أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم محمد - النقد الأدبي تعريفه ومفهومه ومنهجيته ومقاييسه واتجاهاته















المزيد.....



النقد الأدبي تعريفه ومفهومه ومنهجيته ومقاييسه واتجاهاته


ابراهيم محمد

الحوار المتمدن-العدد: 5246 - 2016 / 8 / 6 - 20:00
المحور: الادب والفن
    



تعريف النقد الأدبي هو الكشف عن مواطن الجمال أو القبح في الأعمال الأدبية و يعتبر النقد دراسة للأعمال الأدبية والفنون وتفسيرها وتحليلها وموازنتها بغيرها والكشف عن القوة والضعف والجمال والقبح وبيان قيمتها ودرجتها1
موضوع.كوم:http://mawdoo3.com
نقدتُ الدّراهَم وانتقدتها أخرجتُ منها الزَّيف فهذا المعني اللّغوي الأول يشير إلي أنّ المراد بالنقد التمييزبين الجيد والرّديء من الدّراهم والدنانير، وهذا يكون عن خبرة وفهم وموازنة ثمّ حكم سديد وهناك معني لغوي آخر يدلُّ عليه قولهم أيضا نقدتُ رأسَهُ بأصبعي إذا ضربتُهُ ونقدت الجوزة أنقدها إذا ضربتها وعلي ذلك يفسّر حديث أبي الدرداء أنّه قال: إن نقدتَ النّاسَ نقدوكَ وإن تركتهم تركوكَ معناه إن عبتَهم وَاغتبتهم قابلوك بمثله فالنقدهنا معناه العيب والثلم أو التجريح وضدّه الإطراء والتقريظ من قرّظ الجلد إذا دبغه بالقرط وأديم مقروظ إذا دُبغ أوطلي به وذلك انّما يكون للتحسين والتّجميل فالنقد للذّمّ والتقريظ للمدح والثناء.
وأمّا في الّلغات الأوروبيّة فإن كلمة Critique مشتّقة من الفعل اللّاتيني Krinemبمعني «يفصل» أو يميز وحين يميز الشي ء عن شي ء آخر، في تلك اللغات فإن معني هذا أنّه يؤكّد وجود شي ء يمكن تصنيفه مع نظيرة من الأشياء الّتي لها صفات متشابهة معه بدرجة قليلة أو كثيرة وهذا يظهر معنيً أوليا لكلمة نقد وهو تميز شيء عن نظيره ويمكننا إذا تتبعنا تطور كلمة«نقد» في القرن السادس عشر، سنجد أنّها ظهرت في بادي ء الأمر في المجال الفلسفي للدّلالة علي تصحيح الأخطاء النّحوية أو إعادة صياغة كل ما هو ضعيف في المؤلّفات الأدبيّة اليونانية ثمّ تطوّر ذلك المصطلح في القرنين السابع والثّامن عشر، واتّسعت حدوده حتّي شملت وصف وتذوق المؤلّفات الأدبيّة في وقت معا.
امّا في القرن الماضي، فقد استخدمه عدد من الكّتاب والمفكّرين بمعني الحكم أو تفسير الأثر الأدبي، ويمكن أن يشف هذا المعني من الدّراسات التي أجراها «تين» و«برونتير» وغيرهما من المفكّرين الذين أعطوا للنقد طابعا وضعيّا، نتيجة تأثّرهم بمناهج وقوانين العلوم الطبيعة التي ذاعت في ذلك القرن فالنظرة السريعة عبر الاتجاهات المختلفة في ذلك القرن كفيلة بأن تطلعنا علي أن أغلب المفكرين كانوا علي الدّوام يستخدمون كلمة «نقد» متأثره بمنطق العلم الوضعي.
أمّا في هذا القرن حيث تطورت العلوم الإنسانية واللغوية، نجدأنها (أي كلمة نقد) قدأستخدمت من قبل عدد من النقاد بمعني فهم الأثر الأدبي والبحث في دلالاته ومعاينه.
ولكن مِن المؤكد أن كلمة«نقد» لازالت تبدو كلمة غامضة، فهي تستخدم تارة بمعني معرفة الأثر والحكم عليه أو فهمه، وطورا آخر بمعني تفسيره..
فهذه هي أهّم المعاني اللغويّة لمادّة النقد ولعلّها أو أكثرها ملائم لما يرادهنا من معني، فقد استعمل النقد في معني تعقّب الأدباء والفّنيين والعلماء والدّلالة عَلي أخطائهم وإذاعتها قصد التشهير أوالتعليم، وشاع هذا المعني في عصرنا هذا وصارت كلمة النقد إذا أطلقت فهم منها الثلب ونشر العيوب والمآخذ وقديما ألف أبوعبيد اللّه محمّدبن عمران المرزباني المتوفّي سنة 438 ه (كتاب الموشح) في مآخذ العلماء علي الشعراء ضمنه ماعيب علي الشعراء السابقين من لفظ أو معني أو وزن أو خروج علي المألوف من قوانين النحو والعروض والبيان، وشاع بجانب ذلك عندنا تقريظ الكتب والأشخاص والمذاهب السياسية والاجتماعية والآثار الفنيّة مما يعد أكثره رياءً ومجاملةً دون أن يكون له حظ حقيقي من الحّق والإنصاف فهذا الاستعمال له أصل لغوي كما رأيت وإن لم يكن هو المقصود المقرّر بين النّقاد المنصفين.
2- أمّا المعني اللغوي الأوّل فلعلّه أنسب المعاني وأليقها بالمراد من كلمة النقد في الإصطلاح الحديث من ناحية وفي اصطلاح اكثر المتقدّمين من ناحية أخري فإنّ فيه كما مرّمعني الفحص والموازنة والتمييز والحكم وإذا ما وقفنا عندما يقوله الثقات من النقاد رأيناهم لايجاوزون هذه المعاني من حدّ النقد وفي ذكرخواصّه ووظيفته، فالنّقد دراسة الأشياء وتفسيرها وتحليلها وموازتتها بغيرها المشابهة لها أو المقابلة، ثمّ الحكم عليها ببيان قيمتها ودرجتها، يجري هذا في الحّسيات والمعنوّيات وفي العلوم والفنون وفي كلّ شي ء متصّل بالحياة
وقد رأينا السّابقين الذّين كتبوا في النقد العربي أميل إلي حمل لفظ النّقد علي هذه المعاني المتواصلة، فنقد الشعر لقدامة ونقد النثر المنسوب له خطأ وكتاب العمدة لابن رشيق في صناعة العشر ونقده ثمّ ما يتّصل بذلك من كتب الموازنة، كلّها عبارة عن دراسة الشعر أو النثر وتفسيرهما وبيان عناصرهما وفنونهما وما يعرض لهما من أسباب الحسن أو القبح والتّنبيه علي الجيد المقبول والرّدي ء المنبوذ إلي نحو ذلك ممّا هو إيضاح وعرض ثمّ تفسير وموازنة ثمّ أحكام ونصائح أو قوانين نافعة في فنّ الأدب منظوما ومنثورا.
3- وهنا نستطيع أن نتقدّم قليلاً فنذكر ما يقوله المحدثون في تعريف النقد فهو عندهم التقدير الصّحيح لأيّ أثر فنّي وبيان قيمته في ذاته ودرجته بالنّسبة إلي سواه والنقد الأدبي يختصّ بالأدب وحدّه وإن كانت طبيعة النقد واحدة أو تكاد، سواء أكان موضوعه أدبا أم تصويرا أم موسيقي
http://www.hawzah.net/ar/Article/Vie
النقد الأدبي في الاصطلاح
فالنقد الأدبي في الاصطلاح هو تقدير النّصّ الأدبي تقديرا صحيحا وبيان قيمته ودرجته الأدبيّة ولإيضاح هذا التعريف وتحليله نستطيع أن نذكر بجانبه الملاحظات الآتية:
(1) يبدأ النقد وظيفته بعد الفراغ من إنشاء الأدب، فالنقد يفرض أن الأدب قد وجد فعلا ثمّ يتقدّم لفهمه وتفسيره وتحليله وتقديره ؛ والحكم عليه بهذه الملكة المهذّبة أو الملهمة الّتي تكون لملاحظاتها قيمة تمتازه وآثار محترمة أمّا القدرة علي إنشاء الأدب وتذوّقه فليس في مكنة النقد خلقها من العدم وإن كان يزيدها تهذيبا ومضاء علي أنّ هذه الملكات الثلاث إنشاء الأدب وقدرته ونقده قد توجد معا متجاورة متعاونة في نفس الأديب الموهوب.
(2) يدلّ هذا التعريف علي أنّ الغرض الأوّل من النقد الأدبي إنّما هو تقدير الأثر الأدبي ببيان قيمته في ذاته قياسا علي القواعد أو الخواصّ العامّة الّتي يمتازبه الأدب بمعناه العام أو الخاص وهو النوع التوضيحي الّذي يعيين علي الفهم الذّوق. وأمّا القول في درجته بالنّسبة لغيره فهو في منزلته الثانية ومثله في ذلك محاولة ترتيب الأدباء ترتيبا مدرّجا حسب كفاياتهم المتفاوتة أو وضع نظام الموازنة بين آثارهم المختلفة وهو النوع الترجيحي الذّي يعني بالمفاضلة بين الأدباء وذلك لكثرة الفروق الأساسية بين الشعراء والخطباء والكتاب و المؤلّفين وقلّما نجدمنهم طائفة بينها مشابهات تسمح بعقد هذه الموازنة التّي تحدّد براعاتهم المتقابلة فإذا سئلت عن جرير والفرزدق والأخطل أيّهم أشعر، فجوابك السّديد هو أن كلاً منهم أشعر معني ذلك أن كلاً منهم يفضل زميليه ببعض الصفات اللفظيّة أو المعنوّية أو الموضوعية في حين أنك قدلاتجد بينهم من وجوه الإتّفاق مايكفي لعقد موازنة صالحة، ومع ذلك فيستطيع كلّ إنسان أن يؤثّر ما يحبّه ويرفض ما عداه من آثارهما جميعا، وعلي النقد توضيح الميزات الجوهرية لتفوق كلّ شاعر، فيساعدنا بذلك علي تقدير كلّ منهم تقديرا أقوم وأهدي سبيلاً.
(3) ومها تكن وظيفة النقد وغايته التي يعمل لتحقيقها فلابد للنّاقد أن يكون ثاقب النظر، سريع الخاطر، مهذّب الذوق،قادرا علي المشاركة العاطفية (التعاطف) مع الأديب والبراءة من المؤثّرات الّتي تفسد عليه أحكامه كمايمرّبك فيما بعد، وذلك كلّه فوق الثقافة الأدبية العلمية، والتمّرس بالأدب، ومعرفة أطواره التاريخيّة، وصلاته بالفنون الأخري، وحسن فهمه وتعمّقه، إلي أبعد غاية، ليتسّرله الإنصاف والحكم الصّحيح، وقداستطاع پوب (Pob) أن يرد المصادر الرئيسية التّي يستقي منها النقد إلي مراجع ثلاثة:(1) وهي فكرة الطبيعة (2) وفكرة آثار السلف (3) وفكرة العقل، ولابدّمن الرجوع إلي الثلاثة جميعا وليس معني هذا أنّ الأديب مُطالب بأن يكون موزعا بين هذه الثلاثة لأنّ سلطان كلّ من هذه المراجع مثبت لسطان سائرها فالواجب أولا أن نتبع الطبيعة ولكن لكي يتسنّي ذلك لابدّمن دراسة آثار القدماء، لأنّ القدماء كانوا علي وفاق مع الطبيعة، وليس هناك خلاف بين الطبيعة وبين الشعر القديم، ودراسة القدماء معناها دراسة الفنّ الأصيل الّذي ينطبق دائما علي العقل،
(4) وإذا كان موضوع الأدب هو الطّبيعه والإنسان، فإن موضوع النقد الأدبي هو الأدب نفسه أي الكلام المنثور أو المنظوم الّذي يصوّر العقل والشعور، يقصد إليه النقد شارحا، مُحَّلاً، معلّلاً، حاكما، يعين بذلك القّراء علي الفهم والتقدير، ويشير إلي أمثل الطرّق في التفكير والتصوير والتّعبير، وبذلك يأخذ بيد الأدب والأدباء والقرّاء إلى خير السُبُل وأسمي الغايات والنقد يقوم علي ركنين مباشرين الناقد والمنقود ونكتفي هنا برأي ناقدين هما: رولان بارت وجولدمان.
يري رولان بارت: إن عمل النّاقد يتّسم بعدّة خصائص معيّنة، أهمّها تعقيل الأثر الأدبي تعقيلاً تامّا، اي النظر إليه وإلي وحداته أو عناصره علي ضوء مجموعة من المبادئ المنطقيّة
ويقول جولدمان: «إنّ النقدالأدبي أوّلاً وقبل كلّ شي ء هو الدراسة العلميّة للأثر وهذه الدّراسة تخصص علي أساس فهم وتفسير الأثر تفسيرا مماثلاً ويشرح لنا جولدمان المقصود بالتفسير المماثل، فيقول إنّهُ استخلاص المميزات الخاصّة للأثر المنبثقة من مجموعة علاقات منطقيّة وربطها بالملامح العامّة للبينات الكلية للمجتمع.2
http://www.hawzah.net/ar/Article/View
مفهوم النقد
مفهوم النقد النقد بتعريفه اللغوي هو تفحص الشيء والحكم عليه و تمييز الجيد من الرديء و يعرف بأنه التعبير المكتوب أو المنطوق من متخصص يسمى (الناقد) عن سلبيات وإيجابيات أفعال أو إبداعات أو قرارات يتخذها الإنسان أو مجموعة من البشر في مختلف المجالات من وجهة نظر الناقد. كما يذكر مكامن القوة ومكامن الضعف فيها، وقد يقترح أحيانا الحلول المناسبة لها،وقد يكون النقد في مجال الأدب، والسياسة، والسينما، والمسرح وفي مختلف المجالات الأخرى. قد يكون النقد مكتوبا في وثائق داخلية أو منشوراً في الصحف أو ضمن خطب سياسية أو لقاءات تلفزيونية وإذاعية. و النقد أيضا ،النظر في قيمة الشيء، والتقييم، فالنقد المعرفي مثلاً هو النظر في إمكانية وشروط المعرفة وحدودها، وهو عمومًا عدم قبول القول أو الرأي قبل التمحيص، وينقسم إلى نوعين عامّين: نقد خارجي وهو النظر في أصل الرأي، ونقد داخلي وهو النظر في الرأي ذاته من حيث التركيب والمحتوَى3
موضوع.كوم:http://mawdoo3.com
ان النقد الأدبي بدأ في أول أمره تأثريا انطباعيا، يحكم الناقد فيه باستحسان العمل الأدبي أو استقباحه دون أن يعلل ذلك، أو يفصح عن أسبابه، وإنما يستند في حكمه على ذوقه، ويستفتي انطباعه النفسي عن العمل، وقد مثلت هذه المرحلةُ بدائيةَ النقد عند جميع الأمم. وفي هذه المرحلة- وبوحي من الإحساس بأهمية الذوق الشخصي، وعدّه المعيار الأساس في الحكم- وُجد من يشكك في جدوى الناقد المحترف، واستبعاد دوره، بل النظر إلى عمله على أنه ضرب من التدخل غير المشروع بين المؤلف والمتلقي. وقد بدا ذلك ذات مرة على شكل حوار جرى بين الناقد خلف الأحمر وبين قارئ عادي، قال الرجل لخلف: "إذا سمعت أنا الشعر أستحسنه، فما أبالي ما قلت فيه أنت وأصحابك يعني النقاد، وعلماء الشعر
ثم ارتقى النقد بارتقاء ثقافة الإنسان وخبراته وتعدد معارفه، فبدأ الناقد يعلل، ويلتمس الأصول الموضوعية لما يبدي من حكم، وتنوعت في ذلك المذاهب والاتجاهات وصارت لكل ناقد معايير ومقاييس مختلفة في الحكم، ولكنها - على هذا التباين والتعدد - تصدر عن أسس موضوعية وتحتكم إلى قواعد مقررة4
http://www.alukah.net/literature_language
إن النقد الأدبي يقوم اليوم على قواعد وأصول موضوعية، وهو - وإن بدا على شكل تفاعل بين العمل الأدبي وشعور المتلقي، وهو ما يسمى بالذاتية أو الانطباعية - لا يمكن أن يعتمد على هذه الذاتية وحدها، أو يتخذ منها أساساً موضوعيا في الحكم، بل لابد أن يكون لدى الناقد أصول تنبهه على ضرورة الخروج من تأثره الشعوري المبهم، وعلى ضرورة إشراك الآخرين معه في الأسباب التي حملته على استحسان ما استحسن، أو استقباح ما استقبح، وبذلك يخرج النقد من دائرة الذاتية المغلقة إلى أفق الموضوعية الرحب، معتمداً في الحكم على عناصر كامنة في العمل الأدبي
ويختلف النقاد -بطبيعة الحال- في الأصول التي يعتمدون عليها في دراسة الأدب، وفي المعايير التي يحكمون بها عليه، وفي التركيز على جانب دون جانب، ولكن النقد الذي يمكن أن يحظى بالقبول، وأن يستوفي حظاً من الإقناع والمشروعية هو النقد الذي لم ينحدر من رحم الذاتية وحدها، أو يتكئ على حدس الانطباع الذوقي المجرد، وإنما احتكم إلى معيار موضوعي معين، قد يكون فنيا، أو نفسياً، أو تاريخياً، أو خلقياً، أو دينياً، أو غير ذلك، بحسب المنهج الذي يتبناه الناقد، ويراه أقدر على درس العمل الأدبي، وتحليله، وتقويمه5

http://www.alukah.net/literature_language
النقد في العصر الجاهلي
تعود بداية النقد العربي إلى العصر الجاهلي وكان وراء ظهوره عوامل أهمها : خروج العرب من جزيرتهم والاتصال بالبلدان الأخرى المجاورة كالشام والعراق وبلاد فارس بدافع التجارة أو الحروب يضاف إلى ذلك مظاهر التعصب القبلي الذي كان سائدا بين القبائل وقد كان لهذه العوامل أثرها في ظهور النقد الأدبي وازدهاره ورغم أن بدايته كانت ساذجة بسيطة فإنه قد ساعد على تطوير شعرهم بما يقدم من ملاحظات حيث كان الناس معجبين بالشعر يستمعون ويتأملون قصائد الشعراء ويشيرون إلى مواطن القوة ومواطن الضعف فيفضلون شاعرا على آخر لفحولته وحسن إصابته أو ما تفرد به في شعره عن غيره
https://www.facebook.com

أوليات الشعر الجاهلي
لم يظهر الشعر الجاهلي هكذا ناضجا كما هو بين أيدينا ، إنما مر بضروب ومراحل طويلة من التهذيب حتى بلغ ذلك الإتقان الذي أصبح عليه في أواخر العصر الجاهلي وكذلك الشأن بالنسبة للنقد ، فقد ظهر مع بداية الشعر وما وصل إلينا من شواهد نقدية لا يدل على البداية الأولى لهذا النشاط وما بين أيدينا من أحكام نقدية إنما تعود إلى أواخر العصر الجاهلي كذلك بعد أن خطـــــــــــــــــــا هو الآخر خطوات ومن مظاهره ما كان يجرى فيما يسمى «بالأسواق» تارة التي يجتمع فيها الناس من قبائل عدة فيتذاكر الناس فيها الشعر ويلتقي فيها الشعراء ومن صور النقد الجاهلي ما كان يجري في بلاط ملوك الحيرة وغسان حيث يلتقي الأمراء والأعيان بالشعراء فيستمع فيها الحضور إلى ما قال الشاعر في مدح الممدوح فيعقبه نقاش وأحكام حول المآخذ ،وما أورده الشاعر من معاني تليق بمقام الممدوح ....الخ ، فهذه النماذج هي أولى الصور النقدية التي وصلتنا من العصر الجاهلي أما قبلها فمغمور وغير معروف لم يصل إلينا منه شيء يذكر
ومن أبرز مظاهر النقد الجاهلي ما كان يجري في سوق عكاظ المشهورة التي كانت سوقا تجارية وموعدا للخطباء والدعاة وكانت في آن واحد بيئة للنقد الأدبي يلتقي فيها الشعراء كل عام ليتنافسوا ويعرضوا ما جاءت به قرائحهم من أشعار، ومما ذيع في كتب الأدب أن الشاعر النابغة الذبياني كانت تضرب له قبة حمراء ، من جلد في ناحية من السوق فيأتيه الشعراء ، ليعرضوا عليه أشعارهم ومما يروى في ذلك أن الأعشى أنشد النابغة مرة شعرا ثم أنشده حسان بن ثابت ثم شعراء آخرون ثم أنشدته الخنساء قصيدتها في رثاء صخر أخيها التي قالت فيها :
وان صخرا لتأتم الهداة به * * * كأنه علم في رأسه نار
فقال النابغة: لولا أن أبا بصير" يعني الأعشى" انشدني من قبل لقلت أنك اشعر الأنس والجن
وقد أعاب العرب كذلك على النابغة بعض الإقواء الذي لوحظ في شعره في قوله:
امن آل مية رائح أو مغتدي * * * عجلان زار زاد ، وغير مزودِ.
زعم البوارح أن رحلتنا غدا * * * وبذاك حدثنا الغداف الأسودُ.
حيث اختلفت حركة الروي مما يؤدي إلى خلل موسيقي وقد فطن النابغة إلى ما وقع فيه ولم يعد إلى ذلك في شعره .
وأورد حما د الراوية أن شعراء القبائل كانوا يعرضون شعرهم على قريش فما قبلته كان مقبولا وما ردته كان مردودا،وقد قدم عليهم مرة علقمة بن عبدة فأنشدهم قصيدة يقول فيها
هل ما علمت وما استودعت مكتوم؟ فقالوا: هذا سمط الدهر أي رائع وسيبقى في ذاكرة التاريخ
وقد سمع طرفة بن العبد المتلمس مرة ينشد بيته
وقد أتناسى الهم عند احتضاره بناج عليه الصيعرية مكدم
فقال طرفة :استنوق الجمل لان الصيعرية سمة في عنق الناقة لا في عنق البعير
ونلاحظ من خلال هذه الشواهد أن النقد الجاهلي كان يعنى تارة بملاحظة الصياغة أي الشكل وتارة أخرى بملاحظة المعاني من حيث الصحة والخطأ ومن حيث الانسجام المطابق للسليقة العربية فقد ذمً الإقواء في شعر النابغة لأنه اخل بالانسجام وسلامة الوزن وحسن الصياغة لان الشعر عند الجاهليين هو حسن الصياغة وحسن الفكرة والمعنى وهو نظم محكم ومعنى مقبول وإلا ما كان شعرا فالمعنى الذي أورده المتلمس في بيته الشعري إنما هو معنى فاسد مرفوض لأنه اسند صفة لغير ما تسند إليه
فهذه القيم والمبادئ هي أهم المجالات التي جال فيها النقد في العصر الجاهلي التي تجنح إلى الحكم على الشعر من حيث المعنى تارة والمبنى تارة أخرى والتنويه بمكانة الشعراء وقدراتهم أما الذهاب إلى البحث مثلا في طريقة نظم الشاعر أو فحص مذهبه أو البحث في صلة شعره بالحياة الاجتماعية فذلك كان مازال غائبا لم يلتفت إليه الناقد إذ كان يأخذ الكلام منقطعا عن كل مؤثر اجتماعي خارجي وحتى عن بقية شعر الشاعر فهو نقد جزئي انطباعي أساسه السليقة والانطباع الذاتي
على أننا لا ننفي أن غرض الناقد كان يسعى أحيانا إلى وضع الأمور في مواضعها ووضع كل شاعر في المكانة التي هو جدير بها فحركة الروي في شعر النابغة كما أشرنا آنفا لابد أن تكون واحدة وذلك بطرح الإقواء والبعير ينبغي أن يوصف بما هو من صفاته أصلا لا بصفات غيره وان الشعراء ينبغي أن يصنفوا وفق قدراتهم فلا يقدح الضعفاء على الفحول ويعني هذا أن للناقد الجاهلي قيما فنية كان يحرص على تحقيقها حيث يقرر الأحكام تارة في مجال الصياغة وتارة في مجال المعاني غير أن النقد الجاهلي على العموم إنما هو قائم أساسا على الإحساس بأثر الشعر في نفس الناقد والحكم دائما مرتبط بهذا الإحساس قوة وضعفا عماده الذوق والسليقة وليست هناك مقاييس تقاس بها الأحكام فما الذي فضل به النابغة الخنساء على الأعشى؟ وما الذي كان رائعا في بيته؟ فهي أحكام لاتقوم على تفسير أو تعليل ، وعلى قواعد محددة ، فالنابغة اعتمد في حكمه على ذوقه الأدبي دون ذكر الأسباب والعرب حين نفرت أسماعهم من الإقواء في شعر النابغة ، إنما فعلوا ذلك استجابة لسليقتهم ، ورفض طرفة للمعنى الذي جاء في بيت المتلمس نابع من الفطرة العربية التي تأبى وصف الشيء بغير وصفه أو ما فيه
روي أن حسان بن ثابت سئل عن بيت القصيد في قصيدته يفتخر فيها فأجاب بأنه الذي يقول فيه
لنا الحفنات الغر يلمعن بالضحى * * * وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
فأعاب عليه النابغة بأنه افتخر ولم يحسن الافتخار لأنه أورد كلمات غيرها اقرب وأوسع مفهوما فقد ترك الجفان والبيض والإشراف والجريان واستعمل الحفنات والغر واللمعان وهي دون سابقتها فخرا
فالبيت فيه امتحان لقدرات الشاعر على أدراك اللفظة الصحيحة في مكانها الصحيح وتؤدي المعنى بشكل أقوى حيث علق النابغة على محتوى البيت مخاطبا حسانا :
أقللت أسيافك وجعلت جفانك قلة ويعني بذلك أن على الشاعر أن يكون عليما باللغة ويحسن وضع المفردة لما تدل عليه والربط بين الدال والمدلول ، ومن الشواهد النقدية ما ورد في قصة «أم جندب» حين تنازعا علقمة الفحل وامرؤ القيس وادعى كلاهما انه اشعر فاحتكما إليها فقالت لهما: قولا شعرا على روي واحد وقافية واحدة تصفان فيه الخيل ففعلا فانشد بها زوجها امرؤ القيس قائلا
فللسوط ألهوب وللساق درة * * * وللزجر منه وقع احوج منعب
وقال علقمة
فأدركهن ثانيا من عنانــــــه * * * يمر كمر الرائح المتحلب
فقضت أم جندب لعلقمة على امرئ القيس لان فرس امرئ القيس يبدو كيلا بليدا لم يدرك الطريدة إلا بالضرب والزجر والصياح خلاف فرس علقمة الذي انطلق بسرعة الريح ولم يحتج إلى الإثارة فهو ابرع وسرعته طبيعية أصيلة ويلاحظ أن أم جندب ، اعتمدت في حكمها على بعض القواعد وهي
وحدة الروي والقافية ووحدة الغرض حتى تبدو بحق براعة كل شاعر في إطار الشروط المحددة ، ونستنتج من هذا أن النقد الجاهلي لم يكن يعتمد دائما على مجرد السليقة والفطرة بل كانت له أحيانا شبه أصول وقواعد يعتمد عليها6
https://www.facebook.com
مقاييس النقد الأدبي
إذا كان النقد ضرورة من ضروريات الحياة لانستغني عنها مادامت تتطلّب التقدم ومحاولة البراءة من النقص والتخلّف فمن الطبيعي أن يتناول النقد جميع مقوّماتها العلميّة والفنيّة والإجتماعيّة والسياسيّة لعلّه يصلح ما فسد، ويعين علي الترّقي، ويهدي الباحثين والعاملين إلي أهدي السبل و أسمي الغايات لهذا اختلف النقد أو تعدّد بتعدّد نواحي الحياة فمنه
1- النقد السياسي الذّي يتّخذمقاييسه من أصول الحكم، والقوانين الدولية، والبراعة التّي تفيد الدّولة وتدعم سلطاتها داخليّا وبين الدّول جميعا.
2- ومنه النقد الإجتماعي الّذي يعتمد في كيانه علي تقاليد الأمّة، وما يسير عليها حياتها،ويحمي أفرادها وأسرها وأخلاقها من الفساد والتدهور، وعلي جميع ما يرضي الكافّة، ويجعل الأفراد مهذّبين صالحين لمسايرة التقدّم والنّجاح
3- وهناك النقد العلمي المتّصل بالطبيعة والكيمياء والريّاضيّات ونحوها،وهو خاضع لهذه المناهج النظريّة والتطبيقية (التّكنولوجيّة) التّي وضعت لكلّ علم، وإن كانت كلّها مشتركة في صحّة المقدّمات وسلامة التجارب ودقّة الإستنباط والتجرّد من الأشياء الذاتيّة، إذ كانت المسائل العلّمية ظاهرة عقليّة موضوعيّة تتناول الحياة، كما هي في الواقع دون أن يكون الذّوق أو المزاج فيها نصيبٌ.
4- وهناك النقد الفنّي، وهو كذلك خاضع لأصول عامّة تصلح للفنون الرفيعة كلّها من رسم وتصوير وادب وموسيقي ونحت من ذلك صدق التعبير، وقوّة التأثير وجمال الخيال ومراعاة التناسب، ومع ذلك فلكلّ فن منها مقاييسه النقديّة الخاصّة تبعا لطبيعته، و وسيلته في الأداء، وهي متأثرة حتما بالذاتية اي بهذا الذّوق الفنّي لكلّ ناقد ولسنا نريد هنا التوّرط في اصول النقد العلميّ ولا الفنيّ العام وإنّما أشرنا لنفرغ منها إلي النقد الأدبي خاصّة إذ كان نوعا من أنواع النقد يكون فنيّا أو مزيجا من العلم والفنّ كما يمر تحقيق القول في ذلك.
الثاني: والنقد الأدبي خاصّ بالأدب، وإذا كنّا نفهمه بالمعني العام أي تفسير الأدب وايضاحه فنستطيع أن نعدّ من أنواعه ما يلي:
اوّلاً: النقد التاريخي الذّي يشرح الصّلة بين الأدب والتاريخ فيتّخذ من حوادث التاريخ السياسي والإجتماعي وسيلة تفسير الأديب وتعليل ظواهره وخواصّه.
ثانيا: النقد الشخصي وهو الذّي يتّخذمن حياة الأدب وسيرته وسيلة لفهم آثاره وفنونه وخواصّه الغالبة عليه فإن الأدب صادر عنه مباشرة ليسهل بذلك شرحه وتعليل أوصافه.
ثالثا: النقد الفنّي وقد قلنا من قبل انّه أخّص الأنواع وأولاها بمن يريد فهم طبيعيّة الأدب وبيان عناصره، وأسباب جماله وقوته ورسم السبيل الصالحة للقراءة والإنشاء، وهو عندي أحقّ الأسماء بهذه التسمية، فهو النقد حقّا وماسواه من الطريقة التاريخيّة أو الشخصيّة تفسير، وإن كان بلاشكّ يعين عَلي صحّة النقد الفني وعلي سلامة أحكامه من الغموض والضلال وهو المنهج النقديّ
3- وإذا استتقصينا مظاهر النقد الأدبي في تاريخ الأدب العربي والفارسي وجدناها كثيرة منوّعة فنقد لفظي، واخر معنوي، وثالث موضوعي، ومن اللّفظي ما هو لغوي أو نحويّ أو عروضي أو بلاغي، ومن المعنوي ما يتصّل بابتكار المعاني أو تعميقها أو توليدها أو أخذها ثمّ ما يتصّل بالأخيلة وطرق تأليفها لتصوير العاطفة، ثمّ العاطفة الصّادقة والمصطنعة ومن الموضوعي ما يليق بكلّ مقام من المقال أو الفنّ الأدبيّ الخاص حتيّ غلواو حاولوا أن يقصروا الشعر علي فنون دون النثر و يمكنك الرجوع إلي ذلك كلّه في الموشّح للمرزباني، والصناعتين للعسكري والبيان والتبيين للجاحظ، والموازنة للآمدي، والوساطة للجرجاني، ودلائل الإعجاز وأسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني وحدائق السّحر للرشيد الوطواط ولن تتّسع هذه الصفحات لايراد الأمثله لذلك فارجع إليها في مظانها المذكورة.
وفي عصرنا الحديث نشهد درجتين للنّقد الأدبي أو نوعين من أنواعه:
إحداهما الدّرجة السريعة وتتناول الآثار الأدبيّة، أو الفنيّة، التّي تقدم كلّ يوم إلي الصحف والمجلّات، وتعدّهذه الدّرجة نوعا من الإعلان أو الوصف يعتمد علي ملاحظات سريعة تعين القاري علي معرفة ما يصلح له من الكتب التيّ تصدرها المطبعة تباعا، ومع ذلك فيجب ألا يخلوهذا النقد من الجدّ وصحّة الحكم والإنصاف وترك المجاملة لئلّايضلّ القراء ويذهب بمكانة الصحفيّ الأديب والثّانية أسمي من الأولي وأبقي إذ كانت عاملاً من عوامل الرّقي ونشر الثقافة العامّة بين القرّاء، وتظهر في المجلّات المحترمة أو الكتب و تعمد علي الدّراسة العميقة(39)والثقافة العريضة، والتفكير الواضح السديد، والموازنة الشاملة وهي تنتهي في الغالب بعرض خلاصة كافية للآثار المنقودة أو بإكمال ما ينقصها، أو يفتح آفاق جديدة للبحث متصلة بموضوع الكتاب ويمكن هنا إجمال الأخطاء الّتي تندرج فيها هذه الطريقة حتيّ تصل غايتها إلي أن نفصلّها في حينها إن شاءاللّه.
فعلي الناقد أوّلاً: ألا يهمل هذه الجزئيّات اللغوية والنحويّة التي تعين علي فهم عقل الأديب وتاريخ أفكاره أثناء كتابه أو مقاله أو قصيدته أو قصّته وماانتهت إليه من نتائج وآراء و مذاهب وذلك يقتضيه أولاً تفهم المعاني الحقيقة التيّ تدلّ عليها عبارات بعناصرها الأصلية التيّ تسمي عمدة كالمتبد إوالخبر والفعل والفاعل أو بعناصرها الثانوية التي تسميّ فضلة كالحال والفاعيل وبعض المتعلّقات.
وثانيا: فهم المعاني المجازية أو التضمنيّة والإلتزامية التي تؤديّها العبارة بطريق الإستعارة والكناية أو تشيرإليها إذا كانت موجزة تكتفي بالإشارة والتلميح.
وثالثا: قيمة كلّ جملة في ايضاح المعاني، إذا كان بعض الجمل أساسيا يدلّ علي أصل المعني والبعض إيضاح أو تكرار وهذه الأخطاء علي جفائها تعدّ اساسا لازما للدّرجة السامية من درجات النقد الأدبيعلي أنّ الناقد مادام يصل بين هذه الملاحظات النحوية وبين المعاني والأفكار يشعربخفّة بحثه ومتعته. فإذا انتهي من ذلك واجه عمله الحقيقي الخطير الذّي يتجلّي في تعرّف الأثرالمنقود: كيف ظفر بخواصّه اللفظّية والمعنوية، وعلي أيّ شي ء يدلّ ممّاله صلة بعقل كاتبه وعواطفه وأخيلته ومزاجه ومواهبه وبيئته ومعارفه، فإذا بنا نحيامع الأديب ونري بعينه ونسمع بأذنه، ونخضع أنفسالميوله ونظريّاته وروحه، وننتقل من فهمه إلي فهم عصره وبيئته كلها، ثمّ نحسن الحكم والتقدير7
http://www.hawzah.net/ar/Article/View
تأسيس النقد العربي الحديث
كثيراً ما يشير الدارسون إلى الدكتور طه حسين كمؤسس النقد العربي الحديث، ولكن دارسين آخرين ينكرون عليه هذه الصفة ويرون أن تلميذه في الجامعة المصرية سابقاً الدكتور محمد مندور هو المؤسس الحقيقي لهذا النقد. يقول هؤلاء الدارسون، وهم من تلامذة طه حسين أيضاً، وعلى رأسهم الدكتور شكري عيّاد، إن عميد الأدب العربي كان كالبلبل الذي تُسكر نغماتُه قراءَه، ولكنه لم يكن سوى ناقد تأثري في النهاية، إذ كانت تعوزه المناهج وأدوات النقد الحديثة. أما محمد مندور الذي أمضى تسع سنوات في جامعة السوربون بباريس يدرس الآداب الفرنسية الحديثة، واليونانية واللاتينية القديمة، فقد عاد إلى مصر بعد ذلك مستكملاً عدّته النقدية ومنصرفاً إلى عمله كناقد، وكانت حصيلة ما قدّمه للأدب العربي بمثابة التأسيس الحقيقي لنقد آخر، علمي، منهجي، يعثر عليه القارئ في كتب كثيرة له أعادت دار «نهضة مصر» مؤخراً إًصدارها من جديد وعلى رأسها كتابه «معارك أدبية» الذي يمكن أن يقدّم رؤية مندور للنقد ولتجربته فيه
كثيراً ما يتحدث دارسو مندور عما يسمونه «النقد» عنده، أي كون النقد الأيديولوجي على الطريقة الماركسية قد غزا نقده في مرحلة من المراحل. وهذا صحيح إلى حد بعيد ذلك أن مندور المتأثر بفكر اليسار العالمي، والعضو في «الطليعة الوفدية» ذات التوجه اليساري قد نحا هذا المنحى وبخاصة بعد زيارة له إلى الاتحاد السوفياتي ورومانيا. ولكن مندور ظل محتفظاً بالقيم الجمالية في النقد لا يتخلّى عنها أبداً. وفي تلك الفترة بالذات، وفي سلسلة مقالات نشرها تباعاً في جريدة الشعب عن النقد الأيديولوجي، أكد أن هذا النقد لا يمكن أن يُهمل القيم الجمالية والأصول الفنية المرنة للأدب والفن، ولكنه يضيف إليها النظر في مصادر الأدب والفن وأهدافها ووسائل علاجها. وفي صورته النهائية يمكن القول إن مذهب مندور في النقد يقوم على أساسين: أساس أيديولوجي ينظر في المصادر والأهداف وفي أسلوب العلاج، وأساس فني جمالي ينتظم في مرحلتين، حاول دائماً الجمع بينهما في كل نقد تطبيقي قام به وهما المرحلة التأثرية التي كان يبدؤها دائماً بأن يقرأ الكتاب المنقود قراءة دقيقة متأنية ليحاول أن يتبين الانطباعات التي خلّفها في نفسه، يليها مرحلة التعليل والتفسير، وهي المرحلة التي يحاول فيها تفسير انطباعاته وتبريرها بحجج جمالية وفنية يمكن أن يقبلها الغير وأن تهديه إلى الإحساس بمثل ما أحسّ به عند قراءته للكتاب المنقود. فمن البديهي، كما يقول، أن ذوقنا الأدبي لا يمكن أن نمليه على الغير ما لم نحاول تبريره بالحجج المنطقية السليمة التي نستمدها من ثقافتنا اللغوية والإنسانية والفنية العامة بحيث يصبح الذوق وسيلة مشروعة للمعرفة التي تصح لدى الغير، ومن الواجب أن يقاوم الناقد النزيه كل هوى في نفسه وكل نزعة شخصية يمكن أن تفسد ذوقه وتجعل منه وسيلة للتضليل لا لمعرفة الحق والإدراك الصحيح لتعميم الجمالية والإنسانية التي يبني عليها أحكامه.
وقد كان لمندور نزاهة وحرية ومرونة في معاييره كناقد، وفي أحد النصوص التي تركها حول النقد ما يؤكد كل ذلك. ذكر «أنه قد يقال إن الناقد ليس من حقه أن يحاسب الأديب على مصادره وأهدافه. وأنا بداهةً لم أحاول قط أن أملي على أي أديب مصدراً دون آخر من مصادر الأدب أو هدفاً دون آخر أو أسلوباً دون أسلوب، بل أترك له دائماً حرية اختيار مصدره وهدفه، ولكني كناقد أطالب أيضاً بحريتي في أن أفضّل مصدراً على آخر وموضوعاً على آخر وهدفاً على آخر وأسلوب علاج على آخر، وإلا خنت رسالتي وفقدت كل ما يمكن أن يكون لي من أثر في توجيه القرار بل والأدباء أنفسهم نحو القيم السليمة والاتجاهات الخيّرة التي تتطلبها حياتنا القومية أو الحياة الإنسانية عامة. وفي نص آخر يرجو مندور أن يقيه الله شرّ التعصب الأعمى لاتجاه بذاته نتيجة لأفكار يريد أن يمليها على الأدب والأدباء. وذلك لأن الحجر على الفكر البشري لا يمكن إلا أن يقتله. واتجاهات الفكر السليمة هي دائماً تلك التي تخطط لها تضاريس الحياة، ولا يمكن لأي ناقد مهما كانت قوته أن يقاوم تلك التيارات النابعة من الحياة الجارية ووقف تضاريسها، وإلا كان كمن يحاول أن يحمل الأنهار على أن تصعد الربوات!
وأقبح من التعصبات الفكرية العمياء، في نظره، الأهواء الشخصية والنزوات الفردية المريضة التي تحابي وتعادي على غير أسس نزيهة من التذوق البريء والتعليل المنطقي السليم والدراسة الموضوعية الجدية لما يتناوله الناقد من أعمال أدبية.. بل إنه أحسّ في الفترة الأخيرة من حياته بميل واضح إلى الرفق والترفق بل والتشجيع المتزن لجميع البراعم التي أحسّ لديها ما يوحي بالأمل. ولعل مزاولته المستمرة للتدريس في الجامعة والمعاهد واتصاله الدائم بالشبان والأدباء الناشئين كان لها أثر كبير في تقوية هذا الاتجاه في نفسه. وتحت عنوان «النقد مشقة وثقافة» يرى مندور أن العلة تكمن في أن الكثيرين من الشبان يعتقدون أن النقد مهمة سهلة يستطيعها كل من يعجز عن خلق الأدب، بل ويجد فيه نوعاً من الاستعلاء، إذ يقيم في نفسه حكماً على الأدباء الناشئين، ناسياً أن النقد لا يقلّ مشقة عن الأدب الإنساني، وذلك لأنه إذا كان الأدب الإنساني في أدق معانيه نقداً للحياة، فإن الأدب الوصفي، أي النقد المسرحي أو الأدبي بنوع عام، ما هو في النهاية إلا نقد لصور الحياة لتي يقدّمها الأدب الإنساني.
ولذلك فهو يطالب النقاد بمزيد من الجهد في تحصيل الثقافة، وفي مجالدة النفس، وأخذه بالنزاهة الموضوعية في النقد، وبخاصة إذا أردنا لهذا الفن أن يسهم مساهمة فعّالة في توجيه إنتاجنا الأدبي وتسديد خطاه.
ولا يقف بالطبع موقف الريبة أو التحفظ أو الرفض للنظريات النقدية الوافدة من الخارج، فلا بد برأيه من الاستنارة بالمكاسب الأدبية الفنية والإنسانية العامة التي أصبحت تُعتبر ملكاً للإنسانية كلها، ولا يصحّ أن يحاربها أحد بدعوى أنها وافدة من الخارج، فالفنون الحضارية أصبحت ملكاً عاماً مشتركاً بين البشر أجمعين.
ولا يريد أن يقتصر النقد على الناحية الفنية الخالصة المجردة، كما لا يريد أن يهمل النقد هذه الناحية، وذلك لأن الأصول الفنية ليست ترفاً في الأدب، بل هي من أمضى أدواته الفعالة في تحقيق الأديب لهدفه في الوصول إلى أسمى مطمح يمكن أن يتطلع إليه الأديب. إن الأديب الذي يحرم نفسه من هذه الوسائل يعتبر بلا ريب أديباً فاشلاً جاهلاً بأسرار صناعته، والناقد الذي يتهاون في هذه الأصول يُعتبر خائناً لرسالته. وكل ما كان يطلبه مندور هو أن لا يعتقد الناقد أن باب الاجتهاد في الأدب والنقد قد أُقفل، وأنه لا ينبغي لأديب أن يحاول استنباط صور جديدة للأدب. والناقد القدير هو الذي يستطيع أن يستشف ما في بعض هذا الجديد من حق وقوة. ومن واجب كل ناقد أن يذكر أن صور الأدب وفنونه لا بد أن تتغيّر بتغير مضامين ذلك الأدب ومفاهيم الحياة إذا ضاقت الصور القديمة عن احتوائها، أو كانت الصور الجديدة أكثر ملاءمة لها وقدرة على بلوغ الهدف المقصود منها.
ثمة أفكار كثيرة لمحمد مندور حول النقد في كتبه التي أعيد طبعها حديثاً في القاهرة، تتضمن ما يمكن أن يؤلف نظرية في النقد، أو نظريته في النقد، وهي تختلف بالطبع عن تلك الأفكار السابقة عليه والتي تُلتمس في كتب طه حسين وعباس محمود العقاد وجيلهما. ولا شك أن الذي هدى مندور إلى أفكاره هذه مكوثه الطويل في باريس واطلاعه على سوق النقد الأدبي فيها وفي الغرب عامة، ثم انفتاحه على الفكر اليساري وتأثره بنظرياته. وذلك أشاع في نقده أفكاراً ونظريات ومناهج وطرائق مختلفة لم تكن متوفرة لدى الجيل السابق، ووهبه وصف المؤسس للنقد العربي الحديث8
http://www.alriyadh.com/737943 جهاد فاضل من هو مؤسس النقد العربي الحديث؟
الثلاثاء 1 رجب 1433 هـ - 22 مايو 2012م - العدد 16038
منهجيّة النقد الأدبي وإتّجاهاته
لقد بدأ الإلتفات إلي ما يسمّي بمناهج النقد مع نهضة العلوم الطبيعيّة في القرن الماضي، وقداستطاع عدد من الباحثين والمفكرين أمثال تين Taine وبيرونتيير Brantiere وهنكان Hennequin ولانسون Lanson وغيرهم ممّن استعملوا خلال هذا العصر مناهج نقدّية ذات خصائص واتّجاهات متعدّدة متأثرة بمناهج العلوم الطبيعيّة فقد ازدادت الإهتمامات بمعالجة الظواهر الأدبيّة نظرا لما حدث فيها من تغييرات، نتيجة تحوّلات أعترت المجمتع والبنية الثقافية في ذلك العصر، وقدكان من مظاهر هذا التغيّر، تغير نظرة الباحثين والمفكرين في معالجة الظواهر الأدبيّة، فقد ظهرت الحاجة لديهم إلي الإستعانة بالمنهج الوضعي الّذي ارتبط بظروف هذه المرحلة بشكل مباشر. ولكي تتوافر هذه الأرضية التجربيّة للنقد الأدبي، أنكر بعض نقادالأدب، الإنجليزي والفرنسي الإتّجاه الأكاديمي الخالص في بداية القرن العشرين، ورفضوا الإتّجاهات النظرّية البحتة للدّراسات الأدبيّة، بهدف تحرير النقد من آثار الميتافيزيقا، وجعله يرتبط بالنظرة الوضعية بكيفيّة معيّنة ولذا رأوا أنّه من الضروريّ البدء بدراسة الظّواهر الأدبيّة المختلفة، وفق طبيعة مناهج العلوم الوضعيّة وذلك لكي يصبح النقد علما وضعيّا قائما بذاته ولعلّ هذا الاتجاه قد أدّي إلي تكوين تباعد بين النقد من جهة والفلسفة من جهة أُخري، وهذا التباعد أدي بلاشكٍ الي نقصٍ واضحٍ في مجال الدّراسات الأدبيّة والفنيّة، وفي ظلّ هذا الإتّجاه يودّ النقد الأدبي أن يصبح علما وضعيّا بعد أن ينفصل عن الفلسفة، ويتحرّرمن خضوعه للتيّار التّأمّلي الميتافيزيقي.
ب - مدارس التجديد (ومفهوم الأدب) بعد عصر النّهضة
دَبَّت حركة النهضة بالتجديد في بداية الفترة الّتي حصل فيها الإحتكاك بين الشرق والغرب، بقصد الغزو للحصول علي موارد جديدة في بقاع جديدة، حيث ارتبطت حركة الغزو بحركة فكرية في مجالات الحياة المختلفة، ومنها الحركة الفكرية النقدية للأدب، فتشكّل نتيجة الواقع تياران للنقد الأدبي العربي.
الأوّل: محافظ وكان استمرارا للنقد العربي التقليدي القديم
والثاني: مُجَدِّد أفاد في نقده من معرفته للآداب الأروبيّة.
التيارالأوّل (التقليدي):
كان هذا التيّار اكثر انتشارا وأقوي سلطانا، وكان يمثّله الشيخ حسين المرصفي في الوسيلة الأدبية حيث كان يلقي محاضراته علي أساس هذا التيّار علي طلّابه في دارالعلوم عند إنشائها (1870 م)
ونقدُ المرصفي ضمن هذا التيار في الوسيلة الأدبيّة يقوم علي موازنات لها ثوابت علي وفق النقد العربي القديم، من هذه الثوابت.
1- توجيه بعض النقدات دونما تقليد، معتمدا علي الذوق الخاصّ
2- العناية بالنقد اللّغوي كما كان عندالقدامي
3- مؤاخذة الشاعر في السرقة من حيث اللفظ والمعني لاسيّما إذاكان السابق أصلح من اللّاحق
4- عدم استحسانه للبيت الذّي يكثرلفظه، ويقلّ معناه كبيت أبي فراس الحَمد انّي (طويل)
فما جازَهُ جُودٌ ولاحَلَّ دوُنَه ولكنْ يَصيرُ الجودُ حَيثُ يَصيرُ
5- عنايته بجزئيات العمل الأدبي دونَ وحدته، وشاهد ذلك الأبيات المتناثرة من القصائد المختلفة الّتي كان ينقدها ونظر اليها منفصلةً عَمّا قبلها وعمّا بعدها.
6- تأكيده علي أن تكون القصيدة مترابطة الأجزاء متناسقة البناء لايقع منها بيت في غير موضعه.
7- إقراره بتباين شعرالشاعر الواحد بين الجودة والرداءة فهولا يري شعرالشاعر الواحد بمنزلة واحدة فقد يجوّد أحيانا وقد يَسِفُّ أحيانا أُخري.نلاحظ إذن اُنّ نقده فيه ملامح من التجديد، وان كان تقليدا لِمَن سبقه لَأنّ «الوسيلة» خلقت البارودي (محمود سامي 4190 م) وأحمد شوق (1932 م) وحافظ ابراهيم (1932 م) و غيرهم(15) (والظاهر أنّ الوسيلة الأدبيّة للمرصفي بما فيها من شعرالبارودي أنشأت أكثر من شوقي و حافظ(16)وقد استمّر هذا التيار النقدي حتي تخطي القرن التاسع عشر الي القرن العشرين مستغرقا النصف الأوّل منه.
التيار الثاني (التجديدي)
هذا التيار كان معاصرا للتيار المحافظ، وتميزعنه في أنّه أفادمن معرفة أُدبائه للآداب العالميّة كالآداب الاوروبيّة، والعثمانية، والفارسيّة، وغيرها.
وكان يهدف:
أوّلاً إلي تحرّر الشعر العربي من القيود القديمة.
ثانيا الي معالجة الموضوعات الّتي تهم هذا الشعر. ويتميّز هذا التيار بمايأتي:
1- الأخذ بالإنتقاص علي شعر المدح، وبدء القصائد بالغزل، فتري مثلاً أحمد فارس الشدّياق (1887 م) يتهكّم علي الشعر العربي، إذ يراه مغرقا بالمدح والتهاني في المناسبات
2- الدعوة إلي التخلّص من التقليد، والتمسك بالإلتزام، خاصّة التزام الصدق، ومراعاة أحوال العصر.
3- الدعوة إلي وضع النظريات الشعرية والخروج إلي المحيط العربي بالتخلّص من الذاتية والانطواء - بالتقاط الأحداث الّتي ألمّت بالأمّة العربيّة.
ويشمل هذا التيار مدارس التجديد وهي
1- المدرسة العراقية: وحملت شعلة النهوض والتجديد في موضوعات الشعر علي أيدي شعراء كثيرين منهم عبدالحسن الكاظمي (1935 م)، جميل صدقي الزهاوي (6193م)، معروف عبدالغني الرصافي (5419 م)، محمدرضا الشببي (5619م)، ومحمّد مهدي الجواهري (1997 م).
2- مدرسة المهجر الشمالي والجنوبي(17) وكان يمثلها الكثيرون من الأدباءمنهم جبران خليل جبران (1931 م)، إيليا أبوماضي،ميخائيل نعيمة، وعبدالمسيح حدّاد.
ج: مدرسة الديوان في مصر:
أنشأها مجموعة من الأدباء منهم أحمد شوقي (1932 م) والرافعي (مصطفي صادق 1937 م)، والمازني (ابراهيم عبدالقادر (9419 م) وعبدالرحمن شكري (1958 م)، والعقاد (عبّاس محمود 6419 م)
د مدرسة أبوللو في مصر وشمال أفريقا
شكلّها أدباء كثيرون من المغرب العربي ومشرقه منهم أحمد شوقي (1932 م) وخليل مطران (9419 م) وإبراهيم ناجي (1953م)، وأحمد زكي أبوشادي (1955 م) والشابي (أبوالقاسم) والسيّاب (بدرشاكر).
1- المدرسة العراقيّة «مدرسية التجديد».
كانت حركة الشعر في العراق أبرز الأنواع الأدبيّة تطوّرا إبتداءً ونشاطا حيث شكلت مدرسة جددت في المضامين مع كونها قرويةً ومتعةً لإشباع نفوس أصحابها. فقد وظّفت الشعر لخدمة الأمّة، وأرادمنه أن يتصدّي لحكم الطغاة والمستعمرين وكانت هذه المدرسة نفئات مصدورِ قبل الكاظمي، ثم صارت واضحة المعالم في شعره، فقد دعا الكاظمي (عبدالمحسن 5618 م 1935 م) إلي الوعي الوطني والقومي، ولمّ الشَمْلِ، ونفي من أجل ذلك من العراق إلي مصر، ثمّ واصل المسيرة من هناك حاثّا الشعب العراقي إلي ترصين تآلفه، فجعل للشعر هدفا ساميا، قال من قصيدته (سيروابنا مجزوء مضمر الكامل).
سيرو ابنا عَنَقا وشَدَّا سيرواِبنا مَمْسيومَغْدي(19) سيروا نَذِبُّ عَنِ الحمِي ونَردُّ عَنَهُ المُسْتَبدّا
ثمّ تتابع جيلٌ واع من الشعر المعاصر للكاظمي، أو لاحق له في متقدّمتهم الزهاوي (جميل صدقي 6193 م) والرصافي (معروف عبدالغني 5419 م)، والشبيبي (محمدرضا 5619 م) وغيرهم.
ثمّ جاءت أجيال إقتفت أَثرهم وشاء القدر أن يعاصر الجواهري (محمّد مهدي 1977 م) كلّ هذه الأجيال ويطغي عليها في شعروطني وقومّي، وانسانيّ مُجّسَّد المعالم.
هؤلاء جميعا انتظم شعرهم المجتمع لأوطانهم، والأمّة، والحضارة الجديدة من مخترعات كالقطار والسيّارة والساعة والطيّارة والكهرباء ونظريّة دارون في أصل الأنواع، وقضيّة الشكّ واليقين عند ديكارت، علاوة علي المعركة، في السفور والحجاب، وتجديد الشعر والخلاصة من ذلك أنّهم أرادو للشعر مفهوما، ووظيفة، ومتعة، تخدم الفرد والمجمتع والأمة، وتعينها علي خروجها من(20) محنتها وتخلّفها، فالشعر في مفهوم الزهاوي (جميل صدقي 6193 م) يجب أن ينبعث من مشاعر قائله نزيها غير مقيّد، ينبعُ من مشاعرٍ صادقةٍ جريئة مدافعةٍ عن الحّقِ قال:
إنّما الشّعُر من القا ئل لِلشّعر شُعُورْ
وبه مُعتكفٌ في بَيتهِ وَهْوَ يَدوُرْ(21) (رمل)
والشعر له وظيفة مضافة إلي وظيفة التعبير عن المشاعر وهي (السَّلْوي) يلجأ إليها الشاعر ويلوذ بها لتحميه ممّا يري من مآسي المجمتع قال: (رمل)
أيّها الشعرُ سُلُويّ أنت في ساعَةِ هَمِيّ
أدرءالأحزانَ عنّي بأَبِي أنتَ وأُمِيّ(22)
وهو إبداع لأنّ عهد التقليد وَلّي، ولم يعدله مكانٌ في منازلِ الشّعرِ، حيث أنشد قائلاً (مُجتث):
الشِعرُ فيه هبُوطٌ والشعر فيه طِلاعُ
ومنهُ تقليدُ مَنْ قَد مَضي ومِنهُ (إقتراعُ)(23)
والشعر له مستويان، وخيرهمان ما كان دفاعا عن الحقّ قال (مجتثّ):
الشِعر ليسَ سواءً مِنه سَمينٌ وغَثّْ
وأحْسَنُ الشعر ماكان فيه للِحَقّ بَثّْ(24)
و الشعرُ في مفهوم الرّصافي (معروف عبدالغني 5419 م) وظيفته خدمة الوطن و الأمّة والإنسانيّة، إذيجب علي الشاعر أن يطرح واقع المجتمع، ويدافع عن الأمّة ويتصدّي للظلم وحكم الإستبداد،والإستعمار في تسبحٍ مبدع جديد، مروّحا عن هموم قائله:
عَلي أنّ لي طبعا لَبيِقا بِوَشْيِهِ نزوعا إلي أَبكاره دوُن عيُونِهِ
لَعَمرُك إنّ الشعرَ صُمْصامُ حِكَمةٍ وإنّ النُهي مَعْدودةٌ من قُيونِهِ(25)
والشعر في رأي الشبيبي (محمدرضا 5619 م) له أهداف، ومُثُلٌ، ومعان أشار إليها في قصائد كثيرة منها:(لامية العرب الجديدة) و(الهزار الشاعر) و (ذكري شاعر)و(الإجتماع والشعراء)
والشعر عنده له غاية تفصل بين الحّق والباطل، وتقصد إلي الصدق، وتنسكب في معاني ألفاظه روح الإبتكار والخلود، وتسيل بين نسيج أبياته مُتعةُ السِّحْرِ أمّا الجواهري؟ فهو لسان الشعب، والأمّة والإنسانيّة قال: (الكامل)
وأنا لسان الشَعب كلُّ بليّة تأتيه أحمِلُ ثِقلها وأُصَوِّرُ
وإذا تقطّر من فُؤادي جانِبٌ حَدُبَت عَلَّي قلوبه تتقطّرُ(26)
ثمّ نبعت مدرسة جديدة من المدرسة السابقة وانسلخت عنها، وأخذت علي عاتقها سنة 7419 م بعد الحرب العالميّة الثانية التغيير في الأشكال مع التطوير في المضامين إبتداءً في شعر بدر شاكر السيّاب ثمّ نازك الملائكة وآخرين فكان الشعر الحديث (المسمّي بالشعر الحرّ) مرحلة جديدة، ومدرسة سرعان ماانتشرت في جميع الأقطار العربيّة باعثة شعلة النهوض في الفكر العربي المعاصر حاملة أشكالها ومضامينها هذا المفهوم العام لرسالة المواطن انطلق منه مضمون الشعر الحديث، وقامت الدعوة فيه علي أساس من تسخير الشعر لخدمة الأغراض الإجتماعيّة والسياسية، والحضارية، وشجب دعوة الفن للفن، لأنّه ارتبط بالواقع، وجَنَّدَنفسه لهذا الواقع وخدمته وتطويره وطرح النقاد في ظلّه شعار الأدب الهادف، لتحديد مضمون هذا الشعر الجديد، فلم يعد الشاعر في حركة هذا الشعر يعيش بعيدا عن الشعب والأمّة بل اندفع بكلّ قواه يشارك في المعركة المصيّرية، ويلهب أَتّونهابشعره المنبعث من تجربة حيّة، تمرّس الشاعر معها بأوضاع الكفاح، وحَمَلَ منها شَرَرَ القضيّة التي يؤمن بها.
إذن يتميّزهذا الشعر الجديد بعودة الشاعر إلي الإرتباط بالحياة الإجتماعيّة والإقتصاديّة والسياسيّة.
وقد أضاف، سبيلاً جديدة إلي ما كان مألوفا للتعبير عن هذه الرسالة الوطنيّة أو القوميّة، وهذا السبيل هو الغزل والحب الممزوج بالحرمان فهذا بدرشاكرالسياب في أَغلب قصائده مثل (مطر... مطر) و(الأسلحة والأطفال) و غيرهما، يمزج هذا الحب والغزل بالقضايا الأساسية في رومانسية حالمة، فيلوّن صوره وينوعها ويبرزها في طرحٍ يصوّرفيه المجتمع العراقي، والظلم، و رفض أشكال الإستعمار.
2- مدرسة المهجر (ومفهوم الأدب)
...القّت مدرسة المهجر في حركة التجديد مع مدرسة الديوان، ثم تخطّتها أشواطا في تجديد الشعر، وتحريره من الجمهود، وتطوير مضمونه، والخروج به عمّا عرف قديما من موضوعات.
وأضحي أثرها في توجيه الشعر قويّا وفاصلاً وكانت النماذج التي نسجها الشعر المهجري للوجدان قوّية التأثير في بعث روح الشعر بعد جموده حيثَ وجَّهت أفكارها إلي جوهره النَّقي، وشَقّت للشعر سبلاً لم يَعْهَدْها من قبل، علي أَنّها أخذت من التُّراث بحذر.
ومدرسة الديوان مقارنةً بمدرسة المهجر، محافظة، لأنّها أكثر إرتباطا بالتّراث، ولم تقطع الصّلة به، بل اعتمدت في معركتها مع التقليديين علي اطّلاع واسع من الشعر القديم، وتفاعل قوي مع الثقافة العربيّة بصفة عامّة ومع الثقافة الغربيّة بصفة خاصّة، في حين كانت مدرسة المهجر تعتمد أساسا علي الإلقاح الغربي، متعاملة في تفاعلها مع التراث العربي بقلّة وحذر. التجديد في الشعر المهجري تناول (الصياغة) و(المضمون) فسعي في (الصياغة) إلي التحرّر من الأشكال القديمة، وقصد البساطة في التعبير وتجنّب الزخرفة اللفظيّة، وجعل القيمة الإنسانية في الشعرأَعلي من القيمة اللسانية، وتخلّص من القوالب القديمة، وهدف إلي الأوزان الخفيفة، مع ميل إلي التنويع في الأوزان كما استغلّ أَساليب الموشّحات الأندلسيّة، وأَعطي اللفظة كلّ ما تحتاج إليه من الشاعرية في المعاني، والإشعاع الروحي مع لذّة السحر، وحلاوة الموسيقي، وعذوبة النطق، وجمال التصوير، وعبق التعبير، حيث جعل اللفظة حالمة ندية مفعمة بالجمال والأسي والحسرات.
أمّا المضامين؟ فقد كانت ثورة عارمة علي الأغراض التقليديّة القديمة داعية إلي استيماء النفس الإنسانيّة، متنعّمة علي الحياة منتظمة مايدور فيها من مشاكل الإنسان الإجتماعية والسياسية والإقتصاديّة.
اتسم شعرالمهجر، بومضات الغربة الرومانسية، والذاتية الفردية لأنّ الشاعر في الشعر المهجري حبيسٌ لوجدانه وذاته حتّي في حال اتصّاله بالشعور البشري العام.
فالشاعر هنا بصير بالأعماق الوجدانية مع تعدد نظراته للحياة،(28) وقد اختلفت هذه النظرة بإختلاف الشعراء إلّا أنّها كانت مشتركة في الذاتية الفردية عند الجميع.
إذن يتميّز أدب المهجر بالتجديد الطامح إلي الكمال، بخصائص قوية في أشكاله ومضامينه، تحرّر من سيطرة القديم في الأشكال بعد أن استوفي مالابدّمنه للصياغة الحديثة ونزعة التجديد والإنتقال من الإتباع إلي الإبداع والإعتداد بالشخصيّة الأدبيّة، لاجمود في القوالب الجاهزة، ولا ميوعة في المنابع المستحدثة نثرا أو شعرا.
قد انعتق النثر من المدلولات الثابتة، والرواسب القديمة، وانطلق الشعر بأصوات كثيرة متنوّعة، وأوزان قصيرة كما أسلفنا وموشّحات تتباري بالفن مع ما خَلَّفَتْهُ الأندلسُ.
3- مدرسة الديوان
كان نقد هذه المدرسة ينصب معظمه علي فنّ الشعر، لعراقته من جهة، ولعدم بروز الفنون الأخري من جهة ثانية، ونقدها أَغلبه نظري، وأقلّه تطبيقي و أعضاؤها كلّ منهم متأثّر بنظريّة غربيّة اتّخذها مَثَلاً له وأشهر مؤسّيسها: احمد شوقي (1932 م) والمازني (ابراهيم عبدالقادر9419 م) وعبدالرحمن شكري (1958 م)، والعقّاد (عبّاس محمود 6419 م) وغيرهم كثيرون وأهمّ مقاييسها:
1- الصدق: وهو التوافق بين شخصيّة الشاعر وشعره، ويقصدبه الصدق الفنّي الذّي يتضمّن صدق الشعور الذّي يعبّر عنه الشاعر ويصدر هذاالشعور منه عن مزاج أصيل لا تكلّف فيه وقد أوجب العّقاد علي الأديب التزام الحقيقة النفسية وليست الحقيقة المتجرّدة كما وضع كلّ من العقّاد والمزاني مقياسا لشعرالطبع يتلخّص في (صدقه وتأثيره) فإذا كان صادقا مؤثّرا، فهو مطبوع لا تكلّف فيه.
2- قوّة التعبير عن وجدان الأديب، فشعرالشخصيّة (الذاتية) الذّي أنتجه العقّاد والمازني هو من جوهر نظريتيمها القائل: (إنّ شعرالشخصيّة: تعبير عن وجدان الشاعر) وهو لفي قمّة الذاتية حيث يعبّرعن (أغوار) الوجدان للإنسان العربي، وتكون به (حياة الشاعر وفنه) متطابقين، (أي شيئا واحدا) لاينفصل أحدهما عن الآخر، بمعني لا ينفصل فيه الإنسان الحيّ عن الإنسان الناسج للنصّ.
3- الإعتراف بالتذوق الخاص (الشخصي): أعترف أَعضاء مدرسة الديوان بالذوق وسيلة أساسيّة في النقد، ولكنّهم اختلفوا في تفسير هذا الذوق، فعبد الرحمن شكري مثلاً لايُسَلّمُ للذّوق الخاص وحده بل يري أنَّ هناك ذوقا عاما يضاف للذوق الخاص يمكن أن يلتزم الجميع حدوده، فيقول عن الذّوق:
«اجتمع أعظم المصوّرين فصنع كلٌّ صورةً أَملاها عليه ذوقه، وزعم أَنّها بلغت غاية الجمال، إذا رأيتها، وَجَدْت إختلافا عظيما يَنَبِّي ءُ عن مثلِهِ في أذواق هؤلاء المصوّرين، ورُبّما كان بين الرسوم ما يستمجه بعضهم علي أنّك لَو قُلتَ لهم ما يَسْتَحلّوُنَ من معاني الجمال، عَجبْتَ لإختلافهم فيما يعرضون عليك»
أمّا العقاد والمازني، فمع إعرافهما بالذوق العام يميلان دائما إلي الذوق الخاصّ، ويعطيان له الأولوّية في مسائل النقد والنتاج الأدبي.
إنّ جماعة الديوان، النّقاد منهم يُقَوِّمونَ الجانب الفّني في العمل الأدبيّ من خلال انطباعاتهم الشخصيّة فهم في الحقيقة نُقّاد تأثريون.
4- الحرص علي التقويم: حرص أعضاء جماعة الديوان في نقدهم للنصوص الأدبيّة علي التقويم والتوجيه أكثر من حرصهم علي التفسير والتحليل وقديكون هذا الإتّجاه ممّا يتماشي مع طبيعة النقد الأدبي في تراثنا الأدبي.
إنّ الظروف التّي تولّي فيها أعضاء جماعة الديوان مهمّة النقد الأدبي، ساعدت دونما شكّ علي دفعهم نحو هذا الإتّجاه فهم في الواقع لم يكونوا نُقّادا فحسب وإنّما كانوا يخوضون معارك التجديد، وهم يثورون علي الكلاسيكيّة القديمة في النقد العربي القديم.
كما أنّ هؤلاء النقاد، قيّموا الأدب من خلال النظريّات الغربيّة التّي تأثّروابها، ونظروا إلي الأعمال الفنيّة كلّها من خلال مواقف فكريّة عامّة واحدة علي الرغم من خلافاتهم الفكريّة الأدبيّة فيما بينهم.
علاوة علي أنهم كما أسلفنا من قبل يهتمون بالتقويم ويهملون أحيانا التحليل والربط للنماذج بعضها مع بعض، ويحتفلون بإطلاق الأحكام العامّة، و الأحكام التّي تعكس أذوافهم الشخصيّة.
5- الإهتمام بالمضمون: إنّ الإهتمام بالنقد عندأعضاء جماعة الديوان يقوم أساسا علي العناية بالمضمون والإهتمام به أكثر من الشكل وهذا الذي دفعهم الي القول بأنّ كلّ كلامٍ لم يكن مصدره صحّة الادراك، وصدق النظر في استشفاف العلاقات، يكون هُراءً ولا محلّ له في الأدب إذن تغيرالحياة الفكريّة، والإطلّاع علي الأدب الغربي وفلسفته، وعوامل أخري كثيرة؛ دفع أعضاء جماعة الديوان إلي الإهتمام بالمضامين أكثر من الأشكال، فقد شُغِلت أذهانهم بالثقافة العلميّة والفلسفية، من أجل ذلك نزعوا إلي مزج العلم بالفلسفة مع الكثيرمن المناذج الأدبيّة.
6- النقد العلمي الفلسفي: كان العقّادُ أسبقَ من المازني وعبدالرحمن شكري إلي النقد العلمي الفلسفي فهو يري أَنَّ الشكري والمازني، (غَيَّرا) منهجيها في القراءة حيث إلتفتا إلي النقد العلمّي والفلسفي بعد أنَ كانت القراءة عندهما شاخصةً إلي النقد الأدبّي المحض علي أسلوب الغربيين من مثل (ماكولي) و(ماكس نوردو)و(المبروزو) و(السنج) و( نيشته)وغيرهم.
وقد كان أدباء الديوان هؤلاء يعتزون بأصولهم، وتراثهم التاريخي، فهذا خليل مطران يصف قلعة بعلبكَّ ويفخربها متذكّرا أيّام صباه في مدينته الّتي عاش فيها أيّام الصّبا بأحلامه وآماله وطموحه فيقول: (خفيف)
همّ فجر الحياة بالإدبار فإذامَرَّ فهي في الآثار
والصّبا كالكري نعيمٌ ولكن ينقضي والفتي به غيرُ دارٍ(31)
4- مدرسة أبولو
كان مؤسّس هذه المدرسة الشاعر المصري الدكتور أَحمدزكي أَبوشادي (1892 م 1955 م) وهي إمتداد لمدرسة الديوان، فقد تأثّرت بها، وانبعثت من خلال الصراع العنيف الذي داربين شعراء التقليد وشعراء هذه المدرسة ونقّادها، كانت مدرسة الديوان من قبل تهتم بصياغة النظريات التجديدّية أكثر من أهتمامها بصياغة النّص الشعري، وحينما جاءت مدرسة أبوللو عكست الأمر فاهتمت بصياغة النصّ الشعري أكثر من إهتمامها يصياغة النظريّات.(33)
مدرسة أبوللّو تيار نشأمنذوفاة سعدزغلول (1927 م) أو قبيل ذلك، وقد تميّز هذا التيار بشيئين مهمين: هما الوجدان الذاتي، والتعبير الرمزي.
بدأت هذه المدرسة ترسل شعرها غناء ذاتيا متفجّرا عن عواطف جياشة، ووجدان منفصل حزين وقد تطوّرت هذه المدرسة عندما صدر العدد الأوّل من مجلّة أَبوللّوفي (سبتمبر) سنة 1932 م حيث أُعلنت جميّعة تتألّف مَن أحمد شوقي (1932 م)رئيسا وخليل مطران وأحمد مُحَرَّم نائبين للرّئيس، والدكتور أحمد زكي أبوشادي (1955 م) سكرتيرا، وأعضاؤها: الدكتور إبراهيم ناجي (1935 م)، والدكتور علي العناني، وأحمد الشايب، وسيدابراهيم وعلي محمود طه (9419 م) ومحمود أبوالوفا، وحسن القاياني و حسن كامل الصيرفي(34) ثمّ جُدّد الإنتخاب سنة 1933 م، فأصبح خليل مطران رئيسا، وابراهيم ناجي وأحمد محرّم نابئين، للرّئيس، وأحمد زكي سكرتيرا، والبقيّة من الأدباء أعضاء ثمّ ضمّت هذه المدرسة الكثيرين من الشباب فيما بعد.
إنّ التجديد في نظر هؤلاء الشبّان في البداية، لم يكن معنيً كامنا في نفوسهم قاصدين إليه قصدا، بل كان خواطرومضات فنيّة، وفورات يعبرون عنها من خلال نتاجهم الشعري المتنوّع النزعات ومن خلال نظراتهم النقديّة فهم يدعون إلي الوحدة العضويّة للقصيدة؛ ويؤكّدون علي التحرّر البياني و الطلاقة الفنيّة ويستحثون الشخصيّة الأدبيّة علي الإبداع والإبتكار، وينهونها عن اجترار الماضي، ويريدون منها الإبتعاد عن الأغراض التقليدية، و الوفا وللعصر الذّي تعيش فيه بأن تعكس الحياة والطبيعة.
كانت الفكرة في نتاج هؤلاء الشعراء منسجمةً مع الخيال والشعور (العاطفة) حيث مزج أفراد هذه المدرسة بين الوجدان والعقل، فخرجت تجارُبُهُمْ مشرقةً متّسمة بطبع دقيق تتوهج فيه الرؤيا الشعريّة والإنفعال الحارّ، فانطلقت مضامينهم، واتّسعت للشعر الوجداني، وشعر الطبيعة الّتي إمتزج بها بصورته الصوفية الفلسفيّة، عن طريق الإيحاء الرمزي.
حاولت قوالب هذه المدرسة الإنفلات من أسراالتقليد والجمود، فنتوعت في القوا في والبحور، أحيانا، وتحررت من القوا في أحيانا أخري.
وجدّدت في الأشكال حيث ظهر في نتاجها أنواع من القصص والمسرحيّات الشعريّة إلي جانب الفيض الشعري وهي لم تكن مدفوعة بفطرتها إلي التجديد بل بادراكها الحاجة إلي التجديد بعد تناولها النتاج الشعريالسابق بالدرس والتحليل الناقد.
وكان أبوالقاسم الشابي يري:«أنّ المدرسة الجديدة تدعو إلي أن يحدّد الشاعر ماشاء من أسلوبه وطريقته في التفكير، والعاطفة، والخيال، وإلي أن يستلهم ما يشاء من كلّ هذا التراث المعنوي الّذي يشمل ما ادّخرته الإنسانيّة من فَنّ، وفلسفة ورأي، ودين، لافرق في ذلك بين ما كان منه عربيّا أو أجنبيا، وبالجملة، فانّها تدعوإلي حرّية الفّن من كلّ قيديمنعه الحركة والحياة».
ويمكن أن نلخّص عمليّة التجديد عند أصحاب هذه المدرسة في ثلاث نقاطٍ هي:
1- التجديد في البناء الفنّي
2- التجديد في البناء الدّاخلي.
3- الغاية الشعريّة (هدف الشعر)
أوّلاً التجديد في البناء الفنّي الخارجيّ:
ويشمل أنواعاكثيرة منها:
1- التجديد في الألفاظ: فقد ابتكر شعراء أبوللّوفي الألفاظ، وَحَمَّلُوها دلالات تختلف عن دلالاتها القديمة، وقد أعانهم علي ذلك استخدام التعبير الرمزي لمثل هذه الألفاظ في كثيرمن المواقف فقد رأينا ألفاظ أصحاب هذه المدرسة شيقة في قصائدهم السحرية، مليئة بالأطياف والظلال، والسكون الشمسي، والعطر المفضض، والشفق السحري، والليل الأبيض، والنور الهادئ والخواطر المذعورة وكان أبوشادي من أوائل الذين أدخلوا هذه الألفاظ في شعرنا الحديث، وله قصائد كثيرة تحمل ألفاظ من مثل (بلوتو) و(برسفون) و(إيليا وصموئيل) و(ديوس) و(پودوبا)
2- التجديد في العروض، ويمكن أن نلخصه في:
أ: ألشعر الحرّ (الحديث): وهو مالم يتقيّد بقافية، ولا بتوازن بين الشطرين
ب: الشعر المرسل: وهوما يلتزم فيه البحر الواحد مع تحرر من القافية
ج: الشعر المنثور: وهو ما لا يتقيّد بوزن ولا قافية
د: الشعر القصصي: وهو قصص تعتمد علي نقش شاعريّة، تتجاوب إيقاعاتها مع أعماق الإنسانية الداخليّة....
نستطيع أن نجمل التجديد الذي نادي به شعراء(أبوللّو) بمايأتي:
أ: ألألفاظ
ب: الشعر الحرّ
ج: الشعر المرسل
د: الشعر المنثور
ه: الشعر المترجم والمطولّات التأملّية
و: الشعر القصصي
ز: الشعر التمثيلي
ح: الشعر العلمي
غير أن هذه المحاولات التجديديّة في شعر أصحاب هذه المدرسة لم تكن بمستويً واحدٍ كما هي الحال عند معاصريهم من شعراء القصيدة العموديّة.9
http://www.hawzah.net/ar/Article/View
النقد الأدبي في منظور سيد قطب من خلال قراءة وتحليل سمير لعفيسي
وظيفة النقد وماهية العمل الأدبي عند سيد قطب يقول سمير لعفيسي
تتلخص وظيفة النقد الأدبي وغايته عند سيد قطب - كما ذكَرها في مقدمته - في
تقويم العمل الأدبي من الناحية الفنية
بيان قيمته الموضوعية، وقيمه التعبيرية والجمالية
تعيين مكانه في خطِّ سير الأدب
تحديد ما أضافه إلى التراث الأدبي في لغته، وفي العالم الأدبي كله
قياس مدى تأثُّره بالمحيط، وتأثيره فيه
تصوير سمات صاحبه، وخصائصه الشعورية والتعبيرية
كشف العوامل النفسيَّة التي اشتركَت في تكوينه والعوامل الخارجية كذلك

من هذا البيان الموجز نَستطيع أن نُدرك موقف سيد قطب في النقد الأدبي سواءٌ في القديم الحديث، فهو في تقويمه للعمل الأدبيِّ يَستند إلى المنهج الفنِّي والتاريخي والنفسي، محاولاً المَزْج بين هذه المناهج وتسليطَها على خبايا الأدب؛ بُغيَة كشفِ صورة العمل الأدبي، ورسمِ صورةٍ واضحة له
فما العمل الأدبي؟ وما غايته؟ وما هي أدواته وطرائقُ أدائه؟
يُجيبنا سيد قطب بأن العمل الأدبي هو: "التعبير عن تجربة شعوريَّة في صورة موحيةوهذا التعريف في دلالته تَشترك فيه جميعُ فنون الأدب، وسيد قطب بحسِّه النقديِّ الثاقب في هذا التعريف، يُحاول أن يحدِّد المشتركات التي تَجمع الفنون الأدبيَّة، ويَبني عليها تعريفًا دقيقًا في خمس كلمات، ونحن لا ندَّعي أن هذا التعريف قد أوفى بجميع خصائص العمل الأدبي، ولكنه شاملٌ ودقيق من جهة التشارك بين الفنون ليس إلا؛ فسيد قطب نفسُه يقول: "ومع أن التعريفات - وبخاصة في الأدب - لا تفي بالدلالة على جميع خصائص المعرَّف، ولا تصل إلى درجة أن تكون ما يسمَّى التعريف "الجامع المانع" فإننا نَرجو أن يكون هذا التعريف للعمل الأدبي أوفى ما يكون بالدلالة على جميع خصائصه المشتركة في فنون الأدب جميعًا
وقد شرح سيد قطب هذا التعريف شرحًا وافيًا؛ نضعه كالتالي
كلمة "تعبير" تصوِّر لنا طبيعة العمل ونوعه.
تجربة شعوريَّة" تبيِّن لنا مادته وموضوعه.
صورة موحية" تحدِّد لنا شرطه وغايته
فالتجربة الشعورية هي العنصر الذي يَدفع إلى التعبير، ولكنها بذاتها ليست هي العملَ الأدبي؛ لأنها ما دامت مُضمَرة في النفس، لم تَظهر في صورة لفظية معيَّنة، فهي إحساس أو انفعال، لا يتحقَّق به وجود العمل الأدبي
والتعبير في اللغة يشمل كلَّ صورة لفظيَّة ذات دلالة، ولكنه لا يصبح عملاً أدبيًّا إلا حين يتناول تجربة شعوريَّة معينة، فالتعبير لا يُقصد به مجرد التعبير، بل رسمُ صورة لفظية موحية للانفعال الوجداني في نفوس الآخرين؛ وهذا شرط العمل الأدبي وغايته، وبه يستحق صفته

فمتى كان الانفعال الوجداني، والتعبير موحيًا مؤثرًا كان العمل الأدبيُّ حاضرًا، وغايته تَكمن في ذاته، فهو يحقِّق لونًا من ألوان الحركة الشعوريَّة، وهذه - في ذاتها - غاية إنسانيَّة وحيوية، تَدفع

فجميعُ الفنون الأدبية تحقِّق ذاتها عن طريق التعبير الموحي المؤثِّر، فمتى كان الشعر أو القصة أو الرواية أو المقالة... إلخ، تترك تأثيرًا وتصورًا في نفس القارئ، وتصبح التجربةُ الشعورية مِلكًا للقارئ يتأثر بها كما تأثَّر بها صاحبها، وأضاف بها إلى رصيده من المشاعر صورة جديدة ممتازة - يكون العمل الأدبي قد حقَّق غايته المثلى
هكذا يدعو سيد قطب إلى أصلٍ لا غِنى عنه في تكون العمل الأدبي، ألا وهو عنصر التأثير والشعور؛ الشعور الذي يَنقُلنا إلى تذوق عوالِمَ جديدة مع كل مرةٍ نَقرأ فيها لأديب عظيم، وما دمنا قادرين على أن نعيش تجاربَ هؤلاء الأدباء وننفعل بها؛ فإننا أضفنا إلى أعمارنا زادًا ورصيدًا إضافيًّا
مقومات العمل الأدبي
من خلال قراءة وتحليل سمير لعفيسي لكتاب النقد الادبي أصوله ومناهجه
يرى سيد قطب أن العمل الأدبي يتكون من عنصرين أساسيَّين في تشكله، هما عُنصرا التعبير والشعور، وهذان العنصران لا يمكن أبدًا فصلُ أحدهما عن الآخَر؛ فهما وجهان لعملةٍ واحدة، ورغم هذا الالتحام بين القيم التعبيرية والقيم الشعورية، فقد تحدَّث عنهما سيد قطب منفصلَين، وحاول أن يحدِّد الخصائص المميزة لكل منهما! ورغم أن العمل الأدبي لا يصبح عملاً موجودًا إلا إذا تحقق في صورة لفظية محسوسة، فقد بدأ سيد قطب بالحديث أولاً عن القيم الشعورية؛ معلِّلاً ذلك بأن مرحلة الشعور هي التي تَسبق في نفسِ صاحبها
أ- القيم الشعورية
إن الطابع المميز للتجارب الشعوريَّة في العمل الأدبي، هو طابع الاختلاف من أديبٍ إلى أديب آخَر؛ فكلُّ أديب يصوِّر لنا الكونَ وفق تصوُّر خاص، وكل أديب له طابعٌ شخصي وميسم ذاتي، يصبغ به كلَّ عمل يخرج من بين يديه، فيتذوَّقه القارئ في كل أعماله؛ يقول سيد قطب: "وليس هذا الطابع أسلوبَ تعبير لفظي فحَسْب، ولكنه قبل ذلك طريقةُ شعور

فقيمة الأديب تُقاس بمقدار استطاعته أن يُخرجَنا من قيد اللَّحظة الحاضرة في حياتنا، ويرفعنا إليه لحظات، ويفتَح لنا المنافذ لنطلَّ على هذه العوالم الجديدة، وبعض الأدباء يَبدو دائمَ الصلة بهذه السِّمة، والبعض الآخر لا تُتاح له إلا في مرات محدودة، وهذا هو معيار التفاضل بين الأدباء جميعًا
ويضيف سيد قطب إلى هذا المعيار شيئًا آخرَ هو مدى استطاعة الأديب أن يَنقلنا عن طريق جزئياتٍ بسيطة في الحياة، إلى الحياة الكبرى المليئة بالأحاسيس والانفعالات الوجدانيَّة، وهي ميزة - كما يرى سيد قطب - لا تتوافر إلا لعدد قليل جدًّا من الشعراء.
ب- القيم التعبيرية
إن وظيفة التعبير في العمل الأدبي لا تقف عند الدلالة المعنويَّة للألفاظ والعبارات، بل تُضاف إلى ذلك مؤثراتٌ أخرى، وهذه المؤثرات هي الإيقاع الموسيقيُّ للكلمات والعبارات، والصور والظلال التي تضفيها العبارات على المعنى في الذهن، يضاف إلى ذلك الأسلوبُ الذي تُعرض به التَّجارب، وتناسُق الكلمات والعبارات
ويبدو واضحًا تأثُّرُ سيد قطب الكبيرُ بنظرية النَّظْم عند عبدالقاهر الجرجاني؛ فهذه الظلال - التي يتحدَّث عنها هنا - ليست إلا ما تناوله عبدالقاهر في كتابه دلائل الإعجاز في باب اللفظ والنظم؛ يقول الجرجاني: "لا يكونُ لإِحدى العبارتين مزيةٌ عَلى الأُخرى، حتى يكونَ لها في المعنى تأثيرٌ لا يكونُ لصاحبتها. فإِنْ قلتَ: فإِذا أفادَتْ هذه ما لا تُفيدُ تلك، فليسَتا عبارتَين عن معنًى واحدٍ، بل هما عبارتان عن معنَيَين اثنين
فتركيب الألفاظ وطريقة صياغتها يُعطي معانيَ جديدة، وكلما تغيَّر نظمُ الكلام تغيَّر معنى الكلام، وأيُّ إضافة في العبارة أو تغييرٌ فيها فهو زيادة في المعنى أو العكس، وقد تجلَّى تشبُّع سيد قطب بنظرية النظم عند الجرجاني في تصوير هذه الظلال في كتابه "في ظلال القرآن
وقد لا نبالغ إذا قلنا: إن سيد قطب ألَّف كتابه "في ظلال القرآن" بعد تذوُّقٍ وفَهم ثاقب لنظرية النظم بصفة خاصة، ولفكر الجرجاني بصفة عامة، وهو - ربما - ما جعَله يُهدي هذا الكتاب "النقد الأدبي أصوله ومناهجه" لروح عبدالقاهر الجرجاني
ويميز سيد قطب بين المدلول الذهني المجرَّد للألفاظ والمدلول الشعوري، فالمعنى التجريديُّ ثابتٌ لا يتغيَّر على مدى الزمان؛ ما دام الاصطلاح مقررًا لم يتغير، أما المعنى الشعوري فمتغير؛ لأنه كلَّ يوم يكتسب مُلابَسة شعورية جديدة تُضاف إلى رصيد هذا اللفظ، ولا نهايةَ لهذه الملابسات طالما أنها تُخالج مشاعر الأفراد والأجيال التي تَستخدم هذا اللفظ
فدلالة اللفظ الشعوريةُ تختلف بحسب استجابة كلِّ فرد لما يمر به من تجاربَ ومَشاهد في الحياة، مما يُفسح المجال أمام أنماطٍ لا تُحصى من الانفعالات والمشاعر كلَّما ذُكر لفظ من الألفاظ
إن وظيفة الأديب أن يصنع أنساقًا ونظامًا للألفاظ، ويسمح لها بأن تتضمَّن مجموعة من الصور والظلال والإيقاعات، وأن تتَناسق كلُّها مع الجو الشعوري الذي يُريد الأديبُ أن يَرسُمه لنا، دون أن يقف فحَسْب عند الدلالة المعنوية واختيارِ الألفاظ لها، بل يصور لنا اللفظ في حالة حيَّة؛ كما لو أننا لم نسمع به قط، وهذا لا يتأتى إلا للأديب الموهوب؛ كما أن التعبير عن تجربة شعورية لا يتحقَّق إلا في صورة العبارات وتداخُلِها؛ فالعبارة الواحدة قاصرةٌ وحدَها، فتَتبعُها عبارات أخرى تشحن التجربة الشعورية بمزيدٍ من الظلال
فنون العمل الأدبي من خلال قراءة وتحليل سمير لعفيسي
بعد أن تعرفنا عن ماهية العمل الأدبي، والأسس التي تُسهم في تشكُّله، ورأينا أن غاية العمل الأدبي المثلي تكمن في مدى استطاعة الأديب أن ينقلنا ويشركنا في عالمه، ويصور لنا العوالم الإنسانية، والسَّفر فيها عن طريق سفينة اللغة، والتعبير الجميل الذي يشكِّل سمةَ صاحبه - فإننا نجد العمل الأدبي فنونًا كثيرة يجمعها هذا العنوان، وتختلف فيها درجاتُ هذه العناصر، وبخاصة أسلوب تناول الموضوع والسير فيه، فهو يختلف من فنٍّ إلى آخر حسب موضوعه واتجاهه
ولهذا خصص سيد قطب فصلاً لهذه الفنون؛ في محاولةٍ منه أن يُعطيَ صورة دقيقة لقواعد النَّقد، فالحديث عن كل فنٍّ من فنون الأدب، يجعلُنا نحدِّد أحكامه الخاصة بموضوعه ووظيفته وأدواته التي - أحيانًا - تكون متقاربة أو متفاوتة بدرجة أو بأخرى في كل فن
ونحن في عرضِنا لهذه الفنون التي عالجها سيد قطب، سنقتصر على أنواعٍ نعتقد أنها تَكفي لتبين ذلك؛ وهي: الشعر، والقصة والأقصوصة، ثم الخاطرة والمقالة والبحث
الشعر
بدأ سيد قطب الحديث عن الشعر؛ معللاً ذلك بأن النثر أحدثُ نشأةً، والشعر أقدمُ وجودًا؛ يقول: "وقد صيغَت الملحمة والتمثيلية - بقِسمَيها: المأساة والملهاة - في قالب شعري فترةً من الوقت، قبل أن يتهيَّأ ظهور التمثيلية نثرًا بزمن ليس بالقصير، وقبل أن يتهيَّأ ظهور القصة والأقصوصة والتراجم بأزمان طوال؛ فإذا قصَرنا المجال على الأدب العربي توقُّعًا أن يكون الشعر قد سبَق النثر الفني، فلقد وجدتُ القصيدة المكتملةَ الناضجة، بينما كان النثر الفنيُّ في خطواته يحبو
وبعد هذا التحديد الموجز بدأ سيد قطب في عرض مميزات الشِّعر عن النثر، والحدود الفاصلة بينهما، ويمكننا تلخيصُها كالآتي
• أن الإيقاع في الشعر (العربي والآداب الأوربيَّة) من نوع آخر غير الذي يحتويه النثر حتى ولو كان منظومًا
• هناك تجاربُ شعورية معيَّنة تثير انفعالاتٍ شعورية خاصة لا يستنفذها إلا التعبير الشعري
• التعبير الشعري يتضمن إيقاعًا قويًّا منسَّقًا من الصور والظِّلال يجعله وسيلةً مضمونة لاستنفاد الطاقة الشعورية
فطبيعة الشعر ووظيفته عند سيد قطب هي هذه الروح الشعريَّة، وهذا الإحساس الذي يَستعلي على الحياة العادية؛ فدرجة الانفعال هي التي تستدعي التعبير الشعريَّ وهي ما عبَّر عنها سيد قطب بالرُّوح الشعرية، وهذا لا يَعني أن الشعر هو التعبير عن الحياة وإنما هو التعبير عن اللحظات الجزئية البسيطة التي يَستطيع من خلالها الشاعر نقْلَنا إلى عوالمَ إنسانية كبيرة تشعُّ بالحياة؛ يقول: "فالشاعر الذي يَصِلنا بالكون الكبير، والحياة الطَّليقة من قيود الزمان والمكان، بينما هو يُعالج المواقف الصغيرة، واللحظات الجزئية، والحالات المنفردة، هو الشاعر الكبير النادر
القصة والأقصوصة
إذا كان الشعر تعبيرًا عن اللحظات الجزئية الخاصة في الحياة؛ فالقصة هي التعبير عن الحياة؛ من هذا التحديد حاول سيد قطب أن يضَع سماتِ فنِّ القصة، ويحدد التقاطعات الفنِّية التي - أحيانًا تشترك فيها القصةُ مع الشعر
فالقصة القصيرة هي أشبهُ بالصورة الشمسيَّة؛ تَلتقط لحظةً خاصة من سلسلة اللحظات الزمنية والحسِّية والشعورية للإنسان أو للأشياء، وهي اختيارٌ وتنسيق لحادثةٍ أو عدة حوادثَ، تبدأ وتنتهي في زمن محدود وتصوِّر غاية معيَّنة
وهذا التنسيق هو جانبُ الفنية فيها، وهو الذي يَختلف من قَصَّاص إلى آخر؛ كما أن القصة القصيرة تتمتع بقدرٍ كبير من الحرية لا نجده في الأقصوصة، هذه الأخيرة التي تتبع خطَّ سير واحدًا حول حادثة أو حالة شعورية معينة، أو شخصية محددة، وليست متاحة للتمثيليَّة التي تتقيَّد بزمن التمثيل وقيود المسرح ووجود الممثلين فوق الخشبة، وليست متاحة للملحَمة وهي مقيدة بتصوير الشخصيات والأحداث الخارقة، وتخالف حياة الواقع وتتبع خط زمن يناسبها
ورغم هذا البُعد الذي نجده بين القصة والشعر فإنَّ هناك تشابهًا بينهما في تتبع جزئيات التجربة الشعورية، وتصوير الخواطر والانفعالات المصاحبة لها، ولكن مجال القصة في هذا المجال أفسحُ وأشمل؛ لأنها تستطيع تصويرَ لحظات وحالات بجميع التفاصيل والملابَسات، في حين يَقتصر الشعرُ على الحالات الخاصة، ولا يهمُّه تتبع الأسباب وذِكر التفاصيل.
أما فيما يتعلق بالحدود بين القصة والأقصوصة، فقد بيَّن سيد قطب أن الحجم بينهما ليس هو معيارَ اختلافهما، بل طبيعة معالجتهما للأحداث هي الفاصل الأساسي، فإذا كانت القصة تتمتَّع بقدرٍ من الحرية يُتيح لها الاطِّلاع على جميع ملابَسات الحياة والاستطراد في تصوير الشخصيات...إلخ
فإن الأقصوصة تدور حول محور واحد، في خط سير واحد، وفي فترة محدودة، وتناول حادثةً خاصة، أو حالة شعورية معيَّنة، ولا تَقبل الاستطراد إلى مُلابَسات وظروف كل الشخصيات
ورغم أن سيد قطب لم يتحدث عن الأقصوصة في علاقتها بالشعر بشكلٍ واضح كما فعل مع القصة، فإنَّنا - باستقراء كلامه - نجد أن الأقصوصة عنده أقربُ للشعر من القصة القصيرة؛ ذلك أن الأقصوصة تعتمد على قوة الإيحاء والتصوير، والتعبير الحافل بالصور والظلال والإيقاع كالشعر.

الخاطرة والمقالة والبحث
كثيرًا ما نطلق لفظ "المقالة" على الخاطرة، وهذا راجعٌ إلى التشابه الكبير بين "المقالة" كنوع أدبي مستقل، و "الخاطرة" كنوعٍ آخرَ له مقوماته وشروط إنتاجه الخاصة، وهذا التشابه مرَدُّه أساسًا إلى ظاهر كل منهما، في حين يرى سيد قطب أن الخاطرة لها صبغة انفعالية، بينما المقالة لها صبغة تقريرية؛ بهذا التحديد الأوَّليِّ بدأ سيد قطب الحديث عن طبيعة هذين النوعين الأدبيَّين، وعن الخصائص المميزة لطبيعة موضوعهما

فالخاطرة لها وظيفة شعرية، وأقربُ ما تكون للقصيدة الغنائية؛ فهي تَعرِض التجارِبَ الشعورية في صور موحية، وتجمع المشاعر في عبارات تتفق بإيقاعها ومعانيها مع الجو الشعوري الذي يُخالج صاحبها، هذا إضافةً إلى عملية الخَلْق الفني، والأداء اللفظي الذي يضمن استقلالية كلِّ كاتب عن الآخر. وهذه الخصائص هي نفسُها خصائص القصيدة الغنائية.

أما المقالة فهي - قبل كل شيء - فكرةٌ وموضوع؛ فكرة هادفة واعية، وموضوع يحتوي قضية يُراد بحثها، بحيث تؤدي إلى نتيجة محدَّدة وغاية مرسومة من أول الأمر، وليس التأثير الوجدانيُّ هو غايتَها، ولكن غايتها الأساسية هي الإقناع الفكري، كما أن كاتب المقالة يفرغ اللفظ من صورته الموحية إلى صورته المجردة، فقَصدُه ليس التأثير في نفس القارئ، بقدر ما يُحاول ترسيخ فكرةِ مَقاله في عقل القارئ وتصوُّره.

ورغم أن فنَّ المقالة يصعب تعريفه كما يرى ذلك الدكتور محمد يوسف نجم في كتابه "فن المقالة"؛ يقول: "وإذا ذهَبْنا نبحث عن تعريفٍ جامع مانع للمقالة، أعيانا البحث وضلَّت بنا سُبله، شأننا في ذلك شأن هؤلاء النقاد الذين عجزوا عن أن يُحيطوا هذا الفن الأدبيَّ بتعريف دقيق؛ نظرًا لتشعب أطرافه واختلاطه بالفنون الأخرى على صورة من الصور - فإننا نجد سيد قطب بتحليله لمجموعة من المقالات التي مثَّل بها، قد وضَع أسسًا تتميز بها المقالة عن باقي الفنون الأدبية، ويكفينا دليلاً ما أشرنا له.

أما البحث العلمي فاكتفى سيد قطب بالتمثيل له بهذا الكتاب الذي نعالجه؛ فهو بحثٌ عن النقد الأدبي يتناول الموضوع من جوانبه المتعددة، ويرى أن الفرق بين البحث والمقالة "أن هذه تعالج فكرة واحدة في الغالب، يصل القارئ إلى نتيجتها عند فَراغه من المقالة، أما البحث الطويل فكل فصل فيه يُعالِج جزءًا من الفكرة، ويَصلُح مقدمةً للفصل الذي يَليه، وجميع فصوله متعاونة
هكذا نجد أن سيد قطب قد تعامل مع كل فن أدبي بما يُناسبه من الأحكام الخاصة بموضوعه ووظيفته وأدواته، مستمدًّا قواعده من خصائصها، في محاولةٍ منه أن يُعطي صورة دقيقة لقواعد النقد الأدبي، وذلك بتوزيع الحديث عن كل فن من الفنون
إن فكرة سيد قطب التي حاول ترسيخها في كتابه، هي أن الأدب ليس فنًّا واحدًا بل هو مجموعة من الفنون، وأن لكل فنٍّ من هذه الفنون طريقتَه وموضوعاتِه، وعلى هذا الأساس يمكننا أن نُفرِد الأدب بقواعدَ نقدية خاصةٍ تتماشى مع كل فن؛ من هنا تتضح أهميةُ وقيمةُ الطريقة التي اتَّبعناها في محاور هذه القراءة المتواضعة
فطريقة سيد قطب في النقد الأدبي تبرز في ذات الموضوع الأدبي ولا تَخرج عنه، فالرجل كان يبتعد - قدرَ الإمكان - عن ماهية المناهج، والزجِّ بها في قوالبَ فكرية، حتى لا يجعلَنا نقول: إن النقد الأدبي ابنُ المناهج؛ فرغم تأكيده على أهمية المناهج في تذوق الأدب وفَهمه، وجَعْل الأدب في إطار نُواجهه من خلاله بالحكم وبالنظر إلى قيَمِه الشعورية والتعبيرية - فإننا نجده يدرس الفنون الأدبية في ذاتها، ويستخرج منها قواعدَ تُلائم طبيعتَها وخصائصها، فكان ناقدًا يضع القواعد ويطبقها أولاً، ويحاول تفسيرها باعتماد المنهج المتكامل ثانيًا
ولعل سيد قطب أولُ مَن خطَا هذه الخطوة في النقد الأدبي الحديث؛ فنحن نجد دراساتٍ كثيرةً أدبية وتطبيقية، لكنها بعيدةٌ عن وضع الأصول والقواعد، فتجدها تحكم المناهج وتجرِّبها على النصوص، وتَبني على أساسها تصوراتٍ بعيدةً كل البعد عن مصطلح الأصول والقواعد في الدراسة الأدبية
وهذا لا يَعني أننا ننكر أهمية هذه الدراسات التطبيقية؛ فهي في رأينا مادة خام تَسمح لنا ببناء أراء نقدية جديدة، وتُعزِّز بؤرة النقاش الأدبي نحو نقدٍ أدبي، قائمٍ على أسس وقواعدَ مستمدة من فنون الأدب
ومجمل ما يُمكننا قوله عن طريقة وأسلوب سيد قطب: أنه سلك منهجًا دقيقًا وأسلوبًا سلسًا؛ فتَعامَل مع القضايا الأدبية بالتقنين والتعريف والتركيز، وقد أكثرَ مِن الأمثلة والنماذج في الحدود التي يتطلَّبها الموضوع، ونقصد هنا بالقضايا الأدبية الفنونَ الأدبية التي قام بوَضْع تعريفاتٍ لها، ونحن نعرف - طبعًا - أن هذه الفنون لها تعريفاتٌ مختلفة، ومن الصعب أن نحُدَّها بتعريف واحد مانع
ورغم دعوته للتأصيل والابتعاد عن المناهج الغربية التي لها ظروفها الخاصة، فقد اقتبس من بعضِها، واستشهد بكثير من النصوص الأدبية الغربية، وهذا المزج هو نظام الحرية والابتداع الذي يَدعو له بصفة عامَّة سيد قطب في النقد والأدب والحياة10.

http://www.alukah.net/literature_language سمير لعفيسي قراءة وتحليل كتاب: النقد الأدبي أصوله ومناهجه لسيد قطب
تاريخ الإضافة: 4/5/2015 15/7/1436 هجري



المراجع
1.
موضوع.كوم:http://mawdoo3.com/
2. http://www.hawzah.net/ar/Article/View
3.
موضوع.كوم:http://mawdoo3.com
4. : http://www.alukah.net/literature_language
5. http://www.alukah.net/literature_language
6. https://www.facebook.com/
7. http://www.hawzah.net/ar/Article/View/
8. http://www.alriyadh.com/737943 فاضل من هو مؤسس النقد العربي الحديث؟
الثلاثاء 1 رجب 1433 هـ - 22 مايو 2012م - العدد 16038
9http://www.hawzah.net/ar/Article/View/
10 http://www.alukah.net/literature_language سمير لعفيسي قراءة وتحليل كتاب: النقد الأدبي أصوله ومناهجه لسيد قطب
تاريخ الإضافة: 4/5/2015 15/7/1436 هجري



#ابراهيم_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأدب المقارن مفهومه ونشأته وتطوره
- القصة الإفريقية الشفهية وأهميتها
- القصة الإفريقية الشفهية وميلاد القصة العربية
- المرأة في الأدب العربي الإفريقي في جنوب الصحراء شعراء وسط إف ...
- الأدب العربي الإفريقي في منظور الدكتور يوسو منكيلا
- اثر الثقافة العربية على قبيلة مزغوم في الكاميرون
- الأدب العربي الإفريقي في جنوب الصحراء عالمية الغزل في الشعر ...
- ديوان الحياة
- عندما ينام العقل تستيقظ الوحوش_ دي غويا
- الإنسانية والأخلاق أولاً
- العظّايات الخضر.


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم محمد - النقد الأدبي تعريفه ومفهومه ومنهجيته ومقاييسه واتجاهاته