أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عايده بدر - الجسر / قصة قصيرة














المزيد.....

الجسر / قصة قصيرة


عايده بدر
باحثة أكاديمية وكاتبة شاعرة وقاصة

(Ayda Badr)


الحوار المتمدن-العدد: 5251 - 2016 / 8 / 11 - 02:32
المحور: الادب والفن
    


 
الجسر / عايده بدر
لا أحد يعلم كم يمضي عليه من وقت و هو جليس الجسر ، كيف ينمو الليل على شرفة روحه ،و هو يتابع الأضواء المتوهجة هناك ،و أصوات لا يكاد يميزها لكنه موقن أنها تتلألأ من هناك و تناديه ،و الحياة التي تتوقف ليلا حتى يفرغ الجسر القديم من هواء الليل و يستقبل الفجر بموعد جديد.
كل من يمر بالجسر ينخلع قلبه من الضباب المحيط به ،و الأصوات المفزعة التي يحدثها تلاطم الموج أسفله ،و هذا اللون الأسود الغريق الذي يدثره ،أو هكذا يخيل إليهم رغم سكون الموج و ركود حركته ، لا أحد يعلم بالتحديد متى ظهر هذا الجسر و لا من أقامه ، و الحديث الذي يتوقف على شفاه الكبار و المسنين إذا ما تجرأ أحدٌ من الصغار و سأل ،لأين يمضي هذا الجسر و لأين يصل طرفه الآخر ؟ يزيد من غموض هذا المكان الذي كأنه نبت فجأة في قريتهم ، يبدو أن الكبار أنفسهم لا يعلمون عنه شيئا ،و ما صمتهم أمام أسئلة الصغار إلا صمتا متوارثا جيلا بعد جيل .
من يستقبلهم الجسر يوميا لا يستطيعون العبور سوى خطوات دائرية فوق ممشاه ،بالكاد يعدون خطواتهم على أصابع اليد الواحدة ،و يصيبهم فزع شديد و تتصبب ملامحهم خوفا لمرأى امرأة منفوض شعرها ،تجرر طفلا صغيرا في يدها ،و تغرق به خلف الضباب المحيط بالجسر ، لكن أحدا لم يتكلم يوما مع تلك المرأة أو يؤكد أنه شاهدها بالفعل لحما و دما ، جميعا يصفون شعرها الليلي الطويل ،و الظلام حول عينيها ووجهها الشاحب غرقا في بياض مخيف و يصمتون عندما يتسألون لماذا لم ينادها أحد من قبل أو يمضي خلفها ، و الشباب يرمون بعضهم بعضا بالجبن أمام حضورها الذي لا يستغرق سوى لحظات لكن كأنها الدهر ، الأمهات تقول أنها سبب ضيق الأرزاق في هذه البلدة ،و يحذرن أولادهن من الاقتراب منها أو الحديث عنها ، تكاد حكاية هذه المرأة تكون فزاعة يستخدمونها عند النهي عن أمر لا يريدون حدوثه
لم يعد الأن أحدا يستغرب توقفه الدائم بالجسر ليلا و لا صمته المحدق في وجه الضباب ، في بدء الأمر كانت دموعه التي لا تصمت تستحوذ على أفكارهم و تمتمات كلماته التي لم يستوعبوا شيئا منها يوما ، كانت دائما محل تأويل و تفسير البسطاء و لا أحد يصل لأمر حازم بشأنه ، فكما لا أحد يعلم سر هذا الجسر لا أحد يعلم سر هذا القابع أمام الجسر يظهر ليلا جالسا متأملا لأضواء يشير لهم عنها لكنهم لا يروون ما يصفه و أصواتا وحده من يسمعها ، جميعهم حدثه عن تلك المرأة التي يرونها تخرج من الضباب ،تجرر في يديها طفلا صغيرا ،ووحده الذي ينفي رؤيتها و يجيبهم عنها بعبرات لا يكادون يفهمون منها شيئا ،غير مزيد تفاسير لا طائل لها
متى حضر إلى قريتهم لا أحد يعلم ؟ ماذا يعمل و بأي صنعة يشتغل و يملأ نهاره إذ يمضي ليله قابعا على طرف الجسر ؟ هم فجأة وجدوه و هو من نبههم إلى هذا الجسر المهمل ، أين كان هذا الجسر ؟ و كيف لم يلتفتوا إليه قبلا ؟ ، كأن هذا الجسر كان مختبأ بين الأحراش و بظهور الغريب ظهر الجسر واضحا أمام أعينهم أو ظهر الجسر ليظهر معه الغريب
الخوف يجعلهم يرابضون في بيوتهم بدءاً من نزوح الشمس عن جانب الجسر فيلزم كل واحد منهم بيته حتى يدق الفجر نوافذهم ،و الحياة تسير رتيبة كأن عجلة الفلك ربطت أجسادهم في آلية عمل لا يتوقفون أمامه ، فجرا يخرجون جميعا باتجاه الأرض ، نهارا يبذرون و يحرثون و يسقونها ، و نساؤهم يحصين الأطفال كما يحصين أجولة الحصاد ، تمتلأ القرية كل عام بحصاد جديد من الأرض و من النساء ، دائما يرددون : نعمل من أجل أطفالنا حين يكبرون ، لنوفر لهم ما يأكلون و الجفاف القادم لابد له من حيلة ، و السماء بعيدة حين نمد إليها أيدينا بالبذور فلا تنصت لنا بالكاد تجيبنا ببضع زخات ، من أين للسماء بدموعها و هذا الضباب يغلف سماء القرية و لا ينزح عن أنفاسهم حتى مع الدعوات و الصلوات
كان ظهور هذا الغريب حدثا أخرجهم عن دائرة الرتابة و فتح شهيتهم لأحاديث جديدة و تفاسير مطروحة من الجميع عن أصله و بلده و من أين هبط إليهم ، ذات ليل وجدوه مزروعا أمام الجسر الذي ظهر معه و لم يكن أحدا قبلا يعلم عن وجوده ، أتى هذا الغريب بالجسر و بالضباب و بهذه المرأة التي تجرجر طفلا في يديها ثم نهارا يغيب الجميع و تزداد كثافة الضباب حول الجسر كأنه يختبىء عن عيون الفضوليين
ذات ليلة شهق الجميع على إثر صيحة مدوية ، هرعوا إلى خارج بيوتهم تاركين كل الخوف جانبا و لعله هو نفسه الفزع الذي تملكهم حين شاهدوا الغريب يصحب المرأة التي تجرجر طفلا في يديها و يرحلون من فوق الجسر الذي بدا لأول مرة واضح التفاصيل و لأول مرة يروون إلى أين يؤدي ممشاه الطويل و يسمعون أصواتا كان يتمتم عنها و لا يصدقون ،،، يغادر الغريب مع المرأة و الطفل و الضباب و الجسر تاركين القرية بكل ساكنيها جاثين على ركب الفزع و صيحة عظيمة حصدت أرواحهم



#عايده_بدر (هاشتاغ)       Ayda_Badr#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خلف ظهري تنهزم الحرب
- لصوت الماء
- قبيلة منها تغزو عزلته
- عن سوريا و ليس فقط حلب
- عيد سري سال عيد الخليقة الايزيدي
- حائر ؟
- ليس لي أم
- الطريق نحو الأزرق
- عندما يتحول الموت إلى حياة
- خارج وجهك
- هذا النهر / هذا البحر
- في الليلة المائة بعد الألف
- إزدراء الأديان / إزدراء الإنسان
- لحظة صَفر الريح
- فوضى
- الرجل الذي منح الحرب قدميه
- في إزدراء الأديان
- في العناق
- أناشيد لوجهه
- الرمز الأسطوري في قصيدة ( شهقة قتيل ) للشاعر الكوردي جوتيار ...


المزيد.....




- اتحاد أدباء العراق يستذكر ويحتفي بعالم اللغة مهدي المخزومي
- -ما تَبقّى- .. معرض فردي للفنان عادل عابدين
- فنانون إسبان يخلّدون شهداء غزة الأطفال بقراءة أسمائهم في مدر ...
- فنانون إسبان يخلّدون شهداء أطفال غزة بقراءة أسمائهم في مدريد ...
- الفنان وائل شوقي : التاريخ كمساحة للتأويل
- الممثلة الأميركية اليهودية هانا أينبيندر تفوز بجائزة -إيمي- ...
- عبث القصة القصيرة والقصيرة جدا
- الفنان غاي بيرس يدعو لوقف تطبيع رعب الأطفال في غزة.. الصمت ت ...
- مسرحية الكيلومترات
- الممثلة اليهودية إينبندر تحصد جائزة إيمي وتهتف -فلسطين حرة- ...


المزيد.....

- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عايده بدر - الجسر / قصة قصيرة