أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - السعدي سعيد - الذكرى 64 لثورة يوليو















المزيد.....


الذكرى 64 لثورة يوليو


السعدي سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 5237 - 2016 / 7 / 28 - 06:11
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


يخلد العالم العربي و كل القوى التقدمية في هذه الايام الذكرى 64 لقيام ثورة 23 يوليو العظيمة، و التي قادها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، و التي جاءت استجابة للمرحلة التاريخية التي تستوجب تحريك عجلة التقدم و انبعاث الامة العربية من جديد ،بعدما توقف التاريخ طويلا في مستنقع الاقطاعية و الراسمالية الاجنبية وتحت براثين الامبريالية .و كما تخيل توفيق الحكيم في روايته عودة الروح بطله الملهم الذي تحتاجه مصر في تحريرها و انقاذها ، جاء عبد الناصر كاستجابة لنداء الطبقة المفقرة و المسحوقة من فلاحين وعمال، ليقودها الى العيش الكريم و التحرر و الكرامة ...و عاش عبد الناصر متعففا و شبه فقير حتى مات على ذلك، ليبرأ نفسه من اي شبهة يحاول ان يتصيدها اعداء التقدم من الرجعية و الصهيونية ،محاولتا تلويث نقاء يد وصورة عبد الناصر عند الجماهير، وتجعل منه طاغية ودكتاتور. و هاده الاخيرة، و للاسف الشديد ما علقت في اذهان الكثير. و به و جب توضيح بعض المفاهيم التي اصبحت تروج بين العوام وحتى بعض المثقفين ،ويتم تلقيها بدون تمحيص او خلخلة ،حتى اصبحت من البديهيات عندهم.
لا تخفى على الكثير ان اي خطاب اعلامي يثوي في طياته ايديولوجيات و خطابات تهدف الى ما تهدف اليه ،وهدف كثير من قنوات الرجعية العربية و الصهيونية هدم قامة الزعيم المناضل ،الذي كرس حياته لنهوض الامة العربية وتقدمها.
و بعد وفات الزعيم عبد الناصر سنة 1970 ،انطلقت لاول مرة بشكل واضح حملات التشهير ومحاولات التشويه سنة 1971 او ما يعرف بردة مايو حتى قال فخري كريم " الزعيم محرك يقظة القومية العربية الحديثة ... تم اجهاض العملية الثورية و اجهضت الثورة نفسها ،وتعرض زعيمها الى اوسع حملة تشهير تعرض لها زعيم عربي." وجاء ذلك اساسا من انور السادات ومن سخرية التاريخ، ان السادات كان مقربا من الزعيم ،لكنه لم يكن يوما مؤمنا بالاشتراكية ،بل كان عنده خلط بين الاشتراكية كوسيلة لتحقيق كرامة الانسان و العدالة الاجتماعية ،و بين الايديولوجية الرسمية للاتحاد السوفياتي و هي الماركسية اللنينية .و بعد توليه السلطة بقليل انطلق في تصفية الارث الناصري و الزج بالناصرين في غياهيب السجون،(نذكر هنا مجموعة علي صبري) و طرد الخبراء السوفيت قبيل حرب اكتوبر بقليل ،بعدما اقترحت السعودية نفسها كبديل للاتحاد السوفياتي .وهو ما يعني ان السادات ولى وجهه شطر معقل الرجعية التي بالامس كانت معارضتا شكلا و مضمونا للمد التقدمي الناصري. فطبيعي ان يحاول تشويه صورة عبد الناصر بعدما ان ارتمى في احضان الرجعية و اليمين الداخلي ،الذي بدأ يتغلغل في الداخل و الخارج بعد 67 و تمادت السادات به الجرأة حتى سجن الفريق سعد الدين الشاذلي و ابعده عن الشان السياسي و العسكري الداخلي. الشاذلي صانع نصر اكتوبر ،و الذي يمثل النموذج و المعدن الناصري الاصيل و الناصع.
23 يوليو ثورة ام انقلاب؟
يوحي للوهلة الاولى مؤلف نديم بيطار "الايديولوجية الانقلابية " بان الامر يتعلق بانقلاب عسكري ،لكن المتصفح لهذا المؤلف الضخم يعرف بان الامر يتعلق بقلب للبنية الفكرية ... وتحريك عجلة التاريخ بعدما اصابها الصدأ فيرى نديم بيطار ان العالم العربي الاسلامي لم يعرف اي هزة او اي انقلاب يحرك المياه الراكضة منذ ظهور الاسلام، الذي كان انقلابا على البنية القبلية في زمنه و ثورة حقيقية حررت العبيد، و اتت بالعديد من المكتسبات الاجتماعية .لكن تراكم الغبار على النصوص والهزائم النفسية التي كرسته عادة عبادة السلف ،و اجترار اقوال و شروحات وكتب الاجداد ...و الحال يستلزم اليوم ايديولوجية انقلابية تحل محل الايديولوجية التقليدية المشبعة بايديولوجية الجبر التي اشاعتها الدولة الاموية و المطلوب للعرب هو ايديولوجية الرفض.
ان ثورة 23 يوليو تمثل هزة في البنية الفكرية و الاقتصادية والاجتماعية ،بعدما اختمرت افكار التنورين والنهضويين ،مثل افكار السلفية الاصلاحية مع الافغاني و تلميذه عبده،وكذلك كل من لليبرالين و ماركسين مثل سلامى موسى و شبلي شميل و الطهطاوي فرح انطوان...وبعد فشل المشروع الليبرالي و فشل عدة ثورات في مصر مثل ثورة العرابي ...اصبح الوضع يؤشر على تحولات عميقة في المجتمع العربي و المصري، باعتباره البوابة و المحتك الاول بالغرب بعد غزو نابوليون لمصر.
عبد الناصر هو ضابط ،و قبل ذلك هو ابن الشعب المصري و الواضع يده على الام الشعب، و المشارك في حرب 1948 التي حوصر فيها في الفلوجا لمدة شهور و صمد تحت قدائف العدو و ذاق مرارة الخيانة و الاسلحة الفاسدة وبيع الارض ،و ضياع الشرف العربي . و بالموازات مع ذلك استمرار النظام الملكي الدمية ،و الفساد الذي ينخر المنظومة السياسية بمباركة الاستعمار الانجليزي الذي يهمه ان يحافظ على الاوضاع كما هي حفاضا على مصالحه وتحصينها .اضافتا الى الفساد هناك الامية المستشرية بين ابناء الشعب ،و التي تقلل الامال في امكانية حدوث تغير تقوده الطبقات الكادحة بدون زعيم .و في ظل وجود احزاب لا تهمها الا مصالحها الضيقة مثل حزب الوفد الليبرالي ،و حزب مصر الفتاة الفاشي ،و الحزب الوطني و الاخوان المسلمين ، فقد كان ناصر على علاقة و اتصال بكل الالوان الحزبية و الايديولوجية ،من الاخوان حتى الشيوعين .لكنه لم يقتنع بقدرة اي طرف بقيادة تغير ثوري حقيقي بحكم قربه من الجميع، العامل و الفلاح و الجندي الثوري...
فجاءت ليلة 23 يوليو تتويجا للمراكمة التي سلفنا ذكرها، وهي ثورة نظر لها المثقفون و نفدها الضباط، كنتيجة للاختمار الذي سبق الثورة ،ولا ننسى ان ناصر كان مثقفا و يقرأ بنهم .
وبما ان الدور القيادي في تلك الليلة التاريخية قد قام به الضباط، فقد تلتصق في اذهان البعض ان اي فعل عسكري هو انقلاب على الفعل المدني.
فاصلا لم يكن هناك فعل سياسي مدني حقيقي منبثق من ارادة الشعب في تلك الفترة ،بل كان الاستعمار الانجليزي الذي يحكم قبضته على الوضع السياسي وبالياته الايديولوجية يروج للخطاباته. و الملكية التي لا يهمها سوى ما هو مصلحي و اني و ضيق الافق، بل كان الملك فاروق خارج الزمان و المكان في لياليه الحمراء الماجنة ،لكن كل هذا ليس كافي لنفي صفة الانقلابية عن ثورة تموز.
فمفهوم الثورة معناه هو كل قلب جذري للبنية الاجتماعية و الاقتصادية القائمة وصولا الى نموذج ارقى، و الذي تمثل في هذه الحالة بالنموذج الاجتماعي الاشتراكي الذي كان يشكل الهاجس الاول لعبد الناصر، في ظل اوضاع اقل ما يقال عنها انها اوضاع مزرية يعيشها الفلاح و العامل المصري، و بالتوازي مع ذلك تحرير الوطن الكبير و تحقيق القومية العربية كألية من اليات النهضة، و تحرير فلسطين.
فاذا كانت ليلة 23 يوليو استطاعت ان تطرد الانجليز، وان تأمم السويس ،و تبني السد العالي، و تبني جيش وطني قوي، و تحرر المرأة ،و تعمم التعليم وتجعله مجاني، و تقضي على الاقطاع و راس المال في التحكم،و تبني اقتصاد وطني وصناعة قوية ،وصناعة الاسلحة ، و تقوم باصلاح زراعي، وتقضي على الفوارق الطبقية الصارخة ،وتؤمم بنك مصر...فما حققه عبد الناصر في عشر سنوات الاولى كان اربع اضعاف مما حققته مصر في اربعين سنة السابقة "بينما كان معدل الزيادة السنوي في الدخل الحقيقي للفرد منذ سنة 1956 حتى عام 1965 حوالي 4 في المئة سنويا" .
فاذا كانت مبادئ ثورة 23 يوليو لم تستطع ان تحقق مثل هكذا انجازات ،فيحق لنا ان ننعتها بانقلاب عسكري. لان الانقلاب يحافظ على نفس البنية الاجتماعية القائمة ،و يكون نتيجة لتناقضات بين نفس القوى الطبقية و ليس نتيجة صراع بين قوى مستغلة و قوى مستغلة، فالثورة هي قلب للبنية الاجتماعية و الاقتصادية وهذا ما تحقق من 1952 الى وفات جمال عبد الناصر.
هذا من جهة اما من جهة اخرى فان سنة 1952 اي سنة ثورة تموز كانت تلك الحقبة تعرف بالحرب الباردة اي الصراع الايديولجي و السياسي بين الولايات المتحدة الامريكية الراسمالية و الاتحاد السوفياتي الشيوعي ،وهو ما يعرف بالقطبية الثنائية .وهذا الصراع لم تكن الدول المستعمرة تعيش بمعزل عنه، بل هذا التنافس الحاد الذي طبع العلاقات الدولية كانت دول العالم الثالث مسرحا له ،و نهبها و تفقيرها و ايضا ضمها كحلفاء تابعين ،فكل معسكر كان يود ان يكسب حلفاء جدد بعدما بدأ يتهاوى الاستعمار القديم تحت بنادق حركات التحرر. و كل معسكر اصبح يحاول ان يحرض بطرقه العسكر ليطيح بالسلطة في بلدانهم و يتحكم في زمام الامور ،ويكسب حليف له.
وقد كانت حوادث الانقلابات العسكرية شبه يومية في القارة السمراء، لهذا كان تحرك الضباط الاحرار فعل منطقي ومقبول في تلك المرحلة، لانه اذ لم تستغله حركة تقدمية يقودها ضابط شاب مشبع بالشعور بالكرامة و التقدم نحو التحرر و الرقي وتحقيق الوحدة العربية ...كان ممكن ان يكون انقلاب تقوده قوى اكثر رجعية ، ونحن نعرف ان الصراع بين امريكا و انجلترا من جهة التي لم تكن علاقتهم يسودها دائما التعاون ،فامريكا كانت لها اطماع في المنطقة ايضا نظرا لاهمية مصر والمنطقة عموما.
عبد الناصر و الديمقراطية
لا توجد اي تجربة انسانية فوق النقد ،و لا يمكن انكار العديد من التجاوزات و الشوائب التي طبعت تلك التجربة .وذلك بحكم طبيعة المرحلة و الفعل الثوري ،فلكي يكون زعيم يقود الامة العربية في مرحلة حرجة ،فيجب ان يكون فوق التاريخ، وخاصة ان الثورة ركزت على فهم الديمقراطية بمعناها الاجتماعي اساسا كما جاء في خطاب عبد الناصر في بور سعيد، وهذا ما يجعل مفهوم الدكتاتورية مفهوما ملغوم، فيقول لطفي عبد القادر"اجمع مؤيدو عبد الناصر و معارضوه على السواء على ان حكمه كان شموليا دكتاتوريا ،لم يستطع ان يتنسم فيه الشعب نسيم الحرية ،ورغم ذلك فان حكم عبد الناصر اتى من الاصلاحات و الانجازات ما لم يستطع ان ياتي بمثله اي حكم شمولي دكتاتوري في العالم."
علاقة عبد الناصر برفاقه علاقة عسكري برفاق السلاح ،علاقة يشوبها الحزم و الشدة و القسوة. هذا هو الانطباع السائد عند الكثيرين ،لكن في تقديري هذا كلام غير دقيق ،فانسانية وتواضع عبد الناصر احرجته في كثير من الاحيان ،و ادت الى خسائر كبيرة مثل تساهله مع عبد الحكيم عامر في 67 ،واغتناء طبقة من العسكر التي استغلت موقعها، و تسللت العديد من الشخصيات اليمينية الى الاتحاد الاشتراكي .وهذا ما يجعلنا نحذر من العبارة المشبعة بالحقد ،فالتاريخ يشهد على ان ثورة 23 يوليو لم تسقط فيها اي قطرة دم –ماعدا جرح شخص واحد- و ناصر رفض اعدام الملك فاروق ،متطرفا في موقفه المتسامح باعتبار ان الدم لا يؤدي الا الى مزيد من الدم،وقال عبارته الشهيرة بعد ان طالب الضباط اعدام فاروق "اذا كنا سنعدمه لمذا سنحاكمه ،واذا كنا سنحاكمه فلماذا سنعدمه؟" فالثورة بالشعب و الدكتاتورية فوقه .
فعبد الناصر عزل محمد نجيب في خلافهم حول مسألة تقديم الديمقراطية ،وعبد الناصر لم يكن ضد الديمقراطية اللبرالية ،بل مسألة الديمقراطية اللبرالية كانت مؤجلة الى حين بناء قاعدة تتأسس عليها لتكون جاهزة للممارسة، مثل تعميم التعليم و انشاء جيل متعلم و بناء صناعة قوية، و القضاء على الاقطاع و راس المال في الحكم وبناء دولة المؤسسات... والا ستعود القوى الرجعية التي تملك راس المال، لان صناديق الاقتراع اللبرالية لن تنتج الا اصحاب راس المال ،و شعب مفقر و مجهل ستقرر مصيره الطبقة الرجعية المتوفرة على اليات السيطرة .وهذا ما انتبه اليه عبد الناصر ،فالمعنى الحقيقي للديمقراطية هو العدالة الاجتماعية و التوزيع العادل للثورة ...فدائما هناك تفاوت في المطالب وهناك اولويات و اولويات الشعب الفقير هي الخبز و الشغل و التعليم ،فادا طرحت على اي كادح مسألة الديمقراطية السياسية لن يفهمها اطلاقا، و سيعتبرها مجرد ترف فكري وكلام غير مفهوم يدور بين المثقفين و الاعلامين.فالانتقال من الثورة الى الدولة الديمقراطية كان في تلك الظروف العصيبة ،يستلزيم كثير من الوقت و الجهد .خاصة و ان الاختراقات من كل جانب ،فالديمقراطية كانت من ضمن مبادئ الستة للثورة ، و هي:القضاء على الاستعمار ،و القضاء على الاقطاع،والقضاء على سيطرة راس المال على الحكم،واقامة عدالة اجتماعية،واقامة جيش وطني قوي،واقامة حياة ديمقراطية سليمة. فنلاحظ ان الديمقراطية مؤجلة و ليست مغيبة نهائيا، و يكفي ناصر فخرا انه حقق كل مبادئ ماعدا المبدأ الاخير الذي كان قد انطلق لكن لم يكتمل.
و معروف على المستبدين و الطغاة تجهيلهم لشعوبهم حتى يسهل قيادتهم بعصى الراعي، فكيف لدكتاتور كان يشكل تعليم عصري حداثي اولى اهتماماته؟فالنهضة الثقافية و العلمية التي عرفتها مصر ايام عبد الناصر لا يمكن التغاضي عنها و ،اهمها على الاطلاق ،تعميم التعليم و جعله مجاني من الصف الاول الى الجامعة.
ونضيف القول بأن التصفية التي قام ناصر بها في الجيش بعد النكسة ،اتت اكلها و اعطت نتائجها في حرب الاستنزاف من 69 الى 70 .و طهرت الجيش الذي انهك العدو في الاستنزاف، و انتصر في حرب اكتوبر هذه هي الدكتاتورية اذن؟
فاي ثورة في التاريخ تكون بيروقراطية ،لان بعد حسم الثورة لن يهدأ بال الرجعية واصحاب الامتيازات الذين حرموا من امتيازاتهم ،و المتربصين على الثورة ينتظرون الفرصة للنيل منها ، فالثورة المضادة هي حقيقة عبر التاريخ ، وتحتاج الى حزم من الزعيم ،و اي ثورة لها زعيمها .
وعبد الناصر زعيم يمتلك الشرعية الثورية و ليس رئيسا وفقط ،لان مفهوم الزعيم يدل على شخص ملهم وكريزمي ، يمتلك حس التقاط اللحظة التاريخية وتحويلها لصالح الطبقة الكادحة ،قلنا ان الثورة ليست حفلة يتم اهداء فيها الورود ،بل هي تصفية مستمرة لمصالح الاستعمار القديم، و اصحاب الاقطاع و الراسمال الاجنبية، و الرجعية الدينية الماضوية الموغلة في السطحية ...
ونموذج الحزب الوحيد كان موضة سياسة في الخمسينات، اضافتا الى ان القوى السياسية و المدنية مشتتة وفاقدة المصداقية... فعبد الناصر كعسكري تغلب عليه الممارسة و كل ماهو عملي .فالممارسة كانت تسبق النظرية عند عبد الناصرعكس سياسينا اليوم الذين احترفوا الشعارات و بيع الوهم للشعب ،فالشعارات بضاعة رخيصة.
النكسة
نكسة 1967 اخذت كثيرا من الدراسة و التحليل، باعتبارها محطة اترث كثيرا على بناء المشروع الناصري ،و لا ننكر ان الهزيمة كانت قاسية الا ان درس التاريخ يعلمنا ان النكسات امور عرضية في تاريخ الامم ،وان النهضة ليس ضروريا ان تعرف خطا تصاعديا .وقوى اليمين و الرجعية وجدتها فرصة ثمينة للهجوم من الداخل على المشروع الناصري ،حتى اصبحت محطة جلد الذات عند العقلية "الكربلائية" التي ادمنت البكاء على الاطلال ،رغم ان النكسات امور تعرضت لها كل القوى الجبارة تقريبا ،فهل خسرت الولايات المتحدة الامريكية الحرب العالمية الثانية بهزيمة بيل هاربر في اليابان ؟او هل انهزمت روسيا السوفياتية في الحرب الحرب العالمية الثانية بعد الاجتياح النازي و قتل 26 مليون روسي؟ هل انهزم الحلفاء في الحرب رغم الاجتياح الكاسح الذي احرزته دول المحور ما بين سنة 1939 و سنة 1941؟ ...فالنكسة تعبر عن مرحلة مراجعة الاوراق و اعادة الحسابات ،فالنكسة لم تهزم الانجازات العظيمة التي حققتها ثورة 23 يوليو من مكتسابات اجتماعية و اللحاق بركب الحضارة العالمية بعدا ان كان المجتمع المصري غير معني بما يجري من حوله ،فلا ننسى ان بناء السد العالي اكتمل سنة 1970 كاعظم مشروع هندسي في القرن 20، و التقدم الصناعي و العلمي و التكنلوجي لم ينهزم ...و ذلك الجيش الذي ضرب في 67 تم بنائه في ستة اشهر ،و تدرج من الصمود الى الردع الى الاستنزاف و ارهاق العدو في حرب الاستنزاف و كلفه خسائر عظيمة.
صحيح ان الجيش كلف مزانية كبير في البناء، فهل النكسة استطاعت ان تهزم نفسية الشعب العربي ،الذي خرج بشكل يدعوا الى الدهشة و الاعجاب يطالب زعيمه بعدم التنحي، هذا الدكتاتور الذي اقر بنتائج الهزيمة ولم يسند الحسنات له و السيئات للمجهول ،بل تحمل نتائجها و اخذ قرار التنحي .نعم انه دكتاتور القلوب و حبيب العرب...فالنجاح بعض الاحيان يكون معلم فاشل ،فنكسة 67 هزيمة عسكرية لكنها انتصار سياسي ،و انتصار اكتوبر هو انتصار عسكري لكنه هزيمة سياسية، هزيمة كامب ديفد اثقل من كل الهزائم. هذه من مفارقات التي تلت مرحلة ناصر "فضلا عن ان هزيمة 1967كما اشار جاك كوبار في كتابه ((من حرب الايام الستة الى حرب الساعات الستة)) لم تؤدي كما توهم مدبروها الى الاحاطة بالتجربة الثورية المصرية،بل على النقيض من ذلك،فقد كشفت نواقصها ومواطن الضعف فيها،ودفعت الجماهير الى التمسك بالتجربة ايمانا منها بالمنجزات التي حققتها ثورة 23 يوليو" .
الناصرية و الدين
ان من اهم مميزات التجربة الناصرية انها ترتبط بالاصالة و الخصوصية العربية الاسلامية ،وتؤصل للاشتراكية العلمية انطلاقا من الجوانب الثورية و المستنيرة من تاريخنا .و كانت الناصرية تصر ان لا تذوب في القوالب الجاهزة ،بل تقوم بتبيء الاشتراكية العلمية و ملائمتها مع الخصوصية العربية الاسلامية. ولم تنساق وراء الموضة الشيوعية السوفياتية في اوج ازدهارها ،و اعتبر عبد الناصر ان الاسلام رافض من روافض التجربة ،باعتباره اول ثورة في تحطيم البنية الاجتماعية التقليدية و تحرير العبيد و بناء العدالة الاجتماعية... وكان موقفه ايجابي من الدين نظريا و تطبيقيا. لان الاسلام ترك الامور السياسية و الدينة اجتهادا بين الناس تؤطرها المصلحة حسب الازمنة و الامكنة، و لا توجد نصوص قطعية مؤسسة في ذلك، و بكلمة كانت الناصرية تتبنى اسلاما تقدميا.
لكن فهم الاخوان المسلمين للسياسة كان يختلف كثيرا عن فهم ناصر، مما جعلهم في صراع مباشر وصل الى محاولة اغتياله في بعض الاحيان ،مثل ما حصل في حادث المنوشية .
فالصراع لم يكن ديني بين الاخوان و ناصر ،بل كان سياسي يختلف في فهم مبادئ وممارسة اللعبة السياسية .وقد ازعم واقول كما هو الحال في يومنا هدا وصراعنا مع داعش ،كان ذلك مع الاسلام السياسي بكل الوانه ،الذي ارى انه عنصر مشبوه وممول من الخارج و يهدف الى كبح عجلة التقدم ،و الذي يظهر كلما ظهرت انظمة و سياسات اللا راسمالية، فجماعة الاخوان كما اي توجه يميني تملى عليه الاوامر السعودية لإجهاض النهضة العربية .وهذا ما غاب عن اذهان الكثير و للاسف فقد سقط الكثير في فخ ان الناصرية تعادي الاسلام مما اضر بالتجربة كثيرا .
فالقومية العربية التي نادى بها عبد الناصر مرتبطة ارتباطا عضويا بالاسلام ،لكن ناصر لم يكن يضع الاسلام ك"بروفايل" من اجل مكتسبات سياسية ،رغم انه قام بانجازات عظيمة في الحقل الديني والعمل على تحديثه من الداخل، وقام بمنع الدعارة منعا كليا و منع القمار، وبنى 11000 الف مسجد ،و جعل التربية الاسلامية مادة اجبارية يتوقف عليها النجاح او الرسوب بعدما كانت اختيارية في عهد الملك فاروق، و ساهم في انشاء منظمة التعاون الاسلامي ،و انشأ اذاعة للقرأن الكريم ، انشأ مطبعة تنسخ القرأن الكريم ، انشأ دار لنسخ وتسجيل اسطوانات القرأن الكريم، وبعثاث لنشر الاسلام في افريقيا، وترجم في عهده القرأن الكريم الى العديد من اللغات...هذه المعطيات للاسف تغيب عند الكثير و تغيب(بضم التاء) من من يهمهم بث السموم في عقول العامة و نشر ايديولوجيات موغلة في الرجعية والماضوية و شيطنت الزعيم .
وعن سبيل الختم ،اعتقد بان راهنية الفكر الناصري لا تقل اهمية عن ايام عبد الناصر، بل راهنيتها وطراوتها اكثر من زمانها التي نشأت فيه، فاذا نادت الناصرية بالحرية و الاشتراكية و الوحدة، فاننا في حاجة ماسة اكثر من اي وقت مضى الى الوحدة بعدما جزأ الاستعمار الجديد البلاد العربية الى دويلات في مشروع سايكس بيكو جديد. وقسمت الامبريالية الجديدة السودان، و خربت العراق و في طور تقسيمه وتقسيم و ليبيا و سوريا بعد مشروع ربيع برنارد ليفي، و انهكت النيوليبرالية كاهل الكادحين و اغنت الاغنياء و افقرت الشعوب، و اصبح البنك الدولي و صندوق النقد الدولي و المؤسسات المالية الدولية بمثابة سلطة تفرض على العام الثالث وصاياها و توجههم كما تشاء ،و اصبح الفكر العربي مكبل و مستلب ،و اصبحت الديمقراطية اللبرالية البرجوازية اعلى سقف النخبة المرتزقة ،وابتلينا بسياسين لا يصلحون الا لتنظيف المزابل الاوروبية ،لكن لا يأتون بها الى بلادنا فهل يمكن المراهنة على هؤلاء لتحقيق نهضة عربية ؟ فكما قال الزعيم: الخائفين لا يصنعون الحرية و الضعفاء لا يخلقون الكرامة و المترددين لن تقوى ايديهم المرتعشة على البناء .
ا



#السعدي_سعيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاتحاد الاوروبي بين التفكك واعادة التاسيس
- بمناسبة 6 اكتوبر
- القومية و الصراع الطبقي
- الحرب الباردة بين المغرب و الجزائر
- الارهاب و خطر التقسيم
- الكرة أفيون الشعوب


المزيد.....




- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - السعدي سعيد - الذكرى 64 لثورة يوليو