أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعادة أبو عراق - صورة الله














المزيد.....

صورة الله


سعادة أبو عراق

الحوار المتمدن-العدد: 5359 - 2016 / 12 / 2 - 14:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


_صورة الله
كان على الأنبياء الذين تولوا هداية البشر إلى الله، أن يبينوا للناس من هو الله، وما الوسائل التي تمكنهم من معرفة إله ليس بمقدور أذهانهم ولا عقولهم ولا إحساساتهم استيعاب فكرة لا تتسع لها مخيلتهم ، فالله ليس كمثله شيء، بمعنى انه خلق كل هذا الكون، فلا بد أن يكون من شيء غير هذا الكون ، ولكن أنى لعقولهم أن تفهم شيئا خارج الكون وخارج إدراكهم وتصورهم؟
ولعل سيدنا موسى كان أكثر الرسل جرأة على الله، بعد أن أعياه قومه انكارا وعدم تصديق، إذ راح يلح على الله أن يريه ذاته، كي ينقل لبني إسرائيل صورته، فتجلى له على الجبل فخر صعقا، وهذا يعني استحالة التحقق من الذات الإلهية.
لذلك كان على كل الأنبياء والرسل اللجوء إلى التشبيه وتقريب صورة الله من أذهان البشر، ولقد استخدم كل نبي ما أمكنه من تعبير ليظفر بقليل من فهم المشهد الكوني، والذات الإلهية المتحكمة بهذا الكون، وكانت الوسائل تناسب بساطة العقول وبدائيتها كي يتمكن إدراك متخيل لا يدرك ، ربما لجأ إلى التشبيه بالشمس لأنها اسطع وأهم ظاهرة حياتية، أو القمر، فكانت عبادة الشمس والكواكب والنار، أما ما جاء في التوراة بأن الله خلق أدم على شاكلته، هو نوع من التقريب الأدنى تصورا للذهن البشري.
لذلك كانت التماثيل ما قبل الديانة اليهودية، لم تزد عن أحدى الوسائل التي يمكن أن تقرب صورة الإله لأذهان عاجزة عن التركيز، لاستحضار إله تحشره في مخيلة ضيقة، ومن هنا جاء التصور التوراتي بأن صورة الإنسان مشابهة لصورة الله، وربما هذا الاعتقاد جاء من تماثيل الآلة الإغريقية والرومانية التي جاءت على الشكل البشري، إلا إن هذه الوسيلة، قد انحرفت عن كونها رمزية إلى كون التمثال هو الإله، إذن فالوثنية هي أسلوب دعوي فقد صلاحيته وتحول إلى جرعة سم زعاف. فلا يستقيم لعقل بشري ان يعبد تمثالا حجريا على أنه إله.
والإسلام الذي شن حملة شعواء على الوثنية، القائمة على المشهد البصري، حتى قتل فن التصوير عند المسلمين، لأنه جاء بأسلوب جديد لتقريب صورة الله للأذهان، إذ قدم صورة الله في مشهد ذهني قائم في الخيال وليس اعتمادا على المحسوس في المشهد البصري، إنما اعتمادا على ثقافة العربي في ذلك الوقت، وما وقر في اذهانهم، وهو أسلوب اكتشف حديثا في مجال التربية وهو اعطاء المعلومات بناء على ما وقر في ذهن المتلقي من معلومات، ففي ذلك الوقت كانت العبودية شائعة، وكانت تعني التنازل عن إرادتك وحريتك وكونك بشرا، وتجعلها في يد السيد، وان النخاس أو السيد صاحب العبيد له الحرية التامة في أن يفعل ما يشاء بعبيده، من بيع أو ضرب أو قتل او تزويج وتطليق أو ما يحلوا له من أفعال بلا مساءلة قانونية أو اجتماعية أو أخلاقية، وعلى هذا العبد أن لا يتمرد بل يبدي الطاعة القلبية يؤدي كل فروض التذلل والترجي والاستسماح من السيد الذي يملك الحق المطلق والقدرة المطلقة.
وبهذا الأسلوب تم رسم الذات الإلهية لتقريبها من أذهان الجاهليين بالسيد المطلق الإرادة، وصار المؤمنون بالله يكنّون بعباد الله، وما حركات الصلاة إلا حركات مستعارة من تذلل العبيد لأسيادهم في تقديم فروض الطاعة، وأن الله ما هو لا صورة مطلقة للسيد الذي بيده كل شيء.
لكن الدعاة الذي استهواهم هذا التقريب المبسط، راحوا يصورون الله على انه شيخ عشيرة، يجازي من يتقرب منه ويترك من يبعد عنه، هو الذي يمسح كل الخطايا ويعذب لأتفه الأخطاء، وله كل الصفات البشرية فهو يغضب وينتقم ويمكر وغيرها من الصفات الرهيبة بجانب الصفات السمحة والتي اطنب بها دعاة الترهيب والترغيب.
انه التجسيد الذي بحثه الفقهاء وحذروا منه، فيد الله ليست يدا كيد الإنسان وساقه ووجهه ايضا وكذلك سمعه وبصره وقوته، و ها نحن الآن نعاني من تجسيد الله على صورة شيخ قبيلة، و ما هذه إلا الوثنية ذاتها التي حاربها الاسلام.
ومن هنا ، يجب أن لا نبقى نسير على ما سار عليه الدعاة قبل خمسة عشر قرنا، حيث لم تكن مداركهم لتقبل بغير هذا التشبيه البسيط الذي أدى مهمته في ذاك الزمن، وأن من الخطأ أن تبقى الدعوة إلى الله بالأسلوب الأول، على انه يخلق المخلوقات كما يفعل الفواخيري في صناعة الجرار والأباريق، ذلك أن لكل مخاطبٍ الاسلوب الذي يقنعه، فهل فكّر الدعاة بأسلوب يتفق مع هذا العصر؟ الذي لا يشبه بشيء ما كان قبل خمسة عشر قرنا.



#سعادة_أبو_عراق (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل فرض الله القراءة
- ظاهرة العنف الطلابي في الجامعات الأردنية
- الوباء - من الأدب الغرائبي
- غواية الموت
- لماذا رفض الصحابة تدوين الحديث
- الاجتياز
- جيوش عربية من ورق
- لماذا ابتعدنا عن ثقافة المطالعة
- فقه العقاب وفقه المعالجة
- يا إلهي كم من الجرائم تقترف باسمك
- أضواء على المثلية الجنسية
- بين الدين والفكر الديني
- المرأة في الفقه البدوي
- العنوسة
- مذهب النقل والعقل في تراثنا
- إلى الكتبة الفلسطينيين الذين يزيفون الوعي
- الأفكار الميتة
- الأفكار الحية والأفكار الميتة
- هوس القتل في فقه الأقدمين
- عبد الملك الحوثي حيث ينتحر


المزيد.....




- جدل في مصر حول من يحق له الإفتاء.. والأزهر يحسم الأمر
- الكرادلة ينتقلون إلى الفاتيكان عشية بدء التصويت لاختيار حبر ...
- حدثها الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل سات وعرب سات ل ...
- الفاتيكان يلغي رمزين من رموز سلطة البابا فرنسيس
- بنعبد الله يستقبل وفدًا روسيًا والمتحدث باسم جماعة “ناتوري ك ...
- الاحتلال يعتدي على أحد المعالم التاريخية الملاصقة لأسوار الم ...
- المسجد التذكاري.. رمز لبطولات المسلمين
- الكرادلة ينتقلون إلى الفاتيكان عشية بدء التصويت لاختيار حبر ...
- طريقة تنزيل تردد قناة طيور الجنة الجديد على النايل سات والعر ...
- الكرادلة ينتقلون إلى الفاتيكان عشية انعقاد المجمع المغلق


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعادة أبو عراق - صورة الله