أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حمزة الحسن - محنة البطريق ـ الرؤية المشوهة















المزيد.....

محنة البطريق ـ الرؤية المشوهة


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 389 - 2003 / 2 / 6 - 03:39
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    



                خاص: الحوار المتمدن

   ( اللهم مهما عذبتني،
         فلا تعذبني بذل الحجاب)
                            البسطامي"
 والحجاب هو كل ما يمنع الرؤية ويقف حاجزا أو جدارا بين الإنسان وبين العالم. ولكن هل حقا يمكن أن يمارس الحجاب أو الرؤية أو النظرة المسبقة هذا الذل البشري الذي تمنى المتصوف الكبير البسطامي من ربه ألا يعذبه به؟

يرى الإنسان العالم من خلال بنية فكرية أو إطار معرفي أو اسطوري أو عبر ميثولوجيا أو من خلال أيديولوجيا أو قيم تقليدية أو شبكة معايير.

 وهذه البنية لا تخضع في الغالب لمبدأ الصواب والخطأ، بل تخضع لمبدأ العادة والتكرار ومنطق التقليد الذي يجعل من العادات وأنماط التفكير والعقائد بصرف النظر عن طبيعتها في مرتبة القيم المقدسة.

 إن البشر الذين يقدسون الفأر والبقر والنمر في جنوب شرق آسيا هم  يفعلون ذلك من مبدأ العادة والتكرار والتلقين. ليس الفأر مقدسا، بل المقدس هو النمط، والصورة المكرورة، والعادة، والخيال، والتقليد.

 في الدول البوليسية تتشوه البنية العقلية والنفسية والفكرية ولا تعود هذه الرؤية ترى شيئا. وأول تشوه يطرأ هو تشوه اللغة وانشطارها.  وهذا التشوه سيقلب كيان الإنسان ويمسخ آدميته.

وفي هذه الدول يضطر الكائن البشري أو ما تبقى منه  إلى حفر أنفاق داخلية وباطنية وسرية داخله لكي يحمي نفسه من الخطر والتهديد.وفي اللحظة التي يكون فيها الإنسان قد بدأ بحفر هذه الأنفاق السرية في أعماقه، يكون قد حدث تحول جوهري في الشخصية.

أول التحول: هو أن هذا الإنسان لم يعد واحدا، بل صار متعددا، أي انه ممكن أن يقوم بالدور ونقيضه في آن واحد وتبعا لقوى شرسة وضارية تهدد كيانه بالفناء.

 ثاني التحول: أن هذا الفرد لم يعد موجودا في مجتمع بالمعنى الوجودي، أي ككيان فاعل ومؤثر ومسؤول، بل نحن أمام مخلوق يعيش داخل أنقاضه وأنفاقه السرية، ويتعامل مع مجتمع خارجي بلغة رسمية ومقبولة وسائدة هي لغة القانون القائم.

وهذا الكائن مضطر من أجل التواصل أن يتكلم بكل لغات المجتمع السائدة، والمقصود باللغات هو تعدد خطابات الأفراد ورغباتهم وأفكارهم. أي انه يكون هو نفسه حين يكون معهم جسدا، لكنه غائب عنهم عقلا وفكرا وروحا لأنه يعيش في عالم نفقي سري ومأوى عميق وحفرة حفرها لكي يتخلص من كل ما يهدده في حال قرر أن يكون نفسه.

 وهذا أول الطريق إلى تشظي الشخصية أو ما يعرف بتصدع الشخصية وانهيارها الداخلي رغم بقاء بعض المظاهر الخارجية سليمة في الظاهر.

 وإذا عرفنا أن كل فرد في المجتمع قد حفر نفقا سريا وأقام فيه وبنى عالمه الباطني على طريقته الخاصة، وعاش في مخبأ سري يتجول فيه ويعمل فيه ويحارب فيه ويهتف فيه ويموت فيه أو يهرب، نكون قد عرفنا حجم الصورة المرعبة الداخلية التي يكون عليها مثل هذا المجتمع.   

 لم تعد اللغة لغة تفاهم، بل صارت وسيلة نفي، وهذا  هو المنفى الأول: منفى اللغة حتى في المكان الأصلي.

 صارت اللغة تراوغ وتحجب وتنافق وتهرب ولا تقول حين تقول شيئا.  على هذه الصورة يتم خلق " ألذات الثانية" وربما العاشرة، أو تعدد الشخصية، وليس وحدتها، وهذا التعدد ليس هو الغني بل هو التبعثر.

 ليس غريبا في مجتمع أو على إنسان من هذا النوع أن يكون داعيا ثوريا في لحظة، ويكون داعية شذوذ في لحظة أخرى. وليس غريبا أن يصلي في النهار ويسكر في الليل، أو يقيّم الآخرين بمعايير مثالية صارمة ويعفي نفسه من كل رقابة اجتماعية أو أخلاقية بل يدعو للتنكر "للمحرمات" التي قال احدهم بكل صفاقة وخسة  أن هذه المحرمات قد كلفتنا الكثير، وأننا بين الحلال والحرام ضيعنا الكثير وعلى الأجيال القادمة أن لا تقع في هذا الخطأ..!

خطأ الحلال والحرام!

 ومن معايشة خاصة أعرف أن ذكر الجاموس لا يضاجع أمه أبدا إلا إذا تم وضع عصابة على عينيه وطليت أمه بالطين لكي لا يشم رائحتها، وإذا عرف بعد ذلك نتيجة خطأ ما فإنه يصاب بهياج يصل مستوى  قتل وتحطيم كل ما يقع في طريقه.

فالحدود الطبيعية هي ليست حدودا اصطناعية أو مركبة، بل هي جزء عضوي من بنية الحياة .
 والحداثة ليست في ممارسة الزنا، بل تنظيم العائلة. لكن  من طبيعة المخلوق المشوه محاولة تعميم ثقافة العاهات وجعل قيمه الفردية المنحلة قيما عامة.


هذه المسوخية ـ وهذا هو الأخطر ـ تتقنع بقناع التقوى والإصلاح والمثل العليا، في حين أن حقيقة الوضع أنها دعوة تعكس تصدع جوهري في البنية الأساسية للكائن و تشوهه. 

لا يمكن للإنسان رؤية العالم وبنيته أو إطاره المعرفي أو بنيته العقلية أو النفسية وهو على هذه الدرجة من التشوه. والقول المعروف أن الفاشية تشوه حياة الإنسان ليس قولا فلسفيا فحسب، بل هو حقيقة علمية معاشة.

 التشوه حقيقة واقعة لكن المشكلة أنها لا ترى خاصة في تقاطع بصري، أو في تداخل رؤى يعيش كل واحد منها في نفق أو حفرة سرية أو مخبأ نفسي أو وكر أخلاقي ويترك غلافه الخارجي للتعامل المألوف.

 والخروج من هذه الأنفاق أو الأوكار السرية ليس سهلا بل قد يكون مستحيلا خاصة إذا كان قد مر زمن طويل على ممارسة من هذا النوع.

 يتحول المجتمع إلى كرنفال أقنعة.
ويصير الإنسان المقموع جيفة متجولة من كثرة الرغبات والأحلام والدوافع  والشهوات والغرائز المكبوتة . وتشتد الأزمة حين يطول الأمل. لذلك كان الإمام علي بن أبي طالب يردد( إياكم وطول الأمل).

 الأمل الطويل يعفن الجسد والرغبة ويهشم اللغة ويخلق الكائن الحطام والمهرج صاحب الأدوار الكثيرة المتناقضة في آن واحد.

 لا يشوه الخوف اللغة فحسب، بل المكان أيضا. يتحول المكان الأصلي إلى شبح ومكان للنفي والموت والقتل والسجن والى ثكنة ومشرحة ومركز اعتقال أو تعذيب...الخ...

 وهذا هو المنفى الثاني.

 أما المنفى الثالث فهو منفى الجسد.

 القمع والخوف والتهديد لا ينفي الإنسان عن لغته ومكانه، بل عن جسده  ورغباته وطبيعته وفطرته. لذلك يتعرف هذا المخلوق على جسده ورغباته في مكان جديد، منفى مثلا، كما لو كان يتعرف على جورب أو قميص قديم أو حذاء منسي أو صورة ضائعة .

 من منفى اللغة  إلى منفى المكان إلى منفى الجسد.

 وعلي  هذا الإنسان أن يتصالح مع لغته ومع مكانه ومع جسده لكي يعيش لحظة سرور واحدة.
وعليه  أيضا أن يتصالح مع ثلاثة أزمنة عامة وجماعية وفردية لكي يعيش لحظة هناءة واحدة!.
 
أي أن عليه أن يغير الحاضر، ويفسر الماضي، ويخطط للمستقبل، لكي يعيش لحظة صفاء واحدة!

 في حين لا يجد الأوروبي مثلا نفسه أمام هذه المهام الكونية التي تحتاج إلى قرون لأن حاضره واضح وماضيه واضح ومستقبله يتم الانتقال إليه بناء على معايير واضحة وهناك هامش حتى لغير المتوقع والمفاجئ .

 أما نحن فأمامنا مهمة تبديل الحياة كلها والأزمنة كلها لكي نعيش لحظة صفاء واحدة!

 هذا وحده تعذيب لأن السرور والمتعة والسعادة تنبع من الداخل في صفاء وصحو مشرق يشبه وجه طفل ولد توا، دونما حاجة لبذل أي جهد إرادي، لأن السعادة البشرية هادئة وأنيقة وخفية ومشعة.

ـــــــــــــــــــ
الحلقة الرابعة: محنة البطريق ـ الحريق، الحريق.


 



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محنة البطريق ـ فوضى الادوار2
- محنة البطريق وعلامات التحول 1
- الكتابة والاحتيال
- بغداد لن تتزوج الجنرال
- الروائي محسن الرملي ـ الحرب والفتيت المبعثر
- الروائي صدام حسين ـ مسخ الكائنات
- الروائي حيدر حيدر ـ وليمة لأعشاب الظلام!
- الشاعر دينيس دوهاميل ـ كيفية مساعدة الاطفال اثناء الحرب
- الروائي صنع الله ابراهيم ـ رواية وردة والمسكوت عنه
- الى المتماوت رعد عبد القادر ـ مات طائر بغداد المغرد
- الشاعر الشيلي بابلو نيرودا ـ تعالوا انظروا الدم في الشوارع
- الشاعر ولتر تونيتو ـ كفن لبلاد الرافدين
- الروائي الالماني هرمان هيسه ـ اذا ما إستمرت الحرب
- الشاعر عباس خضير ـ الحرب والاعتقال والمنفى والذهول
- الشاعرة اليزابث. ر . كري ـ عشية الحرب
- الشاعر ديفد ري،David Ray ـ الى طفل في بغداد
- الشعر الاجنبي والحرب ـ موسم قتل العراقيين
- القاص مهدي جبر ـ وداعا طائر التم
- الروائي نوري المرادي ـ خضرمة ـ الموسم الخامس.
- إحتفالية بالروائي عبد الخالق الركابي ـ سابع ايام الخلق


المزيد.....




- لا، جامعة هارفارد لم تستبدل العلم الأمريكي بالفلسطيني
- جامعة أمريكية ستراجع علاقاتها مع شركات مرتبطة بإسرائيل بعد ا ...
- سيئول تتهم بيونغ يانغ بتدريب -حماس-
- تغطية مستمرة| بلينكن يصل إسرائيل وشرطة نيويورك تعتقل عشرات ا ...
- رحلة إلى ماضٍ برّاق... معرض لفرقة -أبا- السويدية في مدينة ما ...
- فيديو: شرطة نيويورك تقتحم جامعة كولومبيا وتفض اعتصام قاعة ها ...
- رئيسة جامعة كولومبيا تطالب الشرطة بإخلاء الحرم الجامعي من ال ...
- كم دقيقة ينبغي أن تمشي لتعزز قوة دماغك؟
- العلماء يعثرون على عيب حيوي في اللحوم النباتية
- الجيش الروسي يحصل على قناصات جديدة تعد من أفضل بنادق القنص ف ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حمزة الحسن - محنة البطريق ـ الرؤية المشوهة