في أولمبياد -منديلييف- للكيمي ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد لفته محل - العراقي والزواج