كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1407 - 2005 / 12 / 22 - 11:22
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
مشاهد تستوجب التوقف والتأمل ثم الحكم على ما يجري في العراق:
• يعلن الرئيس الأمريكي بكل فرح غامر أنه سعيد إذ جرت الانتخابات بكل هدوء وأن الملايين من البشر قد ذهبوا إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم, ونسى أن صاحبه بريمر قد اقر السياسة الطائفية السائدة حالياً في العراق, ولكن لم تكن من عندياته, بل كانت مقصودة ومنشودة, ولو إلى حين! والشعب العراقي يحصد اليوم نتائج تلك السياسة الملعونة التي مارسها بريمر في العراق لتأصيل الطائفية السياسية, والتي سوف لن تختلف في الجوهر, كطائفية سياسية, عن طائفية النظم السابقة في العراق إلا استبدال جهة بجهة أخرى.
• يعلن رئيس الوزراء العراقي بكل وقار أنه يجل هذا الشعب على إنجاحه العملية الانتخابية وذهابه إلى صناديق الاقتراع من أجل أن يقولوا للإرهاب "لا"! ونسى السيد الجعفري ما كان يجري في وزارة الداخلية من تعذيب في اقبيتها, كما لم يتخذ أي إجراءات ضد القتل والمطاردة والتهديد للمرشحين من أتباع قائمته الانتخابية ضد أتباع القوائم الأخرى.
• ويخرج علينا الخطيب السيد عبد العزيز الحكم, رئيس قائمة الائتلاف العراقي الموحد, ليخبرنا عن روعة الانتخابات وفوزها الساحق ويهنئ البشر في العراق على صبرهم ويحمد الله عز وجل على منحه قبل قائمته الفوز الساحق.
• ويخرج علينا أبن الخطيب صاحب الفوز الساحق, السيد عمار الحكيم, ليعلن علينا في يوم الانتخابات وليس في يوم لاحق, أن قائمة الائتلاف العراق الموحد قد حازت ب 58% من أصوات الناخبين في العراق كله! وأن الذين يعملون في داخل المفوضية ومراقبيه بلغوه بهذه النتيجة الأولية المضبوطة.
• ثم يسافر الجعفري متوجاً بإكليل الغار إلى النجف الأشرف ليلتقي بالمرجعيات الدينية ويقدم فروض الطاعة, وخاصة إلى السيد مقتدى الصدر ليبلغ سماحته ب "الفوز المبين على القوم الظالمين". جاء هذا في اليوم اللاحق للانتخابات, ويأخذ النصيحة من سماحته ليحكم من جديد!
ولكن ماذا جرى قبل الانتخابات وفي يوم الانتخابات؟
• يبشر أتباع قائمة الائتلاف العراقي الموحد بتأييد السيد السيستاني لقائمتهم, ويسكت مكتب المرجعية طويلاً ثم يعلن الموقف بأنه لا يؤيد أحداً, ولا يسمعه إلا القلة القليلة لأنه جاء متأخراً, وتعمل مكاتبه في المحافظات والمدن المختلفة بخلاف ذلك وتؤيد قائمة الائتلاف العراقي الموحد!
• رجال من ذوي القمصان السود, الذين يذكروننا بالمليشيات الإيطالية التابعة للقائد الفاشي موسوليني, وهم يحملون الأسلحة المختلفة ويجوبون الشوارع في مختلف مدن العراق ويهاجمون الكثير من مرشحي القوائم المختلفة ويعتدون على موكب السيد أياد جمال الدين في سوق الشيوخ ويعتدون على داره في بغداد بقذائف الـ RBG7. وقبل ذاك يقتل عضوان من الحزب الشيوعي العراقي في مدينة الثورة, وتهاجم جماعة أخرى إذاعة قائمة معينة في مدينة أخرى في العراق, يقتل آخرون من قوائم كلها من غير أعضاء ومؤيدي قائمة الائتلاف العراقي الموحد.
• رجال ونساء يجوبون المدن المقدسة وبغداد وكركوك, وخاصة في المناطق التي تنتشر فيها الأمية والجهل ويخبروهم بأن من ينتخب قائمة الائتلاف العراقي ينتخب علي بن أبي طالب, وآخر يخبرهم بأنهم ينتخبون الإمام الحجة صاحب الزمان, وثالث يعلمهم بأن من حق الإنسان المؤمن أن ينتخب أكثر من مرة لصالح الائتلاف العراقي الموحد لأنه يساعد على انتصار هذه القائمة وثوابه عظيم يوم القيامة. وهو لا يختلف في ذلك عن أولئك الذين وضعوا مفاتيح الجنة في أعناق الناس ليذهبوا منتحرين في الحرب العراقية الإيرانية أو في العمليات الانتحارية الراهنة التي تمارسها قوى عربية وعراقية وإسلامية عديدة.
• وفي يوم الانتخابات يتجول أتباع قائمة الائتلاف العراقي الموحد لترهب الناس وتتوعد من ينتخب قوائم أخرى والشواهد على ذلك كثيرة جداً, وهي التي يسميها السيد أيار فريد, عضو المفوضية العامة للانتخابات, بأنها تقع في المربع الأخضر!
• ثم تحدث رؤساء الكثير من القوائم ليشيروا إلى عمليات تزوير فاضحة وكميات من الأوراق المودعة بالصناديق تفوق عدد الذين يحق لهم التصويت أصلاً وخاصة في مدينة الثورة ببغداد وفي مناطق أخرى كثيرة من العراق.
• بعض هؤلاء طالب بإعادة الانتخابات في تلك المراكز الانتخابية التي جرى فيها التصويت.
• والبعض الآخر رفض الاعتراف بالنتائج وطالب بإلغائها.
• والبعض الثالث, وعلى رأسهم السيد صالح المطل? فقد هدد وتوعد بأن "الفائزين" لن يهنأوا بفوزهم, وأن نزيف الدم لن يتوقف! وهذا التهديد مرفوض ويعبر عن وجهة صاحبه وعن القوى الفاعلة معه في العراق ومن يقف وراءه.
• وصرح السيد رئيس الجمهورية, وكان بمعية السيد رئيس اتحادية إقليم كردستان, بأن اعتراضات القوائم الأخرى منطقية, وتستوجب إعادة النظر.
أين هي الحقيقة من كل ذلك؟
إن المتابع لسير حملة الانتخابات ومن ثم يوم الاقتراع ذاته وما بعده يستطيع أن يؤكد عدة حقائق لا تخطئ, كما أرى, وهي:
أولاً: رغم المشاركة الواسعة في الانتخابات التي جرت في العراق وخارجه, وهي ظاهرة إيجابية مهمة ويفترض تنشيطها مستقبلاً, فأن الانتخابات في مناطق واسعة من العراق لم تكن نزيهة وعلى مسؤولي المفوضية تصحيح الأمر لكي لا تكون المفوضية ذاتها سبة, خاصة وأن التشكيك يذهب إلى رئيس المفوضية الحالي وبعض الأعضاء فيها. وهو تأكيد لشكوك سابقة في المفوضية رغم تغيير رئيس المفوضية.
ثانياً: رغم الحديث عن حيادية المرجعية الدينية, إلا أنها تدخلت في الانتخابات بصورة لا تقبل الشك, من خلال ثلاث مظاهر: (أ) السكوت على استخدام اسم السيد السيستاني في الحملة الانتخابية وتعليق صوره على اسم القائمة وعدم رفضها ومنع استخدامها؛ (ب) السكوت على ادعاء تأييد السيد السيستاني لقائمة الائتلاف العراق الموحد دون تكذيبه إلا في فترة متأخرة جداً لم يعد ممكناً إيصال الرأي الجديد إلى الناس البسطاء والطيبين في أنحاء العراق الذين يثقون بحكمة السيد ورأيه باعتباره فتوى لهم؛ (ج) المعلومات التي تؤكد تورط مكاتب السيد المنتشرة في أنحاء العراق بمشاركتها في الدعاية والتأييد لقائمة الائتلاف العراقي الموحد.
ثالثا: أعمال التهديد والوعيد والبلطجة واستخدام السلاح والقتل الفعلي وحرق المكاتب ومهاجمة الدور والأشخاص كلها أساليب مرفوضة ومناقضة لأسس الحملة الانتخابية مارسها أعوان قائمة الائتلاف العراقي. وكانت المليشيات التابعة للأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية هي المسؤولة مباشرة عن كل ذلك في هذه الفترة من الحملة الانتخابية, وأعني بها تحديداً ميليشيا جيش المهدي وفيلق بدر, دع عنك المجموعات الإرهابية التي كانت تريد إفشال العملية الانتخابية برمتها.
رابعاً: كان لإيران الدور الكبير في محافظات الوسط والجنوب لا في تأييد مرشحي قائمة الائتلاف العراقي ومساندتهم في وسائط إعلامها المختلفة والفضائية فحسب, بل وفي مساعدتهم بالجماعات التي تنشر الإرهاب وتمدهم بالسلاح وبما يحتاجونه لفوزهم بالعملية الانتخابية. وزادت الأمر سوءاً تصريحات رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية المناهضة لليهود والداعية إلى رمي إسرائيل بالبحر التي تساهم في تأجيج مشاعر معينة في ظروف الانتخابات لتصب في طاحونة المتطرفين العاملين في العراق.
خامساً: وجود حالات واسعة جداً من التزوير في هذه الانتخابات تفوق تلك التي أمكن تسجيلها على الانتخابات السابقة أو الاستفتاء السابق. وأخذت هذه المرة العديد من الصيغ التي يفترض أن تكشف عنها المفوضية العامة للانتخابات لأنها تعرفها جيداً, وأرجو وأتمنى أن لا تكون قد ساهمت فيها!
إن النتائج الأولية للانتخابات تؤكد هذه الحقيقة. ولهذا لا بد من إعادة النظر بالانتخابات وفي مناطق وسط وجنوب العراق, ومنها بغداد.
إن القبول بنتائج الانتخابات الراهنة أمر غير مقبول ويعرض الوحدة الوطنية العراقية إلى مخاطر جدية وتصب في طاحونة الإرهابيين قطعاً. إن أولئك الذين يعتقدون بإمكانية تزوير الانتخابات ثم دفع كفارة للفقراء لمحو ذنوبهم سوف لن يمسحها الشعب, وسيبقى يتذكر الذين زيفوا هذه الانتخابات وتؤرق لياليهم وينزل الشعب على رؤوسهم اللعنات.
إن على المفوضية العامة والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والجامعة العربية وكل القوى السياسية العراقية التي تتفق على أن هناك عملية تزوير فاضحة في الانتخابات الراهنة أن يتحدوا سلمياً وديمقراطياً لمواجهة المزورين, وعلى الذين فازوا في الانتخابات من القوائم الأخرى أن يرفضوا النتائج ويقاطعوا المشاركة في البرلمان الجديد إلى حين موافقة الذين زوروا الانتخابات المشاركة في الدعوة إلى إعادة النظر بالنتائج الأولية الراهنة أو التي ستعلن لاحقاً.
21/12/2005 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟