أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود سلمان الشويلي - الذئب والخراف المهضومة - دراسة في التناص الديني والخرافي















المزيد.....



الذئب والخراف المهضومة - دراسة في التناص الديني والخرافي


داود سلمان الشويلي
روائي، قصصي، باحث فلكلوري، ناقد،

(Dawood Salman Al Shewely)


الحوار المتمدن-العدد: 5347 - 2016 / 11 / 18 - 15:02
المحور: الادب والفن
    


الذئب والخراف المهضومة
دراسة في التناص الديني والخرافي

( صنع الاسد من خراف مهضومة )(1)
بول فاليري
داود سلمان الشويلي
سنتناول في هذه الدراسة ، من خلال آلية التناص ، بوصفه مقترباً نقدياً ، المفاصل التناصية بين قصة ( الاسراء والمعراج ) الاسلامية ، نصاً دينياً (2) ، وحكاية (بلوقيا) (1/798) نصاً حكائياً خرافياً ورد ضمن حكاية ( حاسب كريم الدين ) ( 1/ 794) في الف ليلة وليلة 0
ان ما تريد هذه الدراسة فحصه ، ليس وثوقية الاسراء والمعراج (3) لانها غير معنية اساساً بذلك ، وليس من مهمتها ان تخوض في مثل هذا المضمار الذي يخرجها من كونها دراسة ادبية بحت ، لكنها تريد – فقط – فحص عملية التناص الحادثة بين النصين الديني والخرافي ، من خلال الوقوف على المفاصل التناصية بين النصين ، ومن ثم الوصول الى ما تكشف عنه تلك المفاصل من دلالات0
ولا يفوت هذه الدراسة التنبيه الى قضية مهمة جداً ، كثيراً ما اشغلت الدارسين المعنيين عبر حقب التاريخ ، وفي كل مكان ، تلك هي قضية السرقة الادبية 0
ان النص الحكائي ( الخرافي ) الذي بين يدي الدراسة ، لا يمكن ان يدخل ضمن هذا المفهوم ، ذلك لان (ظلال ) النص الديني ( وليس النص بحد ذاته ) هي المهيمنة عليه ، كون النصين هما نصان شفاهيان في الاصل 0(4) اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان تدوين ( الاسراء والمعراج ) بعد الروايات الشفاهية له كان في القرن الرابع الهجري 0 (31/ 30 )
من المعروف بالنسبة للحكايات الخرافية ، انها تنهض اساساً على الاساطير ( او على اقل تقدير اغلبها ) 0 هذا يعني ، ان الحكاية الخرافية ، ان لم تكن تشبعت بما هو ديني اثناء انشائها ، فأنها قد تمثلت الكثير منه ، وفي الوقت نفسه ، فأن القصص الديني ، راح – وتحت تأثير تلك الاساطير والحكايات الخرافية – يتمثل – هو الاخر – ما فيها من خوارق و لا معقول ( مدهش وعجيب ) ، مما يعني تداخل البنى السردية الدينية بالبنى السردية الاسطورية والخرافية ( شكلاً ومحتوى ) وهو ما يجعل الفصل بينهما – في اكثر الاحيان – متعذراً، او في اقل تقدير يواجه بعض الصعوبات ، لهذا راح كل نوع من انواع تلك النصوص يحاول قهر الاخر ، لا لما فيه من فجوات في بنائه ، فحسب ،بل بسبب المعين الواحد الذي تنهل منه كل الانواع0
*** ***
الآلية الاجرائية ( التناص ) :
لا نقصد – هنا – بآليات التناص ، آليات اشتغاله اثناء الانتاج ، وانما نقصد بها ، التناص نفسه كآلية اجرائية لتفحص النصوص المتناصة ، والتي تحدثنا عنها الدراسة الاولى من هذا الكتاب 0
ومن الجدير بالذكر ، ان آليات التناص التي ستستخدم في فحص هذين النصين ، ستفيد الدراسة – في الوقت نفسه – على المحور السايكروني ( التزامني ) ذلك لان النص الديني ما زال مؤثراً في العقلية الاسلامية ( والعربية ضمناً) ، اذ انه ينشر ظلاله على الذائقة الابداعية ، وان أي نص قصصي او شعري ، او حكائي يتولد ( او قد تولد قبل اكثر من الف عام تقريباً ) من هذه القصة – بوعي او دون وعي – يعد متزامناً مع النص الديني هذا ، وفيما لو فحص النصان طوبولوجياً ، فأن هذا الفحص سيكون مجاله المحور الدايكروني ( التاريخي ) الذي سيجيب – حتماً – عن تساؤلات كثيرة عما هو سابق للاسراء والمعراج من نصوص ، ولِما بعده كذلك 0
وبدون الدخول في اعادة ما قلناه في الدراسة الاولى حول مفهوم التناص ، ان على مستوى الانتاج ، وان على مستوى الفحص ، يمكن القول ان التناص هو :
أ 0 التداخل اللاواعي ( او الواعي ) للنصوص فيما بينها من خلال التمثيل والتحويل0
ب 0 ليس هو السرقة ، ولا الانتحال ، ولا النسخ 0
ان ما جاء في الفقرة (أ) اعلاه هو ما يعني الدراسة ، أي ان الدراسة هذه تدرس هذا التداخل للنصوص فيما بينها ، من خلال التمثيل والتحويل والتغيير ، وفي الوقت نفسه، ستجيب عن سؤال مضمر مفاده : ما الذي تفيده دراسة التناص بين نصين او اكثر ؟
وهذا ما ستجيب عنه هذه الدراسة في الخلاصة التي ستبين كيفية تجميد الفكر الاسلامي ( والعربي ضمناً) عند حدود يمكن القول عنها ، او وصفها بـ ( الارثذوكسية الاسلامية ) 0
*** ***
قراءة النص الخرافي :
ان مصطلح الحكاية الخرافية الذي يمكن اعتماده في هذه الدراسة ، ودون الدخول في تشعبات ما يعنيه عند الكثير من الدارسين ، هو ، ان الحكاية الخرافية ، :( لا تعتمد الحدث اساساً لها ، وانما تعتمد البطل ، وهي تختار من الاحداث ما يلقي الضوء على شخصيته ويؤثر في حركته ، هذا مع امتلائها بالامور التي لا تقع في عالمنا (000) وكان الاساس فيها مغزاها العميق برغم تفككها وبعدها عن المنطق المعروف ) 0 (9/63 )
ان النص المعتمد في هذه الدراسة ، قد استند اساساً الى شخصية ( بلوقيا) الذي اختارها التفكير الشعبي ليوصل من خلالها مايريد البوح به 0
ان حكاية ( بلوقيا ) جاءت كواحدة من حكايات خارج السياق ( 14 / 80 ) في الليالي 0 وهي حكاية خرافية شفاهية ، حالها حال حكايات الليالي نفسها ، ومن هذا يمكن القول ، انها لم تكن صورة مشابهة لنص ( المعراج ) - اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان المعراج كنص ديني ، او النصوص الاسطورية ، البابلية والاشورية 000الخ اقدم تاريخياً من بدء نشوء الليالي شفاهياً - وكذلك ، لم تكن قد اخذت منه - كأي نص آخر - ما تحتاجه ( لتضمنه ) بنيانها الداخلي - على مستوى المضمون في اقل تقدير - لان التضمين ، كمصطلح ، هو اجراء منفعي بين النصوص ، لا يدخل ضمن مفهوم التناص 0
ان قاريء النص الحكائي ، تستحضر ذاكرته مباشرة نص المعراج (5) ونصوص اخرى سابقة للنص الديني ، كالاساطير (6) لكنه في الوقت نفسه ، يقوم بتغييب النصوص تلك ، لما للتأثير الديني من سلطة رقابية كبيرة في / وعلى الذاكرة نفسها ، والتفكير الشعبي عامة 0
ان السياق الذي اعتمدته الليالي في تقديم حكايتها ، هو سياق مفتوح على الغير ، وهذه واحدة من خواص الادب الشفاهي عموماً ، ذلك الغير ، هو النصوص التي سبقته في الانشاء ، او التي رافقته في الحكي الشفاهي ، وحتى الذي جاءت من بعده ، وهذا ما عبر عنه (بارت ) بمفهوم ( الكتابة التي لا تنغلق على نفسها ، بل تنفتح على غيرها في تفاعلات نصية دائمة ) ( 3/ 205 ) 0
هكذا حاول مؤلفوا الليالي ( الحكواتية خاصة ) ان يجعلوا من نصوصهم - بوعي او بدونه - نصوصاً مفتوحة امام الآخر ، وهو ما جعلها نصوصاً غير قارية ، مستقبلة وطاردة في الوقت نفسه ، الا ان التدوين اسبغ عليها الصفة القارية مؤقتاً ، ذلك لأنها ما زالت تروى شفاهياً ، مما يعيدها مرة ثانية الى انفتاحها 0 ومن يقرأ اغلب القصص الشعبي العربي المروي شفاهاً ، يرى ان جله هو اعادة ( لحكي ) الليالي شفاهاً 0
ملخص الحكاية :
( كان بمدينة مصر ، ملك من ملوك بني اسرائيل ، وكان له ولد اسمه بلوقيا (7 ) 0 بعد موت الملك ، ينصب بلوقيا ملكاً ، وفي يوم ما يفتح بلوقيا خزائن والده ، فيجد فيها كتاباً يذكر صفات النبي محمد وانه سيبعث في آخر الزمان ، عندها ( تعلق قلبه بحبه ) فيترك مملكته ويرتحل باحثاً عنه علّه يلتقي به0 وفي طريقه يلتقي في احدى الجزر بملكة الحيات 0 ومن ثم يصل الى بيت المقدس ، ليلتقي بـ ( عفان ) الذي هو الآخر قد قرأ في كتب الاولين ان من يلبس خاتم النبي سليمان تنقاد له الانس والجان وجميع المخلوقات ، وان قبر سليمان موجود في تابوت في جبل على مسافة سبعة بحور ، ولا يمكن الوصول اليه الا بالسير على الاقدام فوق مياه البحور ، وان السير على الماء يتطلب الحصول على ( عشبة ) معينة موجودة في الارض التي تسكنها ملكة الحيات ، يذهب الاثنان الى ارض ملكة الحيات ، وبحيلة ما ، تدلهم على العشبة المطلوبة 00 وعندما تعرف سبب طلبهم للعشبة تخبرهم بأستحالة الحصول على الخاتم ، اولاً ، وثانياً ، كان عليهم ان يأخذوا عشبة الخلود 0(8)
تبدأ رحلتهم عبر البحور سيراً على الاقدام ، بعد ان يعصرا العشبة ويستخرجا زيتها ويدهنا به اقدامهما يصلان الى قبر شليمان ، وعند محاولة ( عفان ) اخذ الخاتم تحرقه الحية الحارسة ، وفي الوقت نفسه ( امر الرب جل جلاله جبريل ان يهبط الى الارض قبل ان تنفخ الحية على بلوقيا ويخلصه جبريل ، وينصحه بالعودة الى اهله ) 0
ومن هنا تبدأ رحلة العودة التي تشكل النص الذي يتناص مع قصة الاسراء والمعراج 0
واذا كانت الكتب الشعبية القديمة تجعل من شخصيتي ( بلوقيا ) و ( عفان ) ورحلتهما للحصول على خاتم سليمان شخصيتين حقيقيتين ، وان قصتهما قد وقعت فعلاً ، ( انظر الهامش /4 ) كما يذكر الطبري وابن اياس في ( بدائع الزهور ) والثعلبي ، الا ان علاقة سليمان بهما تنتهي عند مقتل ( عفان)0
وان هذه الرحلة ( في حد ذاتها هي التي عنا القاص واهتم بها وابرز فيها هذه الصور الكثيرة حول العالم السماوي ، وحول ما مثل به العامة بتنظيم الخالق سبحانه وتعالى لهذا الكون )0 (11/ 43)
ان هدف (بلوقيا ) من حصوله على خاتم سليمان هو الحصول عن طريق الجان على الخلود ، ليدرك عصر بعث محمد والالتقاء به ، وقد اخطأ في اختيار العشبة ، لان الانسان لايمكنه الخلود ، كما هو على المستوى الاسطوري ( جلجامش مثلاً ) 0
وهكذا عاد بلوقيا خائباً كجلجامش ، الا ان رحلة العودة كانت هي رحلته الى العالم الآخر ( السماوي ) 0
وهذا ما ستفصح عنه السطور القادمة وهي تدرس مستويات التناص بين النصين0
*** ***
مستويات التناص :
ان قراءة النصين ( الديني والخرافي ) تحيلنا مباشرة الى تمظهر مستويات التناص بينهما ، كخطوة اولى ، من خلال الكيفية التي تجلى بها النص الديني في النص الخرافي للوصول الى الخطوة الثانية والتي هي قدرة النص الخرافي على تمثل وتحول النص الديني داخل كيان النص الخرافي على المستويين الابستمي والسيميائي ، اذ تتم عملية التناص بين النصين ابتداء من خروج ( بلوقيا ) مع ( عفان ) من بيت المقدس 000 لكن الراوي الشعبي لم يول اهتمامه لرحلتهما معاً حتى قبر سليمان ، لأنه كان معنياً – اصلاً – بـ ( بلوقيا ) وحده ، وكذلك بما سيراه من صور كان الراوي الشعبي معنياً بأيصالها الى مستمعيه 0 اما في النص الديني ، فقد تم وصف رحلتي الذهاب والاياب من والى الارض على السواء 0
في دراستنا هذه سنبدأ مع ( بلوقيا ) من تركه قبر سليمان حتى عودته لاهله 0
ان قراءة النصين ، تحيلنا مباشرة الى مجموعة من العلائق المتمفصلة بينهما والتي تتخذ لها مستويات عدة ، اهمها :
أ 0 على المستوى البنائي :
بني النص الخرافي كمناصه ، النص الديني ، على اساس البنية الدائرية في المكان خاصة ، وكذلك على الميزة التكرارية ، وقد تمثل ذلك ، بـ :
اولاً : عد النص ( الديني والخرافي ) رحلة من والى ، والعودة كذلك ( أي ذي بنية دائرية مغلقة) وهذا ما تجسد اولاً في رحلة الاسراء والمعراج من الارض الى السماء والعودة الى الارض 0 ومن الطريف ان نذكر ، ان مكان بدء الرحلة في النصين هو بيت المقدس ، والدراسة ترى ، ان سبب اختيار هذا المكان من قبل النص الخرافي لم يكن من باب تأثره بالنص الديني فحسب ، وانما ، كذلك ، بسبب قدسية هذا المكان عند ابناء الاديان الثلاثة اولاً، وثانياً لعلاقته بالنبي سليمان 0
في هذا الجانب من المستوى البنائي ، ومن خلال قراءة النصين ، نتعرف على ان رحلة المعراج عمودية ( من الارض الى السماء وبالعكس ) فيما رحلة النص الخرافي – كما تبدو للوهلة الاولى – افقية ( على مستوى اليابسة والمياه ) 0 لكن النص الشفاهي – المدون في الليالي – يشير الى ما يمكن عد الرحلة هذه عمودية هي الاخرى ، اذ ان ( بلوقيا ) اثناء عودته وعند وصوله الى الجزيرة التي تقع بعد البحر الاول يؤكد انه : ( قد تاه عن الطريق التي قد اتى منها اول مرة حين كان معه عفان ) (1/ 806 ) هذا يعني ان العالم الذي دخله ليس هو العالم الذي جاء منه ( العالم الارضي ) 0 ثم يذكر ان هذه الجزيرة " كأنها الجنة " ) ( 1/ 806 ) 0
ويؤكد مرة اخرى ، عند وصوله الى الجزيرة التي تقع بعد البحر الخامس ، انه – واثناء الليل – رأى الازهار قد اخذت تضيء ( كالنجوم وان الازهار هي التي تيبس من الشمس وتسقط على الارض ) 0( 1/808)
ان استخدام الراوي لكلمة ( تسقط ) دلالة كافية على ان هذه الجزيرة ليست بمستوى الارض ، وانما هي في مكان ما فوقها 0 أي ان المسافة التي يقطعها ( بلوقيا ) بين البحار والجزر هي مسافة عمودية وليست افقية 0
اما التأكيد الثالث ، فيأتي من وصف ( بلوقيا ) لما يراه في الجزيرة الواقعة بعد البحر السادس 0 اذ ان ما يراه فيها ما هو الا صورة رامزة لعالم جهنم(1 /808) 0 وان ملك هذه الجزيرة ( صخر ) يصف له طبقات النار السبعة ، وهو وصف مشابه لما جاء في المعراج 0 ( 1/ 811 )
ان هذه التأكيدات تشير – حتماً – الى ان رحلة (بلوقيا) هي رحلة عمودية وليست افقية ، على الرغم من وجود المياه واليلبسة ، اذ يتحول المكان اثناء تمثل النص الديني في النص الخرافي ( بوعي اوبدونه) من فضاء هوائي ( الطريق الى السماء ) الى فضاء مائي ( البحار ) ومن سطح سماوي ( = السماء ) الى سطح ارضي ( = الجزر )0
ثانياً – تكرارية الحيز المكاني :
في النص الديني ، يكون التكرار في المكان السماوي ( السماء الاولى ، السماء الثانية 000 حتى السماء السابعة ) اما في النص الخرافي ، فأن التكرار يكون في البحار السبعة والجزر السبعة ، وفي كلا النصين نجد التسلسل الرياضي يؤشر الى نهاية مكان ما وبداية آخر : ( السماء الاولى ، السماء الثانية 000الخ ) 0
ب – على مستوى الهدف والغاية :
تحاول الرحلتان الوصول الى هدف واحد ، وهو هدف مقدس ، اسلامي بحت 0
في النص الديني ، يكون الهدف هو الالتقاء بالمقدس بالنسبة للرسول محمد ، اما في النص الخرافي ، فأن الهدف هو نفسه ، أي الالتقاء بالمقدس بالنسبة لـ ( بلوقيا ) – كأنسان – هو النبي محمد 0
اما الغاية التي تقف بعد هذا الهدف فهو الحصول على :
اولاً: مناجاة الرب بالنسبة للنبي محمد لـ ( يريه آيات ربه الكبرى ) " سورة النجم " 0 وكذلك تبليغه بفرض الصلاة ، وتأطير كل ذلك بحالة الاعجاز ( خرق الطبيعة ) على مستوى حادثتي ( الاسراء والمعراج ) 0
ثانياً: اللقاء بالنبي محمد بالنسبة لـ (بلوقيا ) لكي يسلم على يديه 0 وكل ذلك ستأطره حالة الاعجاز ( خرق الطبيعة على مستوى الخلود ) 0
الا ان الرقابة الدينية ، تمنع ( بلوقيا ) ان يلتقي بمقدسه ، لأن في ذلك خرقاً للقوانين الالهية 0
ج – على مستوى الوسيلة :
ان اية رحلة تتطلب من الراحل استخدام وسيلة ما تمكنه من الوصول الى هدفه 0 ولما كانت رحلة الاسراء والمعراج رحلة فضائية ، فقد كانت الوسيلة هي ( البراق ) و (المعراج ) : ( واذا بالمعراج قد نصب الى الصخرة من عنان السماء فلم أر شيئاً احسن من المعراج وهو مرقاة من الذهب ومرقاة من الفضة و (000) فضمني جبريل الى صدره ولفني بجناحيه وقبّل ما بين عيني وقال ارق يا محمد فصعدت انا وجبريل ) ( 2 / 7 ) 0
اما البراق ، فهو حيوان طائر ، أي له اجنحة 0 وقد تم وصفه بدقة يمكن قبولها على انها تجسيد مادي ، الا ان المعراج لا يمكن تصوره كتجسيد مادي برغم صنع درجاته من الذهب والفضة و 000 الخ 0 الاان ما يخفف من ذلك هو جناحا جبريل ، ذلك لان الطريق المقطوع يستدعي وجود الاجنحة0
اما في النص الخرافي ، فقد صور القاص الشعبي هذه الوسيلة ، بعد ان اعمل خياله في اختراع وسيلة للرحلة ، وهي ( زيت العشبة ) ذلك لان الطريق كان مائياً لا يمكن اختراقه من قبل الانسان بواسطة اية مركبة او سفينة ، لان المكان المطلوب الوصول اليه ، هو مكان مقدس ( قبر النبي سليمان ) وكل مقدس – بالنسبة للمفهوم الشعبي – لا يمكن ادراكه بالوسائل الطبيعية 0 واذا كانت ( العشبة ) هي طبيعية ( نبات ) الا ان زيتها يعمل على مستوى خارق للطبيعة 0
د – على مستوى الشخوص :
اولاً : في النص الديني ، كان المرتحلان هما النبي محمد والملك جبرائيل ، فيما قام بالرحلة الخرافية ( عفان وبلوقيا ) ، الا ان النص الخرافي – هنا – يفترق عن النص الديني ، اذ يجعل من ( عفان ) يموت عند وصولهما الى هدف الرحلة في قسمها الاول ( رحلة الذهاب ) 0 اما في النص الديني ، فنجد جبرائيل يرافق النبي محمد اثناء العودة 0
ان اماتة ( عفان ) ، هي عملية تمويهية اراد منها القاص الشعبي ( حاكي الليالي ) هدفين :
1 – عقوبة الانسان الذي يحاول (فض ) المقدس 0
2 – مطابقة النص الديني ( بصورة غير مباشرة ) 0 اذ ان قاريء الاسراء والمعراج يجد جبرائيل وقد ترك النبي وحيداً عند وصولهما السماء السابعة وعند اقترابه من الحضرة الالهية ، وهي اصعب مراحل المعراج 0 وهكذا حاول القاص الشعبي ان يترك بطله ( بلوقيا ) في اصعب مراحل الرحلة ، وهي رحلة العودة 0
في الوقت نفسه ، جعل بعض الشخصيات ( السماوية ) تقدم له يد المساعدة عند تأزم الامور 0 ( جبريل عند موت عفان ، الملك براهيا ، صخر ، براخيا (9) ملائكة اخرين ، فضلاً عن الخضر ) 0
ثانياً : استجلاب القاص الشعبي لاغلب شخوص النص الديني وتموضعهم في نصه ، مثل ( جبرائيل، ميخائيل ، اسرافيل ، ميكائيل ، عزرائيل ) 0
هـ – على مستوى الوصف :
ان التناص على هذا المستوى ، ظاهر للعيان ، خاصة للمتلقي الحصيف ، المطلع على قصة الاسراء والمعراج ، اولاً ، وثانياً ، لوجود القاريء الضمني ( حسب مفهوم تودوروف ) ( 4 / 11)0
وعلى الرغم من ان هذه الاوصاف هي من محمولات التفكير الشعبي بتأثير من الاساطير والمرويات الشفاهية القديمة ، الا انها قد استخدمت في الوقت نفسه في النص الديني 0
والجداول الآتية توضح عملية التناص على هذا المستوى 0
اولاً: وصف جهنم :
النص الديني ( ص 17-18 )
• فيها سبعين الف بحر من غسالين وسبعين الف بحر من رصاص مذوب على ساحل كل بحر الف مدينة من نار في كل مدينة الف قصر من نار في كل قصر سبعون الف تابوت في كل تابوت سبعون الف صندوق من نار في كل صندوق سبعون الف صنف من العذاب 0
• ورأيت نساء معلقات بشعورهن في شجرة الزقوم والحميم (ص21) 0
النص الخرافي (ص492 )
• فيها الف جبل من نار ، وفي كل جبل سبعون الف واد من النار وفي كل واد سبعون الف مدينة من النار وفي كل مدينة سبعون الف قلعة من النار وفي كل قلعة سبعون الف بيت من النار وفي كل بيت سبعون الف تخت من النار وفي كل تخت سبعون الف نوع من العذاب 0
* واثمار تلك الاشجار كرؤوس الآدميين وهي معلقة من شعورها 0

ان قاريء الجدول اعلاه ، يرى ان النص الخرافي قد ابدل نوعية ومكان العذاب واضافة نوع اخر هو ( الجبل ) 0 اذ يبدأ من الجبل خلافاً للنص الديني الذي ابتدأ من البحر ، لكن النص الديني قد بدأ بنوعين من البحار هما ( الغسالين والرصاص ) ، عندها يمكن تطابق الاماكن ، على الرغم من ان التناص لا يفترض التطابق 0

النص الديني بحر غسالين بحر الرصاص مدينة قصر تابوت صندوق صنف
70000 70000 1000 1000 70000 70000 70000
النص الخرافي جبل وادي مدينة قلعة بيت تخت نوع
1000 70000 70000 70000 70000 70000 70000

ثانياً : وصف الجنة :
النص الديني (ص41 ) النص الخرافي (ص806 )
• فأذا ارضها بيضاء مثل الفضة وحصباؤها من اللؤلؤوالمرجان وترابها المسك ونباتها الزعفران واشجارها ورقة من فضة وورقة من ذهب والثمار عليها مثل النجوم المضيئة والعرش سقفها والرحمة حشوها والملائكة سكانها والرحمن جارها فأخذ رضوان بيدي وسرنا بين اشجارها وما فيها من سرور وعيون وحور عين وابكار وقصور عاليات وولدان كأنهم الاقمار 0
* ترابها زعفران وحصاها من الياقوت والمعادن الفاخرة وسياجها الياسمين وزرعها من احسن الاشجاروابهج الرياحين واطيبها وفيها عيون جارية وحطبها من العود القماري والعود القافلي وبوصها من قصب السكر وحولها الورد والنرجس والغبهر والقرنفل والاقحوان والسوس والبنفسج وكل ذلك فيه اشكال والوان واطيارها تناغي على تلك الاشجار وهي مليحة الصفات واسعة الجهات 000الخ 0
***
الخلاصة والاستنتاجات :
بعد هذه الدراسة التناصية للنصين الخرافي والديني ، ودون الدخول في تشعبات التناص الاخرى مع بعض الاساطير السابقة للنص الديني ، كأساطير الرحلات السومرية والبابلية وغيرها ، والتي يمكن ان تكون قد وصلت الى المخيلة الشعبية العربية ( والاسلامية ) بعد كل ذلك ، ما الذي يمكن استخلاصه من هذه القراءة ؟
قبل ان نذكر ما توصلت اليه الدراسة ، علينا تأكيد مسألة مهمة جداً، هي : ان المخيلة الشعبية قد لعبت دورها في انجاز النص الخرافي اعتماداً على النص الديني مع وجود شرط تغييب هذا النص تغييباً كاملاً بعد ان وظفته لغايات ادبية ، مما افقده قدسيته وتأريخيته وصيرته انموذجاً يمكن فض تشكلاته في أي زمان 0
أ 0 واذا كان ( سولير ) قد اكد وهو يعرف التناص على انه في ( كل نص تتموضع نصوص كثيرة اخرى ، لكن قيمة النص هذا ليس فقط في انه يعد بمثابة قراءة جديدة لها ، بل بتفرده عنها ) فأن الدراسة هذه قد توصلت ايضاً الى الحقيقة نفسها التي اكدها ( سولير ) اذ برهنت على تفرد النص الخرافي برغم عده قراءة جديدة للنص الديني بلباس خرافي ، مع التأكيد على ان النص الديني لم يكن نصاً مهيمناً على النص الخرافي على الرغم من ان الدلالات التي يمكن التوصل اليها في النص الخرافي هي دلالات دينية ، اذ ان رحلة ( بلوقيا ) كانت رحلة دينية سواء في البحث عن خاتم سليمان ، او اللقاء بالنبي محمد 0
وفضلاً عن ذلك ، كان للنص الخرافي خصوصيته التي اكدتها دلالاته التي من اجلها انشيء هذا النص وقتذاك ، وما زالت هذه الدلالات تمارس تأثيرها على التفكير الشعبي 0
ب 0 توصلت الدراسة الى ان مفاصل التناص بين النصين الديني والخرافي ، أي بين ثنائية الديني / الخرافي ، قد اظهرت ما يمكن تسميته بالمتوازية السردية الدينية ، اذ عندما يأخذ النص الديني من الخرافي ، او الخرافي من الديني ، فأن التمفصل التناصي يأخذ شكل مسار متواز بين ( المتن المقدس) – رغم كونه غائباً – و ( الخطاب ) الخرافي ، أي بين الديني والسردي 0
ج 0 واذا كان التناص ( ظاهرة لغوية معقدة تستعصي عل الضبط والتقنين ، اذ يعتمد في تمييزها على ثقافة المتلقي وسعة معرفته وقدرته على الترجيح )( 5/131 ) ، فأن الدراسة هذه تؤكد دور المتلقي في التوصل الى تمفصلات التناص على كافة المستويات بين النصين على اعتبار ان التناص الحاصل بينهما هو من نوع التناص الاعتباطي ( 5 / 131) الذي يعتمد على ذاكرة المتلقي ، لأن النص الخرافي قد جعل من نفسه نصاً متفرداً 0
د 0 ان السطور السابقة قد اكدت ، بما لا يقبل الشك ، ان التناص بين الديني والخرافي على مستوى ( الواقعة – الحدث ) قد حول ( المعجز ) (= الخارق للطبيعة ) في النص الديني الى ( العجيب المدهش ) ( = الخرافي ) لكي يزحزح نصه ( الخرافي ) عن موقعه ( الديني ) ، وهذا ما تريد ان تؤكده الدراسة ، اسوة بالدراسات السابقة عن التناص في تغييب المرجع او المصدر ، وكذلك لكي ينزع ( القاص الشعبي ) القدسية عن نصه الخرافي 0 اذ ان المخيلة الشعبية للراوي ( الحاكي ) ، ان كان ذلك الذي ( قص ) حكايات الليالي شفاهياً ، او الذي نقل (حكاية بلوقيا ) كمدونة في كتاب لا علاقة له بالقص والحكي ، كما عند الثعلبي والطبري مثلاً ، واقعة تحت تأثير تلك الارثذوكسية الاسلامية المهيمنة 0
هـ 0 كذلك القول ، رغم وجود افتراض مفاده ان هذه الحكاية هي ( اسطورة ) على اساس فهم عربي قديم عن الاسطورة ( انها اساطير الاولين ) ( قرآن) و ( انها حديث خرافة ) ( حديث نبوي )0 ان هذه الاسطورة ( الحكاية الخرافية = حكاية بلوقيا ) جاءت لتؤكد وهي تتمثل ( تغير وتبدل ) قصة الاسراء والمعراج ، على ان ( المقدس ) لا يمكن الوصول اليه – اكان ذلك المقدس خاتم سليمان ام النبي محمد وعصره ، ( أي طول الزمن ) – أي لا يمكن الحصول على ( معرفة ) تامة به الا بواسطة ما هو ( واقعي ) ، أي ان ما وصلنا من ديني ( لاهوتي ، تشريعي 000الخ ) حسب (الكتاب المقدس ) و ( السنة ) ، لا يمكن الوصول اليه – بالنسبة للبشر – سوى بما هو موجود ( واقعي ) ، أي لا يمكن المساس بالمقدس 0 انها ( ارثذوكسية ) مهيمنة كذلك 0
و 0 ان الوصول الى ما هو مقدس ، يتم بأرادة الاهية ( وصول النبي الى الحضرة الالهية ) , ( عدم وصول بلوقيا الى الخاتم او عصر محمد) 0
ز 0 ان البشر العادي ، مهما سعى لا يمكنه الوصول الى مايريد ( الى المعرفة به على اقل تقدير ) ( جلجامش مثلاً بالنسبة للخلود ) لكن الانسان الملهم ( إلهياً !!!) يمكنه ذلك ( النبي محمد في الاسراء والمعراج ) 00 اذن ، هي الحياة المرسومة للبشر لكي يعيشوها كما هي ، ( قدر ) رسمته انامل بعضهم ( ارثذوكسية السلطة وقتذاك ) 0
ح 0 ان التناص – هنا – ما هو الا عملية (تضاد ) على مستوى الدلالة ، والمعنى النهائي 0 اذ عمل على تأكيد ( اللا معجز ) ، أي نفي الاعجاز عن البشر ، في النص الخرافي ، مقابل ( المعجز ) في النص الديني عند من يختارهم الله كالانبياء والرسل مثلاً ، وهذه احدى رسائل النص الخرافي الموجهة للمسلمين0
هكذا يصبح النص الخرافي قراءة ايجابية ( وفي الوقت نفسه اعادة انشاء ) للنص الديني ، لبناء دلالة جديدة تنبثق من هدف واحد هو نفسه الهدف ( المتعالي ) الالهي ، هدف الاعجاز واللااعجاز0
الهوامش :
1 0 ابدلت الاسد بالذئب لمحلية الذئب مع خراف رعاتنا 0
2 0 سنهمل في دراستنا هذه المفاصل التناصية بين هذين النصين والاساطير السومرية والبابلية التي تتحدث عن الرحلات الى السماء او الى العالم السفلي ، وكذلك بينهما وبين رسالة الغفران وجحيم دانتي الى الدراسة الطوبولوجية ، وسنشير اشارات مقتضبة كلما استدعت الحاجة الى ذلك0
3 0 هناك بعض القضايا التي لن تشغل الدراسة نفسها بها ، حول الاسراء والمعراج ، ولكنها تشير اليها ، من مثل :
أ0 لم تحسم القضية التي اثيرت سابقاَوالتي مفادها : هل تم الاسراء والمعراج بالروح ، ام بالجسد ، ام بكليهما ؟
ب 0 هل شاهد حقيقة ، النبي عند مروره بالسماوات السبع اهوال الجحيم وصور النعيم في الجنة ؟ واذا كان ذلك حقيقة ، فأن ذلك يعني ان العقاب والثواب يتم ( آنياً) بعد موت الانسان ، وهذا مغاير لما جاء في القرآن من ان الحساب يتم في يوم واحد هو يوم القيامة ، ام ان كل ما رآه النبي كان عبارة عن صور لما سيكون عليه العقاب والثواب 000 واذا كان هذا صحيحاً ، فما الداعي –اذن – الى عشرات الآيات القرآنية التي صورت اهوال الجحيم واحوال النعيم ، اذا اخذنا بنظر الاعتبار ، ان الاسراء والمعراج – كحادثة – قد كذبت من المشركين وبعض ضعاف الايمان ، وقتذاك 0
ان الباحث يرى ، ان هذه الصورة المرسومة بدقة في الاسراء والمعراج ( المدون ) – واغلبها عقاب للنساء – قد اضيفت ، ولم يخبر بها النبي وقتذاك ، وقد جاءت تحت تأثير المرويات الشعبية ( الخرافية والاسطورية ) 0 والاضافات اليهودية لأبن سلام اليهودي ، وابن منبه وغيرهما ، بعد عشرات السنين من وفاة النبي وقبل التدوين ، وهذا ما تؤكده :
اولاً: قائمة الرواة المسند اليهم حديث الاسراء والمعراج ، وكمثال على ذلك ما ذكره يونس السامرائي في كتابه ( الاسراء والمعراج ) : ( اخرج الامام احمد والبخاري ومسلم وغيرهم من حديث انس رضي الله عنه ان مالك بن صعصعة رضي الله عنه حدثه ان نبي الله (ص) حدثهم 000 الخ ) ( 2ب/ 11) 0
وكذلك : ( قال الحافظ ابو بكر البيهقي في كتابه "دلائل النبوة "حدثنا ابو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ، حدثنا ابو العباس محمد بن عطاء ، حدثنا ابو محمد راشد الحمداني عن ابي هارون العبدي ، عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه ان النبي (ص) قال له اصحابه يا رسول الله اخبرنا عن ليلة اسرى بك فيها فأخبرهم فقال 000 الخ )( 2ب/ 17 ) 0
ثانياً : الاختلاف في رسم صور الجحيم والجنة بين كتب الاسراء والمعراج الموجودة حالياً والمعتمدة لما جاء في الكتب الدينية القديمة 0
ثالثاً: تأثير المذهبية في تدوين القصة 0 اذ يذكر احد الكتب ان النبي قد سمع صوت ابي بكر الصديق في الحضرة الالهية ، فيما تذكر كتب اخرى ، ان الصوت ذاك كان لعلي بن ابي طالب 0(7/41)
رابعاً: ان المرويات التي اعتمدتها هذه الدراسة للاسراء والمعراج ، تؤكد ان النبي قد التقى في بيت المقدس بالانبياء ( ابراهيم ، موسى ، عيسى ، داود ، سليمان ) ( انظر الاسراء والمعراج ، وقصص القرآن ) فيما يذكر مؤلف كتاب ( مع الانبياء ) : ( ابراهيم وموسى وعيسى فقط – ص361 ) 0 اما السامرائي ، فيقول : ( 000 قال رسول الله (ص) مررت ليلة اسري بي على موسى عليه السلام قائماً يصلي في قبره ) ( 2ب/ 18 ) 0
خامساً : تختلف الرواية عند ابن عباس ، اذ تذكر ان النبي كان وقتها في بيت ام هاني ، فيما يذكر السامرائي انه كان مضطجعاً في الحطيم بين النائم واليقظان 0
سادساً: لقد اعتمد الكتبة السابقون على رواية ابن منبه لما قاله ابن عباس ، وهذا ما اكده الحافظ رجب البرجسي عندما قال : ( ومع ذلك ما رواه وهب بن منبه عن ابن عباس ، قال رسول الله (ص) : لما عرج بي الى السماء 000 الخ ) (8/74) 0
سابعاً : يذكر احمد كمال زكي ، وهو يتحدث عن اختلاط الواقع بالخيال في قصة الاسراء والمعراج ، عند حديثه عن قصة تميم الدارمي قائلاً : ( من هنا حديث الاسراء والمعراج الذي رواه ابن عباس عن رسول الله وعلى تقدم الزمن يتعقد بأضافات من الفولكلور الاسلامي عن الصعود الى سدرة المنتهى ، وتفقد الجنة ومشاهدة الجحيم )( 9/ 278) 0
فيما يؤكد كاتب معاصر ، بأن التراث يعترف ( بعد فترة الصحابة حصل تدهور وانحطاط في قيمة المعلومات ودرجة صحتها وموثوقيتها ، فقد اضطر النقلة ( الناقلون) للاعتماد اكثر فأكثر على الرواية او القصة التي تضعها الذاكرة ، وهذا يعني الاعتماد على الرواية التي تسرد بشكل فني وادبي جذاب الكلام الاولي والاصلي الذي قيل في ظروف وجودية فريدة من نوعها ) (10/174) 0 اما مترجم كتابه هاشم صالح ، فيقول في الهامش ( 18 –ص186) : ( ان ظاهرة التحلية الادبية للاخبار والحكايات التاريخية المنقولة كانت تشكل ظاهرة عامة ينبغي على كل مؤرخ في الماضي ان يتقنها ويسيطر عليها ، ولكن يفترض في المؤرخ الحديث ان يكون اكثر وعياً بهذه المشكلة ، وان يعير انتباهاً اكبر لنقد كل مفهوم استخدم لدراسة الماضي )
ان البحث يرى ، ان النبي قد اسري به وعرج الى الحضرة الالهية ( لا يهم ان كان ذلك بالجسد ام بالروح ، او بكليهما ) ليكلم الله ، في المنام ، وليؤكد احدى معجزاته امام المسلمين والمشركين على السواء 0 اما صور الجحيم او النعيم ، فلم ير شيئاً منها ، وهذا ما اكدته اية الاسراء نفسها ، وآية المعراج ، اذ لم تذكر شيئاً من ذلك 0 دون ان ننسى ما تعنيه آية  لقد رأى من آيات ربه الكبرى  ( سورة النجم ) 0 وقد راى الكثير من آيات ربه الكبرى 0
4 0 أ- ان حكاية (بلوقيا ) قد ذكرت قبل الف ليلة وليلة في ( قصص الانبياء او العرائس ) للثعالبي المتوفي سنة 1036 م مروية على لسان عبد اله بن سلام اليهودي 0 ( 11/ 43)
ب – تذكر د0 سهير القلماوي ، ان قصة ( بلوقيا ) هي ذات اصل بابلي قديم ( حفظت في بغداد التي تقع جغرافياً مكان بابل ودخلت العربية عن طريق قصص الاسكندر والقصص اليهودي منذ زمن اقدم من وجود الف ليلة وليلة بكثير ) 0 ( 11/ 34)
ج – يقول ( اويستروب ) : ( انه يمكننا ان نبعد في ارجاع عصر هذه القصة الى عصر اقدم من عصر الثعالبي ايضاً ، فالطبري يذكر انه لم ير سيدنا احد الا عفان وبلوقيا ، وهذا النص يشير ولا شك الى ما نجده في قصة بلوقيا ، فهي اذن قد عرفت على نحو ما في ايام الطبري أي سنة 923 م ) 0 (11/ 44)
د – ( وكان كتاب الف ليلة وليلة معروفاً ايام المسعودي " منتصف القرن الرابع الهجري " وقد ذكره في مروج الذهب ج/4ص89 –80 – طبع مينار ) 0(11/ 26 )
هـ – لا نعرف مدى صحة ما ذكره الاستاذ محمود طرشونه ، في ان الباحث العراقي هلال ناجي قد ذكر : ( انه عثر على نسخة الف ليلة وليلة يعود تاريخها الى القرن الثاني الهجري وما ذكرته الباحثة الامريكية اللبنانية الاصل نبيهة عبود من انها اكتشفت مخطوطاً يعود الى القرن الثالث الهجري )0( 12/ 87 )
ان هذه التأكيدات تثبت ان حكاية ( بلوقيا ) كانت معروفة لدى العرب اما قبل الاسلام او في اقل تقدير في القرن الثاني الهجري ، وكذلك انها من المرويات اليهودية التي اخذها رواة الليالي ، وجعلوها من مروياتهم الاسلامية كنص شفاهي 0
5 0 فيما لو كان مطلعاً مسبقاً على نص الاسراء والمعراج والنصوص الاخرى 0
6 0 بعيداً عن الاساطير السومرية والبابلية والتوراتية ، وحتى العربية ، سنذكر – هنا – مثلاً واحداً يشير الى كيفية تمثل موتيفة واحدة في اكثر من اسطورة ، هي موتيفة ( التفاحة المحرمة ) 0 فقد ذكر ( فردريك فون دير لاين ) : ( اما الحكايات التي تحكي عن الجنة فمعروفة في الحضارات المختلفة في اشكال غاية في التنوع 0 فتحكي الحكاية الشعبية الاغريقية عن حديقة حاميات التفاح الذهبي " الهسبريدين " التي تفيض بالبهاء والروعة ، والتي كانت تنمو بها شجرة تفاح لذيذة الطعم يحرسها تنين (000) ويذكرنا هذا في تفصيلاته بحكاية الجنة في الانجيل (000) ويحرس شجرة التفاح فيها ملاك ، اذ كان محظورا اكل تفاح هذه الشجرة 0
وفي الروايات الاغريقية يكون اطلس هو حامي الشجرة والحديقة ، اما الروايات الفارسية فتقترب مرة اخرى من الروايات اليهودية ) 0 ( 15/ 108)
ان نصنا الحكائي قد تمثل النص الاسلامي وفي الوقت نفسه ابتعد عنه كثيراً 0
7 0 ان تأكيد الراوي الشعبي يهودية والد بلوقيا ، وضمناً بلوقيا نفسه ( او على اقل تقدير قبوله كشخصية في الليالي ، وهي نصوص عربية / اسلامية بحت ) هو تأكيد على ان اليهود كانوا يعرفون بمجيء محمد نبياً في زمان ما 0 وهذا ما اكده القرآن ، لا كما يذهب بعض الدارسين الى ان هذا النص وغيره من النصوص التي تتخذ من بعض اليهود ابطالاً للحكايات ، هي من وضع يهودي ، او لانهم وضعوا هذا النص لـ ( شوق اليهود الى بعثة محمد كما يذهب الى ذلك " السباعي بيومي " في كتابه تاريخ القصة والنقد في الادب العربي) 0 (16 / 307 )
ان ضم الليالي لهذه الحكاية ، جاء ليؤكد لليهود ، ان توراتهم ( الصحيحة ) وكذلك احبارهم وملوكهم يعرفون بنبوة محمد لا كما فعلت التوراة الحالية المكتوبة بعد السبي البابلي بعدم ذكر ذلك كما يذهب البعض 0
8 0 هذا ما يذكرنا بمعجزة السيد المسيح بسيره على الماء ، وكذلك معجزة موسى وجنده عند عبورهم البحر الاحمر 0 انه تناص مع المعجزتين 0
9 0 ربما هو نفسه ( آصف بن برخيا ) قائد جيوش سليمان من الانس 0

4 / 8 / 1999



#داود_سلمان_الشويلي (هاشتاغ)       Dawood_Salman_Al_Shewely#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تناص ميثولوجي - ثيولوجي (1) سلة الولادة المرفوضة - دراسة تنا ...
- القصل الثاني : تناص الاجناس الادبية - قراءة تناصية في قصتين ...
- انتهاك عالم ادم - التناص كآلية نقدية مقترب تاريخي من المناهج ...
- الفصل الرابع من كتابي (الف ليلة وليلة وسحر السردية العربية ) ...
- قانون تحريم الخمرة في البرلمان العراقي تحت ذرائع واهية
- مورفولوجيا الزمن (*) في ألف ليلة وليلة تحليل البنية الزمنية ...
- الهيكل التنظيمي لحكايات الليالي - -دراسة في فنية الشكل-(*)
- تقنيات السرد في ألف ليلة وليلة - دراسة تطبيقية في حكاية (حاس ...
- على ناصية مقهى الادباء ( نص غير مجنس )
- كتاب : القصة في القران - قصة ذو القرنين انموذجا
- ذكرياتي عن اتحاد ادباء ذي قار
- كذب المحدثون وان صدقوا - مقال في تحقيق رواية -
- ببلوغرافيا
- رأي : بين النقد الادبي والنقد الثقافي
- كيف تدافع عن الارث الحضاري والثقافي ؟
- كتب ... كتب ... ثم الكتب ( ما يشبه المذكرات )
- كمال سبتي... الشاعر وذكرى الرحيل المبكر
- حسين السلمان ، الاكاديمي والفنان و القصصي ، مبدعا
- زاهر الجيزاني والاحتفاء بشعراء الفيسبوك في يوم الشعر العالمي
- د. ضياء خضير - ثنائيات مقارنة - وسنوات الغربة


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود سلمان الشويلي - الذئب والخراف المهضومة - دراسة في التناص الديني والخرافي