أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالرازق مختار محمود - المرضى لا يعرفون














المزيد.....

المرضى لا يعرفون


عبدالرازق مختار محمود

الحوار المتمدن-العدد: 5341 - 2016 / 11 / 12 - 16:53
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كثير من القيم التي كانت تاجاً علي الرؤوس، اليوم أصابها المرض، وعلاها الضعف، وخيم عليها التزييف، وأحاط بها العطب.
وللأسف كثير من المرضى لا يعرفون أنهم مرضى، يمارسون حياتهم بصورة تفوق قدرات الأصحاء، يصولون ويجولون، وعلامات مرضهم بادية للعيان، يراها القريب والبعيد، ويشم رائحتها العفنة العامة قبل الطبيب، أما المريض فهو لا يدري أنه مريض عن جهل أحيانا، وعن وهم أحيانا، وعن إنكار في كثير من الأحيان، وعلماء النفس يفسرون ذلك، بأن الفرد إذا عجز عن مواجهة
مشكلاته بصراحة؛ فإن ذلك يدفعه إلى أساليب من التكيف يقصد بها تخفيف حدة بعض التوترات التي لا يستطيع التعامل معها، ومن هذه الأساليب ما يسمى بالحيل الدفاعية اللاشعورية: وهى عبارة عن عملية عقلية هدفها خفض القلق، وتشترك جميعها في خاصيتين: أنها تعمل بطريقة لا شعورية، كما أنها تنكر الواقع وتشوهه وتزيفه.
والحيلة الدافعية هي عملية لاشعورية ترمي إلى تخفيف التوتر النفسي المؤلم، وحالات الضيق التي تنشأ عن استمرار حالة الإحباط مدة طويلة، بسبب عجز المرء عن التغلب على العوائق التي تعترض إشباع دوافعه، وهي ذات أثر ضار عموماً إذ أن اللجوء إليها لا يُمَكِّن الفرد من تحقيق التوافق، ويقلل من قدرته على حل مشاكله، وإذا استخدمت بشكل مسرف؛ فإنها يمكن أن تؤثر في النمو النفسي؛ لأنها تعمى الفرد عن رؤية عيوبه، ومشاكلة الحقيقية.
ويعد الإسقاط من أبرز تلك الحيل وفيه ينسب الفرد عيوبه ورغباته المحرمة والعدوانية للناس حتى يبرء نفسه، ويبعد الشبهات عنها؛ فالكاذب يتهم معظم الناس بالكذب, والمزور ومحترف شهادة الزور يحب أن يرى عدوه يمارس التزوير، ومعدوم الإمكانات يتبارى في وصف من يكره بأنهم جهلة وبلا إمكانات.
وآلية الإسقاط هي آلية نفسية لا شعورية بحتة، وهي عملية هجوم لاشعوري يحمي الفرد بها نفسه بإلصاق عيوبه ونقائصه بالآخرين، كما أنها عملية لوم الآخرين على ما فشل هو فيه، فيقول الشخص في لاشعوره: أنا أكره شخص ما، ولكني أقول هو يكرهني، هنا أريد أن أخفف من ذنبي، ومشاعري الدفينة تجاه ذلك الشخص.
والخطر الأشد في تلك الأيام من تلك الحيل أن صاحبها يصدق بصحته وسلامته، وأن الآخرين هم المرضى بالداء الذي أصابه.
والعجب العجاب أن هذا المريض يقاتل؛ لكي يجد زمرة من المصدقين والسائرين خلف حيلته الدفاعية مدفوعين بأمراض اجتماعية أخرى من قبيل: الحقد، والحسد، والجهل، والبعض، وكراهية الحياة، والشعور بالقزمية والدونية، إلي غير ذلك من الأمراض الاجتماعية التي تحولت في بيئتهم الاجتماعية التي هي في الأصل مفككة، أو مملوءة بهذا الخليط المقيت من القيم الفاسدة؛ فأنتجت تلك الحيل، مع تلك الأمراض الاجتماعية أمراضا جديدة متحولة أهم ما يميزها أن المرضى لا يعرفون.
وعلماء النفس يخبروننا أن أولي مراحل العلاج أن يعرف المريض أنه مريض، وأنه يمارس المرض في كل لحظات حياته، فهو يمارسه في صحوه وفي منامه، يمارسه مع أهله وبين أصدقائه، يمارسه في عمله وفي هواياته، يمارسه في واقعه وفي خياله، يمارسه وهو لا يدري أنه يمارسه.
كما أن الأمراض الجديدة والمتحولة؛ تتطلب علاجات جديدة بالطبع لا يجيدها العامة، ولكن يتقنها الخبراء، وهم لا يقدمون عليها إلا بعد أن تخبرهم معاملهم، وتشير عليهم تجاربهم، وإلا تزايد المرض، وتفاقمت الأعرض.
فليشمر علماء النفس، والاجتماع عن سواعدهم ويعملوا أدواتهم، ويشخصوا تلك الأمراض، التي تنخر في أعمده المجتمع، ضاربة في صلب قيمه الحاكمة، ومعرضة تماسكه للانهيار منتجة جيلا جديدا من القيم الهدامة، والتصرفات الشاذة، والسلوكيات المنحرفة، والمبررات المتطرفة، التي أصبحت شائعة، ومتقبله، بل وأحيانا تجد من يدافع عنها، تحت ستار المنفعة، والمصلحة العابرة، بحجج واهية، وأسانيد عبيطة، ومبررات مرفوضة، سرعان ما تنفضح وينفضح أصحابها، مستغلة في ذلك منافذ عدة للتنفيس، من أهمها وسائل التواصل الاجتماعي؛ كمنفذ مميز للتعبير عن تلك الأمراض.
وعلي هؤلاء العلماء أن يضعوا أيديهم علي مكمن الداء، ويعملوا مشرط الجراح في أصل الداء بلا هوادة، ففي تلك اللحظات لا ينفع التطواف، ولا يصح معالجة الأعراض، دون الولوج إلي الجذور، فقد وصلنا إلي مرحلة أصبحت فيها الهوية علي المحك، وصارت القيم الحاكمة في مهب الريح، وأصبح المرضى قادة الفكر، ورواد العصر، وعمالقة الجيل، وأصحاب رايات التغير، وخطباء منابر الحقيقة.
وأخيرا فإن أمة تعرف سر تأخرها، ولا تبذل الغالي والنفيس من أجل علاجه، هي أمه تحتاج الكثير من الوقت والجهد؛ حتي تبرأ مما أصابها، وهي أمة سوف تتفاقم أمراضها؛ حتي تنتج جيلا جديدا من الأمراض عصيا علي العلاج، متحولا عن العافية، متأقلما مع الواقع، ضاربا جذوره في بنية المجتمع، وعندها يصبح الأمر في سجل المستحيل، فلنبادر قبل أن تتأصل الأمراض، ويصبح الإنكار هو السيد، ويصبح المرضي ممن لا يعرفون أكثر بكثير ممن يعرفون.



#عبدالرازق_مختار_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شد السيفون ولا تخجل
- مفتون أصابته دعوة سعد
- اسم الآلة
- للاحتكار وجوه أخرى
- للشعب إعلام يلهيه
- لا صوت يعلو فوق صوت المصلحة
- وزارة واحدة تكفي
- المسئول الفقاعة
- أُريد: منصة عربية في زمن التغريب
- لا تقف على ظل المعلم
- لأننا فقراء ننفق على التعليم
- ودقت أجراس الضغط النفسي
- أمة بلا أهداف سفينة بلا رُبّان
- خدعوك فقالوا ثروة
- معوقات تطوير التعليم في وطننا العربي
- تسريع القراءة في عصر التكنولوجيا
- أطفالنا أكبادنا في أحضان الشاشات


المزيد.....




- فرصة ذهبية نادرة: جزيرة اسكتلندية خاصة وقلعة منسية للبيع
- رئيس CIA الأسبق لـCNN: الحرب بين إسرائيل وإيران -لم تنته بال ...
- إحياء طقوس الإنكا القديمة في مهرجان إنتي رايمي في بيرو وسط ح ...
- تظاهرات في تل أبيب.. دعوات لإبرام صفقة تعيد الرهائن وتُنهي ا ...
- كيف استقبل الفلسطينيون في غزة خبر وقف إطلاق النار بين إسرائي ...
- أكبر مستشفيات إسرائيل تعمل تحت الأرض بعد وقف إطلاق النار
- خامنئي يظهر في كلمة مسجلة لأول مرة منذ وقف إطلاق النار، ووزي ...
- غارة إسرائيلية على جنوب لبنان ومقتل العشرات في غزة وسط تعثر ...
- ما أبعاد الخلاف بين ترامب وإسرائيل بعد وقف إطلاق النار مع إي ...
- أمسية حوارية حول الثورات والديون الفلاحية من الماضي إلى الح ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالرازق مختار محمود - المرضى لا يعرفون