أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - المنصور جعفر - تأثيل أطوار المعرفة وبعض تغيرات التفكير والنخب (نقاط من مهدي عامل، أَضواء الكاشف، غسان جعفر)















المزيد.....



تأثيل أطوار المعرفة وبعض تغيرات التفكير والنخب (نقاط من مهدي عامل، أَضواء الكاشف، غسان جعفر)


المنصور جعفر
(Al-mansour Jaafar)


الحوار المتمدن-العدد: 5270 - 2016 / 8 / 30 - 13:31
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



في هذا الكتيب تأثيل للتفاعل والصراع بين تغيرات المجتمع ونخبه وأطوار التفكير والمعرفة.


بدأ هذا التأثيل لتفاعل تغييرات المجتمع والنخب وأطوار التفكير والمعرفة بمحاولة لفهم تأثيرين متداخلين:
الأول: تأثير تغيرات المجتمع ونخبه ومعارفه على تبلور العقل وأشكاله،
الثاني: تأثير معرفة الناس لتأريخ العقل في أوضاعهم الطبقية وتعاملاتهم في المجتمع.

وقد بدأت هذه المحاولة لتأثيل جدل المجتمع ونخبه ومعرفته صدفةً بتفكيرين: أولهما تفكر في تغيير الحكم الإسلامي بحكم عملي، أما التفكر الثاني فدارحول تكريب الحزب الشيوعي كناظم لتغيير الحكم الإسلامي الظالم وتبديله بحكم عملي إذا ما قوى وزاد إستراتيجيته الثورية الأصيلة، ثم إنسطع التفكر في الحالتين بإنتباهين: إنتباه مستقبلي آمل، وإنتباه تاريخي وواقعي حاذر: فبأمل في المستقبل جاء إنتباه أضواء الكاشف للأبعاد الوطنية الديموقراطية للفكر السياسي ولزوم إنتشار المعرفة العلمية لصحته، وبشكل تاريخي وواقعي حذر نبه غسان جعفر للتزويف والتضليل الذي تمارسه السلطات الحاكمة ضد الوعي بإفساد أو بقمع المعرفة.

داخل الإنتبهان أحوال المعرفة والسياسة وذلك بحكم إرتباط التفكير والعقل بعناصر المجتمع الطبقية وعملياته الثقافية والإعلامية، ولكنهما إختلفا في تحديد صحة المعرفة وإنتظاماتها الإجتماعية والسياسية. هذا الإختلاف يدعو لفحص بعض تغيرات المجتمع المعيشية والسياسية والثقافية، بتخديم أسلوب التأثيل ومزية تركيزه على التفاعلات وإبتعاده عن أسلوب الخط الواحد وتتابع نقاطه. ولكن بشكل عام يمكن الإشارة إلى أن عملية تأثر العقل ومعرفته بالأحوال الإجتماعية وبتغيرات السياسة وتفاصيلها الحزبية وتفاعل كل هذا مع عمل وتأثيرات المعرفة والثقافة الإعلام تكرس في هذا التأثيل تفاعلات شتى للمجتمع والمعرفة والنخب وسياساتهم:


مؤثرات في تفاعلات المجتمع والسياسة والنخب والمعرفة:

بشكل عام يهتم نهج التأثيل بالتفاعل والجدل بين سياسة اللغة ولغة السياسة في البنى التاريخية العامة الإقتصادية الإجتماعية والثقافية بينما في جانب تفاعلات المعرفة والمجتمع وثقافتهم يهتم التأثيل بتفاعلات بيئة كل إصطلاح وبالإصطلاحات المحيطة بكل تفاعل، وبجدل تاريخ وثقافة هذه التفاعلات، محاولاً بداية قرآءة متنوعة لتداخل وتفارق عناصر وبنى المعرفة والتفكير والعقل مع عناصر وبنى المجتمع وهيئاته وسياساته ونخبه، وفهم تأثيرها على ثقافاتهم وتأثرهما بأوضاعها.

بإهتمام أسلوب التأثيل بتفاعلات الإجتماع والثقافة وبنياتها السياسية والإقتصادية وخطاب مسائلها فإنه يتفوق بشموله وحركيته على أسلوب الفهم المجزئي والمفتت للمسائل والمثبت لحركة عناصر الحياة: فالتجزئة تميل للتخصص والتركيز كما تجمد حركة العوامل عندما تظهر معالم الأشياء دون تتبع تفاعلاتها، وكذا ترصف النقاط في خط جامع ذو تفاعل واحد، ومعالمه ضيقة من بيئة صاحبه أكثر من بيئة الشيء يتمركز بها الخط وصاحبه كشبه دوجما ضد عناصر وتفاعلات البيئات الأخرى التي يستغربها.

بين النهجين نهج التأثيل المنفتح لحركة بنيات اللغة والسياسة وتفاعلها مع معيشة المجتمع وثقافته ومع بنى المعرفة وعلاقاتها ونهج القراءة التجزئية الجامد تبدو أهمية لمعرفة المؤثرات الذهنية والإجتماعية على طبيعة هذه البنى وتفاعلاتها ومنها:
1- تأثير المعرفة وأساليب كسبها وعرضها على تطور التفكير،
2- تأثير تنوع موضوعات التفكير وأساليب تنظيمه على تطور المعرفة،
3- تأثير تطور المعرفة والتفكير على تطور المجتمع،
4- تأثير تطور المجتمع على تطور المعرفة والتفكير،
5- تأثير تأريخ مراحل المعرفة على تكون الوعي، (1- مرحلة النظر والتسميات والإعتقادات العشواء، 2- مرحلة تصفية الأسماء والمعاني وتعريف الأشياء بأشكال وعناصر وخصائص، 3- مرحلة إكتشاف وتنظيم العلاقات وظهور الأديان كتصور لوجود منظوم للإنسان والطبيعة، 4- مرحلة العقلانية، 5- مرحلة العلم الحديث، 6- مرحلة الوعي، و7- ما بعد الوعي.)
6- تأثير أحوال المجتمع وثقافته ومعرفته على طبيعة تكوين هيئاته ونخبه،
7- تأثير هيئات وإنتظامات النخب على ثقافة المجتمع وطبيعة تعاملات عناصره، وتنوع صراعاته وتجديد وجوده ومعرفته.
القرآءة المجزئة للتاريخ الإجتماعي والثقافي للمعرفة والنخبة تقلل حضور هذه المؤثرات فهي تهملها معتبرة إياها تبع علوم أخرى، وبحكم الإختصاص تقصيها عن دائرة النظر والبحث. وبتوالي التجزئة والإقصاء بدعوى التخصص، تقل المعرفة وتنحصر ويتفكك الترابط العملي والنظري اللازم لإجتماع نشاطات المجتمع وتقدمه في معرفة حاجاته وتنظيم قواه ومستقبله.


1- المعرفة والسياسة وتكوين العقل:

مع حاجة المعرفة والعلم للتقدم الإجتماعي والديموقراطية، وحاجة المجتمع والثقافة للتقدم والديموقراطية في المعرفة، تظهر أهميات معرفية وإجتماعية وسياسية وثقافية لثلاثة عمليات هي:

1- قراءة تاريخ "العقل" كأسلوب تفكير منطقي،

2- إيضاح أطوار العقل ومراحل نموه،

3- بيان طبيعة تداخل مستجداته مع موات تشكلاته القديمة.

يرتبط تقدير هذه الحاجات بتداخل بعض أمور المعرفة وأمور الحياة كتداخل موضوعات "العقل" و"العقلانية" وفاعليتهم مع نقاش الأزمات الكبرى في المجتمع والدولة: "الظلم الطبقي"، "الحروب"، "قهر النساء"، "تهميش الأقاليم"، "تخريب البيئة"، وكذا تداخل نقاش الطبيعة الاجتماعية للمعرفة وتخديماتها مع نقاش أزمة متشعبة في أمور الإدارة العامة والحزب كأزمة "الكفاءة"، وهي أزمات قد تبدو بعيدة عن عالم المعرفة وفلسفة التفكير المنظوم المسمى "العقل"، ولكنها من لدنه !

إتجاه تنبيه أضواء لـ"النزعة العلمية" وإتجاه تنبيه غسان لـ"الفرز والتبيين" يمثل في العالم الثقافي السياسي العربي اللغة جلجلة جديدة للفلسفة الثورية البروليتارية لعلم المناهج بفكرة "دور الفكر اليومي للبرجوازية في تكوين أزمات الواقع"، وهي فكرة رسخها مهدي عامل بإشاراته إلى إبتعاد "الفكر اليومي" عن التاريخ وعن دور التاريخ والفلسفة في تأسيس التفكير العلمي، بل ولإبتعاد "الفكر اليومي" عن كل النظام المنطقي الذي تدعيه الرأسمالية بأسماء وشعارات "العقلانية" و"العلم".

تصوير مهدي عامل لبؤس "الفكر اليومي" وخطورته على القيم والأوضاع الإجتماعية والسياسية لم يك كيلاً جزافاً بل أثبته بالإشارة للتناقض بين أزمات المجتمع الطبقي والفكر المنتج لهذه الأزمات الذي تقدمه البرجوازية كحل لها عبر مؤسسات الإعلام والتعليم. وهو تصور تثبته الدراسات الفاحصة لطبيعة الخطاب الرسمي بحكم إتجاه وسائط التعليم والإعلام الرأسمالية التمول لربط تشكلات العقل ومعالم الثقافة الحديثة بالرؤى السياسية للفئات الحاكمة والطبقة المتملكة الموجهة خطاب هذه الوسائط، ففي المقررات والتقارير والبنى الإخبارية المصدرة في مؤسسات المعرفة المرسملة التمويل والخطاب تجد النظرة الرأسمالية محددة لتنوع وصحة عرض أمور سياسات توزيع الموارد، وحظ غالبية السكان في إدارتها وفقا لمصالحهم!

هذي الهيمنة الرأسمالية على معالم المعرفة والثقافة تستدعي تأثيل تاريخ "العقلانية" كشفاً لطبيعة تأثرين: تأثر وجود العقل ببيئته، وتأثر البيئة والمجتمع وتفكيره بـ"العقل" خلال مراحل تطور المعرفة وخلال المراحل الإجتماعية لتطور الإقتصاد وسياساته.

وإضافة لفهم تفاعل العقلانية والمعرفة ومعيشة الناس فإن فهم التفاعل المثلث بين بنيات المعرفة والتفكير والعقل مع بعضها، ومع بنيات المجتمع ونخبته، وبين كل هذه البنى مع بيئاتها، يحتاج لمعرفة حركة الذهن، بتأريخ مراحله وأطواره بمعالم ثقافية رئيسة في حياة المجتمع. فبدون إدراك معالم نشاط الذهن وطبيعة المراحل الثقافية تحولاته يصعب تحديد نشوء وتطور أجناس التفكير، وتنغبش طبيعة تحولاتها ذات مئات وألوف السنين وتضيع فواصلها أو فقراتها الثقافية الإقتصادية الإجتماعية.

لذا فإن إدراك تطور أجناس التفكير وفهم أسباب نشوءها وأشكال نموها وتغيرها يحتاج لفحص آليات المعرفة والتعليم وموضوعاتهم كمنتجات عقلية، وكذا لفهم طبيعة مجتمعاتهم وأزماتها، ومدى تنوع وإختلاف محاولات حلها.

كل هذه الإحتياجات لتحديد مناطق وسمات التفاعل المعرفي والإجتماعي مهدت لتبلور هذا التأثيل:











2- ملامح من "العقلانية":


1- ماهي العقلانية؟:
يرتبط إصطلاح "العقل" بإسم إجمال للتفكير المرتب عناصر الأشياء وبنياتها وعلاقاتها بأسباب ونتائج موضوعية بوعيه بتاريخها ومستقبلها وبحذره من ضررها وطلبه نفع مزياتها. ومع ظهور "العقل" كإنتظام عالي للتفكير وتسيد بعض المجتمع به نبتت "العقلانية" كإسم إجمال حركي لحالة إنتظام تراتبي/مناطقي/تصنيفي لتفكير المجتمع ونخبته، وكصفة لمرحلة ما بعد الأديان في تاريخ المعرفة، حيث إتسق تفكير الناس بمعلومات مرتبة وبأسباب موضوعية إستنفعها الخبراء لتجنب أضرار أو لزيادة منفعة ولتلبية حاجات المعيشة وحل المشكلات التي تواجه الناس .


2- أربعة عمليات مؤسسِة للعقل (2+2):
تتكون طبيعة "العقل" كعملية ذهنية بتداخل إنتظام التفكير مع عمليتين:
1- عملية تثاقفية وإجتماعية لحد ما مع البيئة والمعارف والخبرات السابقة والظروف المحيطة بالفرد وبالمعارف المختزنة،
2- عملية دماغية تنظم في المخ نشاط الذهن لإستدعاء ولإقصاء بعض خبراته المخزونة، حيث تحكم الخبرات القديمة تقدير الإنسان النظري لعناصر وحاجات وقدرات مجتمعه وبيئته بينما تحكم الذاكرة الحيوية بهرموناتها وكيماوياتها أجزاء من عملية إستقبال حدث أو رفضه بفعل أوبإمتناع عن فعل .

أيضاً هناك عمليتان ذهنيتان متداخلتان تؤسسان التفكير العاقل لنشاط الإنسان من الضرر والحافظ له من الإنبهام والتهور.
الأولى ترصد ظروف الإنسان وحاجاته ومنافعه وقدراته، والثانية تحاول زيادة إمكاناته أو إخراجه من ضيقها،هاتان العمليتان هما:
1- عملية إستقراء لطبيعة عناصر وظروف محيطة بالإنسان وبعملية القراءة نفسها،
2- عملية إستنباط أو إستنتاج، شيء من صميم خصائص وتفاعلات العناصر والظروف ليحقق به نفعاً أو يبعد به ضرراً.

وفق هذه العمليات في الثقافة والدماغ والإستقراء والإستنباط تبدو"المعرفة" نشاطاً موضوعياً لاكائناً سماوياً مُنزلاً أو مجالاً سحرياً أو إلهاماً إلهياً، وليست عبقرية أفراد أو كلمات صعبة وحشد معلومات ودراسات وإمتحانات وشهادات، بل تجمعاً ذهنياً-عملياً منظوماً لتفاعلات طبيعية وإجتماعية وثقافية، لكنها ملحوظة ومرصودة ومبحوثة، محددة الأصول والأهداف وأكثر إجراءاتها. فبداية من معرفة أن البيئة الطبيعية (تضاريس ومياه ومناخ) تتحكم في إختيار الناس لموقع وطبيعة معيشة مجتمعتهم، فكذلك تتحكم البيئتان الطبيعية والإجتماعية معاً في تفاعلات المعيشة وثقافة التعاملات، وكذا تؤثر ثقافة تعاملات المعيشة ومعرفة ومعالجة أزماتها ومشكلاتها على تأسس عملية المعرفة وتنوع طبيعتها أو شكلها، وعلى لزومها مساراً معيناً في موضوع محدد.


3- تنوع المعرفة وتطور العقلانية:
إرتبط الكلام عن العقلانية بالمعرفة والعلم، وبما ان وجود المعرفة يتحقق بأفراد يتوصلون لها ويتداولونها ويستعملونها ويضيفون إليها، فإن تحقق المعرفة بهم أعطاها مع طبيعتها النظرية طبيعتين أضافيتين: طبيعة إجتماعية، وطبيعة فردية. لذا تتنوع المعرفة بطبيعة نشؤها الفردية والإجتماعية، وبمدى تنوع نشاطها وتفاعلاتها، كما تختلف صورتها بإختلاف رؤية دارسوها لثوابتها وتغيراتها. وبهذا التنوع وإرتباطه بطبيعة وبيئة الناس وظروف مجتمعاتهم تبدو المعرفة والعقلانية المرتبطة بها متنوعة في التاريخ وفق ظروف كل مجتمع وأفراده ووفقاً لحالتيها الفردية والإجتماعية، ولكن تطور المعرفة يرتبط بشكل وئيد ودقيق ونسبي غير تطابقي وغيرميكانيكي مع تطور المجتمع: يتقدمه أو يوازيه أو يلحق به ولكن ليس بفرق كبير بل في دائرته.


4- بعض المعارف عن طبيعة المعرفة:
لإجتماع ولإختلاف أصول وأدوات وأساليب تقدير عناصر وتفاعلات المعرفة وأشكالها ولإختلاف طبيعة تكوين المعرفة وتغيراتها ولإختلاف طبيعة قراءة كل فرد أو مجموعة، فإن العلوم المهتمة بطبيعة المعرفة تنفرز لنوعين (وأكثر) من الدراسات:

(1) دراسات للطبيعة العامة لتكون المعرفة وتفاعلات أسسها وأساليبهاEpistemology

(2) دراسات لطبيعة المعرفة في ذهن الإنسان Psychology وهي بإتجاهين: خارجي إجتماعي و داخلي جواني أو نفسي: يهتم
الإتجاه الخارجي بطبيعة عملية المعرفة والتفكير دارساً أداء الإنسان وسلوكه وتجاوبه مع مؤثرات معينة على معرفته، أما الإتجاه الداخلي فيهتم بطبيعة معرفة الفرد وكيفية حدوثها وتغيرها، دارساً تسلسل وتبلورعملياتها الحيوية في دماغه وحتى برصد الإشارات الكهربية-العصبية داخل مناطق المخ ونبضها وتغير كيمياء تفاعلاته إزاء مؤثرات معينة.


5- تطور علم النفس كدراسات لطبيعة المعرفة وترسبها داخل الإنسان:
تمثل تطورات علم النفس تاريخاً لإرتقاء دراسات العلماء لطبيعة المعرفة داخل الإنسان، وهي دراسات نشأت منذ قديم الزمان ففي تأثر سلوك الإنسان بمعرفته إهتمت حضارات العالم القديم بالجزء البشري لتفاعل المعرفة والتربية والتعليم والسلوك وصارت معرفة ما يعرفه الإنسان وإدراك لب تفكيره ونفسه موضوع للمعرفة في الصين والهند والعراق ووادي النيل وفارس زرادشت ولدى اليونان: (فيثاغورس، سقراط، أفلاطون، أرسطو، ديمقريطس، أبقراط )، وعند الرومان:(لوكريتوس، إيبكتوتس، شيشرون، ماركوس إيرلوس، بلوتينوس، وأوغوسطين)، ولدى حكماء اليهود:)سعيد الفيومي، سليمان جيبرول، إبن طيبون، وزكريا الليفي)، وحكماء العرب (إبن سينا، الفارابي، الغزالي، الرازي، البيروني، إبن ميمون، وإبن حزم، وإبن باجة، وإبن طفيل). وقد إختلفوا في أصول المعرفة وأشكالها أنها سماوية أو أرضية؟ وموضعها في الإنسان، وهل قديمة هي أم حديثة؟ وخير هي أو شر، وتناول بعضهم بيئة السلوك، ونوع التفكير أهو حكيم أو وضيع، وشكل التربية، والأخلاق الباطنة والمكتسبة، والهداية أو التضليل الإلهي.

في العصر الحديث إجتهد العلماء لفهم طبيعة الإنسان دارسين تصرفاته وطبيعة حركته ومحركها وهي الدراسات المعروفة بإسم "علم النفس"Psychology ، كان زكاءها فرويد Siegmund Freud والسوفييتي إيفان بافلوفIvan Petrovich Pavlov وأخرين.
إتجه فرويد لمعرفة بواطن الإنسان وجذور شعوره وتفكيره ووعيه وفق تأثر هذه الجذور بعوامل حيوية وعوامل موات، يعرفها الدارس بالنظر إلى تاريخ تفكير الإنسان وأحداثه وتأثره بالحيوية و الفناء كمقدمة لفهم تصرفاته والمساعدة على علاج علله الذهنية إشتهر السوفييتي إيفان بافلوفIvan Petrovich Pavlov باتجاهه لأسلوب إدراك وفهم طبيعة الإنسان الإجتماعية بدراسة سلوكه وتفاعلاته الإجتماعية الظاهرة وردود أفعاله جهة أحداث بيئته، تاركاً بواطن تفكيره لحكم البيئة فالإنسان إبن بيئته.

كانت الأفكار والفلسفات المهتمة بمعرفة طبيعة الإنسان قد إتجهت منذ خمسينيات القرن العشرين لدراسة أسس شعور الإنسان وعقله بداية بأعمال كلارك ورامزي Clark & Ramsey لإدراك ولحساب طبيعة دور التربية والمعرفة والتعليم في تكوين السلوك ونمط الفاعلية الشخصية. فبعد السؤال الكبير لأبينهاوس Ebbinhause Hermann عن كيفية حدوث المعرفة؟ تطور الحال لمحاولة معرفة عملياتها Anderson 1964 و ناصير Alric Neiseer 1967في فهم شكل وجغرافية وجود المعلومات والمعارف وطبيعة وضع وتخزين وتوصيل وإستعادة رموزها، وصولاً مع البنيوي جان بياجيه Jan Paiajet لمحاولة فهم كيفية تحقق ونمو بنية المعرفة؟ ثم قيام جاردنر Howard Gardener 1985 بتأريخ ثورات المعرفة، تلته محاولات توثيق للعلاقة بين طبيعة المعرفة وطبيعة المخ وأجزاءه بعد تسهل إمكان قراءة كهربيته ثم محاولة هونت Hunt لرصد كيفية التفكير؟، وكذا جهد روبرت سولسو Solso وتنظيره الشمولي بعد 1990 لكيفية قيام الإنسان بخزن المعلومات وإستحضارها؟ بتقديرات ذاتية أو موضوعية.


6- علم المعرفة كتاريخ للطبيعة العامة للمعرفة:
مع الدراسات الهادفة لمعرفة الإنسان من الداخل لإدراك تأثره بها وتاثيرها في علمه ونشاطاته كانت ولم تزل هناك دراسات أخرى لأسس وآليات المعرفة في وجودها العام بين الناس وليس كحالات فردية أو فئوية، وسميت هذه الدراسات في العصر الحديث بإسم "علم المعرفة" Epistemology وهو شق فلسفة/تعلم موضوعه أسس وإجراءات وبنى وحدود المعرفة من حيث:
1- دراسة أصول ومصادر المعرفة وتنظيمها وطبيعة تفاعلاتها وحدودها،
2- التحقق من موضوعية فهوم وطبيعة بناءها في ترتيب وتنظيم أهدافها وأساليبها ومعلوماتها.
رغم قرابتهما في التاريخ والعقل فإن مؤسسات المعرفة والإعلام المُرسملة تصنف علم المعرفة (الإبيستيمولوجيا) في مجال "الحقيقة"، بينما تصنف الآيديولوجيا في مجال "الإعتقادات"!.

صيغ الرأسمالية الأوروبية السائدة الآن على ثقافة العالم ومعارفه أدغمت "علم المعرفة" كنظر فلسفي/علمي للمعرفة وتطورها بخط أوروبي التمركز حيث تصور المركزية الأوربية نشوء (علم) المعرفة بفكرة أفلاطون عن وجود "الهيئة" )هيئة الفكرة/الكلمة، والإسم ومادته( في كلامه عن (عالم الأسماء) ثم تفاعل حالة الهيئة وجدل عالم الأسماء لعالم "التصنيف" عند أرسطو، وبأكثر من ألف عام بعدهما يصور عصر النهضة كحال تكامل وصراع بين "الإنطباع" و"العقلانية" وبعد ذلك زاد إتجاه/صراع فرز "الإعتقاد" من "الحقيقة" وفق مناهج البحث والبرهان ومنه أظهرت محاولات الفيلسوف كانط لتأسيس أو تكييف نوع/درجة/أسلوب المعرفة بجمع أو بفرز الإنطباع الذاتي وعملية الضبط العقلاني فهي "مواضعة" لوضع كل شي في سياقه جهجهت "قيمة" أو "حقيقة" المعرفة، في ذاتها كأسلوب أو كنتيجة أو في موضوعها أو هيئته!

7- مدارس وصراعات تصنيف المعرفة:
في خضم تصورات وصراعات معرفة الحقيقة وحقيقة المعرفة والإختلاف في تقييم وفي تقويم دور "الخبرة" و "الحواس" نشأت مدارس شتى في فلسفة/علم/نظرية المعرفة منها:
1- مدارس تاريخية تركز على تاريخ المعرفة،
2- مدارس إنطباعية تركز على كينونات الإنعكاس أو الإنطباع وعلاقة تأثره بـخبرة الإنسان وتأثيره عليها،
3- مدارس مثالية تركز على تصورات الفكر وطبيعة الفهم،
4- مدارس عقلانية تركز على تقدير قيمة المعرفة وموضوعيتها العامة فوق حساب العناصر المادية الدقيقة في تفاصيلها،
5- مدارس بنائية حول عمارة المعرفة وبنيتها وما في خريطتها ونشاطها من نقاط وأعمدة وعلاقات ومواضع وأمكنة وحدود.


8- طبيعة المعرفة:
من الصراع القديم بين "النظر" و"الفهم" و"التسمية" وكذا بين "الهيئة" و"التصنيف"، وأيضاً بين "الإعتقاد" و"الحقيقة"، ومن الصراعات الحديثة بين "الخبرة" و"الحواس" وكذا بين الإعتقادات والحقائق والأساليب ومدارسها، حدث توافق عام بأن المعرفة الموضوعية المتحققة بالبحث المرتب الرصد والتحديد والتقصي المنظوم للعناصر والتفاعلات وتمحيص النتائج بنوع أو أكثر من الإنتقاد والإثبات العلمي هي معرفة جزئية ونسبية لبعض جوانب بعض الأشياء في بعض الظروف لبعض الوقت.
مع الجدل والتوافق حول طبيعة المعرفة تطور تقدير الناس لأمورها: فبعدما كانت المعرفة في نظر الناس حالة لسحر أو ذكاء وعبقرية أشخاص غريبي الأطوار يقضون حياتهم في التأمل والقرآءة ويلقون وقتهم وذهنهم في المجهول متعاملين بطلاسم وكلمات صعبة ومعلومات كتيرة ومعقدة، أصبحت المعرفة نشاطاً عاماً مفتوحاً للناس منظوم بنشاط هيئات إعلام وتعليم وتدريب مرتبة.
كذلك تطورت عملية المعرفة من كونها حالة عشواء لإكتشافات فردية وأصبحت حال نفع إجتماعي منظوم وعمل جمعي معروف المحور، خلاصته جمع ودراسة عناصر معلومات أو وأعمال ورصها في نماذج قياس تعرض بها بعض المشاكل والأزمات وإمكان حلها بتأثير معين على بعض عناصر المشكلة يغير طبيعة تفاعلها المألوف بل ينقلها من الحالة القديمة المشكو منها إلى تفاعل جديد عليها إثبات فائدته ونجاعته في حل المشكلة.
هذه الملامح التاريخية من حركة تكون المعرفة خارج الإنسان وداخل ذهنه وتطورها في كشف وتنظيم إدراك الناس لعناصر الطبيعة وإفادتهم بها/منها إنما هي وصف تقريبي نسبي لأشكال معرفة وملاحظة وخبرة ولبعض فلسفته، ولكن بحكم غلبة الصور الجزئية وتفاصيلها في عرض مراحل المعرفة فإنها بشكل عام لا تقدم تاريخاً موضوعياً متكاملاً متناسقاً صمداً لا للمعرفة ولا لكينونتها وأداتها الرئيسة وهي التفكير النفعي المنظم، وهيئته الذهنية الشكل المسماة "العقل".

































3- مراحل تكون "العقل" كأسلوب تفكير منظم:

1- بدايات العقلانية في العصر الحجري وأهم علامات وجودها آنذاك:
منذ القدم نشأت "العقلانية" كتفكير يحقق نفعاً لصاحبه أو يجنبه ضرراً، وبترسخ ذلك التفكير وحادثته في الذاكرة تراكمت معلومات عشواء وتحولت لخبرات مُرتبة توجه فيما بعد عملية التفكير لتكرار إحداث الفائدة أو لتجنب تكرار الضرر. مثال لهذا الإنتظام تطور خبرة الإنسان في إلتقاط الثمار حسب لونها وحجمها وطعمها ونضجها، وكذلك في عملية صيد الحيوان حيث خبر الإنسان توتر الحيوانات من أصوات وأشكال وحركة البشر المقتربة منهم فبتلك الخبرة تعلم الناس أهمية لزوم الصمت أو إصدار أصوات تفيدهم صيد الحيوانات، وكذ حركتهم بطئاً وسرعة والتمويه كأمور لازمة لنجاحهم في صيد الحيوانات. وبتراكم تلك الخبرات وتكاثرها ونظمها بسياقات ذهنية وأعمال بدأ نشوء "العقلانية" بشكل وئيد ومتداخل منذ كشوف الإنسان الأولى لعناصر وتفاعلات مثلث الطبيعة والجسد والحياة الإجتماعية، وهو المثلث الذي سيصير مربعاً بنمو المعرفة والعلم.

آنذاك رغم بداية خاصيات "التسميات" و"الخبرة" و"التنظيم" بشيء من المشابهة والتسلسل والتمييز فإن تلك المعارف والتسميات الأولى كانت عشواء ومضطربة وكذلك الخواطر والإعتقادات التي لازمت تلك التسميات وجسومها ومعارفها. ولكن بالظهور المنطقي لـ"العمل" كتفاعل منظوم مع البيئة والطبيعة، فإن بعض الأسماء التي عينتها المعارف القديمة ترسخت بكل ما فيها من إعتقادات وأفكار مختزنة فيها أو كخبرات أساس وقاعدة ذهنية لإنتظام ونشاط وتنوع التفكير البشري.

في تلك المرحلة للمعرفة العشواء بدأ تبلور معالم العقلانية ب(إكتشافات) حدثت عند تفاعل الناس مع الطبيعة ثم تشاركها الناس. لعلها بدأت بتمدد معرفة الناس لظواهر زوجية الشكل فهموا بتتابعها الزمني وتضادها فهموها كـ"أجزاء بنية" وقاموا بتسميتها: وبتتابع النهار والليل عرفوا "اليوم"، وبالجوع والعطش عرفوا معنى الشبع والإرتواء وسموهما، وكذا عرفوا تلازم وإختلاف الصحو والنوم، التنفس والخمود، الحركة والجمود، الأصوات والسكون، الضوء والظلال، السيولة والجمد، نمو النبات وجفافه، حيوية الحيوان ومواته، السهول والجبال. الخصب والقحط فبتضاد وتلازم عناصر وعلاقات معينة قاربوا فهم "الكل والأجزاء"، وكذا فهموا شيئاً من الزمان، وبموقع وجودهم عرفوا "المكان" وفرزوا الإتجاهات، وتحديد مناطقهم بعلامات، وبالدروب والمسافة لسكنهم عرفوا أمور الإنتقال والنقل والإبحار.

وكذا بمعرفة أشكال وطعم الثمار وحياة الحيوانات إكتشفت الجماعات البشرية الأولى مع الإلتقاط مسائل الشكل والمواقيت وكذا عرفوا الصيد وأكتشفوا ما نسميه الوسيلة والأسلوب والطريقة وقد صنعوا أدوات إلتقاط وأدوات صيد، وباللحوم والجلود والعظام والزيوت والعسل واللبن تطور طعامهم ولبسهم وعلاجهم، وبالعصى والحجارة عرفوا الأدوات والسلاح. وكذلك تطور السكن من الكهوف الطبيعية للأكواخ ثم البناء طيناً وحجراً وخشب، ومع إكتشاف النار التي كانت رهيبة مقدسة تشبه الشمس ثم نجاحهم في إيقادها وإستعمالها للدفاع وطهي الطعام، تقدم الوعي البدائي بتنويع الأكل وصناعة أوانيه.

هذه الكشوف الصغيرة الحجم الهائلة المعني زامنت إكتشاف الجماعات لذاتها وإنفراز وجودها ومعيشتها بلحظها تميز شكلها ومكانها وبتكاتفها بسراء الولادة وضراء الإلتقاط والصيد وبألم وحزن الموت في معاركها ضد الحيوانات وضد الجماعات الأخرى. بعد كل هذه الكشوف العشوائية جاء أكبرها ببداية الزراعة وتنظيمها وفق بيئة الأرض وتغيرات المناخ والأنهار والأمطار ومعها إكتشاف الري وحفر القنوات وبناء السدود، وصناعة آلات الري والحرث والحصاد بل وتخزين المؤن. كذلك الغزل والنسيج، والتداوي، وحفظ الجثث، وتقليل العنف الفردي والعشواء داخل الجماعة وتحويله لحروب منظومة ضد الآخرين، وتنظيم التزاوج والعمل والوراثة، وكشف وتخديم المعادن، وضبط الموارد والتعاملات، وبداية حساب الأوزان والمساحات، وظهور الخرائط والكتابة والحقوق والواجبات، وتكون التعليم وأشباه الدول والتجارة والإقتصاد.

لعل دخول الإنتظام على هذه المعرفة العشواء بدأ بالتسميات وذا من قيام الجماعات البشرية الأولى بملاحظة تميز الأشياء وتنوعها في الطبيعة لجمادات وحيوات، وتبينهم فروقا معينة بين الأرض والماء والسماء، والحياة والموت، ومعرفتهم لطبيعة حسهم بالخطر، وبالتعب، وبالأمن، والراحة، فبملاحظة سمات الطبيعة بدأ تراكم المعارف الأولى يواشج إدراك ما نسميه اليوم حالة "الإختلاف"، متبينين بها "خصائصاً" محددة في الشيء الواحد أو علامة فيه بها أعطوا لكل شيء إسماً من سماته فرزوه به عن بقية الأشياء وعينوه له كعلامة أوعَلماً دالاً إليه.

وإذ منح الناس لكل شيء إسماً وفق علامة ثابتة في شكله أو قوامه أو لونه أو فائدته، فبهذه التسميات بعدواعن البهامة والدهشة وإقتربوا لتعريف الأشياء وتحديدها بأسماء معينة لها إشتقوها من خصائصها، وبالتعريف والتحديد أستنار ذهنهم بعمليات مناطقية تتابعية تقسم الأشياء وفق خصائصها وتصنفها بالمسميات التي تختزن معلوماتها وتستحضرها بهذه التسميات. كذلك بربط بعض الأشياء بأثارها عرف الناس ما يسمى حاضراً الـ"علاقة" بين الأشياء.

هذا الإدراك البدائي للخصائص، وللأثار والعلاقات -كالذي بين النار والحرارة وغليان المياه ونضوج الطعام- واشج تزامناً أو ترابطاً بين حركة بعض النجوم والشمس مع تغيرات في الطبيعة حولهم (فيض أنهار أو إنمحالها، إزدهار نبات أو جفافه، وإختلافات الحيوان). وعلىى رسل تزامن التغيرات السماوية والتغيرات الأرضية نبتت فكرة وجود نظام أشمل لكل الطبيعة تقوده السماء، ظنوا أن بإنضمام الناس إليه تتحقق لهم به السعادة إذا ما اتقنوا -كأفراد وكجماعة- التواصل معه والإندغام فيه!

2- الصوفية والإعتقادات الناظمة القدسية إلى دين:
مع ضيق وعشواء الأسماء والمعاني وتنوع الناس والكائنات زادت حاجة الناس لتحديد وفرز عناصر الطبيعة والأشياء ووصف عناصر وأهداف وأدوات وأساليب لمعيشتهم ولحياتهم الإجتماعية وتعاملاتها ومابعدها وتبعا لزيادة حاجة الناس لتحديد وفرز الأشياء بدأت تصفية ثقافية للأسماء والمعاني تصفية وصفية بتقريبات تلد الإسم على معلم في الشيْ تحدد به الإسم أو توسع معناه.
وبثقافة تسمية الإشياء والأدوات بخاصة فيها أو مد الإسم من شيء لأخر، زادت الحروف والكلمات والأفكار بنية اللغة وحددت ووسعت التفكير. أما في بنية الحياة الإجتماعية فمع زيادة حاجات تنظيم المعيشة والتعاملات فقد ركزت شخصيات مثابرة حياتها اليومية على أمور تنظيم علاقات وأعمال الجماعة وشؤونها وكلامها ومعانيه وعلاقاتها.

كان ظهور العمل البشري في الطبيعة وإنقساماته وفق الحاجات والقدرات وإتسامه بحساب العاجل والآجل من الأشياء مدخلاً لتنظيم الأعمال أمتد لينظم التفكير وبعد تراكم أولاني للمعارف والعقل البدائي نمت خبرة الإنسان/المجتمع عن ما ينفعه وما يضره، وبتزايد هذه الخبرة تحسن سد الإنسان لحاجاته للشرب والأكل والأمن والسكن منتبهاً للوقت القادم ضمن اليوم الواحد وحاجاته ومتطلباته ليلاً وصبحاً وضهراً وعصراً ومغرباً ثم إنتبه لوجود الزمن المستقبل بفصول الأمطار والفيضان وإختلاف حياة النبات والحيوان وموتهم عرف بعلاقة المناخ والحياة المواسم وأصولية الماء للعيش ثم إكتشف ترابط كل هذه التغيرات مع تغير سابق عليها في مواقع النجوم والشمس والقمر وأشكالهم.

مع تنظيم الأسماء والمعاني والزمن وجهت ضرورات المعيشة التفكير لتنظيم الأعمال وتقسيمها بل من أفكار التنظيم الصغرى لأمور المعاش والأمن وتعاملات أفراد الجماعة مع بعضهم ومع الجماعات الأخرى بدأ بعض الناس في تفكير أكبر إهتم بتنظيم أشمل لجملة حياة الناس كأفراد وكجماعة وكجماعات، تنظيماً يبدأ قبل المهد و(ينتهي) بعد الموت واللحد.

وقد تزامنت عمليات إصطفاء وتنظيم المعارف والممارسات وبداية تشكيلها في تصورات (متكاملة) مع قيام بعض حكماء الجماعات القديمة الذين فهموا ما نسميه اليوم "العلاقة" و"التأثير" بريادة شبه عفوية لأكبر عملية ثقافية في الزمان القديم لتنظيم الحياة وذلك رغم عشواء وتفاوت حدوثها وإحتلاف تغييراتها وتنوع التحديات الثقافية الإجتماعية والسياسية والقيمية التي واجهتها.

ربطت تلك العملية الثقافية الوئيدة بين عالمين: عالم الإنسان في الأرض وعالم السماء، وذلك بقيام بعض الخبراء أو الطليعيين بدعوة جماعاتهم للقيام بأعمال فردية وجماعية منظومة ظنوها تقودهم لعالم الخير و"السعادة". بالربط الذهني بين العمل والخير والدعوة إليه أصبح "الإطمئنان" أو "رضاء السماء/الإله عن الإنسان" هو الهدف/الإطار المجدِد لحياة البشر باشباع وتطمين يفوق سد حاجة الفرد للطعام والأمن، وبرحمة تفوق عشواء الإنبساط الفردي.

بهذا التفكير السماوي الشمول والفكرة الأقصى عن "السعادة" زاد التفاعل بين الخرافة والمعرفة والعمل، ومع نمو التمييزات والتصفيات الإجتماعية والثقافية مما أحدث تطوراً في التفكير وخبراته منتقلاً لحالة سميت معالمها بإسم "القدسية" أو "الدين". ورافق هذا التقدم زيادة إصطفاء لخبرات المجتمع وفرز كثير لحياته عن تفاعلات الطبيعة الخام، وتهذيب لغرائزه وحصحصة لتسميات وقيم إجتماعية، رابطة الأعمال التي زادت موارد لأهل منطقتهم بـ"الخير" و"الصلاح"، صنفوها عملا صالحاً أو خيراً.

قبل هذا التقدم الفكرى من العشواء إلى "التنظيم" و"التقييم"، كان الإطمئنان والحبور شأناً فرديا قدساً يتم داخل الذهن/النفس يحسه أو يشعر به الفرد عندما تكرمه الطبيعة بزرع أو بضرع، أو عندما يحقق جهده هدفاً له، أو لتزامن رخاء بيئته مع تحقق هدف له، ولكن بتطور الحياة تطور التقديس فمع تطور المعرفة والعمل والإعتقادات والمشاعر زاد التقدس عن كونه حالات فردية خاصة بل رسم بحالات مجتمعية موسمية ثم إجتماعية عامة، لها طرق وأعمال معينة، يلزم القيام بها لتحقق الخير والقداسة.

بزيادة الربط بين أعمال الإنسان وتحقق الخير له ولمجتمعه سمت "القدسية" عن كونها حالة ذهنية عشواء خاصة برضاء فرد عن تغير موجب في حياته أو في مجتمعه أو بيئته، وإرتفعت عن الفردية والعشواء وذلك برفع الإنسان أسباب حياته وتفاعلات مجتمعه وتغيرات بيئته عن عالم الأرض وإشارات النار والنجوم والشمس والقمر، حيث نهض بها إلى قدس جديد، أكبر وأشمل، سمته "النظام" يضم الطبيعة والناس أجمعين حتى مع إختلاف الناس في صفات القدس وتسمياته. غير أن بعض الطليعيين آنذاك ظنوا أن لهذا القدس مكاناً ومركزاً محدداً موجوداً في السماء أو فوق السماء/السماوات، تجتمع فيه سماته ومعانيه، بل يحكم السماء وحركة عناصرها وكل ما تحتها وما فوقها محيلين إليه كل أمورهم وأمور مجتمعهم. هذه الخطوات التقديسية كانت مهمة في بلوغ التفكير بعد آلآف السنين مرحلة معرفة جديدة هي مرحلة معرفة الأسباب/القوانين العامة والنسبية لحركة عناصر الطبيعة.

مع إرتفاع حالة التفكير من مستوى العناصر والعلاقات المادية الأولية المتمحورة حول الأكل والشرب إلخ وسموءه إلى عناصر وعلاقات كثيرة العدد، وذهنية الكينونة، بدأ افراد طليعيين وجماعات دينية أولى بتحقيق التقديس في نفوسهم بل والدعوة إليه في حياة جماعاتهم بفهوم وأعمال تنشد الخير للجماعة بنظم بعض تقاليدها ونشاطاتها، مجددين ومقدسين أهداف ووسائل إجتماعياتها وعلاقاتها وتعاملاتها بأحوال النفس الداخلية للفرد، يرفعونها وتفكير حياته وحياة جماعته لكيان أعلى بعلاقة عليا بممارستها هدفها زيادة الخير للفرد المتقدس وجماعته تعمقها وتؤطرها بأقوال وأساليب معيشة وحياة وصلوات ذهنية-جسمية تعارفوها معتقدين إعتقاداً أنها تضاعف لاحقاً الخير للفرد ولمجتمعه في حياتهم على الأرض وحتى فوق السموات، بعد وفاة أفراده.


3- تطور القدسية والدين مع التفكير الإجتماعي:
آنذاك الزمان ربط تفكير النخبة تحقق القداسة بـ"الخير" وإنتفاء "الشر" بالمصلحة الإجتماعية، أي تحقيق الخير للمجتمع، إذ ربط الخبراء الطليعيين في المجتمعات القديمة تحقق "الخير" والقداسة بإنتظام في الطبيعة يظنوه مفيداً للمجتمع أو لفرد منه، كذلك ربطت إعتقاداتهم "الشر" بتناقض وتكافر بين عناصر الطبيعة والمجتمع والنفس.

وبحسب ثقافة وبيئة كل منطقة وجماعة تنوعت دعوات الطليعيين فيها لربط ذهني-عملي بين حياة الفرد والمجتمع يقوم على تبادلهما الخيرات وبينهما ككل والأخرين، وتوافقت هذه الدعوات المتنوعة على أسلوب حط الناس على إلتزام توجيهاتها وتجنب ما تحذر منه. وبتوالي هذه الدعوات وتجاوب الناس معها ظهرت معالم تصورات تقديسية أكبر تقوم على أمرين هما:

1- ربط القداسة والخير بسلسلة جغرافيا-أعمال بشرية ذات سمات فضائية/فلكية-أخلاقية، تربط وجود الكون ونظامه وكل ما فيه من كواكب ونجوم بوجود الأرض وفي ذات الوقت تربط وجود الكون والأرض بوجود الإنسان وصلاح أعماله وصفاء قلبه خيراً!

2- أن يتبع الناس سلوكاً معيناً في حياتهم الخاصة وحياتهم الإجتماعية، سلوكاً يعقل الغرائز الحيوانية في الناس بينما يطلق آفاقهم التصويرية إلى نهايات كبرى (سعيدة للتابعين وشقية للرافضين) وهذا السلوك يصلح كل شي في الحياة، ويباركها.

بالإنتشار الإعلامي والثقافي لهذا الربط المقدس بين الأعمال والإلتزامات الصغرى والنهايات الكبرى بدأ بعض الحكماء والرسل المتأخرين تبيين ما إعتقدوه طرقاً نهائية لـ"السعادة" (لاتكذب، لاتسرق، لاتقتل، لا تؤذي، لاتقطع رحمك، إلخ) وترسخت أدياناً.


4- معالم التفكير الديني:
أشارت تواريخ الطبيعة الإجتماعية والأنثربولوجية والميثيولوجيات لمعالم تبلور التفكير الديني وأهم معالم هذا النشاط الفكري المحاول إزهاء الحياة أنه يراوح وجود الناس بين عالمين: عالم عناصر الطبيعة الظاهر للعيان، وعالم علاقات هذه العناصر وأكثره ذهني باطني خفي عن الأعين. فمع لمح الترابط بين تغيرات الحيوان والنبات والمناخ وتغيرات مواقع النجوم إعتقد الناس أن عناصر وعلاقات طبيعة الأرض متصلة بعالم السماء عبر وجود دقيق بينهما (هواء/ماء/نار/غبار) وله كيان في داخل الاجسام الحية سموه في عالم الإنسان "قا"/"طاقة"/"روح" وهو يؤثر ويتأثر بأعمال الفرد وأعمال جماعته ومدى خيرها وقدسيتها.

خارج الصين والهند والأميركات، في مراكز العالم القديم للشرق الأوسط، وبشخصيات كإدريس وإينوخ وهرمس وطاليس وفيثاغورث، بدأت من عقلانياتها الأولية حال تشكيل إجتماعي لـ"الدين" كتصورأكمل لوجود الطبيعة والإنسان وكيفية ولادتهما، وكيفية تفاعلهما، وكيفية نهاية هذا الوجود. وقد إنتهت الأحوال الدينية إجتماعياً لتحكمات وصدامات جعلت بعض الناس يفكرون في تحسينها وتحسين مجتمعاتها بتشديدات وبتيسيرات فيها وبإضافات أو تركيزات فلسفية وأدبية ومادية فنية وجمالية.

مثلت الأديان الثلاثة الكبرى معالم هادية لسير كثير من الناس في هذا الطريق السماوي للخير على الأرض، ولكن بتنوعها بان وظهر إختلافها المنطقي الفلسفة، حيث إتسم كل دين بجانب تصديق ما قبله، بتقديم نفسه كمخفف للفساد ومخلص منه، أي أنه يشهد على فشل تحقق أو نقص مكارم أخلاق الرسالة القديمة السابقة له.

مع زيادة التناقضات الإجتماعية ضاق التفكير الديني وظهرت أفكار إصلاحية واقعية تبتعد أصولها قليلاً عن سيطرة "السماء" على موضوعات التفكير بل جماعات مضطهدة في الأرض تحاول علاج أزمات المعيشة والحياة بنظم تقلل الظلم الحرفي والطبقي والقومي بإصلاح أساليب الحكم وتوزيع الأرض وضبط الضرائب. كان ذلك على ضفاف البحر الأبيض المتوسط بتفاعل تاريخ وثقافة تلك المنطاق في عالم الإسلام، وفي عالم المسيحية.

تناول ضفتي البحرالأبيض المتوسط كعالمين دينيين إجتماعيين مختلفين نسبي، لايلغي تداخلهما القديم، ففي العصور الفرعونية والفينيقية واليونانية كانت الضفة الشمال هامشاً لمراكز الخصب والمعرفة والقوة في مصر جنوباً وفي العراق وسوريا شرقاً، ثم تبلورت بلاد اليونان والروم وتمركزت في الضفة الشمال وتحول الجنوب إلى محيط وهامش لها.

إنفلاق ضفتي البحر عالمين واحد في الشمال وآخر في الجنوب تبلور بتفاعلات المعيشة والقوة والثقافة، وقد زاد التمايز بين القديم وظهور الأديان(الحديثة) إبان مرحلة تصفية الأسماء والمعاني وبدايات الدين والإنتقال للعقلانية. فإزاء البداية والنهاية اليهودية لإجتماع الرعاة والحرفيين ضد المملك، حولهم بدأت مسيحية الشرق الأوسط في السيادة على عالم الشمال. وكديانة وثقافة معيشة وسياسة ومع ظروف أخرى نفذت داخل صلابة الشمال الرومية فتغير الدين وتغيرت الدولة. وفي الجنوب بعد قرون من إنتثار للمسيحية شرق المتوسط جاء الإسلام الممتد في جذوره القديمة من مناطق شرق وجنوب البحر المتوسط حيث تلاقحت الثقافات القديمة وأسئلتها الكبرى وبلغت أقصى أطوارها في التصورات الفكرية مع ظهور اليهودية والمسيحية والحنيفية والإسلام.


5- مرحلة العقلانية (النهضة في عالم الإسلام وفي عالم المسيحية ثم عصر التنوير):

(1) النهضة في عالم مجتمعات الإسلام:
ظهرت في الشرق الأوسط عام 766 طائفة الإسماعيليةIsmailis وجماعتها الثورية القرامطة Qarmatians ودولها الفاطمية وجماعات معرفة وثقافة أشهرها جماعة "أخوان الصفا"Brothers of Purity . وتزامن ظهور الإسماعيلية وجماعاتها مع أمرين: 1- ضيق الحياة الرعوية والزراعية وهجرة الناس منها لحياة المدن الضيقة مشتغلين ومنهكين بالحرف،
2- إتساع نشاط طوائف/نقابات الحرف في المدن في أمور التمول، التراخيص، الضرائب، والأسعار، والأمن، يحاولون تغييرها لمصلحتهم سواء بالتعاون وبالتآمر، أو بالإحتجاج لتعديل سياسة الدولة وصولاً لتفكيرهم في تغيير نظام الحكم.

بعد صعوبات نجحت هذه الجماعات في تأسيس "الدول الفاطمية" في شمال أفريقيا ومصر وفي اليمن والبحرين وجنوب العراق وشرق إيران واليمن، بل نجحوا في أعمارها بمدن جديدة كالمهدية في تونس والقاهرة في مصر، وقد سمت في دول ومدن جماعات الحرفيين هذه ثقافة مدينية إمتازت بعمران وفنون وقوة في تنظيم مرافق وبناء خدمات عامة كبرى للسكان (مساحد كبرى، مشافي، مكتبات، مراكب صيد، مطاحن، فنادق، أسواق، إسطبلات). ولكن هذه الجماعات ودولها أنطفأت بخلافاتها الداخلية وبضربات خارجية، ومن بقاياها نشأت قوات خاصة منظومة التدريب والنشاط سماها خصومهم "الحشاشين" Assassins (بتخديمهم حشائش العطارة في تمولهم وكيمياءها في حربهم ضد جميع المختلفين معهم).

ولكن رغم الأفكار الإصلاحية لهذه الجماعات وسعيها للعدالة متقدمة بالمجتمع من ضيق المعيشة إلى الحرية من سلطان الظلم الطبقي والعنصري والطائفي فإن الحركة الإسماعيلية والنهضة الثقافية والفكرية التي واشجتها بأعظم أعمال الفلاسفة والعلماء المسجلين كنجوم في التاريخ العربي الإسلامي (الكندي، إبن سينا، الفاربي، الرازي، البيروني إلخ وحتى إبن خلدون) لم تستمر كثيراً وذلك لأسباب دقيقة وأخرى كبرى من بؤس معرفتها في قراءة التاريخ وإستقراء المستقبل، وإضطراب عناصرها وبنيتها العائلية والعشائرية والقومية، ولفقرها السياسي الداخلي في إدارة عناصر الضعف وعناصر القوة في تكوينها ومحيطها، ولفشلها بهذا الخلل الداخلي المتفاقم في القيام بتعامل دولي ناجح.

(2) النهضة في عالم مجتمعات المسيحية:
مع نهاية الحروب الصليبية وتوابعها الداخلية تكونت في جنوب أوروبا الفرنسي والإيطالي عام 1209 جماعة إخوان فرانسيس أو "الفرانسيسكيانز" Franciscans وكانوا زهاداً صوفيين مبادرين فرادى للخير يساندون الضعفاء. وبعدهم في عام 1216 نشأت جماعة دومينيك أو "الدومينكانز" Dominicans وكانوا أهل تنظيم ودعوة مرتبة ببناء منظوم للمشافي والملاجيء والورش والمدارس والكتدرائيات الضخمة. ومع تغاير علاقة أوروبا ومدنها وأريافها إزاء سيادة الدين ومصالح الإقطاع تأسست عام 1540 جماعة المسيح "الجزويت" Jesuit تابعة لبابا الكاثوليك كهيئة ضابطة لتكوين وعمل الموظفين والمدراء ونظم الحُكم والخدمات. وبتثاقف الدعوة الدينية للخير مع قضايا العدل في المجتمع وسياسة معيشته دخل إسم الجزويت لجانب الكنيسة والبابا ضد سياسات الملوك والطوائف الأخرى داعين ومكرسين لوحدة النظام الفكري والسياسي للإعتقاد المسيحي (كاثوليكية).

من زيادة عدد السكان وضيق أرض الزراعة وبؤس المعيشة فيها وتأثير ثقافة مدن الشرق والأندلس زاد إتجاه الناس للإنتقال والمعيشة في المدن الجمهورية وهي مدن حرة من سيطرة الإقطاع والكنيسة ومن هيمنتهما. بهذا التحول للمدينية بدأ إزدهار بعض مدن أيطاليا الحاضرة: مدينة "فينيسيا" جوار إمبراطورية الروم الشرقية التي صارت دولة للخلافة الإسلامية العثمانية، ومدينة "جنوة" جوار دويلات المدن الإسلامية المتنازعة في الأندلس، وبينهما واسطة العقد الفريد وجوهرة التجارة والحرف مدينة "فلورنسا"، وشمالهما مدينة "ميلان" الواسطة مع أوروبا. أنذاك كانت روما القديمة مجرد صالون متفخم للكنيسة الكاثوليكية.

مع تركز هذا الإزدهار في المدن الحرة في إيطاليا وإنحصار محركاته بأثرياء أسبانيا والبرتغال وأقاربهم في إيطاليا وفرنسا المتوالين بتبرعاتهم مع البابا، تطورت في جهة الشمال الألماني النزعة الوطنية/القوميةNationalism الجرمانية، خاصة مع تراكم المظالم على الفلاحين الألمان والشمال أوربيين من حكم الكنيسة المعتمد على الأسبان بدأ الراهب مارتن لوثر في ألمانيا عام 1522 نزعة دينية إحتجاجية سميت "الإحتجاجية"/"البروتستانتية" Protestantism، وقد تمددت شمالاً وغرباً إلى إنجلترا منعقدة بحاجة الحرفيين لتحرير تمولاتهم ذات الفائدة والربا من تقييد الكنيسة والإقطاع، وضد الإستبداد والعنصرية في تراخيص العمل وضرائبه. وبفعل الظروف إشتجرت العصبية الجرمانية للحركة "الإحتجاجية" وحروبها، وضد هذه العصبية وحروبها نهضت حوالى العام 1540حركة جديدة سميت الإصلاح أو"الكالفينية" بقيادة جون كالفن وتنوعت في سويسرا والأرض المنخفضة وشمال أوروبا.

إرتبط الإزدهار الأوروبي والنهضة الحرفية والثقافية المواشجة له بتزايد سكان المدن وحاجاتهم وأدواتهم مما إزدهرت معه الحرف اللازمة لمعيشتهم وزاد نشاط تنظيمات أرباب الحرف ومعلميها Masons/Freemasons وإشتغالهم بشؤون حرفهم وأحوال المجتمع والدولة المحيطة بهم فزاد الترابط والربط الفكري بين الإعمار المادي والإعمار الثقافي والسياسي. مع نشاط هذه الجماعات، وتحسن السياسات الداخلية والخارجية بأفكارها الإنسانية، وبتغذية الإستثمارات لتطلعات الحرية والسلام ، بدأت في أوروبا نهضة جمعت أعمالها بشكل عمراني وأدبي وفني الأثار الجوهرية لتمازج ولتفتح الأراء والجماعات والسياسات والإستثمارات وشعت أثارها الطيبة للعالم كله.

وقد نسب المؤرخين المتأخرين لـ"النهضة" نشدها جمال الحياة ومنفعة المجتمع، وأن التناسق كان ديدنها رغم أن أعمالها كانت فردية ومتفرقة بل محدودة ومحصورة التكوين ولكن أصر المتأخرين على تسمية هذا الحال بإسم "النهضة" بحكم أن سياقها كان نهضة من التفكك والموات حتى ولو لم تكن سماتها الحاضرة موديلاً للوحات فنانينها أو تماثيلهم ولم تكن فضائلها على المعرفة والتفكير مكتوبة كمسودة في كراسات روادها الأوائل أو مطبوعات نوابغها المتأخرين.


(3) "حركة النهضة" كبداية إنتقال في أوروربا والعالم من التفكير الديني إلى التفكير العملي:
تبلورت بين القرنين الرابع عشر والثامن عشر (1300 و 1700) في بعض مدن إيطاليا وأوروبا حال لتقدم الحرف والأعمال والثقافة والإعمار والسياسة وقد سميت -بعد إنطفاءها- بإسم "النهضة" Renaissance لأن تفتحها وعمرانها تلى قروناً من الركود والإنهيار وقد بدأ تبلور النهضة بفلسفة أصول ومعاني آداب تراثية وبنثر جماليات رسوم وتماثيل ومباني أشتغل تجميع عناصرها وبناءها وإدراك أبعادها ومعانيها ضد الركود الذهني والمعيشي، إذ كانت منبهة لتفاعلات زمانها وأشخاصه ومعانيه.

سمات الأعمال المنسوبة للنهضة :
إهم ما نسب للأصول والغايات الفلسفية والعملية لنهضة الأعمال الأدبية والفنية والإعمارية والحرفية والسياسية في أوروبا هي:
1- هدفها تكريس ذات الإنسان/المجتمع كهدف،
2- أسلوبها حرية وعملانية نقاش القيم والقرارات والأراء وفقاً لمصلحة المعيشة/الحرفة أو الحكم،
3- إرتفاع التفكير الإقتصادي ونهاية القداسة والعائلية في الحرف وبدء تقييم نفعها بحساب جهود قائميها وكميات موادها وأرباحها، وحساب منفعة تغيير وتجمع بعضها، وظهور أعمال نظرية عنها وعن التجارة والنقود.
4- إنتشار ثقافة الحساب والتخطيط والتجربة في تأسيس الأعمال وإدراك علاقة العناصر والأدوات وأسلوب العمل مع النتائج،
5- فهم للعلاقة بين القيم الإقتصادية للأعمال والقيمة الإجتماعية لها وكسرها هيمنة علاقات الأرض وعلاقات الدين السياسية،

مع تطور حاجات المعيشة والحرف وتفاعلاتها مع البيئة ومع طبيعة الحكم السياسي للمجتمع زاد وضوح أمرين:
1- الطبيعة الإجتماعية والسياسية للمعيشة وبعد عناصرها وتفاعلاتها عن أمور القداسة وفقه الإلهيات،
2- تفاعل أعمال وأمور المعرفة والفكر الثقافة في المجتمع مع أوضاع المعيشة وتنظيماتها وسياسات الحكم .
ما يدعم هاتين السمتين في إجتماعية وإقتصادية وسياسية وثقافية المعيشة والحياة والقول بفاعلية ضبطها العقلاني هو ترافق تحسن تنظيم الحرف والتمويل مع تحسن نتائج أشغالها في العمران المادي والمالي ونمو العمران الثقافي والسياسي. فإبان تلك النهضة لم يتحنط التفاعل بين قاعدة المجتمع وقمته في شكل رفض ومطالبات بل أن بعض منتظمات الحرف أثرت على بعض أمور الحكم تاثيراً شديدا بدورها في هيئاته وفي إقتراح وإتخاذ وتنفيذ قراراته الإعمارية.

بإتساع الأفق التنظيمي والسياسي لتفاعلات المعيشة والحرف مع أمور التنظيم والحكم، وبتحسن خبرة الناس بالرؤى العلمية والجمالية لأمور الحياة والمعيشة وإنتباههم لأهمية تكاملها، وبتأثير الوعي بأدوات البوصلة والخريطة والمنظار والمطبعة والتنظيمات المالية في الوعي بتنظيم الحرف والإدارات كأدوات إجتماعية، وبتاثير جماليات القصور والحدائق والرسوم والتماثيل في إدراك العلاقة بين العناصر والأشكال بالتنظيم وأهدافه وأدواته، إزدهرت في تاريخ المعرفة الحديثة أوليات إقتصادية-إجتماعية وثقافية وسياسية لظهور ما يعرف في الزمان الحاضر بإسم "التفكير العقلاني"The Rational Thinking وهو نمط قديم يظهر كقدرات إستقراء وتلخيص وإستنباط وإنتقاء مزيته تحقيق النفعPragmatic فأكثره مبني على تحقيق منافع أو تجنب أضرار مادية. وبظهور هذا النمط العقلاني من أنماط التفكير تظهر أربعة أسئلة مهمة عن طبيعته أهمها:
1- كيف إستوى "العقل"على آداب وجماليات "النهضة"؟
2- بأي سياق تبلورت "العقلانية" داخل النهضة؟
3- كيف ولماذا تكرر سقوط وعودة نمط التفكير المسمى"العقل" طالما كانت الحياة ميسرة بالعقل القديم السابق له؟
4- إلى ماذا إنتهى حال العقل والعقلانية في كل عصر؟

1- في ظهور العقل وإستواءه في/ضد النهضة:
في سياق مواجهة إزمات الحياة العملية والجمالية وعلاج التفاوت بينهما إنتصب "العقل" بأذهان الطليعيين في النهضة مستوياً عليها بتأثير فهمين مركزيين في أدابها وفنونها هما "الجوهر"Hypostases ، و"المؤثر" The Influential، (= الثابت والمتحول) وبهذا التصور الثنائي ومفاعلة أشكاله في مواضيع ونقاشات اللاهوت والآداب والفنون ظهر وجود جديد لـ"العقل" ككيان أصيل في إبداعات النهضة وكمؤثرعظيم عليها وسم حركة مفراداتها الكبرى إلى "الجمال".

2- سياق العقلانية في النهضة الأوروبية:
هناك غلو في ربط بعض التواريخ ولادة العقل والعقلانية بالنهضة الأوروبية: برغم أن هناك نهضات أخرى في التاريخ والعالم، لا يجب أن تجرد من فضيلة العقل وبنفس الفهم لعلاقة الجوهر والتأثير تبدو النهضة وعقلها نتيجة من التفاعل والجدل بين عقول مختلفة في الحياة منها عقل الإقطاع والكنيسة وعقول أهل الحرف. فالعقل تفاعل وأطوار ضمن تسمية لأسلوب التفكير في زيادة المنافع وحل المشكلات وتجنب أو تقليل الأضرار والخسائر، تراه آخر النهضة يسعى لحل الأزمات التي نتجت منه/منها في أولها أي أزمات تضارب المصالح بين أسس وطبيعة التمويل والورش والأسواق الصغيرة والكبيرة وطبيعة معيشة غالبية السكان.

3- تنوع وتطور صورالعقل ورسوخ إنتاج الأزمات:
بشكل عام لم يتطور العقل أو ينخفض إلا بصور نسبية، في أي حال تاريخي، نهوض أوروبي أو غيره، فإلى الآن لم يتحقق تطور شمولي متوازن للمجتمعات في الحياة ولم يتحقق تيسرعام لها، بل كان ولم يزل نمو وتطور بعضها على حساب بعضها الآخر يظهر رسوخ وتفاوت "العقل" و"العقلانية" في البلدان والمجتمعات وفي التاريخ بقراءات بعضها "محافظ" وبعضها "تقدمي":
(أ) رؤية القراءات المحافظة: أن كل أزمات العالم لم تتغير عبر مراحل الحضارات إلا في شكلها،
(ب) رؤية القراءات التقدمية: أن العقلانية غيرت كينونة الحياة وسمت بها من أوليات الأكل والشرب لحرية جسدية وذهنية أكثر.

المشهود واقعيةً ضد القرائتين أن "العقل" أو "العقلانية" جددا ويجددان حياة البشر ولكن ضمن نظام قديم خطي طبقي مركزي في المعرفة والتفكير والمعيشة وهو النظام الذي كرس العقل الصوفي والديني وبهما زاد تكرس في الأذهان والحياة من أحاديات العقل البدائي، ومع تغيير سمات تقديس في العقل بسمات إنسانية وجمالية كانت بداية حركة النهضة الأوروبية ضد بعض أشكال العقل القديم ولكنها ككل نمت وعاشت بأسلوبه النظامي الشخصي والخطي في تفريد قراءات الأمور وأزماتها وتجزئة علاجاتها.

4- نتائج العقل في عصر النهضة الأوروبي:

(أ) ظهور الحياة المحسوبة والحسابات الإجتماعية:
نشأ "العقل" منذ العصر الحجري وتطور كنمط للتفكير حسابي السمة يحدد الهدف ويعد الإمكانية اللازمة لتحقيقه سواء بكسب المنافع أو بتقليل الأضرار أو الإثنين معاً وقد كان تطور العقل ضمن تفاعل المعيشة -الحرف مع التجارة والسياسة، وقد تأثر تطور العقل في عصر النهضة الأوروبي بإتجاه رواد الأعمال الحرفية والتجارية وأولياءهم من أهل المال أو أهل السلطة إلى :
1- حساب حاجات وإمكانات بعض فئات المجتمع،
2- إدراك الطبيعة النفعية لتوزع وإستقرار فئات البشر وحاجاتهم ومنتجاتهم، وتوزع وجمع المواد والأعمال اللازمة لهم،
3- إستكناه إنخفاض أو نمو هذه الحاجات والفئات في المستقبل تقديراً للربح منها أو للخسر بها،
4- فهم طبيعة عوامل توزيع هذا الربح أو الخسارة للفئة المستفيدة أو للفئة المتضررة.

(ب) نتائج عامة لحركة النهضة:
مع تطور أمور الحرف والتجارة الأولية، ومع توسع معرفة التاريخ، والكشوف الجغرافية، والترجمة وزيادة البحث والتنقيب في عوالم الفلسفات والمعارف القديمة، تمثلت القيمة المعرفية لـ"النهضة" بتكاثر وتداخل إجتماعية التفكير وعقلانيته، حيث:

1- زادت موضوعات العمل إجتماعية، بإهتمام بطبيعة حاجات الفرد والمجتمع المعيشية-الجمالية، ومحاولات تلبىتها بتنظيم أعمال الحرف وتنسيق تفكرهم فيها مع طبيعة تفاوت أحوال فئات المجتمع وموارده ونفقاتها وعائداتها.

2- زادت تعاملات المجتمع عقلانية، بمعرفة تأثر الجسم البشري-كآلة حيوية- بإختلاف تغذيته وثقافته بالظروف الطبيعية والإجتماعية المحيطة به، وأيضاً مع إدراك ان أحوال المجتمع ومعيشته وثقافته تتأثر بتكوين عناصره وبيئته وظروفه.

3- زاد العقل ثقافة إجتماعية إقتصادية وسياسية بفهم بعض العلماء بعض الروابط والإنقسامات الطبقية والثقافية وتداخلها مع أصول مالية وسياسية لتفاوت نشاط فئات المجتمع وإختلاف معائشها، فمع إنفاع بعض أفراد المجتمع وزيادة عائداتهم فهم بعض العلماء دور النقود والتجارة في تشكيل حياة الناس وأدركوا أن للمنفعة والعائدات علاقة بحجم الموارد والجهود وبسياسات توزيعها، متجهين لحساب عددها ونفقاتها وضرائبها.

4- زاد التفكير العقلاني إجتماعية وزاد المجتمع عقلانية بنمو التفاعل والتعاون بين طلائع الحرف وبعض أهل العلم والرأي المهتمين بتقدم المعرفة والنجتمع، ووضعهم معاً خرائط وإجراءات للمعرفة وللعمل بعضها دقيقة وأخرى عامة، ترسخ قيماً فلسفية وعلمية وعملية وثقافية وحتى سياسية في بعض شؤون التدريب والتعليم والمعرفة والعمل وتنظيم شؤون المجتمع.

5- بزيادة أفكار الحساب والمنفعة والخرائط والمناهج اللازمة لإجراءها أسهم خبراء الحرف في تأسيس الجامعات والمصانع الأولى كما بدأت تغييرات في أمور تنظيم الحرف كإيلافات وشركات وعلاقاتها الإقتصادية الإجتماعية والسياسية. وبهذا الإتجاه تأسست لأول مرة في تاريخ الجماعات البشرية ثقافة تواشج أفكار التنظيم بالإبداعات العملية والمعيشية والجمالية الكبرى.

6- زادت حاجة الحرفيين والحكام والناس لتفكير ومعارف وعلوم جديدة تزيد منافعهم ومصالحهم، بتوزيع أكثر وأفضل للموارد المادية والبشرية، لتحقيق أقصى المنافع الحرفية والمعيشية،. ومع نمو وإنتشار خبرات الحرف كأسلوب منظم للمعيشة وللحياة ومع ذيوع الجماليات، إقترنت الحاجة للمعرفة الحديثة وتخديماتها بوعي بأمور "المناطق"، "العناصر"، "علاقة النقاط والخط"، "الأبعاد"، "الصلات"، "التناسب" (التناسب بين إجزاء الأجسام وبينها ككل والضوء والجسوم الأخرى والظلال)، وكذا "زوايا النظر"، و"النظام"، "المعرفة المنظمة"، "العلم الحديث"، و"المراحل" المكرسة بأعمال فيكو Vico Giambattista.

7- نمت المعرفة وتحسنت بمعلومات مؤكدة بتجارب عملية أو بأفكار معززة ببرهان منطقي، ومع تفاعل المعيشة والحرف والذهن إرتبط نمو المعرفة وتطور التفكير في أوروبا بتوسع مجالات الثقافة وبإتجاه الفلسفة للإختصاص بأمور العلم والعمل والمعيشة.

8- ظهور الصناعة والسياسة كقمة عقلانية لمعيشة الحرف التجارية وبداية تحولها لنظام رأسمالي:
بدأ الجزء الفلسفي العلمي للتحول الثقافي للصناعة والسياسة بجهد الفقهاء الصُفة البرتوماغنوسAlbertus Magnus وسانت أوغستينSt. Augustin إذ قسموا العالم المزدحم بالمقدسات والمحرمات لعوالم سهلت بحثه: عالم الكون والطبيعة والإنسان، وعالم للإنسان ومعرفة الله بالعلم وبالدين إلخ، فأصبح للعقل مجال في الأعمال ومجال في ميتافيزيقيات الدين والشعور كما تأجج الشعور والوجدان والذوق بشعر الواقعية التاريخية من بيطرارخPetrarch ، وبشعر كسرالقداسة من دانتي Danteفي "الكوميديا الإلهية" Divina Commedi، وتداخلت فكرة "الموسوعة" وفكرة "التخصص المعرفي" بجهد أبو "التسعمائة مقالة" الشاب العشريني جوفياني بيكوGiovanni Pico . وبتطور المعرفة والحياة بدأت حاجات الناس ومشاعرهم وأعمالهم الرافضة للظلم أو لشكل من أشكاله في التحول لكلام عقلاني لإصلاح الحكم وسياساته الإجتماعية الإقتصادية وكان ذلك بكتب مشهورة ككتاب السفير ميكافييلي Machiavelli "الأمير" The Princeوعشرة سنوات من حكم تيتوليفي Discourses on the First Decade of Titus Livy و"فن الحرب" Art of War وبكتاب عن حياة المستقبل ألفه الفطحل توماس مورThomas More دهقين ملك إنجلترا وسماه "عالم الفضيلة" /اليوتوبياUtopia . كذلك أعمال هوبز Thomas Hobbes كتاب Leviathanوحش البحر الأسطوري الذي يلتهم كل شيْ كشرح باكر لأخطار الرأسمالية، وكتبه عن "طبيعة الإنسان والسياسة" و"أُسس القانون"، "الحرية والضرورة والفرصة"، الحكومة والمجتمع، وعن البلاغة والأدب والرياضيات والهندسة وفلسفة الطبيعة وطبيعة الفلسفة. وبكل هذه الأعمال فتح توماس هوبز عوالم المعرفة العلمية والأدب والبلاغة والإقتصاد السياسي والعقد الإجتماعي فرادت فلسفته في قلب النهضة عصر التنوير مؤسسة مع جهود نظراءه لتطور مستقل للفلسفة وللعلوم الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والحقوق والأدب بل ولنشوء "الوعي".

9- إنطفاء النهضة وبداية التنوير، بتداخل المعرفة والمجتمع والحياة العامة وتراكمها وبتزايد الحاجة إلى حسم الإختلافات التي تفتحت بالنهضة بين الدين والعلم وبينهما والأخلاق والعمل، وبين عالم الحكم وعالم المعيشة، وبينهم وعالم الفلسفة، وكذلك بين رسوخ القداسة وحركة الثقافة وإنضباط العلوم وإنفتاح الأدب وقلق الفلسفة وتباين التاريخ، فبإستواء كل هذه التناقضات والحاجة لحسمها وبداية بعضها في تكزين بنيات معرفة وثقافة جديدة إنطفأت "النهضة" الأوروبية وبدأت عملية "التنوير".


5- إكتمال علامات نهاية النهضة:
أحدثت "النهضة" تغييرات عددا شققت النظام القديم ولكنها لم تبني بديلاً بل أسست لجديد. وكانت علامات نهاية دورها هي:

1- إستهلاك توسع الحرف كل إمكانات المدن المستقلة وضيقها وكل بلاد أوروبا الموبؤة والمتحاربة عن تلبية حاجات التوسع الحرفي لكثير من الخامات والأسواق والأموال.

2- العجز عن تكوين نظم عملية تحرر الحرف والتجارة من قيود الملوك والأقطاعيين أو تعزز الإخاء بالعمل أو بمساواة بين الناس والإقطاعيين في أجهزة سياسية (عامة) توزع الأراضي والموارد وتراخيص الحرف والتجارة، بعيداً عن تحكم العنصريات المنسوبة للدين وتحديدها لتعاملات الناس، وبعيداً عن التميز على المجتمع بالألقاب والحيازات القديمة الموروثة.

3- بؤس بنية النظر والفلسفة عن تقديم أفكار فلسفية أو نظريات علمية تزيد قدرات المجتمع المادية أو الفكرية لمستوى مناسب لحاجات الناس وتطلعاتهم ينهي السيطرة والهيمنة المقدسة للنظام الإقطاعي القديم والفقه الذي يستند إليه.

4- رسوخ عمليتين ذهنيتين توليديتين بالنشاط الحرفي هما:
(أ) عملية إستقراء الأشياء والنصوص والمقترحات ومدى نفعها وذلك بحساب وتمييز عناصرها، ومنافعها ومضارها.
(ب) عملية إستنباط المنافع بمقارنة الأشياء والنصوص والمقترحات مزياتها وسلبياتها وتفضيل بعض منها.

بجدل وتراكمات الطبيعة والطبيعة الإجتماعية المعيشية والفكرية تواشجت رؤى المؤسسات الحرفية والتجارية والمالية بمؤسسات تنظيم الأفكار والمعارف الحديثة، وبحكم طبيعة تكوينها ومصالحها وأستهدافها توزيع وتنظيم الموارد والأعمال وتراخيصها فإن أعمال مؤسسات الحرف ومؤسسات التعليم تناغمت معاً ضد عناصر وأشكال الثقافة الإقطاعية الدينية تعاملاتها وحكمها المطلق، وبذلك بدأت علامات نهاية عصر النهضة وبداية عصر جديد لتطور التفكير والمعرفة سمي أوله في أوروبا "عصر التنوير".

6- بدايات عصر التنوير في أوروبا كثقافة متقدمة من مرحلة العقلانية إلى مرحلة العلم الحديث:
رسخ "عصر التنوير" في مؤسسات المعرفة والإعلام المُرسملة وتوابعها كثقافة تقدمت بكينونة المعرفة من مرحلة العقلانية إلى مرحلة العلم الحديث، وتمثلت بدايات "عصر التنوير" (ما قبل 1700 إلى مابعد 1800) بأعمال كتابة فلسفية حاولت حسم مسائل شتى تم إثارتها في عصر النهضة. وأصبح كتاب تلك الأعمال رواداً لعصر التنوير الذي تأثر تشكله العام في أوآنه وحتى في زماننا بجغرافية الطبع والنشر، وبتمويل الجماعات، وبالدعاية الخفية لهذا العمل أو ذاك، وقد إستمرت كل هذه التأثيرات إلى اليوم بعد قرون من نهاية ذلك العصر المتداخل قليلاً جهة الماضي مع عصر النهضة ومع العصر الحديث في جهة المستقبل.


من أشهر هؤلاء الكتاب أولئك الذين قاموا بشكل إنتقادي مجسد في أعمالهم الفلسفية والعلمية بتلخيص كثير من رؤى عصر النهضة وتسآؤلات مجتمعاتها ستة علماء تنسب لهم في زماننا مؤسسات المعرفة والإعلام المرسملة التمويل أو السياسة الإسهامات الأعظم والأشهر في تأسيس الشكل والعالم الجديد للثقافة والمعرفة العقلانية الذي أصبح موئلاً لتفكير جديد عن تفاعلات الطبيعة والمجتمع والعقل المسمى "عصر التنوير"Enlightenment وهؤلاء الستة هم :

1- وزير إنجلترا فرانسيس بيكون Francis Bacon:
بتنَظيره كيفية إستقراء المعلومات المفيدة، وكان ذلك بقراءة تحدد الشيء العام القديم الثابت المتكرر بإعتباره أصلأ، وتحدد الجديد الحادث بإعتباره عرضاً أو نتيجة من عنصر أو أمر قديم أو من بيئته. قد نبه بيكون لضرورة ومنفعة المعرفة المكونة بنهج التجربة العملية وخطل المعرفة المكونة بإخبار أو بإستنتاج من تشبيه أو قياس أمور لأخرى تختلف بعض عناصرها أو ظروفها.

2- ديكارتيه DesCartes :
ظهر بكتابه "قواعد توجهات العقل" Rules for the -dir-ection of the Mind ثم بمقاله الشهيرعن نهج التفكير العلمي والمعرفة "مقال في النهج" Discourse on the Method . وقد نادى ديكارتيه في العملين بمعرفة أكثر موضوعية بل حسابية يسمو تكوينها بالعدد على إختلاف التسميات والتقديرات الفردية. وبقوله أن بطلان بعض أجزاء المعارف القديمة يبطل الإيمان بصلاحها ككل، نبه بذلك إلى أن كل التصورات الخارجية قابلة لنوع من النفي إلا وجود الإنسان فهو متحقق بتفكيره! ومع شكه في إطلاقية أو نفع النهج القديم للمعرفة ربط ديكارتيه بين فعالية وجود الذات والمعرفة وذلك بمسآئلتها الإنتقادية لأي كلام محنط بشكل فلسفي أو بشكل علمي أو بشكل مقدس ملخصاً ذلك بتخديم تفكير الإنسان كدالة وحيدة عند المفكر على وجوده فقط ((أنا أفكر أنا موجود)) أما غير ذلك فقابل للبحث والنقاش. وكسلفه المتصوف الحسابي اليوناني فيثاغورس Pythagoras تلميذ السودان والعراق رأى ديكارت أن المعرفة "الموضوعية" أو ما يمكن تسميته المعرفة الأصح يجب أن تكون معرفة حسابية عددية صنو موازنات رموز وأرقام!.

3- جون لوك John Locke :
الرائد الفلسفي للثورة البرجوازية الإنجليزية ضد الإقطاع وملهم مفكري ثورات أمريكا وفرنسا ظهر بكتابه الثوري في عالم المعرفة المسمى "مقال في ]طبيعة [الفهم الإنساني" Essay Concerning Human Understanding حيث قدر تطور المعرفة برجوعه لما قبل "الحكمة" و"العقل" حيث وجد أن الذهن يكون طفلاً خالياً ثم تنمو معارفه أطواراً من تعليمه الأسماء والصفات وحساب عناصر الأشياء وحركاتها، وإكسابه الخبرات، وأن ضبط المعرفة بهذه المعلومات يزيد إدراك الإنسان وفهمه للظواهر وأن أكثر الظواهر العامة هي نتيجة وضع ثقافي وتعليمي.

4- فيكو Giambattista Vico :
مع إنتشار نهج رصد التتابع والإستقراء الدقيق منه ظهرت أعمال النابغة فيكو عن "العلم الحديث" وأولها "نهج دراسات عصرنا" On the Study Methods of Our Time أساً لعلم البناء المعرفيConstructive Epistemology و "مراحل التاريخ".

5- كانط Immanuel Kant :
إرتكزت أعمال كانط الكثيرة على كسر الحاجز بين الحقيقة المجسدة والإسم والفهم الذي تتعين به هذه الحقيقة أو تلك في الأذهان، فرتق الفتق بين عالم المادة (الفيزيقيا) وعالم الفهم (الميتافيزيقيا) وكان كسره لهذا الحاجز القديم في تاريخ المعرفة برفعه شأنين: شأن "السبب"، وشأن "الإنتقاد"، دخل بهما سلاسل من العمليات الجدلية مع "العقل" الذي صوره "كتلة إحتمالات"! مما ظهر بأهم أعماله: "إنتقاد السبب الخالص" Critique of Pure Reason"إنتقاد السبب العملي" Critique of Practical Reason

6- هيوم David Hume
كان مؤرخاً ثم تحول فيلسوفاً تجريبياً نظم بالشك في المثاليات عن المعرفة فلسفة طبيعيةعن حدوث المعرفة والفهم في الإنسان فبفكرة نظمهاعن "الخبرة" وتكونها وتوالدها من احساس وإنطباع وتفكير رفض فكرة "العقل الكامل" الجاهز مفضلاً مسمى كتابه "بحث في طبيعة فهم الإنسان" A Treatise of Human Nature مقسماً فهم الإنسان إلى إدراك (مكون من إنطباعات فصور ذهنية ثم أفكار)، وإنفعالات، وأخلاق/سلوك. قراءة هيوم وإستنباطه عملية التتابع الداخلي للمعرفة في الذهن من إحساس بشيء خارج الذهن إلى إنطباع عنه ثم تخزن أو تخزين ذلك الإنطباع كخبرة ثم تفاعل الخبرات كتفكير ثم فكرة تقود لإستدلال ولإنطباع جديد قادت هيوم في دراسته معرفة الإنسان أن يفرز تكوينها لإثنين خبرة، وشعور، رد عناصر الخبرة وعواملها للتشابه، أو التقارب، أو التتابع بين السبب والنتيجة،أما الشعورالإعتقادي أو الإعتقاد، فقد ربطه بإلفة الناس وإعتيادهم تكرار أمر معين. ولكن إلى "الإعتياد" والشعور فسر هيوم السبب والنتيجة بتتابعهما فقط رافضاً التسليم بـ"حتمية" بين مؤثر ونتيجة. وفي "بحث مبادئي الأخلاق" An Enquiry Concerning the Principles of Morals رد "الأخلاق" إلى "الخبرة" إجتماعية كانت أو فردية، وعقد "الخير" بما يعتقده الناس منفعة لهم. ولفهم حركة التفكير شرح هيوم بنسق المخزن والمصنع وجود بنيتين ذهنيتين: "الذاكرة" التي تستقبل وتخزن الإدراكات والإنطباعات والأفكار، و"التخيل"المنتج فكرة جديدة من مخزونات الذاكرة.

بهذا الفهم والتفسير الموضوعي أسهم هيوم في تأسيس فلسفة طبيعة لموضوع "المعرفة" في داخل ذهن الإنسان وكيفية ظهورها في تعاملاته، وكان ذلك التأسيس بعد مئات القرون من تعود الناس وإعتقادهم أن كل أفعالهم نتيجة من إلهام وقداسة وكتابة في لوح.

في هذا الصدد شمل ديفيد هيوم القداسة بكتابه "حوار في الدين الطبيعي " Dialogues Concerning Natural Religion حيث إهتم بتأثير الديانات القديمة على الحديث وبفحص الثوابت الدينية منتهياً من ذلك إلى البعد عن الغلو والتعصب وإدراك الطبيعة للعناصر والعلاقات المادية والثقافية للعالم والمجتمع. وفي شأن هذا التسامح نظر هيوم لوحدة وتعدد عوالم الطبيعة كظاهرة كبرى مضادة للفهم الديني بل تدعو للتفكير في الطبيعة وفي ظواهرها المتعددة بلا قداسة دخولاً بعالم الكواكب والنجوم والفضاء لمجال الرصد المنظوم والبحث العلمي الدقيق.

7- بعض معالم عصر التنوير:
إنطفأ عصر "النهضة" Renicanceمع توهج عصر "التنوير"Enlightenment بترسمل مؤسسات الحرف والأعمال وتكوينها في التعليم لهيئات ثقافة إجتماعية كمدارس الحرف، ومدارس اللغة والحساب، ولكليات جامعة، وكذا في مجال اثقافة بتأسيس مطابع نشرت الفلسفة والأدب والعلم والثقافة والصحافة. وإضافة لترسمل الحِرف والتعليم والإعلام الحديث فقد إنتظم كبارالحرفيين بجمعيات لتحسين أعمال حرفهم وإدارة تقدمها بعون إختصاصيين وعلماء، وبدلاً للخزعبلات والشكوى من الطقس أصبح جزء من كلام المقاهي يدور حول مواضيع الحياة الحرفية والمعيشة ومعرفة أصولها وكيفية تنظيمها وطبيعة السياسات المحيطة بها.

إنتهت تلك الأطوار الصغرى لنمو كبير في أسئلة الثقافة الإجتماعية-السياسية، ولتطور صراعات كبرى في وبين الإعتقادات والفلسفة والعلم والسياسة شملت طبيعة وفهوم وحدود التاريخ، والعلم، والإنسان، والعقل، والإنتاج، والوعي. وبإسم أنوار العقل وفوائد العقلانية قاد طليعيين في ألمانيا وهولاند وإنجلترا وأمريكا وفرنسا ثورات كبرى ضد حكومات الإقطاع وثقافتها الدينية ناقلين حياة الأوربيين من عسف الملوك إلى عصف البنوك. وبترسمل الحرف والمعيشة نبتت صناعات رأسمالية كبيرة، ولأجل الربح والفائدة من تمويل صناعته مارست النظم الرأسمالية للصناعة وبنوكها جرائم الإستغلال الطبقي والإبادة والإستعباد والإستعمار، وولدت حالات ظلم وبؤس وحروب وتخريب واسع لطبيعة الأرض ومياهها وهواءها.

بتواشح إنتاج الفنون والفلسفة والتعليم، وشباب الحرف وطموحاتها، والنمو الهائل للدول التي زادت صناعاتها، أخذت مؤسسات التعليم ومقولات الإعلام السائدة على عصر التنوير تصور "العقلانية" كلها كشكل واحد للتفكير! أكثره مرتبط بالعمل المنظوم وبالربح!! ممجدة بهما "العقل" كمحور أو كأسلوب لهذا الشكل الذي أدى لتطور معيشة الناس من ندرة السلع والتعاملات وإمكانات التطور إلى الكثرة فيهم الغزارة! ولكن بعد صياغة العقلانية بالنجاح الحرفي التجاري تحولت مؤسسات المعرفة والإعلام لتمجيد صيغة "العلم" بعضها يصور "العقل" كحالة إمتلاء الذهن بـ"العلم"! وبعضها يرى أن "العقل" و"الحكمة" شيء واحد! رغم أن "الحكمة" تلخيص مفيد لخبرات من جماعات وأشخاص نمت بإستعمالهم المتنوع لـ"العقل" الذي يخطي ويصيب.

التمجيد الموحد لـ"العقل" و"العلم" و"الحكمة" جزاف ينسى حقيقة تناقض عقول الرياضيات والأدب والعلوم والتاريخ، وحقيقة تناقض بعض علوم ومعارف هذه المجالات، وكذا في أمر الحكمة تتناقض بعض الحِكم! هذا التمجيد الجزاف كتبجيل وتقديس معارف عصر النهضة وعصر التنوير إنتهى لإعتقاد خرافي ميتافيزقي لوجود "العقل" و"الحكمة" كنتيجة لـ"العلم النقي" بمعنى العلم الخالي من تأثير الأفراد والبعيد عن تأثير الظروف والثقافة الإجتماعية! وكذا في الحرب الباردة فإن مؤسسات الإعلام ومؤسسات التعليم المرسملة قرنت "العقل" و"الحكمة" بالـ"حياد الآيديولوجي"! وبـ"البعد عن الإختلافات الإجتماعية/السياسية"!

8 - إنتاج التنوير وعوامل إظلام العقل للعالم:
نقلت عمليات عصر النهضة وعصر التنوير تفكير الناس ومعرفتهم من أوليات عمليات التحديد والتنظيم إلى نهايتها المنطقية في عمليات الإكتشاف والإختراع والإنتاج والإستهلاك مغيرة البيئة، ولكن هذا الإنتقال ونتائجه الموجبة إتسم بتفاوت تأسيس ونشاط عملية المعرفة، بحكم جزئية الإدراك الأول وتنوع وإختلاف البيئات وتأثيرتها. ومع إختلاف المعرفة تضادت إتجاهات في العلوم وصارت لأكثر الإكتشافات أثار سلبية تفوق جدواها، وكذا تضادت العلوم الإجتماعية في أمور الطبقات والسياسة والثقافة وشكل المجتمع الذي تراه الأفيد لتقدم الإنسان. هذه الإختلافات والتناقضات والسلبيات أدت لفشل إقتصادي وثقافي ولنزاعات وحروب، في هذا التباين بين فهمنا المعرفة كنور وأثارها الظلامية يبدو تأثير الثقافة والإعلام على طبيعة العقل والمجتمع وعلى إدراك المجتمع لطبيعة معيشته وحياته الإفتصادية وطبيعة سياسة تنظيمها. هذه السلبيات في طبيعة المجتمع والعقل تبرز علامات هي:

(1) تجزئة المعرفة وتجزئة المجتمع:
بعض أعمال مؤسسات المعرفة والإعلام المرسملة تقدم معلوماتها بأشكال ضعيفة التاريخ والمنطق -شبه للسحر والدين والسياسة- تظهر تفاعلات بعض الزعماء، والحروب، والتجارة والتكنولوجيا، كمحور للحياة! وذلك بدلاً لتقديمها صور متكاملة لأهم عناصر وأشكال الحياة الإجتماعية وتفاعلاتها مع بعضها ومع الطبيعة.

ولأن المعيشة ليست حوادثأ منفصلة، والحروب ليست صدفة وجود أشرار وأخيار أو شجاعة لقائد، والعلم لايستقيم بإكتشافات عشواء، فكذا يكون تقديم أمور الحياة مجزأة مفككة يغبش معرفة كلياتها الإجتماعية ويخفي دور الحكم وسياسة توزيع الموارد فى تكوين طبقات المجتمع وأزماتها ومصالحها، وكذا تضخيم الزعماء والجنرالات والتقنيات والعبقريات والنخب، يخفي بعض تداخلات الحياة وتأثرها بتفاعل حاجات الناس وقدراتهم مع بيئتهم ومواردها، وبكيفية معرفتهم لها ومن ثم تعاونهم أو تصارعهم وفق هذه المعرفة لتحقيق مصلحة إجتماعية لهم أو لفئة منهم.

(2) إظهار الأرقام وإطفاء المجتمع:
في عصر الإضطرابات الكبرى فإن مؤسسات التعليم والإعلام المرسملة التمويل أو النشاط تهمش قضايا المعيشة وصراعاتها مرة بإسم سيادة العقل والعلم على الحياة، ومرة بإسم صون عملية المعرفة من تأثير السياسة. بهذين التبريرين وأكثر تحصر مؤسسات المعرفة والإعلام المرسملة حقائقاً موضوعية في حياة المجتمع كطبيعة توزيع موارده. وبذا الحصر تبعد العلوم الإجتماعية طبيعة البنى العقلية للحكم والإقتصاد وتغبش ضررها على جهود الناس وبيئتهم. خاصة حينما تُظهر الحياة كإحصاءات مفككة لا تتيح قراءة متكاملة لأوضاع الطبقات والإقاليم والنساء، وطبيعة توزيع الموارد عليهم، وسلامة البيئة.

(3) تجزئة الثقافة والإعلام والتعليم تجزئي المعرفة وهي تضاعف تجزئتهم:
في محاولتها لتعزيز سيادة العلم على الحياة لا سيادة الحياة وعشواءها على العلم فإن مؤسسات المعرفة والإعلام المرسملة في محاولاتها لصون العلم من تغول (السياسة)! تقدم بعض السياسات معزولة عن ظروفها الإقتصادية-الإجتماعية والثقافية كما تتناول بعض أمور المعيشة والحياة معزولة عن بعض السياسات التي تشكلها. وبالعزلين تبتعد الدراسات العلمية عن إدراك وحل التناقضات الرئيسة في حياة المجتمع. وإضافة للإنفصال القديم بين العمل والنظر، فكذلك بتباعد العلم عن المجتمع ينعزل عن حاجات المجتمع الرئيسة وترتبط سلامة تقييماته بنجاح مالي في إدارة المعرفة وتنظيمها وفق معدلات الربح الكبير والسريع للمؤسسات الممولة لها، وبهذا تمتزج في تحالف غير مقدس رؤوس المعرفة ورؤوس الأموال.

(4) إضرار العقل بتناسق المعرفة:
بإعتبار أن "العقل" شكل نفعي للتفكير المنظوم نجد أن البيئة الثقافية والدينية والطبقية والسياسية تؤثر في "العقل". وبتأثير تقديسه قديماً ثم رسملته وتسيسه في الحياة الحديثة تحولت "العقلانية" من كونها تحسناً للمعرفة إلى إعاقة معرفة لأن ثقافة المجتمع الطبقي تحول "العقل" من كونه معالجات إلى مرض تفرد وسيطرة ثم إستبداد وإحتكار يلد الأزمات والنزاعات والحروب. إذ أنتج المجتمع كينونة "العقل" أولاً كأسطورة وميثيولوجيا ميتافيزيقية، ثم نصبه آدلوجة برجوازية ذات إستغلال وتهميش ربطت المعرفة و"الحضارة" بالحروب والإستعباد والإقطاع وبالإستغلال والإستعمار والإمبريالية المادية والثقافية وظواهرها: (نزف العقول، الملكية الفكرية، الفجوة الرقمية). أي أرتبط العقل بتشوه في توزع موارد الثقافة والعلم وإمكانات المعرفة نشأ بواسطة:
1- التفاوت والإنفصام الثقافي بين أمور المعيشة والمجتمع والحياة وأمور المعرفة،
2- تباعد الإستثمار في العلم عن حاجات المجتمع وحقوقه في السلام والأمن في المياه والطاقة والسكن والعمل والصحة والتعليم،
3- تصوير الإعلام إكتشافات العلم كمفاجئات وقصص فكهة لإجتماع تمويلات مفرطة وعبقريات عشواء وصدف نادرة !،
4- خلل تمويل الدراسات، فنفقات سبر الفضاء والبلازما، كانت ولم تزل، تكفي لمحو أمية بلايين البشر، وكذا تمويل الدراسات المهتمة بالطبيعة يفوق كثيراً تمويل الدراسات المهتمة بالطبيعة الإجتماعية!

إن قيام أجزاء من الثقافة العامة والتجارة في عصر العقل بكشف وزيادة المفارقات بين أمور المعرفة وأمورالمجتمع، يكشف ضعف تصور كينونة "العقل" عند بعض الناس. إذ بشكل -لاعقلاني- يُصور العقل كبنية إيجابية مُطلقة ومؤبدة لتحقيق المنافع! وهو تصور أحادي ومغلق لايعرف أن "العقل" ينتج آثاراً سلبية جانبية في تراكمها!

(5) عناصر إعاقة العقل للمعرفة:
ضد التصوير السحري والديني والسياسي لـ"العقل" و"العقلانية" تكشف المفارقات بين موارد وبنى ونشاط ونتائج المعرفة والمعيشة والإقتصاد والإعلام والعلم أن "العقل" كأسلوب تفكير نفعي وكثقافة فردية وإجتماعية صار معيقاً لبعض إمكانات المعرفة ولتكامل وجودها ووجوده العام. وذلك بحكم: 1- تفرد العقل كأسلوب تفكير وتناقض بنياته، 2- ضيق بنيته كخط واحد مركزي، 3- تفاوت أثر الدول والإقاليم والطبقات الإقتصاد والمجتمع في دفع نشاط العقل، 4- نشاطه الرأسمالي المتناقض داخل المجتمعات يخفض بتفاوت تفاعلاتها ضد الفقر الأمية والجهل والإستغلال والأمراض. هذه الأسباب العقلية الأربعة تعيق المعرفة.

(6) تراكم الثورات العلمية ضد العقل:
مع كل تفاوت وتناقض بين بنيات العقل وبنيات النظم التي أنتجها العقل في المجتمع، بسبب من جزئية النظر والخبرة والعمل، تظهر سيطرة بعض التقاليد الثقافية والإجتماعية والسياسية وتمويلاتها على حقل العلم، خاصة سيطرتها على مؤسسات المعرفة والعلم، بل يتحول ترابط العقلانية وتقاليد المعرفة الأكاديمية وبيروقراطيتها إلى عائق يجعل كل كشف علمي جديد في القرن الـ 20 وما بعده في حاجة ضرورة إلى "ثورة علمية" تفتح له تقديراً وسوقاً! فأنظر كم إهترأ "العقل" بالثورات!

بتأسس "العقل" كأسلوب تفكير نفعي خطي ومركزي وتطوره مع تطور المعرفة فإن من المألوف أن يحدث تلازم بين حدوث تأزم في المعرفة وحدوث تأزم في بنى العقل وبنى المجتمع، خاصة مع إرتباط إرتقاء المعرفة بثورات علمية وثورات إجتماعية، ولكن التمركز الرأسمالي رفع "العقل الآني" على قراءة تفاعلات التاريخ الأدب والحياة، فقدسه بإسم "النهضة" ثم أدلجه باسم "الأنوار" ثم أطلقه وأبهمه بإسم "الحداثة"، بينما حالته الواقعية أقرب للظلامية! بحكم إنتاجه ظواهر الإستعمار، والظلم الطبقي، والعالمي، والدولي، والجنساني، وحالات الأزمات والنزاعات والحروب، وخراب البيئة، والأمراض والأوبئة، وأنواع الأمية في التعليم والثقافة والحضارة. وكلها اأمور توضح خطأ التصور المثال عن "العقل" و"العقلانية" الذي يجعلهما مطلقاً في خانة الموجب بينما "العقل" قد صار إعاقة نسبية ضد المعرفة تعطلها مع أسباب أخرى عن حل الأزمات الرئيسة في حياة المجتمعات.


5- من العقلانية إلى أزمة التفكير وأزمة الفكر:

تناول الجزء السابق من هذا التأثيل لمحات من تطور المعرفة والعقلانية، وقدم تصوراً لملامح أطوار المعرفة وبدايتها من العشواء والخرافة، للأسماء والصوفية، فالدين، والعقلانية ثم العلم فالوعي بتركيز على نمو العقلانية بعصري النهضة والتنوير، أما هذا الجزء من التأثيل فيحاول مع لمحات من أعمال مهدي عامل وأخرين تبين الإتفاق والإختلاف في أمور ذهنية أهمها:

1- الشبه بين بنى فكرية-إجتماعية مختلفة سياسةً (القومية والشيوعية والإسلامية) وبنى أفكار دارجة (المجتمع والدولة والنخبة)،

2- الإختلاف بين بنى متشابهة في المعرفة والثقافة والمجتمع (أفكار عامة وهيئات ونشاطات)،

الهدف من تبيين وجوه الشبه والإختلاف هو إدراك أثرهم على المعرفة والثقافة والمجتمع ونخبه ضمن حالة الحداثة الإقتصادية والثقافية الحاضرة منذ 1789 /1840 (بداية مرحلة العلم النظامي ومرحلة الوعي). ولكن إيضاح صلات المختلفات وفروق المتشابهات في بنى المعرفة والثقافة والمجتمع وفي هيئاتهم وأفكارهم ونشاطاتهم، يبدأ بإنتباه لثلاثة علامات في تطور المعرفة هي:

1- أن عناصر من المعرفة تتأثر بظروف بيئتها المادية والثقافية، وبتفاعلها مع خبرات الفرد والمجتمع وتقديراته.

2- أن لتفاعلات وتشكلات المعرفة عبر المراحل الإقتصادية والإجتماعية أطوار وعصور متميزة بموضوعات وأساليب فكرية وأفكار معينة عن تاريخ مجتمعها وبيئته وحاضره ومستقبله، وكلها مأزومة بصراعاته الطبقية.

3- أن في كل مرحلة معرفة أزمة بين ثقافتين/فلسفتين/فكرتين رئيسيتين: فكرة جهة الماضي وفكرة جهة المستقبل، وأخرى، وهي رغم أزمات التفكير القديم المتآكل ورغم الأفكار الجديدة، بنت بيئتها وزمنها ولكن تفاعلاتها تشكل سمات المرحلة التالية لها.

توضح أعمال مهدي عامل عن الفكر اليومي والفكر العلمي الإشتراكي بالضرورة أن الأزمة في تفكيره الخاص وفي الفكر الإشتراكي العلمي الذي (يعتنقه) ظهرت بإستغراقه بالفكر وبالتفكير معاً في إنتقاد أفكار معارضيه، دون أن ينتقد طريقة تفكيرهم! وهي في ذات الوقت نفس طريقته في التفكير رغم إختلاف الميسم.

ولكن عدم إنتقاد مهدي عامل طرق تفكير خصومه بل والتشابه بين أسلوب تفكيره الخطي والتجزئي وأسلوب تفكيرهم لا يقلل جهده أو القيمة التي أكسبها للمعرفة السياسية ولسياسات المعرفة في الدول العربية اللغة ضمن منطقة صراع عالمي بين معسكر الإمبريالية ومعسكر التعاون، بل إن قيام التأثيل بتناول التشابهات والإختلافات في هذا الصدد فلبداية تسوية خلافات نظرية وعملية في بنيات الخلاف والصراع ، ولبناء أكثر تناسقاً للحضارة العالمية.

بتحديد أكثر يبدو أن أزمة تفكير مهدي عامل نشأت بنظره إلى أزمة فكر البرجوازية وتنظيرها السياسي في العالم العربي بدلاً لأن ينظر بشمول أكثر إلى أسس هذا الفكر ليأخذ أو ليقدم فكرة أكبر عن التفكر الذي يريد إنتقاده أويريد عرضه. فقد أهملت أعمال مهدي عن الفكرين أسلوب تكوين وجمع وتنظيم وتشغيل المعلومات.

ولكن مع تبين مهدي لمفارقات فكر/كلام البرجوازية في العالم العربي والعالم فقد كشفت أعماله الأصول الرجعية والإمبريالية لبعض المقولات الفلسفة السياسية وشعاراتها مبيناً عداوة غثاءها البرجوازي للمعرفة الموضوعية، منبهاً لإختلاف الفكر اليومي للبرجوازية عن فكرها الإستراتيجي، مبيناً في ذات الآن الفرق الجذري الكبير بين خطابي البرجوازية (اليومي والإستراتيجي) بذاتيتهم وأنويتهم وفكر التحرر الوطني بسمته الإشتراكي العلمي.

وفي إيضاح مهدي عامل العلاقات بين الأفكار "الوطنية" و"الإشتراكية العلمية" نبه لقيام البرجوازية العربية بشكل مخاتل بتخديم أفكار التحرر الوطني والإشتراكية العلمية لمصلحتها: إذ تنافق شعارات "الحكم الوطني" و"الاستقرار" لتتوالي بها مع الإقطاع ضد الثورة والثوريين، وأحياناً تنافق شعارات الثوريين ومقولات أفكارهم أو تتودد للإمبريالية تحالفاً مع السهل منهما ضد الإقطاع.

هذا التحليل البنائي (البنيوي) اللينيني الذي قدمه مهدي Mahdi Aamil للغة العربية والثقافة الثورية كشف أن طائفية/دينية دولة البرجوازية في المشرق العربي حالة رجعية للنظام الإمبريالي العالمي لتكوين الدول بنسق الطائفة-البنك-العنف المنظم. وأصبح إنتقاد مهدي هذه العلاقة الدينية السياسية الإمبريالية نجمة معرفة تشع للإنسانية مع أفكار جورج لوكاتش George Lukas عن العقل والبنية الطبقية للفكر والثقافة، وأفكار لويس ألتوسير Louse Althusser في بنية/بنيات أعمال ماركس، وأفكار باولانتزاس Nicos Poulantzas عن النظام الفكري والسلطة والطبقات الاجتماعية.

وإضافة لكسرها أقانيم الرجعية فقد كسرت أعمال مهدي عامل تكلس التنظيرات الصورية لإنزلاق فكر البرجوازية الإشتراكي في مقولات وتحالفات "الجبهة الوطنية"، "الجبهة الإشتراكية"، و"قوى الشعب العاملة" التي كانت راسخة في الفكر الوطني/ القومي العربي منذ الستينيات، كما بين مهدي أن طبيعة التحكم في موارد المجتمع إما لعموم الشعب أو لطبقة تتملكه هو الفرق الموضوعي الرئيس في حياة المجتمعات بين نوعين من الحداثة يبدوان متشابهين: "الحداثة الموضوعية" و"الحداثة القشرية".

وسط الأنوار الساطعة من كل هذه الكشوف يبدو أن نظر مهدي عامل إلى العلاقة بين تكوينات الذهن-العقل- الطبقة، وتطور إنتاج الإصطلاحات المواشجة تكوين الأديان والدول وحقوق مجتمعاتها، كان نظراً شحيحاً إذ أن تمييزه الوافر بكتابه "في التناقض" لم يشمل أطوار العقل ومراحله! كذلك في مسآءلاته تشكلات الفكر في مجالات الدولة والطائفة بكتابه "في الدولة الطائفية" لم يوضح مهدي شيئاً من صراعات نشوء العقل والأطوار الدينية الأولى لتشكله، بل مجرى كلامه يربط العقل بحداثة الثورة الفرنسية!

لذا فقد تكون علامة الأزمة وقوف مهدي عامل بتمييزه الطبقي بين التفكير الثوري المتكامل والتفكير السياسي الجزئي والعشواء عند مجرد أهمية فرزهما! وكان مهدي قد فرزهما بصيغ وإصطلاحات علمية تضاد بشموليتها التاريخية والموضوعية حالة الإنتقاء والجزئية الملازمة تبرجز الفكر ومراحله التاريخية.

وإذ كان مهدي بتحريه الإتساق العلمي بين الشعارات والوقائع قد ميز النوع العلمي الفكر في بعض تنظيرات العرب عن النوع التجريبي إلا أن الإتساق العلمي للكلام ونهجه لا يعني علمية كل تفكير منظوم أو علمية كل عقل منتج للكلام العلمي الثوري، فهو وفق قوله لم يختلف في الأسلوب الخطي لتفكيره وتنظير فكره عن أسلوب التفكير والتنظير البرجوازي، بل كثير من الناس يقولون أو يتداولون منه كلاماً محكماً وفق قواعد يحفظونها ولكنهم لا يعرفون الأسس الذهنية لوضع هذا الكلام أو نفيه.

أزمة تفكير مهدي عامل وفكره الإشتراكي العلمي ليست خاصة به بل جزء من أزمة الشكل الخطي لكل عملية التفكير بما في ذلك تفكير تصنيفات أرسطوطاليس ومراحل فيكو القائمة في تفكير كارل ماركس والفكر المنسوب لطاليس وماركس: فبالموضوعية الثورية حاول ماركس وأنجلز وآخرين ومهدي إيقاف العلم على قدميه بدلاً لوقوفه رأسه أعتقدوا أن له وقوف وإتجاه رأسي!

ولكن في سعيهم لهذا الإيقاف تعاملوا مع موضوعات المعرفة وإشكالاتها المتصلة بحياتهم الثقافية-الفلسفية-العلمية بأشكال بسيطة عظيمة أدت مع غيرها لسيادة النهج الموضوعي في أسس وعمليات وبنيات المعرفة العلمية وإلى ضعف وإقصاء النهج المثالي المشتغل على ملاحظة أسس التفكير وآفاقه، وكانت أهم هذه الأشكال:

1- ربط المعرفة بالدراسة المنظومة المرتِبة بالأهمية والزمن للعناصر والعلاقات والبنى، ولأزماتها وحلولها،

2- إبعاد هذه الدراسات عن الجدل التليد أو السقيم بين الميتافيزقيا والفيزيقيا،

3- إنعاش الفلسفة بالعلوم الإجتماعية والحقوق بدلاً لأمور "السعادة" و"الفهم" و"اليقين" و"الإيمان" و"الروح"،

4- إنقاذ المعرفة والعلم بموضوعيات التاريخ من حالة المجادلات الشخصية: فقد تطور العلم بتحديد أدق للظواهر والمشكلات وذلك بتأريخ وتزمين تشكل العناصر والعلاقات وتركيب وعمل البنى وتأثرها وتأثيرها بعيار موضوعي لأهميتها، وبالتالي بالتنظيم الزماني للمعرفة تحسن فهم طبيعة عمل كل مادة أو عملية أو آلة مادية أو ثقافية وزادت إمكانات معرفة وحل مشكلاتها.

5- نفي المثالية والسفسطة بتقوية الموضوعية في العلم بترتيب عقلاني إجتماعي لدراساته وفق حاجات وموارد وأهداف مجتمعه.


التأثير الموجب للتنظيم والتحديد والتغذية الإجتماعية التاريخية في صحة المعرفة والعلم ونتائجها؟

بشكل عام يبدو أن تحسين أساليب المعرفة وعملياتها بالتنظيم والتحديد، وبالتغذية الإجتماعية والتاريخية الموضوعية للبحوث والدراسات، وضبطها، كان فعلاً ولكنه لم يكن تحسناً مطلقاً شاملاً لكل جزئيات الحياة العلمية ولم يكن مستداماً، بل كعمليات الحياة كان تحسناً نسبياً محدوداً موقوتاً بظروف إنتاجه وإستقباله، ولكنه شكل سمة عامة للطور الحديث الحاضر في عملية المعرفة.

رغم أن عوامل التنظيم والتغذية أدت لتحسن المعرفة ولكنها وشجت هذا التحسن بخوف مرضي من الميتافيزيقيا وهومرض سائد في العلم وأسلوبه الخطي المركزي، ولعل هذا الخوف المرضي هو السبب في قيام أعمال مهدي عامل بسفه وبإهمال موضوعات وشؤون التفكير وتطور العقل بداية بتجاهلها التام لمسألة التطور وإرتقاء التفكير في أشكال ومراحل تاريخية (من عشواء التسميات، لتصفية وتحديد المعاني والعلاقات صوفية، فالدين، ثم العقلانية، فالعلم، والوعي) بل إكتفت أعمال مهدي بمناداة قراءها إلى قطع علمي بين الخرافات البرجوازية والمعرفة العلمية الثورية.

كذا أزمة مصوري الماركسية -الراسخون في علمها وليس في كونها معرفة ضد- إذ حاولوا ويحاولون بـ"تقاليد" المعرفة العقلية الخطية الرتيبة "تحديد" ثورية "الماركسية"! يأخذونها كجسم أو بناء فكري محدد، ويحاولون جلوها وتنقيتها من عناصر بيئتها المتقدة، وكذا من عناصر بيئتها المنطفئة، مما يظهر في إدانتهم لهذا التيار الماركسي أو ذاك، بل يحاولون بتفكيرهم الخطي المألوف تقديمها للناس كبنية فكرية خطية لها مسار ببداية ونهاية.

والحقيقة التاريخية لمعاني إصطلاحات "الماركسية" و"الماركسية-اللينينية" أنها ليست نصوصاً مقدسة أو مجردة أو إرشادية، ولاتمثل خطاً واحداً ولا بناءاً محدد الشكل، وهي في عمومها ليست فلسفة تقليدية تتأمل بلا عيار موضوعي تحولات تسمية وفكرة، وهي ليست آدولوجة فرز وتركيب علومي، ولا نظرية وخطة معرفة أو تنفيذ كما تقول بعض نصوص الأحزاب الشيوعية بشكل تقريبي، بل بعملية واقعية معقدة للتفاعل الجدلي الطبقي والدولي والإقليمي والجنساني تظهر معاني الماركسية كتفكير وتحرير ونشاط ثقافي لتنظيرات المعيشة والحياة، تشجنها جماعاتها المنظمة بعمليات الدراسة والإستقراء والإستنباط، والتحليل والتركيب، وبممارسات التنظيم والنشاط العلمي للثورة والتغيير الجذري لطبيعة الحياة الإجتماعية-السياسية بما فيها من إقتصاد ومعرفة وثقافة وذلك بسمت تاريخي وعالمي مركزه التفاعل الطبيعي والطبقي.

لعل التبيين والفرز التقليدي لما بين الخرافي والعلمي وما فيه من إركاز وتحديد خطي قديم كان حال مهدي عامل أستاذ فلسفة علم المناهج ومعه حال كثرة من العباقرة والمنظرين القدامى والمعاصرين الذين يرون "العقل"/"العلم" مرحلة أخيرة ونهائية لتطور الفكر تشبه صورة "نهاية التاريخ"! ولكن يسهل الشِك في "نهاية العقل" أو "نهاية العلم" بحكم أن النظر الجدلي لتاريخ الحضارات ولحساب بناء الأهرامات ونحوها يكسر إنغلاق التفكير اليومي على "العقل"، فـ"العقل" نفسه ليس إلا أسلوب تفكير، لا بداية واحدة له ولا نهاية واحدة، وأيضاً بقيام الوعي النمطي الفكر بكسر ذاته كوعي عقلي أو كسر كونه كينونة "عقلية".

"الوعي" ثورة ذهنية ضد التفكير النمطي، يبدأ كإنبجاس ونتيجة رياضيات ذهنية لفلسفة الأفكار وجمع وضرب تراكمها وتفاعلها ، فهو ينبثق من خلاصة أفكار أقدم، كل فكرة فيها تعد تجمعاً لمعارف وخبرات، وبتجمع الأفكار وتفاعلاتها بأعداد وأشكال وأطوار تخترق حدوداً معينة بظروفها فإن خلاصتها تشكل وعياً جزئياً جديداً بموضوع معين في تفاعلات الحياة وإتجاهها في زمانها، وبتفاعل الخلاصة ووعيها مع الوقائع والأفكار الحاضرة فإنه ينتج وعياً ثم تفكيراً جديداً.

هذا التصور لطبيعة نشوء الوعي بالتراكم والتفاعل، تفيد أن الوعي ليس إلهاما قدسياً، ولا ذكاءاً عبقرياً، أو قدح ذهن أو تثاقف قضايا مجتمع، وليس الوعي أدب ثورة أو تجلي فلسفة، بل نتيجة راقية في الذهن من تراكم تفاعلات المعرفة وتجمعها كمعلومات وأفكار في شكل خلاصة مستقبلية لتاريخ ومعيشة مجتمعها تختلف بموضوعيتها وبعلميتها عن تحنيط التراث وعن إنطلاق الخيال.

ويتم حضور الوعي بتجدد فريد: فبمجرد تجمع الأفكار والمعارف القديمة وتشكلها متفاعلة مع الظروف كخلاصة للقديم متوثبة بشكل وعي فإنه مع تمام تكونه يبدأ في الزوال باذلاً نفسه كأساس لتكوين تفكير جديد العناصر أو الموضوع أو التفاعل مكوناً به مقدمات وعي جديد ينشأ بتجمع الأفكار القديمة وتوالدها أو بتجميعها وتوليدها وأحياناً بالإثنين.

تفيد معرفة أطوار التفكير وكيفية إنتاجها الوعي في تغييره لمستوى أفضل، ولتحسين هذه المعرفة ينظر لتنوع وشمول تفاعلات التاريخ وإلى أطوار معرفة التفكير والعقل في رسم تاريخي لتسلسل عملية المعرفة وتطورها في التاريخ كحلقات ومراحل مستقلة معينة بأسماء محددة يرصد العلم تغير عناصرها وتراكمها وصراعها وإرتقاء بعضها الأقوى لمراحل أكثر عدداً في معلوماتها وتفاعلاتها وأعمق في إستخلاصاتها وأكثر خيراً في إفادة فئات الناس وبشكل ما يفترض أن يكون أقل ضرراً على الحياة.

غير بعيد عن هذا التفاعل والتأثيل فإن تفكير مهدي عامل Mahdi Amel وفكره الثوري إتجه لتقدير "العلمية" وإزكاءها وترك الأفكار العفوية مبهماً حدود العلم! والعلمية! وهو ترك يوافق رأي شومسكي Noam Chomsky الوارد في مناظرته الشهيرة لميشال فوكو Michal Foucault عام 1971 حول الطبيعة البشرية ]للمعرفة[ .

كان رأى شومسكي أن الأجزاء تكون الكتلة وأن تجميع عناصر العلم الصغيرة الصحيحة يتيح تشكيل معرفة عامة صحيحة! وهذا خطأ: فمع مفارقته بعض الفيزياء، لم يوضح شومسكى كيفية تحديد وتجميع وتخديم عناصر المعرفة (الصحيحة) في ظروف سلبية؟ وكيف يصل للصحة العامة للمعرفة بأساليب دراسة وتفكير تجزيئية! وقرب ظلام رأيي مهدي عامل ونعوم شومسكي الخطئين يسطع رأي أضواء الكاشف عن فائدة نظافة البيئة السياسية للمعرفة والتطور العلمي.

ولكن ضد الأمل في نظافة السياسة على مستوى دولة أو على مستوى العالم،وإحتمال إتاحة هذه النظافة فرصة للهيئات العلمية والإعلامية لتكوين ولتقديم معرفة صحيحة فعالة لكافة المجتمعات، يسطع بنفس مناظرة شومسكي رأي السفسطي ميشال فوكو وكذا بعضه من كتاب "الماركسية وعلم المعرفة": أن زيف المعرفة وعناصرها وتكويناتها متحقق بكونها جزء من كيان عام مختل ظلامي! ورغم أن "الكل" يحكم الأجزاء الصغيرة إلا إن عمومية رأي فوكو خطأ وشبه له رأي عابر لغسان في تأثير الضلال والإنصرافية في توطيد السلطة وسيطرتها المادية وهيمنتها الذهنية! ورغم ومض الحقائق النسبية والتكاملات تحت رماد التعميم والجزئية إلا أن رأي غسان جعفر وميشال فوكو ضد إنتشار الظلم والتخلف الفكري قد يظن لقارئهما صعوبة الحرية والوعي.
https://www.youtube.com/watch?v=YcYOuffbQ8c


6- بيئة التفكير وبيئة الفكر:

يحاول هذا الجزء تأثيل بعض العلاقات والتاثيرات بين البيئات الثقافية، والبنى العامة للتفكير، وبعض الأفكار والنشاطات العامة:

1- طبيعة التأثير وأشكاله كعامل تكوين للبنى:

في علاقة البيئة بتشكل البنى القائمة داخلها تظهر أهمية "التأثير" فالبني الكبرى والبنى الصغرى تتبادلان التأثير وكذا التغيير في واحد منهما قد يؤدي إلى تغيير في الأخرى. صحيح أن التغييرات المتبادلة تتميز بتنوع وإختلاف ولكن بشكل لا يغير حقيقة أن البيئة العامة تحدد أجزاءاً مهمة من طبيعة كل بنية داخلها أو مولودة منها:

بعض الصور المهمة للتأثيرات والتغييرات المتبادلة تظهر في مجال علاقات التفكير العام والفكر السياسي الإجتماعي حيث تؤثر البيئة الثقافية عليهما وعلى كل طبيعة وأشكال المعرفة وأنماط التفكير والعقل، وهذه بدورها تؤثر على تكوين وشكل ونشاط الفكر السياسي وإجتماعيته عبر الفلسفة والآيديولوجيا والنظرية. كذلك يؤثر الفكر السياسي عبر تنظيره وآيديولوجيته على الفلسفة والأفكار الأم المولدة لها ومن ثم على البيئة الثقافية والنشاط الإجتماعي وبالتالي حتى على البيئة الطبيعية لكوكب الأرض.

وفق هذه التداخلات والتفاعلات بين البنيات الكبرى والصغرى وبين البيئة العامة والذهنية ومشتقاتهما يصعب الحديث عن تفكير موضوعي تماماً أي خالى من التأثيرات المبهمة أو التحديدات الذاتية، كما يصعب عرض فكر سياسي ذو ميسم علمي نقي خالي من المؤثرات الإجتماعية. بل كتلة تأثيرات وتفاعلات متبادلة لها نقطة/نقاط معرفة تُميز بها وتسمى.

في البيئة العامة للمجتمعات ومعارفها وأفكارها تتوالى التاثيرات وتنداح من العام إلى الخاص: فظروف الطبيعة تحدد نشاط المجتمع وطبيعة إنتاجه، وهذا النشاط الإنتاجي يقسم الناس لفئات وطبقات ويشكل بعض معارفها وثقافاتها العامة، كما تشكل ثقافة هذه الفئات بعض النشاط المعرفي للمجتمع تميزه ويميزها. ولكن بحكم أن البيئة الإجتماعية السياسية للمعرفة متغيرات متحركة أو متحركات متجمعة فإنها لا تكون كما يشتهي أهل الوضوح والجلاء والنظافة أي أنها لن تكون نقية بأي شكل ذو سمة واحدة ثابتة، بل تفاعلات تتجه من الصغير للكبير ومن (الفوضى) إلى النظام.

تصوير هذا التداخل والتفاعل بكل ما فيه وشائج وشوائب يبدأ بالنظر إلى تأثير تغيرات أو (فوضى) الغبار الكوني ونجومه على كوكب الأرض وإحداثه شوشرات المناخ والمياه وتغيراتهم كأساس لـ(إنتظام) بناء البشر للبنى الإجتماعية والسياسية لحياتهم ولتحديدهم أشكال المعيشة والإقتصاد وحدوث مفارقاتها على كوكب الأرض وفق قوة أو ضعف البيئات والمجتمعات والفئات المتنوعة وأسبابها.


2- النتائج الجدلية في مسائل المعرفة والهوية:

وفقاً لهذه التفاعلات والتغيرات المشكلة للبيئة والتفاعلات والتغيرات الحاضرة فيها ليس لأي شيء ولا لبيئة كبرى أو صغرى هوية ثابتة ثبوتاً مطلقاً خارج تفاعلات التغير والصراع، بل الوطن صراع طبيعي بيئي وإجتماعي وثقافي وفكري مركب، وكذا أمور الفكر صراعات إجتماعية ودولية، وحتى عوالم المعرفة والسياسة كلها صراع تشكله الدول بأمور طبقية وإقليمية وجنسانية ذات تضادات وتوافقات ثقافية وفكرية.

ولكن في معمان التداخل وخضم تفاعلاته يمكن تمييز بعض العناصر والبنى في خطين متقاطعين: خط رأسي، وخط أفقي: فرأسياً: بتأريخ أطوار المعرفة والتفكير يظهر صراع بعضها مع أشكال أخرى أقدم منها أو أحدث.
و أفقياً: تبدو الأحوال والصراعات الثلاثية للمجتمع: الطبقية، والإقليمية ذات المركز-الهامش، وحالة النساء،
وبجمع هذين الخطين يظهر بعض التداخل بين حركة تفاعلات وتغيرات الفكر وحركة صراعات الإجتماع.

رغم ثبات كينونة المراحل والأشكال الفكرية على الخط الرأسي، وظروفها الإجتماعية على الخط الأفقي، فإن التداخلات والتفاعلات الفكرية والإجتماعية وتحولاتها ليست منتظمة مطلقاً بوقائع الحياة وهي ليست بفوضى مبهمة لتداخلات المعرفة والمجتمع والسياسة وتفارقاتهما. بل وعي مبكر بخلاصة التاريخ وبحضور المستقبل ثم نضال إجتماعي ينتج حالات قوة بشرية ومشاعر وطنية وإجتماعية قوية في بشريتها وروحها الاجتماعية. ولكن في المنظور الإنساني المتقدم لتبلور هذا الوعي التاريخي والشعور الإجتماعي تظهر أحداث تفاعلاتها أكثر جفافاً وبلادة وأميل للعشواء والوحشية.


7- نقاط في أزمة تقييم علاقات الفكر والسياسة:

يحاول هذا الجزء من التأثيل إيضاح نسبية حدوث التغييرات العامة وتباين فهمها ووعلاقة ذلك بإختلاف فئات المجتمع في التعامل مع بعض هذه التغييرات وتقييمهم لها وفق ظروف كل فئة ومصالحها، وكذا أثر إختلاف فهمهم وتعاملهم على طبيعة تشكيل فئاتهم وعلى طبيعة صياغة معرفتهم ووعيهم وسياسات نخبهم.

1- تباين فهم أو إختلاف كينونات ... المبدأ، والفعل، والقيمة:
كل موقع جغرافي أو تاريخي له تأثير على النظر والمعرفة والخبرة، وبالتالي على الفهم والتقييم والتعامل مع التغيرات، ولكن هذا التأثير المختلف يصعب إمكانات رصد وتقييم طبيعة التفاعلات، فما يراه بعض الناس تفاعلاً موجباً يراه بعض الناس تفاعلاً سلبياً، كذلك إختلاف الناس في النظر إلى إتجاه التفاعل فبعضهم قد يراه خارجاً من بنية النقص والتكالب والقهر متقدماً إلى بنية الكفاية والعدل والحرية بينما يراه بعضهم الآخر تدرجاً وتدهوراً وإنحطاطاً رجعياً من الكفاية والعدل إلى المسغبة والظلم، وبالتالي يختلف تقييم الناس لطبيعة ومواقف الأشخاص والمعارف والسياسات والنخب المشكلة لها.

في تغييرات العالم الكبيرة وفوضى الظروف وإختلاف الفهوم والتطورات الثقافية السياسية تظهر في التاريخ حالات عشواء وشراسة لتطور المجتمعات من الوحشية إلى البشرية إلى الإنسانية والسلام، كما تظهر عفوية وفردانية إرتقاء تغيراتها المعرفية من العشواء والجزئية إلى الإنتظام والشمول. هذه الإختلافات في العناصر والتفاعلات تؤسس لنسبية الفهم والتقييم في أمور المبادئي والأفعال والقيم التي تتناولها المعرفة والسياسة وفي تأثيرها على المعرفة والسياسة وأشهر حالاتها:
 حالة ثورة الديموقراط على التكنوقراط في أثينا القديمة، خُتمت بإعدام سقراط، وبتسمين مثقفين ثم رميهم لكلاب وضباع مجوعة، أو تقطيعهم إرباً في شوارع أثينا تمكيناً لأسلوب الحكم الديمقراطي ضد أسلوب التكنوقراط .
 حالة طعنات الغدر ضد ديكتاتور روما الإشتراكي يوليوس قيصر،
 حالة قيام أعداء إشتراكية الإمبراطور نيرون بإحراق مراكز حكمه وأنصاره العبيد المحررين (ثلثي السكان) دفاعاً عن الدستور،
 جرائم دموية وغلطات فكرية في كل ثورات العالم (فرس، روم، عرب، زنج، قرامطة، هند، صقلية، هولاند، بريطانيا، أمريكا، فرنسا، والحرب الأهلية الأميركية، ألمانيا، إيطاليا، روسيا، الصين، الهند، ثورات أمريكا اللاتينية، ثورات أفريقيا).

المفارقات المشهورة بين أحداث التاريخ الفكرية والسياسية الكبرى وصراعاته الدموية حول معيشة المجتمع فيها تناقض مدهش بين "المبادئي" السامية للسلام والحرية والمساواة والعدل وحالات النهوض العنيف الدموي لتحقيقها أو للدفاع عنها، ولكن هذا التناقض لم يلغي موضوعية المبادئي السامية ولم يخفض قيمة أثرها (الموجب) في تطور البشر للإنسانية، بل يحضر الإختلاف في تقييم الأفكار والمبادئي أو الأفعال والأحداث عند تقييم الأفكار وتأثيرها على السياسة والمجتمع، وعند تقييم المصالح والنشاطات الإجتماعية السياسية وتأثيرها على تشكلات الفكر. هذا الإختلاف في التقييم يرتبط بفروق في الخبرة والمعرفة والفهم .

بين مثالية الأفكار والمبادئي، وواقعية الأفعال، ومحاولات التقييم، يتأثر "الفهم" بعناصر وتفاعلات:
1- أساليب وعلاقات "التفكير" العفوي،
2- أساليب وعلاقات التفكير المنطقي ذات الحساب،
3- الثقافة العامة للجماليات،
4- ثقافة الشخص الطبيعي أو الإعتياري المقيم أو المقوم،
4- أساليب وعلاقات وبنى الفكر وفلسفته والصور الميثيولوجية أو الآيديولوجية، المواشجة لهما،
5- ظروف تلقي وتحليل وتحنيط أو إنتقاد نوعية خطاب الفكر،

من أشهر التقييمات في تاريخ المعرفة السياسية قيام يوسف ديقين عبر مؤلفه الإشتراكية العلمية بنقض الخطاب التعاوني والخيري والإشتراكي الخيالي. وقيام ماركس بنقض خطاب الحرية البرجوازي: نقض دوهرنج، نقض برنامج جوتا، نقض برنامج لاسال للتغيير الإشتراكي، نقض الإقتصاد السياسي، نقض المسألة اليهودية، وقيام إنجلز بكتابه أصل العائلة والدولة والملكية الخاصة والدين بنقض خطاب تزييف التاريخ، ونقض لينين لخطاب التجريب، وبنقض الخطاب الإشتراكي، قيام لوكاتش بنقض ميثيولوجيات خطاب الإشتراكية والعقل، ونقض بولانتزاس لخطاب أيديولوجيا الطبقات كسلطة، ونقض مهدي عامل لخطاب الطائفية والحداثة. وحتى تحليل ألتوسير لبعض أعمال كارل ماركس، وتفكيكات فوكو ودريدا.

هذه الإختلافات بين بيئة وظروف (التفكير) و(الفكر)، وبين كينونات (الفهم)، (المبدأ)، (الفعل)، تجعل لأي عنصر أو شكل لبنية المعرفة قيمة نسبية وتفاعلية تزجي تاريخية وإجتماعية المعرفة وتطورها بتفاعلات عدد ونوع وعلاقات بنياتها. وتشمل هذه النسبية ما نسميه (المعرفة) وما نسميه (الخبرة)، وما نسميه (العقل) وما نسميه (العلم) وبالتالي أجزاء وأشكال ما نسميه (الفكر العلمي). ونتيجة من هذا الشمول فإن ما نسميه (الفكر العلمي) بحكم بنسبيته وموضوعيته ليس سوى كيان ذهني دائم التفاعل فهو ليس شكلاً نهائياً أو صورة قصوى للمعرفة أو العقل أو العلم، وليس سوى الجزء الظاهر من تفاعلاتهم، بل في مرحلة معرفة متقدمة بإمكانه أن يجعل إصطلاحات كليانية مثل العقل والعلم من مخلفات الماضي.


8- التاريخ العقلي للدمار:

هنا نقطة عن كيفية قيام السوق بزيادة العلم عدداً ونوعاً؟ وكيف أن بعض الفئات المتعلمة في السوق والدولة الرأسمالية فاقمت المظالم عدداً ونوعاً بإرتباط مع تفاعلين مهمين هما: تفاعل نسبية العلم، وتفاعل نسبية الحرية.

رغم نسبية المعرفة ونسبية العلم لكن سلبية حركتهما أو نتائجها تنحجب وتختفى عند سرد تاريخ العقل في عالم المعرفة!؟ وكذلك عند سرد تجليات المعرفة في تاريخ العقل! فتاريخ المعرفة والعقل والعلم يقدم بصورة إيجابية لا أخطاء فيها سوى غلطات تقنية !
هذا في جهة النظر، لكن جهة الواقع تبدو ميثيولوجيات النهضة الجمالية ومعها ميتافيزيقيا الوجود النقي والفكر الخالص وكذا أفكار آيديولوجيات العقلانية في العدل والحرية والإخاء والمساواة قد أرتبطت بأمور وتناقضات الفكر والمادة والمعيشة في حالتين لُزم:

1- التشكل الربوي- الرأسمالي للحرية/الليبرالية أو... بداية الإستغلال الحديث داخل أوروبا :

(1) البدايات:
في الثقافة السياسية باللغة العربية تشتق مفردة "الليبرالية"Liberalism من مفردة Liberty )ليبرتي( الإنجليزية المعادلة بالعربي لمفردة "حرية" مع فروق ولكن في الإقتصاد وتفاصيله السياسية الإجتماعية فإن "الليبرالية" و"حرية السوق" كلمة واحدة لحرية إمتلاك موارد ووسائل معيشة المجتمع واستغلال مقهورين في العمل عليها، يآخذ رب وسيلة المعيشة إنتاجهم وخيراته ويلقي لهم الفتات! وبذا التطفيف تصنع الحالة الرأسمالية المعيشة أرباحها ويصير المعني السوقي لمفردة "الحرية" هو "الإستغلال".

منذ عصر النهضة كانت الحرف والمدن والأفكار الحرفية والجمهورية والطموح لحكومات تكنوقراطية قد بدأت في الإنتشار في أوروبا الإقطاعيات والملوك الذين بدورهم ضيقوا على نشاطات الحرفيين معرقلين إستمرارهم وتطورهم في مناطق وأوقات كثيرة، حيث تعرض أهل الحرف ومدنهم لضغوط من المرابين، ولضغط ضرائب الإقطاعيين، ولضغط إيجارات وشروط الكنيسة وبطاركتها وجمهورها العصبي، ولضغط سادة الدولة، ولعسف ضرائبها وقواتها.

ونتيجة لتراكم الضغوط على أصحاب محلات الحرف تفجرت بأسباب أصغر ثورات الحرفيين في شمال غرب أوروبا وما حولها مكللة بشعارات "الحرية"، "الإخاء"، و"المساواة" وبها ظهرت في "عصر الثورات" سمات "الليبرالية"/"الحرية" بعد كل إنفجار وإنتصار بداية بتفتح الإنتفاضات والثورات الألمانية عام 1524 والهولاندية عام 1566 فالإنجليزية أعوام 1642 و 1689 والفرنسية أعوام 1648 و 1789 و1848 فالثورات الألمانية والإيطالية أعوام 1848 و 1871، وقد نشأت كل تلك الثورات كتحرر حرف رأسمالي ضد نظام صون الكنيسة، الملوك/الإقطاعيين لقدسية الأرض وسيطرتهم الشديدة على إمكانات النفع بها.

ظهرت اللييبرالية كحريةً قانونية وسياسية لأصحاب الورش ومموليهم ليمتلكوا موارد ووسائل معيشة المجتمع بهدف الربح. وبتملك أصحاب الورش حق الترخيص لأنفسهم تجدد نظام الإستغلال وإتسع عدداً ونوعاً وتحور من الأسلوب الإقطاعي الزراعي المشتت القديم إلى الأسلوب الرأسمالي الًصناعي التجميعي المتربح بربا قيمة العمل بين يوم إنتاجها بسعر مبخس وساعة بيعها بسعر عشرات أضعاف قيمة ذلك العمل.

بهذا النظام الرأسمالي وزيادته أسعار السلع والخدمات وإيجارات المنازل أكثر من زيادته الأجور تحول أكثر الناس وهم ملايين ومئات ملايين لبؤساء مساكين وفقراء مدقعين قابلين دوماً للإستغلال وتحول أصحاب وسائل معيشة الآخرين لطفيليين رأسماليين يراوحون المال ويداولونه دولة ظالمة بين وسيلة المعيشة والمجتمع نفسه، محولين حياة الناس ومعيشتهم لتجارة وتربح.

وإذ يصير المسيطرين على معيشة المجتمع فئات وطبقة رأسمالية وسادة جبارين، فإن فئات الشعب الكادحة من الزراع والصناع والسبابة وعموم طبقة الكادحين البرولتياريا تتحول لأشباه عبيد قد يهرب بعضهم أو يتحول لشبه نخاس. ولكن الصورة الرأسمالية العامة لحالة الحرية أو الليبرالية كنظام معيشة وحياة توضح إرتباط ربا المال بالإستغلال الطبقي. فمالك وسيلة المعيشة يربي قيمة عمل الكادح ويفيضها بتطفيفه قيمة جهد الكادح نفسه وحرمانه من أكثر خيرات عمله يأخذها رأس المال لنفسه: فبإستغلال حاجة الجوعى للبقاء على قيد الحياة (ينقذهم) الرأسمالي من الهلاك بالجوع والتشرد بتشغيلهم بعقود الإذعان ذات الأجور البخسة التي تستعبدهم بغلاء المعيشة فبدون بتلك الأجور لا يستطيع كادح (واسرته) البقاء على قيد الحياة فيصير شبه سخرة لصاحب العمل!

لجمع الأرباح يقوم الرأسمالي مالك وسيلة المعيشة بربو قيمة عمل المساكين (الذين تموت معيشتهم خارج هذا النظام الطبقي)، ويتحقق هذا الربا بتحويل قيمة العمل الحي المقدم في وقت الإنتاج لقيمة أكبر لنفس العمل المجسد في سلعة وقت التصريف، فمن الفرق بين سعري العمل: سعره وقت إحتياج العامل وسعره وقت سيطرة الرأسمالي، يتكون الربح/الربا بإستغلال عمل المسكين وربو قيمة العمل وإفاضتها بإهدار تعب وكرامة العامل الكادح أي بإرتباط عضوي: (فردي وفئوي وطبقي) رأسمالي بين الربأين ربا المال وربا العمل.


(2) معالم في تاريخ نشوء "الليبرالية" أو "حرية السوق":

منذ أواسط الألفية الثانية إرتبط نشوء "الليبرالية"/"حرية السوق" بتغييرات في طبائع الإنتاج والمعيشة والثقافة وفي السياسة، وذلك بأسلوب إتسم بالأتي:

(1) إتجاه الناس للخروج من رهق تقاليد/قيود/نظام المزارعة الإقطاعي والكنسي، كسباً لعيشهم بأعمال الحرف المدينية ولتحسين حياتهم بتظيماتها كسراً للقيود الدينية والعائلية المتعلقة بإمتلاك الأرض وبالتوزيع المجحف لجهود قيام الفلاحين بالزراعة وبتوجيه كسبها لصالح الإقطاعيين ملاك الأرض.

(2) إنعتاق وتحرر الفكر والعمل وسياساتهم من رتابة الزراعة ومحدودية أفقها ومن تقاليد وفلسفة إرتباط الكنيسة والإقطاع الحاكمة توزيع الأرض وتنظيم الأعمال لصالح ملاك الأرض،

(3) إنتقال المجتمعات الحرفية إلى أحوال منفعة وترتيبات شعبية بنظم عمومية أو جمهورية للعمل والتفكير والحكم النفعي (الجديد) المحقق المنفعة المادية للفئات المسيطرة في هذه المجتمعات.

(3) أسباب الحالة الحرفية لليبرالية وفعاليتها:

1. ضيق مجتمع الزراعة وتصدعه بزيادة السكان وحاجاتهم وسط الحروب والأوبئة وعصبية أمور الأرض والحكم،

2. مرونة تعاملات الحرف والنقود لمصلحة الحرفي ضد تزمت ويباس بعض تقاليد الإقطاع،

3. ذيوع وإنتشار أفكار ومظاهر التقدم المعيشي بأعمال مختلفة عن الزراعة،

4. زيادة الهجرة من الريف للمدن،

5. زيادة التمدن زيادة كبرى بالحرف والجمعيات والنشاطات وتضائل مكانة الريف والزراعة في الحياة المالية للدول،

6. تقدم المجتمع والإقتصاد من الزراعة وحرف الكفاية لحرف وتجارات كبرى وبنوك وظهور الإنتاج الصناعي،

7. تقدم سياسة المجتمع من إمازات الإقطاع-الكنيسة إلى جمهوريات منظومة بجمعيات حرف ومهن وآراء وإنتخاباتها.


بالإمكان قراءة ظهور حالة الليبرالية/الحرية في التاريخ الحديث كحالة إقتصادية سياسية وثقافية إجتماعية لحرية أصحاب الحرف والتجارة والبنوك في زيادة أعمالهم وأرباحها. ونهاية رهبوت الإقطاع وكهنوت الكنيسة وحلفهما المشترك في الريف والقرى والمدن الصغيرة التي يتملكون أرضها وأسواقها, ولنشاط المعرفة والثقافة العقلانية بشكل محسوب في تحديد وزيادة المنافع للأفراد والمجتمع، فالليبرالية حرية كبرى حققتها الحرف والبنوك لأعمالها بأساليبها المهنية والتنظيمية الخاصة وهي الأساليب المكونة في مجموعها لإنتظام وتعاقد إجتماعي جديد فردي إنتاجي العمل، مديني المعيشة، وجمهوري السياسة.

والليبرالية كعقد إجتماعي جديد حالة حداثة ضد الإنتظام والعقد الإقطاعي القديم الناظم شؤون "المؤمنين" وكنيستهم بقيادة الاقطاعيين والكهنة وتحديدهم أراضي السكن والعمل وشكل الإنتفاع بها وحدوده العينية والمالية، بصور يرجعونها للقوة وللقدسية، أما الإنتظام الجديد فتوسع حرف وبنوك وحكومات كبرى ونشوء بنى إجتماعية لنشاطات المعرفة والتعليم والعمل والفنون.


2- الحرية والليبرالية كحالة إستعمارية من غرب أوروبا للعالم:

بعد عام 1492 كانت هناك حالتين إستعماريتين حالة قديمة وأخرى حديثة، القديمة بدأتها دول أسبانيا والبرتغال ثم تلتها الحديثة بالاستعمار العسكري الذي مارسته هولاند وفرنسا وإنجلترا ضد أكثر مجتمعات أفريقيا وآسيا وأمريكا وأستراليا لإستغلال مواردها ثم مع ظهور الولايات المتحدة والمؤسسات المالية العالمية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية والتنظيم العلمي للإستثمارات الأمريكية والأوربية في دول أفريقيا وآسيا ظهرت حالة الإستعمار الحديث، القائمة إلى اليوم، وكينونتها الإمبريالية. والإمبريالية تضافر لأكبر القوى الرأسمالية والمالية مع إجهزة الدول المركزية في عالم الإستعمار وتخديم قواها الإعلامية والإستخبارية والعسكرية والديبلوماسية والإقتصادية والمالية في السيطرة على موارد الدول وذلك بتحكم تجاري ومالي في إقتصادها وتحكم إعلامي وعسكري وديبلوماسي وإستخباري في نظم حكمها وسياساتها.


(1) أسباب الحالة الإستعمارية:

1. التوسع السياسي،
2. أرباح الإستعباد، ثم أرباح الإستغلال،
3. الإستيلاء على معادن نفيسة، ومواد خام بسعر رخيص،
5. التوسع التجاري.

(2) الإستعمار والإستعمار الحديث:

برأسمالية الليبرالية والإستعمار إنقدحت في أوروبا عبر ثلاثمائة عام الثورات دموية ووحشية قاتلة لتحقيق حرية البرجواز بإسم العقلانية والحرية والعدل وكرامة الإنسان ! وتحت سيطرة البنوك والحكومات المركزية الأوروبية لهذه الأفكار الإنسانية نشطت تجارة إقتلاع البشر من أفريقيا لبيعهم عبيداً للزارعة الرأسمالية في أميركا، ومع زيادة الإستعباد والأرباح الرأسمالية نشطت حروب إبادة سكان أميركا الأصليين وطورت بريطانيا وفرنسا مع تأجج أفكار العدل والحرية والإخاء والمساواة نظاماً لإستعمار مجتمعات العالم منظوم بصورة عقلانية علمية وحكومية.

ورغم كثرة الحديث آنذاك عن الأسس العقلانية والحضارية للإستعمار وأنه قمة الحضارة فقد شكلت تناقضاته أزمات مختلفة تمثل بعضها الإقتصادي داخل مراكز الإستعمار بوقوف أهل الإنتاج الداخلي ضد الإستيراد من المستعمرات، وبعضها بقيام الكمبرادورز بتوريد بضائع الإنتاج الصناعي من مراكز الإستعمار إلى داخل المستعمرات بصورة ميزت بعض المنتجين في مراكز الإستعمار على غيرهم، كما أضرت بإمكانات الإنتاج في البلاد الواقع عليها الإستعمار، وبزيادة تناقضات الإستعمار تأزمت خلافات ونزاعات سياسية داخلية بل أشتعلت حروب عالمية، وتجنباً لهما بدأ منذ نهايات الإستعمار القديم تنظيم جديد للإستعمار.

تحت شعارات الإستقلال والحرية والحداثة، وبجبروت الإستعمار القديم وعائداته المكنوزة، أخضعت سياسات دول الإستعمار القديم الدول الجديدة المتحررة حديثاً لمصالح المراكز العالمية للرأسمالية. وكان ذلك الإخضاع بعملية متسلسلة بدأت برفع أسعار النفط نزفا لمدخرات الدول ثم بتقييد تجارتها العالمية حتى أُفلست الدول الغضة فبدأ تكبيلها بشروط مساعدات، ثم بديون دولية متفاقمة إنتهت بتحقيق العجز عن سدادها إلى خصخصة موارد المجتمعات، وتحكم أميركا وبريطانيا وتوابعها وفرنسا في قرارتها.


(3) آثار الإستعمار الحديث:

بمعونة زعماء محليين محتاجين للقوة الأجنبية ضد غرماءهم، نجح الإستعمار القديم العسكري الشكل في السيطرة على أكثر بلاد العالم ومواردها، ولكنه فشل في إدامة سيطرته عليها بسبب من تناقضاته ولرفض الشعوب له ومقاومتها إجراءاته، ومن ثم بدأ تكون شكل إستعماري حديث بالتجارة والتمويل الأجنبي والديون والخصخصة إنتهى لحالة "العولمة" و"الإرهاب" المرتبط بها.

أدت تقنيات الإستعمار (العسكرية والإستخبارية والديبلوماسية والإقتصادية التجارية والمالية والإعلامية ) لإفشال كثير من محاولات التحرر الوطني بل وتحطيم بعض دولها ومجتمعاتها بعمليات سياسية وعسكرية دقيقة وبعمليات إقتصادية واسعة، إنتهت لإفلاس إقتصادات الدول المستقلة حديثاً، ونجاح أصحاب البنوك العظمى في أوروبا وأميركا ومواليهم في إحتكار جزء رئيس من موارد العالم وضرب الأسس الإقتصادية الإجتماعية والسياسية لحرية الأوطان ومجتمعاتها وإرتبط هذا التحول الإفقاري بفرض شروط الديون على الدول المستضعفة ، حيث حققت هذه الشروط الأتي:

1- نزع ملكية موارد ومؤسسات المعيشة من سيطرة وأهداف المجتمع المخضع لشروط الديون، وإخضاعها لرأسمال أجنبي،

2- ألغيت في وسائط المعرفة والتعليم والثقافة عروض الأفكار والخطط الإجتماعية والطبقية لتحرر الأوطان والمجتمعات،

3- تخصيص مرافق الحياة الإجتماعية المياه والكهرباء والإسكان والمواصلات والتعليم والإعلام والصحة والإتصالات،

في مجال المعرفة إزاح الإعلام ربط التثقيف الوطني بتاريخ الصراع الشعبي أو الصراع الطبقي لإنتزاع الحقوق الإقتصادية الإجتماعية وتثبيت القيم الإنسانية وغير ذلك عبر برامج كرنفالية ونقاشات نخب ترفع شعارات مبهمة عن العقلانية والسلام، وتربط السلام بتجاهل تناقض المصالح! وتربط "الوطنية" بذكريات وبشخصيات راحلة وبدعوات فطيرة للبعد عن السياسة والتركيز على "التنمية"! التي تقدم كمشروعات مفككة!

وبإسم السلام، والبعد عن السياسة، ومنع التحريض على الكراهية جردت مجتمعات الدول المستضعفة من جزئيات ومن كليات مهمة في عملية سرد تاريخها الإجتماعي والوطني: فبشروط الديون والتنفيذ الحكومي لها تم تغيير التنظيم الإجتماعي الوطني لعمليات التعليم والثقافة والإعلام ومنهاجها التي بلورتها اليونسكو بتنظيم وتمحيص خبرات العالم وقيمه.

بخصصة التعليم والإعلام تحكم في أعمالهما منطق الربح المالي بتقديمه نوع قليل منها بسعرعال! فخف التعليم وتسطح وإزدحمت الثقافة بإعلام النجومية الشخصية والمرح والمراهنات وبمواد الإثارة والتهييج وبمواد تخفيض وتبريد النزعة الثورية ! وصارت الأخبار تثير الحيرة بدلاً لعرضها الأحداث بصورة موضوعية! وصارت النقاشات تُشظي الفهم بدلاً لإيضاحها الأمور ! بإسم التركيز على المستقبل والتفاهم بين الشعوب والحرية من عبادة الشخصية أطفأت مواقف تاريخية وإنجازات شعبية، بل وإغتيلت بصمت أو بتشويه أعمال شخصيات وزعماء أسهمت كثيراً في تاريخ تكوين المجتمع والوطن والإنسان.


معالم في تكوين الثقافة والنخبة الجديدة :

عولمة الموارد والإستهلاك وتخصيص مؤسسات المعيشة تحت راية تجويد الإقتصاد والعبادات:

مع تغيير شروط الديون لظروف المعيشة في الدول الفقيرة بدأت وسائط التعليم والإعلام في بث ثقافة ضعيفة ومتناقضة أفسدت تنمية الوعي وأعاقت تنسيق بنيات الحياة الإقتصادية والثقافية الإجتماعية طيل فترة "البترودولار" بين السبعينيات وحتى 2020 حيث إهتمت بالترويج لإستهلاك السلع وللتدين. وتواكبت معها في دولها الفقيرة عملية تشكيل نخب جديدة، وبعض تلك النخب إلتزم أشكال ومصالح نخب الغرب الرأسمالي في تحرير البلاد من إرادة ومصالح مجتمعاتها الوطنية بينما إلتزم بعض تلك النخب نزعة دينية تخضع المواطن وتذعنه بالدين وبـالصبر على (إ) طاعة أولى الأمر للترتيبات الرأسمالية الجديدة لأمور الحياة.


في شكل النخب الجديدة:

كسابقيهم تميز أفراد النخبة الجديدة بإمكانات شخصية عالية في الخبرة أو في المعرفة بالأكاديميا أو باللاهوت أو في مجال الإدارة أو التجارة أو السياسة وبالحضور الإعلامي، وبصلات عمل وعلاقات قرابة مع مراكز كبرى في الإقتصاد والدولة والمجتمع، ولكن ضد ميسم سابقيهم ذوي القضايا العامة والنضالات الوطنية والطبقية الشاقة والكلام المرتفع الحقائق والمطالب والإحتجاج جاء أفراد النخب الجديدة، متميزين بنجومية إعلامية، وبمظهر ملابس متفرد، وبكلام وسيط أو أدنى، وبعلاقات خارجية بنخب مؤسسات ودول حلف الأطلسي وتوابعها في أقاليم العالم وبإبتعادهم عن قضايا الحد الأدنى للمعيشة وحاجات ومطالب الفقراء والمساكين، وبإحتفاءهم بأمور في تخصاصتهم يقلون فيها من مخاطبة شروط الحياة والأمور العامة!


لمحات من ثقافة ومعرفة النخب الجديدة :

منذ السبعينيات وإلى 11 سبتمبر 2001 فغزو العراق ثم مقاومته للإحتلال وبداية إنهيار النظام الدولي في المنطقة العربية وتحويل بعضها لمعسكرات متناحرة تبلورت في بنى وإتجاهات التعليم وفي بنى وإتجاهات الإعلام سمات تجميع أو تفتيت عرضي لجزئيات أو كليات من إصطلاحات كبرى، بعضها عن الوطنية وأخرى عن العولمة وبعضها عن العلمانية وأخرى عن الدين في السياسة وبعضها عن العقلانية والعدالة الدولية والعدالة الإجتماعية والخصخصة وأخرى عن حرية السوق و(النظام) العالمي.

في كل عملية تجميع أو عملية تفتيت ثقافية أو إجتماعية تظهر مواقف متناقضة وسياسات مستهلَكة ومستهلكِة، وصارت الحكومات والمؤسسات والشخصيات تزيف إنجازات هُلامية، وإنتشرت حالات إظهار شخصيات عملية وتقنية لم ترتبط بمبادئي فلسفة أو بتضحية شخصية لموقف عام، بل بدلاً للمبدئية والقطعية صارت من علامات ثقافة النخب الأفكار الوسطية والمواقف الجزئية والمقولات المبتسرة للأمور العامة، والمظاهر النجومية والمشروعات الكرنفالية، وصارت هذه العلامات الثقافية المميتة مادة لحياة مؤسسات التعليم والإعلام. وبهذه العلامات الثقافية والإعلامية تجدد تكوين النخب ونشاطها وتسييرها إلى حالات تجزئة وعزلة وتناقض ضد نخب أخرى وضد مجتمعات أخرى.


النخب طبيعتان الأولى من حيث كون النخبة محكومة، والثانية من حيث كون النخبة حاكمة، فمن حيث كونها محكومة هناك قوى ونخب إقتصادية وسياسية عالمية ووطنية أكبر تصطفي بعض زعماء النخب الأدنى وتعينهم مواقع لهم بها معرفة أو خبرة أو صلة محددة، تريد القوى الحاكمة للمجتمع نوعاً معيناً من الفاعلية في هذه المواقع تحققه بواسطة الشخص المصطفى، وغالباً ما يكون أختياره إرتقاءاً أو مكافأة على خدمات سابقة أو عوناً ونفوذاً بفتح مجال الإصطفاء له، أما من حيث كون النخبة حاكمة أومؤثرة ففيها سياسة بين كونها وسطاً لتجميع الإرادات الأعلى وتنسيقها وبين كونها تجمع بإنتقائية بعض المطالب والإرادات الأدنى.


9- النخبة كعقل للطبقة ... علامات واقعية:

1- الظروف الثقافية لتكون النخب:

(1) المكان الثقافي:
تتبلور النخبة Elite كقمة في التقسيم الهرمي لهيئات الأعمال وإتخاذ القرارات، وكل كيان له نخبته. فهي الشكل المجتمعي لأعلى مراحل المعرفة السياسية في مجال معين. ولكن النخب ليست رئاسات بل ينفصل تكوينها الواسع عن نمطية ورتابة التكوين الإداري للرئاسات. فالنخب نظم وترتيب إجتماعي وثقافي لقمم محاور المجتمع خلال الصراع الطبقي سواءاً كان صراعاً بين الفئات أو في تنازع المركز- الهامش أو في أوضاع النساء.

(2) السمة الثقافية:
تتسم نخب طرفي المجتمع الطبقيين (الطرف المالك والطرف الكادح) في أدائها بسمتي مجتمعها العام وفئتي صراعه، أي أن كل نخبة تحاول توكيد شمولها الوطني ولكن بتوكيد لميزاتها أو لأهدافها فنخبة الملاك تحاول توكيد تملك الرأسماليين لموارد المجتمع والوسائل الرئيسة للمعيشة والحياة، ونخب الكادحين تحاول نفي هذا التملك مناضلة للحرية من أسس وأشكال الإستغلال والتهميش.

(3) الأساس الثقافي (الصراع الطبقي، وأشكاله في فئات العمل، المركز-الهامش، قضية المرأة):
الأساس الموضوعي لصراعات المجتمع السياسية والثقافية وصراعات معرفتها وتنظيراتها صراع طبقي أساسه تقسيم العمل القديم ثم القانون السياسي-الإجتماعي الرأسمالي لعمليات الإنتاج والإستهلاك حيث يستغل رأس المال ومواليه المتملك موارد المعيشة حاجة الكادحين للحياة والنقود فيشغلهم شبه سخرة بأجر بخس مضعفاً حقهم في موارد مجتمعهم وفي خيرات عملهم!

يتأجج الصراع الطبقي بالتضاد بين الأجور البخسة والزيادة المتوالية في حاجات المعيشة وأسعارها، كذلك بالفرق الظالم بين ما تأخذه نخب فئات المركز لنفسها من شقاء الكادحين والأقاليم والنساء وماتتركه لهم. ويزيد الصراع بتنازع الفئات (الفئات الكادحة المستضعفة والفئات المالكة)، وبتنازع فئات وعلاقات وبنى المراكز- الهوامش، وبتنازع الموارد والحقوق والواجبات بين الرجال – النساء! وهووضع قديم نشأ مع بداية تاريخ المجتمعات الطبقية بإختلاف في سمات الطبقات لا في دورها، وبتكرار في مختلف أنحاء العالم، رغم كل لافتات التكنولوجيا والسلام والديمقراطية والحرية والإخاء والمساواة.

(4) بعض أسس وأشكال النخب:
بصورة واقعية فإن أفكار ونظم وأعمال المجتمع الطبقى تزيد الطبيعة الهرمية والنخبوية للمجتمعات بتناقض أمرين لزم فيها:
1- نمو حاجات الناس بالتعليم وبالإعلانات وبالإعلام،
2- محدودية التوزيع الرأسمالي للموارد والإمكانات الصناعية داخل كل بلد وعلى مستوى العالم، وبالتالي تزايد أزماته.

بترابط المصالح الإقتصادية والأمنية للمجتمع أو للحكم تزيد الأفكار السياسية والإجتماعية مؤيدة أو رافضة لسيطرة طبقة معينة على تنظيم كيانات المجتمع أو الدولة، وبهذه الأفكار وأمورها الإقتصادية والمالية والأمنية يتبلور العقل والفكر السياسي وهيئاته، وبتفاصيل هيئاتها وصراعاتها تظهر الحاجة لتنظيم أعمال القادة وحشد قواهم لحماية مصالحهم ولتحسين أعمالهم.

2- النخبة والدولة:
مع نمو أعمال الدولة وإدارة المجتمع يزيد نشاط المعرفة والإعلام وتتجه مؤسساتها لترسيخ حكم الفكر السائد والطبقة السائدة على المجتمع والدولة في جهة وللتنفير من ضدهما أو طرده، وكذا على مستوى العالم فإن الدول الأكثر قوة ترسخ نفوذها وشخصياتها بتفاوت في إدارة وأقاليم الدول المتبعة لها وتضعف مؤسسات وأفكار النخب المناهضة لطبقية المجتمع والدولة والرافضة إنحيازات المركز ضد مصالح أو ثقافة مجتمع أقليم معين.

جملة القول في النخبة والدولة أن كيانات الرئاسة الأعلى في الدولة تحدد نخب الصف الثاني والثالث والرابع، وهذه النخب تعكس جزءاً مهماً من النفوذ السياسي والإجتماعي للنخبة الأعلى وجزءاً من طبيعة إستمرارها ومستقبلها إذ تزكي وتعين بعض رؤوساء أو أعضاء مجالس الرياضة، مجالس الأداب والفنون والثقافة، وبعض نخب جمعيات المهن، وتسهل أعمال أوعقود كثير من الأكاديميين، وبعض تجمعات بعض شيوخ الدين أو الصوفية..إلخ. وعادة ما تبرر السلطات تزكيتها لهذا الفرد أو ذاك من أفراد النخبة، بالكفاءة! وبالمصلحة، بيد أن أكثرهم ليسوا منتخبين.

إضافة للعامل السياسي الرئيس هناك العامل الإجتماعي فهناك تفاعلات في بيئة وظروف المجتمع وعناصره تؤدي لولادة وتشكيل بعض الناس ذوي التميز الشخصي أو التأثير المعنوي العام يتحول به بعضهم مع ظروف سياسية معينة إلى نخبة. فالنخبة عاملان سياسي ومجتمعي وبنية نفسية.

3- حيوية وموات النخب:
في مجتمع تمييزي تقوم هيئات الأمن وهيئات الإعلام ببناء شخصيات أو هيئات تحقق مصالح معينة في الدولة، تعزها ببعض خبرات وعلوم وفنون نظم "العلاقات العامة" Public Relations ذات التشجيع والتحبيذ أو تلك المعنية بإقصاء أو بتثبيط أو بتخويف، تشغلها وفق علوم وأساليب الدعاية والترويجPropaganda ، ولكن هذا المدد لا يؤبد ملأ فرعون: ففي الدولة والعالم يظهر أن شبكات المجتمع العفوية أو المنظومة تتآكل من الخارج بحكم الصراعات وبتأثير عوامل المناخ والتعرية، وكذا تتفتت من الداخل بتأثير الصراعات الطبقية الفكرية والإقليمية والنسوية، ولكن في خراب القديم وروثه نجد شبكات أخرى جديدة تنمو.

4- النخبة كافراد مميزين في الدولة أو في المجتمع:
من الإبهام أو التضليل في المعرفة والإعلام تمجيد دور بعض الأشخاص وأقصاء تأثير حقائق عالمية ومحلية جيوسياسية ومادية وتاريخية وثقافية في أحداث التاريخ بحجة إنعدام! أو قلة! أو خطر! وجود الصراع الطبقي في المجتمعات وفي المعارف!! هذا الإبهام وتبريره يقلل السمات الإجتماعية في الدولة بل يرسخها مملكة فرد أو أسرة وهيئة منفعة لسادتها وقادتها لا لسواد مجتمعها.
هذا الوضع النخبوي لبعض الأفراد المحصورة فيهم وفي أسرهم شركة أو هيئة معينة لا يعني أن ضلال الهيئات مقصور على قمة دولة أو جماعة معينة فيها، فإهمال التاريخ أو رسمه أحياناً بملامح أشخاص خطأ شائع في كل الدول والجماعات والأحزاب.

5- النخبة الثانية:
إضافة لنخبة الحكم المألوفة في كل دولة ومجتمع المكونة بالزعيم والرئيس، بكبير الوزراء وزراء المالية والخارجية والداخلية والدفاع ومنظم الإعلام والثقافة، وما يعادلهم في بعض الأحزاب والمؤسسات الكبرى، هناك نخبة قيادات مجتمع وهي تمثل صفا ثانياً في صفوف مجتمع الدولة بعد أهل القوة العسكرية-المالية المسيطرين على نظام "الدولة" المحددين سحنة حكمها.

تتمثل هذه النخبة الثانية في قادة المجتمعات الطائفية الدينية، والفنية، والرياضية، ورؤساء هيئات الإعلام. وأفرادها بخلاف النخبة العليا لا يتطرقون في أحاديثهم لأخطاء التفاعلات السياسية والإقتصادية الكبرى في التاريخ، وسمتهم العامة هي إرتفاع الأسلوب الشخصي في القيادة (غالباً بحكم الخبرة، أو المعرفة الدقيقة، أو بحكم طبيعة شخصياتهم وفن تعاملها مع الآخرين) فهم لا ينشغلون بجدليات قيم التاريخ وأحداثه وتفاصيل إدارة أو تنظير الأمور العامة، بل نشاطهم مزدوج ففي جانب منه مركز في مجال عمل محدد يمارسون قيادته بأساليب شخصانية ومزاجية، وفي جانب أخر يمارسون مهمة الخضوع للسياسة العامة وإنفاذها في مجالهم عبر شخصياته وخططه والبرامج الحاكمة له. وببعض هذا الدور المزدوج الحاكم والمحكوم يظهر التناقض بين سيادة الإغتراب والإستلاب على المجتمع وتحويله لموات، ومحاولات بعض الأفراد التميز فيه وبث الحيوية فيه وفي دورهم في الحياة.

6- طبيعة النخب كوحدات إتصال بين خبراء المجتمع والدولة، وكوحدات تنظيم وإعلام في المجتمع:
في الحالتين الحالة الإنسحابية المركزة على فئة النخبة والحال التقدمية لتنسيق ودفع نشاط المجتمع في مجال النخب، تبدو النخب كدوائر إتصال إعلامية فهي تنقل صوت السلطة لفئتها كما تنقل بقدر معين صوت فئاتها للسلطة. وتظهر النخبة كمحور معين في شبكة إتصال سياسي إعلامي بين شرائح وفئات المجتمع والدولة وأجهزتها العظمى. وفي هذا الشكل فإن النخبة تساوى وحدة تواصل في شبكة إدارة إعلامية لفئات المجتمع-الدولة أي أنها الجهاز البشري والمؤسسة المجتمعية اللازمة لقيادة وإدارة المعرفة والموارد العامة في البلاد عبر نوع من التواصل الإعلامي.

7- إختلافات عالمية وطبقية في معرفة النخب:
يمكن القول أن في الغرب الأوروبي-الأميريكي معرفة كبيرة بعناصر وتفاعلات وتحولات النخبة وتتناول هذه المعرفة الغربية ظروف تأسس وصعود النخبة الإدارية المالية والسياسية، وظروف فشلها في الإدارة أو السياسة أو الأخلاق الموجهة وفي الإقتصاد، كما تتناول الأوصاف العلمية والنفسية والإجتماعية لشخصياتها وطبيعة تنظيم أعمالها ونشاطاتها، وبعض البحوث قد يشمل فوائد شرائح وفئات النخبة لنفسها، أو فائدة بعض النخب لشريحة وفئة وطبقة أخرى في المجتمع.

هناك فائدة في فحص فاعلية النخب بالمقارنة بين تكوينها وأداءها ونتائجها جهة مجتمعاتها الصغرى وجهة مجتمعاتها الكبرى فائدة قد تتحقق للعالم الثالث بمقارنة فاعلية نخبه مع نخب العالم الأول وكذا بفحص توزع موارد بلاده ونسبها بين طبقة فئاته المتملكة موارد المجتمع وحال الشرائح الوسط في موقعها بين هذه الطبقة المتملكة والشعب!

8- معرفة وضع النخبة في المجتمع:
موضوعية وجود "النخب" تشكك في مغزى قيام مؤسسات المعرفة والإعلام المرسملة بجمع "النخبة" كتلة واحدة خارج ثقافة العلوم الإجتماعية للإقتصاد والسياسة!؟ وخارج ثقافة الإقتصاد السياسي وفئاته الإجتماعية!؟ أي خارج الإصطلاحين الأساس للفهم الطبقي للسياسة وللفهم السياسي للصراع الطبقي، أي خارج إصطلاح "البرجوازية الصغيرة" وإصطلاح "البرجوازية الكبيرة"!؟
هل تمدد للغو والفكر اليومي؟ هل طفي للسياسة الرسمية بالعلاقات الطائفية والأهلية؟ هل هو تهرب من العلمية أو عداء طبقي لها؟



9- تقسيم العمل وحماية مصالح السادة كأصل للنخبة:
في تناولها طبيعة تفاعل أو تاريخ مؤسسات وشخصيات وأحداث في المجتمع فإن هيئات التعليم والإعلام المرسملة تحذف أو تبالغ في بعض معالمها الإجتماعية، فهي تخاتل التكاثر في حاجات الناس أو التحسن في قدراتهم، تحذف بعضه أو تبالغ في نوع منه حماية أو عزة لمصالح فئات مرتبطة بهذه المؤسسات والأحداث وشخصياتها.

تأسس بعض هذه الأعمال الإعلامية التضليلية أو الترجيحية بالتقسيم القديم للعمل الذي يفصل بين العمل النظري التمركز والعمل العضلي القوة، ولكن هناك تصوير نشأ من تقسيم أحدث، كينونته "السلطة" يميز القيادة والرئاسة السياسية المباشرة ويعليها أو يفصلها نسبية عن زعامة فئات المجتمع التي يترك رئاساتها لبعض يختارونه من أهل الخبرة أو العلم والدين أو المال من ذوي الحسب والنسب لقادة السلطة أو ذوي المكانة في السياسة والمال حتى إن كانت الفئة التي يريده فيها الرؤوساء فريق رياضي! أو كانت جماعة هدفها خدمة مجموعة مرضى!

10- جغرافية النخبة:
تتنوع ملامح أعمال وشخصيات النخب المجتمعية لمجالين ثلاثة: مجال حديث يتعلق بأعمال السياسة أو المال والأعمال والخدمات أو الحقوق وببعض أمور الرياضة والفن، ونوع قديم الأعمال يشمل أمور الدين وأمور الطائفة وأمور القبيلة. وأحيانا ثالثة نوع هجين يتداخل فيه القديم مع الحديث رجعية في شكل جمعيات أحزاب أو شركات وبنوك لطائفة، أو يأخذ المجال الحديث المجال القديم بتحول طائفة كـ"إخوان الصفا" لمفاعل حرفي-ثقافي للحداثة. خلاصة الأنواع أن جغرافية كيانات النخب المجتمعية ورؤوساءها تركز لمجتمعات معينة لا تتعداها جزافا، وبشكلين تقليدي وحديث في نمطين أحدهما تقعيدي والثاني توجيهي:

(1) في اللون الحديث:
تضم مجتمعات الأحزاب والمتكلمين في السياسة، مجتمع الغرفة التجارية وإتحاد أصحاب العمل، جمعية الصداقة مع الدولة الفلانية، المجلس المشترك لرجال الاعمال مع الدولة الفلانية، مجلس رعاية الجامعة الفلانية، الرابطة الاجتماعية لموظفي البنك الفلاني، النادي الإجتماعي أو الثقافي أو الرياضي النشاط، جمعية أصدقاء الفنان فلان (غالبا مغني مشهور).. إلخ.

(2) في اللون التقليدي:
تضم الشبكة المجتمعية-الاعلامية وجوه الطوائف الدينية مع تمايز في الوضع العائلي والفقهي ودرجة تقديسه، كذلك تضم زعماء تكوينات قبيلية ذات سلاح، رؤوساء مناطق بعض هذه التكوينات..إلخ.

(3) النوع الهجين من نخب المجتمع:
بين النوعين الحديث والأهلى هناك تكوينات متداخلة منها روابط لأبناء مناطق ريفية أو لأبناء قبيلة تجمعهم مصالح في المدينة العاصمة الحديثة، وكذا هناك روابط الجماعات الدينية المتمركزة في المدينة العاصمة تمتد بنشاطها من المدينة للريف أو العكس.

(4) وسائل مغذية لحياة الشبكة/النخبة :
1- تخديم ممارسات مألوفة في المجتمع مثل المعايدات والمجاملات والمكارم والتعازي وفك الكرب والمعاسر،
2- تصدر النفرات والمجالس والكلام والشعائر،
3- الظهور مع شخصيات رسمية.

يلحظ على كل واحدة من هذه الوسائل أنها تزاوج بين تعامل محدد وصورة إعلامية أي تجمع بين تاثير خاص بينما في إعلانه قصد إحداث تأثير عام يتشكل من الداعي والمشارك وحتى من المتلقي الساعي لترويجه للتأثير به.

النخب كمراكز شبكات مجتمعية-إعلامية متنوعة، تضم نوعيات ومستويات مختلفة من الناس، وترسم أهدافها الجزئية باتجاه الخير، وإن كان إختلاف أهدافها يؤدي للفوضى أو كون مفرداتها تفكك جهود جامعة أو كون أفرادها مختلفي الأساليب يظنون طريقهم هو الأصح أو الأفيد في مجاله.

إذا أخذنا علم نفس المنظماتOrganization Psychology كمرشد لدراسة معرفة المجتمعات الإدارية الصغيرة التي تشكل الجسم الثاني للنخبة أو النخبة الثانية من خلال سلوكها الإداري وبحكم طبيعة التنظيم الإجتماعي وتجنبنا ما يقوله ذلك العلم عن فئة الرؤوساء السياسيينPresidents ، وأهتممنا بفئة المدراءMangers في جماعات الحكم كوكلاء الوزارات ورؤوساء الادارات ونظار المدارس وعمداء الكليات والسكرتاريين، وروساء الجمعيات العلمية، وقادة الإتحادات المهنية، وزعماء النقابات، ووجوه الجمعيات المدنية، رؤوساء البنوك والشركات والمتاجر، الإعلاميون، رؤوساء نوادي الرياضة، ..الخ. وحتى -جزافا- قد نتدرج للمستوى الخامس في مجتمع مكون من 25 مستوى. مما يعني أن النخب ليست قشرة رقيقة بل جزء من جسم المجتمع وكياناته.



أما إذا أخذنا شخصيات النخب فرادى فبالامكان الاشارة اتفاعلات حقيقية داخل الحياة وخارج دائرة النظر العلمي الضروري لفهم ولتنمية المجتمع. يشتهر من هذه الشخصيات فلان رئيس النادي، وعلان شيخ الطريقة والحيران، وفرتكان قيادي الحزب النبهان، والأديب علتكان، المذيع حمدان، والمبدع الفريد خربكان! هذا الجمع الحياتي المتنوع الأفراد قد يسهل نظراً علمياً جديدا لفهم بعض علاقات التغيير الضروري لتنمية المجتمع فكم من جيد في مسألة تلاه أخر ولكن في مسألة أخرى.

أفراد/أعضاء الشبكة المجتمعية أحرار يحبون الحياة ويضادون قيود السياسة أو الدين أو الحزب إلى حرية أكثر، فيضعون نفسهم فيها محاولين بها كل خير وإن كان يؤدي بعلمهم أو بلاعلمهم إلى إقامة أو ممارسة كل شر تاريخي! والأزمة القيمية أن بعضهم يتعاملون مع التاريخ كأبناء للواقع و(عايشين اللحظة) وكذا ينظرون للمستقبل، ويتعاملون مع المبادئي باعتبارها قيود فكرية ، وقد يتمسكون بمبادئي، ووسائل إجتماعية يرونها فوق أو تحت إمكاناتهم، ولكن لهم فيها وسيلة أو وسيلتان.

في ممارسة الجماعات للتوجيه - كسياسة الوالدين في تنشئة أولادهم- تظهر علامتان للتوجيه (القيادة) واحدة للقبول والتشجيع على أمر ما كطاعة الكبير وإلتزام سلوك، وواحدة أخرى للرفض والحذر جهة أمور كالعصيان والنشوذ. أما في الأمور ذات الوجهين فقد يوسم التقدير الموجب بسمة "الوسطية"! وعند السلب قد يوصم بأنه "مشتبهات"! و"نفاق"! فباختلاف الخبرات وبإختلاف الطموحات تختلف تقديرات وتقييمات وتوجيهات ويتغير القبول، ومن ثم تظهر من ذا إختلافات كبرى في الجماعة.


11- المصالح والإختلافات والنخبة:
بتنوع المصالح البشرية ومسائلها في عالم الإعتقادات والأفكار وإختلافها على أمور كبرى أو صغرى وبتراكمها تتطور توافقات وإختلافات في المؤسسات وقد تنتج في صراعاتها تهمة "التسلط" Authorization وتهمة "التحريف"Revisionism ، وهما تهمتان رسختا منذ أيام خلافات كهنة آتون وآمون، وكذا عبر معارك بين الأباطرة وقادة الثوار الرافضين لجبروتهم، وكذا بين موسى وفرعون، وفي روما والمسيحية، ثم الحروب بين دولة الإسلام وبقايا إمبراطوريات الفرس والروم، والصليبية ثم تقاتل المسيحيين بالملايين في تخوم عصر "النهضة"، وكذا إختلافات إوروربا عهود "الإستعباد" و"الثورة الصناعية" و"الإستعمار"، وفي صراعات الإستقلال الأميركي، وصراعات الثورة الفرنسية مع فهوم الحرية والإخاء والمساواة، نخب تسقط ونخب تقوم.


12- "التسلط" و"التحريف" و"الآيديولوجيا" بين أفراد النخب:
وفي صراعات أحدث تأججت تهمة "التسلط" وتهمة "التحريف في فرنسا بين جماعة ضابط المدفعية رئيس الجمهورية-الإمبراطور نابليون بونابرت وجماعة أساتذة علم الايديولوجيا، وهي خلافات نشأت بإقتراح عملة جديدة لإقتصاد الثورة أو لإقتصاد فرنسا: فبالإختلاف الطبقي في فهم كل مجموعة لإصطلاحي "الثورة" و"الشعب" ولإصطلاح "الوطن" تشظت إختلافات عدداً

أهم تلك الإختلافات نشأ بين إقتراحين ضد: إقتراح إصطناع عملة جديدة تكرس الثورة في المجال المالي: وتكون شعبية الأساس بتأسيسها على ملكية الشعب للذهب والأعمال وليس على إمتلاك الذهب للشعب كقول (إشتراكيين) مناصرين لمشروع نابليون.
وضد إقتراح العملة الشعبية إقترح خبراء المال المرابين والبنوك تقديم عملة من بنوكهم للتجارة، تصدرها مقابل أن تودع الدولة في خزائن البنوك كل ذهب البلاد والحكومة لتصدر البنوك بضمانه عملة من بنك مركزي يتداولها الملاك والعمال كل بكسبه التجاري أو الحرفي!! آنذاك الصراع كانت مقولة "الإيديولوجيا" أو إدعاءات زعماء نخبتها الأكاديمية قرينة الرسوخ والمحافظة Conservatism في التفكير والنشاط، وهو حال أقل عن حالها الختل أو المزدوج أيام كارل ماركس، وعن حالها الثوري العلمي الإشتراكية الذي كرسه فلادمير لينين.


زيادة في الحداثة فإن تهمتي "التسلط" و"التحريف" شكلتا معالم الجنايات النظرية في مؤسسات وأقوال نخب الفكر الاشتراكي العلمي بداية من قيام كارل ماركس بتبكيت ونقض إشتراكية لاسال، ثم نقضه برنامج جوتا، وكذا نقضه الفلسفة التقليدية لإنفصام العالمين الذهني والعملي عالم الإيمان وعالم العمل عند المفكر الإنتقادي فيورباخ. كذلك قيام فلادامير لينين مكرس الوعي الجدلي بنقض وتدمير أسلوب الإنتقاد بالتخمين والتجريب، وهزئه المنظوم من تخبط التجريبيين وعشواء تقديراتهم وتعارضها شكلاً ومضموناً مع فلسفة وأشكال الأسلوب العلمي وقوانينه! وقد تمدد إبداع الرفيق لينين بنظمه لـ "الآيديولوجيا الثورية العلمية" لهجوم خطي كاسح على مربعات الأحبار الثلاثة (الزنديق) إدوار برنشتاين، و(المرتد) كارل كاوتسكي، و(المنافق) ليون تروتسكي، وهي الألقاب التي كان يصفهم بها الإعلام السوفييتي .

13- وحدة نظام التفكير في النخب وتناقض بعض تفاعلاته:
لأسباب متنوعة تزامنت زيادة مفردات المعرفة والعقلانية مع زيادة في عدد الإتهامات بـ"التسلط" والإتهامات بـ"التحريف" في حياة المنظمات والأحزاب السياسية، لعل أهم الأسباب الفكرية في تكاثر هذه التهم هو سيطرة وهيمنة أسلوب التفكير المركزي والخطي الأحادي وغياب التفكير التفاعلي المستوعب لتنوع المصالح والمعارف وتداخل العناصروالعلاقات وتعدد الصراعات.

أضحت تهمتي "التسلط" و"التحريف" تشكلان ميسم القيادة في نشاط قادة النخب لتجنب الضياع والإهدار، ولتحقيق الفاعلية كما تدعي مقولات علوم الإدارة والمؤسسية! وللنجاح في وقف أو تخفبف الأضرار الناتجة من قصور أو أخطاء الأخرين رغم إن هذه الأخطاء مصدرة من نظام واحد للتفكير يتشاركه الخصمان. ولكن (تهمتي) "التسلط" و"التحريف" فيهم نسبية: فلكل تهمة منهما وجه يفترض الإنتباه والحذر والكياسة قبل إطلاقها ضد شخص أو عمل: فتهمة "التسلط" قد تصدر لإيقاف تنظيم أو ترتيب إداري يشتم بإنه الـ"بيروقراطية" Bureaucracyبينما "البيروقراطية" خلافاً لما تشيعه وسائط المعرفة والإعلام المرسملة، ليست حالة سلبية فقط بل إنتظام لإدارة وفحص أعمال، ولتقرير إجراءات نظامية.

ففي مسالة يختلف الرأى حولها قد يعتقد مخالف أن رأيه أو عمله صحيح وأن الشخص الذي ضبط مخالفته متسلطاً ! بل يظن أن حالة إيقافه بالذات هي التسلط بعينه!. وكذا قد لا يكون الحال "بيروقراطية" بل تناظيم "تكنوقراطية" Technocracy ومعنى مفردة "تكنوقراطية" نظام لإختصاص خبراء أمور معينة بتعاملات محددة في خبرتهم وإدارتهم وسلطتهم المختصة. وبناء على هذا الشك المبين البيروقراطية أو المبين التكنوقراطية عند إختلاف التقديرات وإختضام التُهم، يبدو إن كل كلام عن الـ"تسلط" لا يعد ممثلا للصدق أو للحقيقة المطلقة الخالية من الخطأ والنقص بل حتى من الإفتعال.

كذلك تهمة "التحريف" أي إزاحة المعنى وتغييره عبر تبديل حروف أو ترتيب كلمات كلام أو بعض معانيه فعبر هذا التغيير قد تزاد أمور على أصل الكلام أو تنقص منه، وينشأ خلاف من ذلك. ولكن تهمة "التحريف" مثلها مثل تهمة "التسلط" تبقى تهمة طويلة التاريخ قديمة لها جذور ورايات جماعات ومعارك حروب في صراعات شتى. وفي حالات معينة لعلها كثيرة فإن تهمة "التحريف" تمثل رد فعل من الجهات العالية المتهومة بالتسلط ضد الجهات التاهمة، وقد ترد من المقودين ضد القادة المستغرقين في تفسير وتبرير نشاطات تضيقية أو نشاطات توسعية، بما في ذلك تهم وتبريرات متعلقة بتكتيكات حرب وتكتيكات سلام .



10- النخب والمعرفة بين الفكر اليومي والتفكيرالعلمي والتأثيل:

حاول هذا المقال التأثيل تقديم ملامح تفكير في صحة أوضاع المجتمع وفي صحة أوضاع الفكر الناشط لتحديد أزمات المجتمع وعلاجها مركزاً على تكوين "العقلانية" وعلاقتها بتكوين النخب عبر إنقسام وتقسيم العمل والمعارف المواشجة له، وأن النخب نفسها ليست سوى مراكز شبكة معرفة مجتمعية إعلامية تقوم بتنظيم معارف وإدارة المجتمع والدولة، تنقح بعض القديم وتكرس في الحياة ما يتوافق مع النظام السائد وقد تؤسس شيئاً للمستقبل. وفي هذا الصدد السياسي يمكن تقسيم النخب إلى ثلاثة أنواع سياسية: نخب سياسية صريحة، نخب إجتماعية تنظم مصالح المجموعات ضمن النظام السياسي، وجماعات أخرى ثالثة ضد النخب.

1- من معالم النخب السياسية (مجالس للدولة أو الأحزاب):
 الهدف: السيطرة،
 التنظيم: القيادة الفردية مع شورى،
 التجديدالمقترح: إصلاح شكلي،
 الوسيلة: جمع وتفريق الإرادات الأفراد وهيئاتهم بأعمال تخويف أو بالإغراء.

2- من معالم النخب الإجتماعية (مجالس مجتمعية، ثقافية، رياضية):
 الهدف: حل مشكلات وتحقيق إمازات لمجتمعها المحدد،
 التنظيم: فردي وجمعي القيادة والعمل، مع شورى
 التجديد المقترح: إصلاح جزئي شكلي لايخاطب جذور الأزمة،
 الوسيلة: فرز و جمع للموارد البشرية والمادية.

3- من معالم الجماعات المضادة للنخب (أحزاب وجماعات ثورية، صوفية، جماعات فنون):
 الهدف: ضرب السيطرة والإمازات،
 التنظيم: صارم أو مفتوح/عشواء،
 التجديد: متنوع الشكل من القليل الصغير إلى الهائل وطويل الزمن،
 الوسيلة: النقض السلبي بالإنسحاب والتقوقع، وبالنقض الموجب بالكلام أو بالفعل أو بالإثنين معاً.


في كل حال يمكن إعتبار "النخب" كيانات مجتمعية تجسد يإنتظامها وتعاملاتها معرفة المجتمع وعقليته وطبيعة سلطته القائمة، وكذا الجماعات الرافضة فكرة السلطة أو فكرة الدولة، ففي كل منها إختلاف داخل قياداتها، في الأهداف أو كيفية تحقيقها. وهو إختلاف مألوف يتجسد في إصطلاحي الحكم والتقييم وما يترتب علبهما أي إصطلاح "التسلط"، وإصطلاح "التحريف".

يلعب الإختلاف بين النظرتين الإنتقاديتين ضد "التسلط" وضد "التحريف" دوراً مهماً في نقل تفكير ونشاط المنظومة النخبوية من حالة التفكير العشواء/اليومي للأفراد إلى حالة تفكير موضوعي شبه علمي ووعي منظومة نقاطه بإنتقاء نفعي وخطي متمركز ومنعزل نسبية عن التعاملات العشواء. وفي المستقبل قد تقود جدلية "التسلط" و"التحريف" نشاط النخب وأفكار قادتها الإصلاحية والتغييرات التي تنشدها إلى جزء من حال "التأثيل" المركز في قراءاته على رصد التفاعلات عناصرها، وعلاقاتها، وبناها.

تغيرات المعرفة تحدث تغيراً في الأفكار يرتبط بتغيرات في "النخب" وهذه تواشج تغيرات في المجتمع قديمة أو قادمة، بيد أن دراستها كتفاعلات عناصر وعلاقات وبنى معرفية وإجتماعية عمل بإمكانه تأسيس فهم مفيد لتطور طبيعة المعرفة أو لطبيعة تطور وجود النخب كنقاط ثقافية-إجتماعية في شبكة الإتصالات السياسية وإقتصادها الداخلي والدولي العالمي.

بهذا الفهم التفاعلي والتنبيه لبعض معالمه في التاريخ والعالم حاول هذا المقال التأثيل أن يبعد بعض الناس عن تصوير "المعرفة" بالعيار الثنائي المتناقض للخير والشر، وعن التصوير الثنائي المحدود لـ"النخب" كخصم أو كزعامة. بقصد أن تقدم أمور المعرفة والنخب للنقاش والدراسة بصورة موضوعية متداخلة ومتكاملة العناصر والأنساق كتفاعل سياسي وثقافي مجتمعي مرتبط بتشكيلين متداخلين بيروقراطي وتكنوقراطي وبنسق نشاط إعلامي توجيهي ضمن أو ضد تفاعلات فئات طبقة معينة.



11- الخلاصة:

بهذه القراءة التأثيلية تبدو ملامح ثلاثة أمور:
1- أن المعارف و النخب أشكال إجتماعية سياسية توجيهية لصراع وتفاعل خلاصات أو بدايات أوضاع وأفكار.
2- إمكان التأثير المعرفي أو الإجتماعي في هذه الأشكال أو البنى التفاعلية عبر نقطة أو نقاط معينة في التفاعل.
3- لتحقيق تأثير فعال في المعارف أو النخب يلزم لأسلوب التفكير المنتج له أو لأسلوب التفكير المنشود به أن يختلف بجذرية وشمول وتنوع متكامل عن أسلوب التفكير القديم ذو الخط الواحد الجزئي والمركزي الذي أنتج حالة المعرفة ونخبتها العملية.

غاية المقال أن يكون أسلوب التفكير الجديد لقراءة وتقييم وتقويم المعرفة والأعمال الإجتماعية ونخبها أسلوباً شاملاً
1- متعدد العناصر والخطوط والعلاقات والتفاعلات والأشكال،
2- متنوعاً ومتكاملاً ولامركزياً في بناه،
3- مواشجاً لتنوع وترابط بنى الحياة الطبيعية والإجتماعية،
4- منتبهاً في مسائل تطور وتفاعل وتغيير المعرفة والنخب والمجتمع لأمور الفئات الطبقية والأقاليم والنساء في بعدهم السياسي المألوف، داخل الدولة أو الحزب،و لتفاعلاتهم في مجالات المعرفة الثورية والتغييرات الإجتماعية الجذرية وغير ذلك من
5- الإنتباه للمسائل العملية والثقافية والجمالية في أمور ومعارف ونخب الصراع الطبقي وشكل التفكير المناسب لإنتصار الطبقة الكادحة فيه.



أنتهى في 26 أغسطس 2016
بيركلي، جمهورية كاليفورنيا



















رواكز للموضوع:

Allegory of the Divided Line
https://en.wikipedia.org/wiki/Analogy_of_the_divided_line

Plato s Problem
https://en.wikipedia.org/wiki/Plato%27s_Problem

Pete Mandik
An Epistemological Theory of Consciousness?
William Paterson University of New Jersey
http://www.petemandik.com/philosophy/papers/epistemconsc.pdf

Giorgio Agamben
What is a Paradigm?
Lecture at European Graduate School. August 2002
http://www.maxvanmanen.com/files/2014/03/Agamben-What-is-a-paradigm1.pdf
https://www.youtube.com/watch?v=G9Wxn1L9Er0

Eren Can
Marx`s Epistemology: The Relationship between Reality and Knowledge
https://etd.lib.metu.edu.tr/upload/12613281/index.pdf, 2011

جانب من تاريخ تقدم معرفة الإنسان للعالم مع نهايات عصر النهضة وعصر التنوير:
https://www.marxists.org/reference/subject/philosophy/help/classic.htm
https://www.marxists.org/reference/subject/philosophy/front_pg.htm

Jurgen Habermas
Knowledge and Human Interests
1968>> John Willy & Sons

جانب من تاريخ تقدم معرفة الإنسان لخبرته ومعرفة مفردات وحركة نفسه وسلوكه:
1. تيودور فتشنر Theodor Fetshner (1801-1887) بداية علم النفس التجريبي،
2. إيفان بافلوف Ivan Pavlov (1849- 1936): حاز نوبل بمعرفته علاقة الإنعكاسات بالغدد وعمل نصفي المخ،
3. شارلز شرِنغتون Sir Charles Sherrington : حاز نوبل 1932 بمعرفة طبيعة عمل الأعصاب،
4. واطسون Wattson منبه للسلوكيةBehaviorism : إهتم بعد الحرب العالمية الثانية بمعرفة تأثير المنبهات الخارجية في السلوك ودعى لتقييم السلوك وفق معرفة/ تقاليد مجتمعه، تاركاً طبيعة تكوين الخبرة والمعرفة داخل المخ والذهن .
5. جون إكلز Sir John Eccles: حاز نوبل 1964 بكشف كيمياء التواصل الكهرعصبي،
6. روجر سبِرِي Roger Sperry: حاز نوبل 1981 بتحديده طبيعة الإدراك في نصفي المخ،
https://socialstudiesncuhs.wikispaces.com/file/view/Psych+Timeline.pdf
http://www.social-psychology.de/do/history_IV.pdf

Gorge Lukacs,
History and Class Consciousness
https://www.marxists.org/archive/lukacs/works/history/
https://www.marxists.org/archive/lukacs/works/history/hcc07_1.htm
https://rosswolfe.files.wordpress.com/2014/11/georg-lukc3a1cs-history-and-class-consciousness-studies-in-marxist-dialectics.pdf
http://plato.stanford.edu/entries/lukacs/

George Lukacs
The Ontology of Social Being
Merlin Press, 1978

Stanislaw Ossowski
Class Structure in the Social Consciousness
International Library of Social Science, Vol, 102, 1963


David Chalmers
Consciousness and its Place in Nature
http://consc.net/papers/nature.html

Nancy Struever
Language and the History of Thought
Boydell & Brewer, 1995

Charles van Doren
A History of Knowledge: Past, Present, and Future
Ballantine Books, 1992

Lecourt, Dominique
Marxism and Epistemology Bachelard Canguilhem and Foucault.
https://monoskop.org/images/f/fd/Lecourt_Dominique_Marxism_and_Epistemology_Bachelard_Canguilhem_and_Foucault.pdf New Left’ Book , 1975

Peter Watson
Ideas: A History of Thought and Invention, from Fire to Freud
Phoenix, 2006

Jean-Jacques Lecercle & Gregory Elliott
A Marxist Philosophy of Language
Haymarket Books, 2009

Jerzy Kmita
Problems in Historical Epistemology
Springer, 2012

Fuat Ercan & Ozlem Tezcek
Double Sided Analysis in the Knowledge Society: Class and Elite Theories
Annual Meeting of Canadian Political Science Association , 2006 York University
Toronto, Canada 2006

Myint Swe Khine
Knowing, Knowledge and Beliefs: Epistemological Studies across Diverse Cultures
Springer, 2008

Thomas Sturm
What (Good) is Historical Epistemology?
MPIWG , July 2008
https://www.mpiwg-berlin.mpg.de/en/news/features/features-feature1

Jan Pakulski, Heinrich Best, Verona Christmas-Best & Ursula Hoffmann-Lange (Eds.)
Elite Foundations of Social Theory and Politics
Historical Social Research 37 (1), Special Issue, 2012

Thomas Kuhn
The Structure of Scientific Revolutions
Foundations of the Unity of Science Vol. 2, No. 2, 1962
http://projektintegracija.pravo.hr/_download/repository/Kuhn_Structure_of_Scientific_Revolutions.pdf

Joe Kincheloe
Critical Pedagogy and the Knowledge Wars of the Twenty-First Century
McGill University
http://freireproject.org/wp-content/journals/tijcp/vol1no1/48-38-1-pb.pdf


Rudolf Otto
The Idea of the Holy: On the Irrational in the Idea of the Divine and its Relation to the Rational
1917>>> Ravenio Books, 1959

Study Guide for the Renaissance
http://thecaveonline.com/apeh/renaissancereview.html

Robert Ekelund & Robert Hebert
A History of Economic Theory and Method
Ancient and Medieval Economic Thought and Institutions
California State University @ Sacramento, Waveland Press, 2013
http://www.csus.edu/indiv/c/chalmersk/econ101sp11/ch2.pdf

Logan Helman
The Dominicans and Franciscans and Their Influence on Early Renaissance Art
University of Richmond
http://scholarship.richmond.edu/cgi/viewcontent.cgi?article=1220&context=honors-theses

The Renaissance
http://www.sheppardsoftware.com/Europeweb/factfile/Unique-facts-Europe20.htm

S. Todd Lowry & Barry Lewis John Gordon
Ancient and Medieval Economic Ideas and Concepts of Social Justice
Brill, 1998
Robert Ekelund (Review)
History of Political Economy, Vol 32, No. 02, Summer 2000
Leszek Zygner
Major Economic Theories from Ancient Times to the Renaissance
Nicolaus Copernicus University, http://copernicus.torun.pl/en/science/economics/2/

Collective Consciousness
https://en.wikipedia.org/wiki/Collective_consciousness

George Novack
Major Theories of History from the Greeks to Marxism
https://www.marxists.org/archive/novack/works/history/ch04.htm

Richard Lachmann
Elite Self-Interest and Economic Decline in Early Modern Europe
American Sociological Review, Vol. 68, No. 03, Jun. 2003

Piero Scaruffi
History of Knowledge
http://www.scaruffi.com/know/matter.html

William Edward Hartpole Lecky
History of the Rise and Influence of the Spirit of Rationalism in Europe (Vol. 2)
Longmans, Green, & Co., 1870
https://archive.org/stream/historyofriseinf02leck#page/n7/mode/2up

Rationalism
http://www.philosophyonline.co.uk/oldsite/tok/rationalism2.htm

Renaissance Humanism
https://en.wikipedia.org/wiki/Renaissance_humanism


George Henry Radcliffe Parkinson
The Renaissance and 17th Century Rationalism
Psychology Press, 1993>>2003

Jill Kraye
The Cambridge Companion to Renaissance Humanism
Cambridge University Press, 1996

James Hankins
The Cambridge Companion to Renaissance Philosophy
Cambridge University Press, 2007
http://spiritual-minds.com/philosophy/Hankins, (ed) TheCambridgeCompanionRenaissancePhilosophy.pdf

Renaissance Philosophy and Philosophers
https://en.wikipedia.org/wiki/Renaissance_philosophy#Renaissance_philosophers

The Theory of Knowledge
https://www.marxist.com/science-old/theoryofknowledge.html

Georg Lukacs
The Ontology of Social Being
Merlin Press, 1978

Ming Liu & Xin Sheen Liu
Chomsky and Knowledge of Language
Zhejiang Institute of Administration & Syracuse University
https://www.bu.edu/wcp/Papers/Lang/LangLiu2.htm

Robert Boguslaw
The New Utopians, A Study of System Design and Social Change
University of Michigan, 1981

Elite
https://en.wikipedia.org/wiki/Elite

Ruling Class
https://en.wikipedia.org/wiki/Ruling_class

Norah Carlin
What Do We Mean By Working Class?
Socialist Worker Review, No. 78, July/August 1985. https://www.marxists.org/history/etol/writers/carlin/1985/07/wclass.html

Elite Theory
https://en.wikipedia.org/wiki/Elite_theory

John Barry
Theories of Power: Pluralist, Elitist and Marxist Perspectives
Queen University (Belfast), 2010

Adriano Codato & Renato Perissinotto
Marxism and Elitism: Two opposite Social Analysis Models?
Rev. Bras. Cienc. Soc. Vol.5, No.71, Sao Paulo, 2011
http://socialsciences.scielo.org/pdf/s_rbcsoc/v5nse/scs_a03.pdf


Goran Therborn
What Does the Ruling Class Do When It Rules?
State Apparatuses and State Power under Feudalism, Capitalism and Socialism
Critical Sociology, 1976>>2008

Paul McLean & John Padgett
Organizational Invention and Elite Transformation: The B.. Partnership Systems in Renaissance Florence
Rutgers University, University of Chicago
http://home.uchicago.edu/~jpadgett/papers/published/orginvent.pdf

Arthur Sherman Lipow
The Technocratic Utopians: Social and Historical Roots of Authoritarian anti-Capitalism
University of California, Berkeley, 1969

Luis Vergara
Elites, Political Elites and Social Change in Modern Societies
Revista de Sociologia, No.: 28 , 2013
http://www.facso.uchile.cl/publicaciones/sociologia/articulos/28/2802-Garrido.pdf

Stephen Nugent & Cris Shore
Elite Cultures: Anthropological Perspectives
Routledge, 2003

Rupak Dattagupta
Classes and Elites in the Third World
Vedamsbook, Authors Press, 2001
Social Power Theories: Pluralist, Power-Elite & Marxist Models
Chapter 11 , Lesson 8
http://study.com/academy/lesson/social-power-theories-pluralist-power-elite-marxist-models.html

Paul Adler
Marxist Philosophy and Organization Studies:
Marxist Contributions to the Understanding of Some Important Organizational Forms
University of Southern California @ L A , 2010
https://msbfile03.usc.edu/digitalmeasures/padler/intellcont/Marxist%20philosophy-1.pdf

David Rothkopf
Superclass: The Global Power Elite and the World They Are Making
Macmillan, 2008

Janine Wedel
Shadow Elite:
How the World s New Power Brokers Undermine Democracy, Government and the Free Market
ReadHowYouWant.com, 2010

Eva Etzioni-Halevy
The Knowledge Elite and the Failure of Prophecy
George Allen and Unwin, 1985

Suman Gupta
Marxism, History, and Intellectuals: Toward a Reconceptualized Transformative Socialism
Fairleigh Dickinson Univ Press, 2000

منصور خالد
النخبة السودانية وإدمان الفشل
دار الأمين 1993


مهدي عامل
* نقد الفكر اليومي
https://docs.google.com/viewer?a=v&pid=sites&srcid=zgvmyxvsdgrvbwfpbnxvdg9ybmv3czf8z3g6nge2mjlkoti2ngzlzjzkmg
* أزمة الحضارة العربية أم أزمة البرجوازيات العربية؟
https://issuu.com/ghassankanafani/docs/____________________________________be4f60f59716ca

Gabriel Warburg
Islam, Nationalism and Communism in a Traditional Society: The Case of Sudan
Routledge, 1978

Ja’far M. A. Bakhit
* Communist Activities in Middle East by Special Reference to The Sudan and Egypt (1919-1927)
University of Khartoum Press, Sudan Research Unit, 1968
* British Adminstration and the Sudanese National Movement (1919-1936)
Ph.D thises, St.John, Cambrige University, 1965

Lewis Mumford
Social Control, How to Become a Mindless Human Robot
http://www.unique-design.net/library/control.html

Nicos Poulantzas
Political Power and Social Classes
New Left Books
https://www.ssc.wisc.edu/~wright/Soc924-2011/Poulantzas.pdf

The Guide to reed Nicos Poulantzas’ Political Power and Social Classes
https://www.ssc.wisc.edu/~wright/published%20writing/Poulantzas%20reading%20notes.pdf

مختصر لسجال بولانتزايس و ميلباند (عام 1972) حول العناصر والأشكال الطبقية والشخصية للرأسمالية في الدولة والنخبة
https://en.wikipedia.org/wiki/Miliband%E2%80%93Poulantzas_debate

Bob Jessop
Poulantzas’s State, Power, Socialism as a Modern Classic
2014 https://bobjessop.org/2014/03/27/poulantzass-state-power-socialism-as-a-modern-classic/

Robert Putnam
The Comparative Study of Political Elites
Prentice Hall, 1976

Emilie Hafner-Burton, D. Alex Hughes, David Victor
Cognitive Revolution and Political Psychology of Elite Decision Making
Perspective on Politics, American Political Science Association, 2013

David North
Marxism, History & Socialist Consciousness
Mehring Books, 2007

Meg Russell
Explaining Parliamentary Party Cohesion: Can Psychology Help?
Dep.Political Science, University College London
Paper for International Society of Political Psychology Conference, Paris, 9-12 July 2008
https://www.ucl.ac.uk/constitution-unit/research/parliament/psychology-elites/tabs/parliamentary_party_cohesion

G. William Domhoff
Who Rules America? The Triumph of the Corporate Rich
1967>>> McGraw-Hill Higher Education, 2013

John Scott
Who Rules Britain?
John Wiley & Sons, 2014


المنصور جعفر

*********************************



#المنصور_جعفر (هاشتاغ)       Al-mansour_Jaafar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو تقييم آخر لصراعات الحزب
- تعقيب على موضوع بدأ سنة 1903 ومستمر في السودان منذ حوالى 26 ...
- التحليل المعرفي لطبقات التاريخ .. التأثيل: نهاية مرحلة العقل ...
- ((التأثيل)).. لمحة مستقبلية من التاريخ السياسي لتراكم وتطور ...
- القطيعة المعرفية في التقدم الفكري
- مصر بين عشرتين
- محجوب شريف مناضل شيوعي شديد الكفاح
- الديمقراطية والتكنقراطية في أعمال القانون والمحكمة الدستورية
- لمحة من الإعتقادات في مصر القديمة وعهودها الرومانية المسيحية ...
- أهمية التأثيل للخروج الإشتراكي من حالة الصراع الدموي بين أفك ...
- الأستاذة سعاد أبراهيم أحمد
- معالم الخطاب البرجوازي الهمام في وسائط الإعلام
- يا تاج السر معذرة. .. نحن في مرحلة إنهيار الدولة الرأسمالية ...
- الملخص العام في تكون وتفكك دول الإسلام
- مصر بين رأسمالية إنتاج الفساد والأسلمة والإنهيار.. وضرورة ال ...
- مسدس تضخم الحركة الإسلامية... الإزدواج في السياسة وفي التأجي ...
- .... في مصر
- في مصر
- نقطة في ديالكتيك قيادة الحزب الشيوعي
- إلغاء الليبرالية لتحقيق حرية النساء


المزيد.....




- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...
- اعتقال عشرات المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في عدة جامعات أمريك ...
- كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في المهرجان التضامني مع ...
- ال FNE في سياق استمرار توقيف عدد من نساء ورجال التعليم من طر ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - المنصور جعفر - تأثيل أطوار المعرفة وبعض تغيرات التفكير والنخب (نقاط من مهدي عامل، أَضواء الكاشف، غسان جعفر)