أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - لماذا تجاهل النقاد مسرح اللامعقول لتوفيق الحكيم؟















المزيد.....

لماذا تجاهل النقاد مسرح اللامعقول لتوفيق الحكيم؟


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5269 - 2016 / 8 / 29 - 22:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لماذا تجاهل النقاد مسرح اللا معقول لتوفيق الحكيم؟
طلعت رضوان
كان توفيق الحكيم شديد الوعى بالخصوصية الثقافية لشعبنا، كما كان كثير التنوع فى الإبداع فكتب (فى مجال المسرح) أكثر من مسرحية اجتماعية، وكذلك مسرحيات عديدة استمد مادتها من التاريخ ، وكانت له تجربة فى كتابة ال (مسرواية) فى (بنك القلق) كما كانت له محاولات عديدة فى كتابة مسرح اللا معقول ، مثل مسرحية (مصير صرصار) ومسرحية (الطعام لكل فم) ومسرحية (يا طالع الشجرة) التى استلهم عنوانها من موتيفة شعبية مصرية، حيث كان الفلاحون يُغنون : يا طالع الشجره.. هات لى معاك بقره.. إلخ.
فى تلك المسرحية سيدة تغزل ثوبــًا لابنتها.. فهل لدى تلك السيدة ابنة ؟ وهل هى حامل وتنتظر لحظة الولادة ؟ أم أنها خلقتْ عالمًا وهميًا وصدّقته ؟ فى الصفحات الأولى لا يُـفصح الأديب عن مكنون وجوهر تلك السيدة ، ولكن عندما تخرج من البيت ولا تعود ، وبعد أنْ غابتْ لمدة ثلاثة أيام ، فإنّ الحكيم كتب المشهد التالى بين المُحقق والخادمة. قالت الخادمة أنّ سيدتها خرجتْ من البيت لشراء الخيوط لتنسج ثوبًا لبنتها بهية ، فسألها المحقق :
المٌحقق : بنتها ؟
الخادمة : نعم بنتها بهيه.
المحقق : وأين هى بنتها بهيه ؟
الخادمة : لم تولد .
المحقق : لم تولد ؟ ومتى ستولد ؟
الخادمة : لن تولد .
المحقق : وكيف تعرفين أنها لن تولد ؟
الخادمة : كانت ستولد من أربعين سنة. ولكنها لم تولد .
المحقق : ما دامتْ قطعتْ الخلف ولم تلد ولم تولد.. فلماذا تنسج ثوبًا لبنتها التى لم تولد ولن
تولد ؟
الخادمة : إنها تراها وُلدتْ كل يوم .. وتولد كل يوم .
000
فى هذا المشهد ترجم الحكيم – إبداعيًا – حالة الإنسان الذى يخلق لنفسه عالمًا من الأوهام ويـُـصـدّقه. ورغم أنّ تلك الأوهام تبدو- فى بداية نشأتها– على أنها عابرة وسوف تزول، فإنّ مكمن الخطورة عندما تــُـسيطر تلك الأوهام على الإنسان يومًا بعد يوم، فيكون أسيرًا لها، وبعد حالة الأسر، يكون من الطبيعى أنْ يُصدق نفسه، أى يُصدق أوهامه، لدرجة أنّ تلك السيدة– فى المسرحية- كما قالت الخادمة- أنها ترى ابنتها كل يوم.. وتراها تولد كل يوم.. رغم أنّ البداية تعود إلى أربعين سنة مضتْ. وبما أنّ الولادة الحقيقية لم تحدث، فإنّ الخيال– خيال هذه السيدة- أناب عن الواقع. فمن هى تلك الابنة (الرمزية)؟ ولماذا اختار لها اسم (بهية) ؟ وهو اسم يستخدمه الشعراء كناية عن مصر؟ وما مغزى أنها لم تولد ولن تولد ، ثم التأكيد على أنها ((تولد كل يوم))؟ ألا تؤكد كل تلك الإيحاءات أنّ الحكيم كان يستشعر الخطر، إبان الحكم الناصرى، خاصة وأنه كتب تلك المسرحية عام 1962؟ فترة الحكم الشمولى، الذى تسبّب فى قتل جنودنا فى اليمن، والذين ظلوا فى تلك البالوعة (سبتمبر1962- مايو67) وتـمّ شحنهم إلى سيناء. فهل يمكن أنْ تولد مصر من جديد؟ وأعتقد أنّ هذا هو مغزى قول الخادمة (الذى يبدو مُــتناقضـًا من الناحية المنطقية) أنّ (بهية) لم تولد ولن تولد، ومع ذلك فإنها ((تولد كل يوم)) أى أنّ مصر- رغم كل المآسى التى تتعرض لها، تفرض وجودها بفضل شعبها، لا بفضل حكامها.
مشهد: حوار بين مفتش القطار والدرويش:
فى هذا المشهد يستلهم توفيق الحكيم مفردات الواقع المصرى، ويغزل عليه رؤاه من خلال ما يُسمى ( اللا معقول )
وبينما مفتش القطار سأل الدرويش : هل تعرف ماذا أطلب من حياتى؟ فإنّ الدرويش يرد عليه بالأغنية التى كان الفلاحون يُردّدونها ( أيام أنْ كان شعبنا يُنتج ثقافته القومية قبل غزو الراديو والتليفزيون لقرى الفلاحين) قال الدرويش لمفتش القطار:
يا طالع الشجره هات لى معاك بقره
تحلب وتسقينى بالمعلقه الصينــــــى
فما علاقة الأغنية بالسؤال؟ وهل فوق الشجر بقر؟ إنه الخيال الشعبى، الذى يُـكمل ما عجز عنه الواقع، أو هو بديل الواقع. وهذا الحل (الشعبى/ الفانتازى) يراه علماء الاجتماع أنه درجة من درجات مقاومة بؤس الحياة، بغرض الاستمرار فى الحياة. لذلك كان الحكيم موفقــًا عندما جاء رد مفتش القطار– بعد أنْ سمع الأغنية: ((يظهر إنك عرفتْ)) والحكيم فى هذا الرد المُـختصر، ترك مساحة للقارىء ليُكمل باقى الجملة : أى أنك أيها الدرويش عرفتَ طلبى. بعد ذلك يستمر الحوار بينهما على هذا النحو البديع الذى مزج فيه الحكيم الواقع بالفانتازيا :
الدرويش : العارف لا يُعرّف.
المفتــش : إذن لا حاجة بى إلى الشرح.
الدرويش : هناك فى ضاحية الزيتون.
المفتــش : ضاحية الزيتون؟
الدرويش : هناك سوف تجد...
المفتــش : أجد ماذا؟
الدرويش : الشجره.. فى الشتاء تطرح البرتقال.. وفى الربيع المشمش.. وفى الصيف التين..
وفى الخريف الرمان.
المفتــش : شجره واحده؟!
الدرويش : واحده.. كل شىء واحد.. هناك الشجره والبقره والشيخه خضره.
المفتــش : الشيخه خضره؟!
الدرويش : كل شىء أخضر.. كل شىء أخضر..
المفتــش : كل شىء أخضر؟ّ! هذا كلام مُـطمئِن..
الدرويش : إلى حين.
المفتــش : أترى شيئــًا مًــكــدّرًا؟
الدرويش : لا تــُـلق علىّ أسئله.
فى هذا المشهد– شديد الكثافة- فإنّ توفيق الحكيم– بسلاسة إبداعية- نقل القارىء من الشجرة التى تتربّـع فوقها بقرة، كما أراد خيال الفلاح المصرى، إلى شجرة عجيبة هى الأخرى، تطرح فاكهة الشتاء والربيع والصيف والخريف، أى أنها شجرة كل فصول السنة. ولكن السؤال هو: هل توجد شجرة (واقعية) لها تلك القدرة الخارقة على انتاج فاكهة كل الفصول؟ أم هى شجرة رمزية لشىء أبعد وأعمق؟ الاجابة– من خلال الحوار- إنها شجرة رمزية، رمزية لأى شىء؟ رمزية لما قاله الدرويش وهو يتحدّث عن الشجرة حيث قال : هناك الشجره والبقره والشيخه خضره. فإذا كانت (الشجرة) رمز الخضرة والجمال والعطاء، والبقرة رمز للإلهة حتحور التى قدّسّها جدودنا المصريون القدماء، وكانت ترمز للجمال، وتــُـرضع الآلهة والبشر، كما جاء فى البرديات وعلى الجداريات العديدة، فإنّ ذلك الثنائى (الشجرة والبقرة) هو التمهيد لما قصده الحكيم عندما وضع بعدهما مباشرة (الشيخة خضرة) فما مغزى هذا الاسم (والأدق هذا الرمز)؟ لا أغالى إذا قلتُ أنّ الحكيبم كان يقصد (طبيعة الأرض المصرية) العفية القادرة على العطاء، وقد بنيتُ اعتقادى هذا من الحوار الذى دار بين الدرويش والمفتش الذى سأل مُـندهشـًا : الشيخة خضرة؟ فردّ الدرويش عليه : كل شىء أخضر. ثمّ كانت المفاجأة – الإبداعية - عندما وضع الحكيم على لسان المفتش تلك الجملة الدالة : كل شىء أخضر؟ هذا كلام مُـطمئِن. ولكن الدرويش– وبالأدق هذا رأى توفيق الحكيم– قال : ولكن إلى حين. وهنا براعة الحكيم– فى هذا الحوار المُـكثف – أى أنّ الخضرة والنماء وبالتالى الاعتماد على الزراعة - أى الاعتماد على كل ما هو أخضر، قد يدوم أو لا يدوم، لأنّ المسألة تحتاج إلى وعى وطنى بأهمية الزراعة. وتأكــّـد ذلك عندما سأل المفتش : أترى شيئــًا مُـكــدّرًا؟ ولأنّ توفيق الحكيم يرفض أنْ يكون للإبداع أى دور فى تقديم الإجابات الجاهزة، جعل الدرويش يرد على السؤال قائلا: لا تــُـلق علىّ أسئلة. وهكذا ترك الحكيم الإجابة للقارىء. بمعنى التفكير فى مصير الزراعة المصرية : هل هناك أشياء تقف ضد النمو الزراعى؟ وما العمل؟
000
أعتقد أنّ توفيق الحكيم فى هذه التجربة من تجارب مسرج اللا معقول، استطاع أنْ يمزج الواقع (المصرى) بمفرداته (من الطبيعة المصرية ومن الفلوكلور المصرى) بالفانتازيا، لأنه استلهمَ واستوعبَ التيمات الشعبية التى أنتجها الأميون المصريون. وهذا الجانب من إبداع توفيق الحكيم تجاهله أغلب النقاد المحسوبين على الثقافة المصرية، وأرى – كما كتبتُ كثيرًا – أنّ أدق مصطلح ينطبق عليهم أنهم (مُـتعلمون كبار)
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا وقف القرآن مع الوثنية وليس مع المسيحية
- ملاحقة القرآن للواقع الاجتماعى
- لماذا تختلف الأنظمة فى الدفاع عن مواطنيها ؟
- متتالية أسباب النزول
- لماذا غفر الله لوحشى ولم يغفر لأم النبى ؟
- هل النص الدينى سابق على الواقع أم العكس؟
- مغزى تجاورضريح محمد بن أبى بكروضريح مارجرجس
- ما حقيقة موقف سارتر من الصهيونية ؟
- العلاقة بين المجتمع والنص الدينى
- نوال السعداوى والقمنى والفاشية الدينية
- حملة التضامن مع سيد القمنى
- إحنا المصريين بنتكلم مصرى
- أهمية الاحتفال بذكرى ميلاد فرج فوده
- شخصية اليهودى المُتدين والنزعة العدوانية
- هل يوجد فرق بين لفظ العرب ولفظ (الأعراب)؟
- تضامن ناهض حتر
- الملياردير فى منظومة الفساد إبداعيًا
- بخصوص الحملة ضد الإسلاميين المجرمين
- الدولة الاستبدادية والمؤسسات الكهنوتية
- التطبيق العملى للإيمان بالحضارلة المصرية


المزيد.....




- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة
- تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل ...
- تنبأ فلكيوهم بوقت وقوعها وأحصوا ضحاياها بالملايين ولم تُحدث ...
- منظمة يهودية تطالب بإقالة قائد شرطة لندن بعد منع رئيسها من ا ...
- تحذيرات من -قرابين الفصح- العبري ودعوات لحماية المسجد الأقصى ...
- شاهد: مع حلول عيد الفصح.. اليهود المتدينون يحرقون الخبز المخ ...
- ماذا تعرف عن كتيبة -نتسيح يهودا- الموعودة بالعقوبات الأميركي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - لماذا تجاهل النقاد مسرح اللامعقول لتوفيق الحكيم؟