أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - سلامٌ عليك أيها الفارس














المزيد.....

سلامٌ عليك أيها الفارس


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5275 - 2016 / 9 / 4 - 00:05
المحور: المجتمع المدني
    


============

لكن القلبَ المرهقَ تعب من خذلان العدو وغياب الوطن وقسوة الأصدقاء. تعب من سجن القضية ومن سجن القصيدة ومن سجن الهوية، فاختارَ أن يطيرَ، بعدما عاش سنواتٍ (بعمرِ حزيرانَ المرِّ). إلى أين سيطيرُ القلبُ؟ إلى حيث ريتا. أينما كانت سيطيرُ إليها كي يستريح فوق قلبها.
"لا الرحلةُ ابتدأتْ، ولا الدربُ انتهى". لكن هناك طفلا عاد إلى بيته القديم فلم يجد لُعبتَه وسريرَه وكراريسَ الرسم والزيتونة. لم يجد البيتَ ذاتَه. لا البيتُ ولا الحارة التي بها البيتُ. ولا الشوارعَ ولا الحيَّ. لم يجدِ القريةَ بحالها. يبحث الصغيرُ في الخريطة ويشير بإصبعه: كانت هنا بلدتي، وهنا بيتي. فأين راحت؟ ويجيبُ الكبيرُ: محاها صهيونُ يا ولدي ليحطَّ محلَّها أرضًا يبابا! هيا بنا، يا صغيري إلى بيروتَ إلى القاهرةِ إلى تونسَ إلى باريسَ. وإلى كلِّ مكانٍ عدا فلسطينَ. فلسطينُ ما عادت لنا. فيطرقُ الصغيرُ برهةً ويتعوّد حزمَ حقائبه. لكن امّحاءَ بقعةٍ من الأرض كانت مسقطَ رأس الصبي، لا من كراسة الجغرافيا ولا من الخريطة بل من الكوكب بأسره، سيورثُ قلبَ الصبيّ الوجعَ. فيشبُّ الفتى بقلبٍ لا يكفُّ عن السؤال ولا يبرحه الانفطار. رغم هذا، وربما بسبب كل هذا، سيقدرُ أن يحملَ هذا القلبُ الصغيرُ المعلولُ وطنا بأسره. "وطنٌ ينزفُ شعبًا ينزفُ وطنًا يصلحُ للنسيان". سيحمل هذا القلبُ المنذور للغربة مسألةً لا تزالُ تعيي العالمَ بحثا ومناورةً واتفاقياتٍ ومراوغةً وضجيجًا وضحايا وقصائدَ ودماءً. فيتعلم هذا القلبُ الشعرَ، ويعلّمه. ويعرفُ كيف يغدو، بقلمٍ أعزلَ، مقاتلا خطِرا أبيضَ الكفّين. يواجه الموتَ مرتين. ويهزمُ الموتَ مرتين. فالموتُ جبانٌ إذا ما واجهته. حاول أن يعلّم الموتَ أن يكون صيادًا شريفًا، لا قناصًا نذلًا ينال الضحيةَ دون نبل، فقال له: "ويا مَوْتُ انتظرْ/ يا موتُ/ حتى أستعيدَ صفاءَ ذِهْني في الربيع وصحّتي/ لتكون صيَّادًا شريفًا لا يَصيدُ الظَّبْيَ قرب النبع/ .../ لا تُحَدِّقْ يا قويُّ إلى شراييني لترصُدَ نُقْطَةَ الضعف الأَخيرةَ/ أَنتَ أَقوى من نظام الطبّ/ أَقوى من جهاز تَنَفُّسي/ ولَسْتَ محتاجاً- لتقتلني- إلى مَرَضي/ لا تكن شُرطيَّ سَيْرٍ في الشوارع/ كن قويّاً/ ناصعَ الفولاذ/ واخلَعْ عنك أَقنعةَ الثعالب." ثم يفاجئُ الموتَ بأنه يعرف مدى ضعفه، وبأنه لا يقدر سوى على نزع الروح عن الجسد، أما ما صنع الإنسانُ من فنون وفكر وعلم فلا قِبَل للموت بقتلها: "لم يَمُتْ أَحَدٌ تماماً/ تلك أَرواحٌ تغيِّر شَكْلَها ومُقَامَها/ .../ أَنت مسؤولٌ عن الطينيِّ في البشريِّ، لا عن فِعْلِهِ أو قَوْلِهِ/ هَزَمَتْكَ يا موتُ الفنونُ جميعُها/ هزمتك يا موتُ الأغاني في بلاد/ الرافدين/ مِسَلَّةُ المصريّ/ مقبرةُ الفراعنةِ/ النقوشُ على حجارة معبدٍ هَزَمَتْكَ/ وانتصرتْ/ وأِفْلَتَ من كمائنك/ الخُلُودُ/ فاصنعْ بنا/ واصنعْ بنفسك ما تريدُ."
حمل محمود درويش قضية الوطن ومقاومة المحتلّ في قلبه المتعَب. حملها وَهَنًا على وهن. لكنه في الأخير قرر أن يختار خيارًا جماليًّا مغايرًا. لونًا آخر من ألوان المقاومة. قال: كلُّ شعرٍ جميل هو مقاومة. ضجَّ الرجلُ أن سجنه الناسُ في خانة المقاومة، وفقط. أراد أن يُحلّق في المدى الأرحب للشعر.
لكنْ، حتى وإن طلبَ إلى الجماهير أن تقرأه كشاعر وليس كـ"قضية"، حتى وإن رأى نفسَه أكبر من القضية، وهو حقًّا أكبرُ من القضية، كلُّ شاعرٍ حقيقيّ هو أكبرُ من كلِّ قضية، ذاك أن الشعرَ يحملُ القضايا في أروقته، والشاعرَ الحقَّ يحملُ في قلبه القضايا، فينصهرُ بها وتنصهرُ به، حتى وإن تنصّلَ درويش في الأخير من شعره السياسيّ العروبيّ القديم، وانتصر لشعره الجديد الأكثر كونيةً وحياةً وطفولةً وحبًّا ونجوى، رغم كلِّ هذا، وربما بسبب كل هذا، يظلُّ درويش الشاعرَ الاستثنائيَّ الذي قصائده أشرسُ على العدو الصهيوني وأعتى من طلقات المدفع ورصاص المناضلين. نعم، فللكلمة طاقةٌ. وحتى إن خفتت طاقةُ الكلمة الآن في ظل مجتمعاتنا العربية الهشّة الآخذة بدأبٍ في الانحدار الثقافيّ والمدّ السلفي التغييبي المظلم، تظلُّ للكلمة طاقةٌ. فماذا عن طاقةِ كلمةٍ تنطلق من مداد فارس عزَّ نظيرُه بحجم محمود درويش؟ مَن مثله حفر بطاقات مواطَنةٍ على قلب كلّ عربيّ حين قال: "سجّلْ أنا عربي/ ورقمُ بطاقتي خمسونَ ألفْ/ وأطفالي ثمانيةٌ/ وتاسعهُم/ سيأتي بعدَ صيفْ! / ... /سجِّل/ أنا عربي/ سلبتَ كرومَ أجدادي/ وأرضاً كنتُ أفلحُها/ أنا وجميعُ أولادي/ .../ إذن/ سجِّل/ برأسِ الصفحةِ الأولى/ أنا لا أكرهُ الناسَ/ ولا أسطو على أحدٍ/ ولكنّي/ إذا ما جعتُ/ آكلُ لحمَ مغتصبي /حذارِ حذارِ من جوعي /ومن غضبي."
آن للقلب المتعب أنْ ينامَ. فنام في مثل هذه الأيام قبل ثمان سنوات. فنمْ ملء جفونك، يا فتى الشعر النبيل، عن شواردها. عليكَ الشعرُ والسلامُ والحبُّ. عليكَ، يا درويش.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- توضيح الواضح في فوضى التعريفات
- اسم الصليب عليكِ!
- يومي الأول بالمدرسة
- خرج م الطابور يا خروف!
- احنا آسفين يا مُغير
- فانتازيا
- من أجل صليب وجرس
- لماذا لا يرفع المسيحيون علينا دعاوى ازدراء أديان؟!
- نأخذ من كل -رجلا- قبيلة
- كيف يتصيدنا المحتسبون؟
- النبات لا يخون
- ثم تولوا إلى الظل
- قطعة سكر واحدة
- كيف يتصيّدُنا الُمحتسبون؟
- ڤان ليو …. صائد الجميلات والفرسان
- لماذا الساخر؟
- !احنا آسفين يا مُغير
- أشوف فيك يوم يا نبيه!
- أنا أسخرُ …. إذن أنا موجود
- |حروب عادية | اللص الذي سرق الله| أشرف ضمر


المزيد.....




- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - سلامٌ عليك أيها الفارس