القاضي زهير كاظم عبود
ليس المهم أن يتغير الديكور ولا ستائر بناية المحكمة أو تتغير التسميات ، أنما المهم أن تتغير الروح والأسس التي تقام عليها العدالة و على قواعد التطبيق القانوني السليم الذي يستند على الحق ، وليس المهم أن تتغير البنايات أو الأشخاص العاملين في المؤسسة القضائية ، وأنما الأساس في التطبيق السليم والعادل لقوانين تحقق العدالة وتقف الى جانب الحقيقة ويتساوى فيها الجميع .
حينما بدأت السلطة العراقية مشوارها السياسي بأنشاء محكمة أسمتها ( محكمة الثورة ) ، أوجس منها العراقيون خشية وخيفة ، فلم تكن لها سابقة في القضاء العراقي ، وما زادها ريبة أن يكون رئيسها وحكامها من غير القضاة بل وحتى من غير الحقوقيين ، وبدأت مطحنة الموت تطحن أجساد أهل العراق ، وبدأت مقصلة المحكمة تسلب الأرواح دون تطبيق قانوني ودون مجه حق ودون سند من نصوص قانونية ودون أصول محاكمات جزائية أصلاً ، وهكذا صارت أحكام دون قضاة وقرارات حكم دون قانون .
وأنتشرت رائحة الظلم في زوايا العراق من أحكام ما أسمته القيادة ( محكمة الثورة ) ، ولما وصلت رائحة الظلم لحد الأنوف وملأت الآفاق ، ألغت السلطة محكمة الثورة ، وأبتهجت الناس وتنفست الصعداء .
غير أن السلطة أعلنت أن المحكمة فرخت محاكم استثنائية ، محاكم لم تخطر ببال قانوني ولاحقوقي ولاحتى شعراء الخيال ، فصارت لدينا محاكم نباهي بها بلدان العالم !!! ، صارت لنا محكمة للأمن الخاص ومحكمة للمخابرات ومحكمة للأمن العام ومحكمة للاستخبارات ومحكمة الى اللجنة الأولمبية ( لاتحكم في الرياضة وأصول اللعب ) ومحكمة للتصنيع العسكري ، ومحكمة خاصة في وزارة الداخلية ، وهي أطرف محكمة في التاريخ العراقي السابق واللاحق ، طرافتها أنها محكمة وتصدر أحكام بالإعدام وتتبع وزير الداخلية وهو موظف عمومي في التوصيف الوظيفي ، ولاتخضع هذه المحكمة لأشراف محكمة التمييز ولاتتقيد بتدقيقاتها القضائية ، ولاتلتزم بالمدد المحددة في النصوص القانونية ، ولابأختصاصات المكان والزمان .
وبعد زمن طويل من الشروخ القانونية والهفوات القضائية والأحكام الاستثنائية ، رق قلب القيادة على هذه الجماهير المبتلاة بالاستثناء في كل شيء بحياتها ، وفي ظروف عصيبة للغاية ، وزوايا حرجة تقفها الحكومة ألتفتت الى هذه المحاكم فقررت إلغائها ، غير أنها عادت لتقرر إنشاء محكمة أمن الدولة وتتبعها بوزارة العدل ، والحكومة وأن غيرت الأسم من ( الثورة الى الخاصة الى أمن الدولة ) لم تزل لا تثق بعدالة القضاء العراقي ولا بالقانون العراقي ولا بالمحاكم الجنائيــة المدنية العراقية مع أنها تطبق قانون السلطة نفسها ، لذا فأن تغيير الأسم لن يغير الحال مالم تتبدل الأسس الاستثنائية التي تحكم العدالة في العراق عموماً ، و حين نجد نصوص قانونية تحترم الأنسان وحقه في الأختلاف وأبداء الرأي ويتساوى أمامها الجميع دون استثناء ، حينها تكون العدالة في أنصع معانيها حتى لو كانت ديكورات محاكمها قديمة وستائرها ممزقة .