أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عماد الحسناوي - الكتابة الجينالوجيا كبديل للكتابة الميتافيزيقيا















المزيد.....

الكتابة الجينالوجيا كبديل للكتابة الميتافيزيقيا


عماد الحسناوي

الحوار المتمدن-العدد: 5236 - 2016 / 7 / 27 - 18:14
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن الميتافيزيقيا تنظر إلى الكتابة كوسيلة تعبير، وأداة لتبليغ المعاني وتمثيلها. وتعتبر الدال مجرد مظهر للمدلول، فتعطي أسبقية منطقية وزمانية للمدلول على الدال، وللفكر على المادة والنفس على الجسد. ومادامت الكتابة مجرد جسم تقطنه روح النص، ومادامت قنطرة وتعبير، فلا يصبح الدليل إلا مناسبة لاستحضار المعنى الأصلي والمستقل عن كل عملية إنتاج. وتجاوز الميتافيزيقيا يقتضي منا تحرير الدال من تبعية المدلول، وهذا ما ستفعله الجينالوجيا لأول مرة في تاريخ الفلسفة. يقول دريدا" لقد كتب نيتشه ما كتبه، كتب بأن الكتابة-وكتابته على الخصوص -ليست خاضعة للوغوس والحقيقة، وبأن هذا الإخضاع قد ثم في مرحلة محددة" .
إذن ما الذي يميز الكتابة الجينالوجيا عن الكتابة الميتافيزيقيا؟
وما هي خصائص الكتابة الشذرية ؟
تلجأ الميتافيزيقا إلى الكتابة لتعطي لمعانيها طابع الخلود، وتجعلها تعيش في حاضر دائم، وقد يتم هذا إما بتقليص الزمان وتحويله إلى نقطة، وهي بضبط نقطة التملك اللحظي للمعنى. وهذا ما نجده على سبيل المثال، عند ديكارت، الذي يرمي إلى إدراك المعنى في فعل الحدس الذي يستمد يقينه مما يتميز به من وحدة تجعل المعاني حاضرة في الذهن المتنبه.
وهذا ما يجعل النص النيتشوي دائما ما يطالب بمعنى مضاد؛ ذلك لأن النص في منظور نيتشه لعبة قوى متخارجة. ثانيا، فالشذرة لها علاقة بالتدفقات والإحساسات، ويعني هذا أن نصوص نيتشه بما هي حالات وجود وتجارب معاشه، فهي غير قابلة أن تترجم إلى مفاهيم وتمثلات، فهي بمثابة علامات تندرج في إطار هيئات متعددة المعاني والدلالات. ثالثا، الشذرة، تقيم علاقة خاصة مع الضحك والسخرية، أن تقرأ كتب نيتشه بدون أن تضحك، فكأنك لم تقرأ نيتشه، وفي الحقيقة فإن خاصية المرح هذه تنسحب على مفكري ما بعد الحداثة. فهناك فرح كبير يخرج من كل النصوص الكبرى حتى حينما تتحدث عن الأشياء التفاهة وتبعث على الإشمئزاز والترف، لأنه يستحيل ألا يضحك المرء حينما تتعرض السنن والشفرات للعبة التشويش.
إن الحديث عن الكتابة النيتشوية يجرنا مباشرة إلى الحديث عن خصوصيات النص الجينالوجي الذي يختلف عن النص الميتافيزيقي، كون النص النيتشوي يقوم على الإنفصال الحامل لعدة مظاهر أهمها:
- النص الشذري منفصل في صورته وشكله. وهذا يتعارض مع التصور الميتافيزيقي الذي يقوم على الهوية والتطابق، من أجل إقصاء التعددية والإختلاف، بينما النص الجينالوجي يقول بإستحالة التطابق مع اللوغوس، ويقيم إنفصالا مع الدال والمدلول، لأن ما يقع على صعيد الواقع، بالنسبة للجينالوجيا، لا يحدث بطريقة منطقية على غرار ما يحدث في الكتب، وما يقع في الواقع لا يتلاءم بشكل صارم مع المنطق، لأن منطق الحدث ليس هو منطق المفهوم.
- يركز النص النيتشوي على قيمة الدلالات لا على مدلولها، كما لا يكترث كثيرا بأن يجعلها تتسلسل وفقا لقواعد التلاحم المنطقي.
- النص النيتشوي يقدم ذاته للقراءة كتتابع الصور والإستعارات والكنايات والأوجه.
وهذا الطابع الاستعاري هو الذي يجعله يتعارض مع الخطاب الميتافيزيقي. إنه يستعمل استعارة المرأة والإثارة الجنسية، واستعارة طبية وسياسية وفيزيولوجية، كما يستعمل استعارة فلسفية، وفيزيولوجية مطبقة على مجال الثقافة والدين والفلسفة تقود إلى النظرية الاستعارية للتأويل. ومن الاستعارات التي نجدها في فلسفة نيتشه، نجد استعارتي المطرقة والجينالوجيا: فالمطرقة هي أداة للهدم، وفي نفس الوقت أداة للنقش والنحت والتشكيل. ثم يحققها لتناغم الأوثار وإنسجام أصواتها. ومفهوم الجينالوجيا الذي لا تتوقف مهمته في تقوية المفاهيم وإرجاعها إلى أصولها العميقة والحقيقة، ولكنه أيضا تساؤل عن الأصل النفسي والفيزيولوجي لمفاهيم الثقافة والمعرفة، وهو أصل محجب ومقنع، لا يمكن إماطة اللثام عنه إلا بواسطة تحليل اللغة.
والبديل الذي تقدمه الجينالوجيا هو الكتابة الشذرية، المقطعية التي تنبذ الإستمرار والوحدة والتطابق، وتفهم الزمان داخل النص، لكن ليس الزمان الميتافيزيقي، وإنما زمن العود الأبدي. فهي كتابة تقضي على الفهم الأفلاطوني للمعرفة التراكمية، المعرفة/الذاكرة التي تعكس وحدة الذات المتمكنة للمعنى والمتحكمة فيه، الذات التي تزود الكتابة بمضمونها.
إنها كتابة في صيغة بلورية، وشكل منفجر، متوثر ومتصدع. هذا الشكل الشذري المفكك، المميز للكتابة النيتشوية، هو آلية لتحصين النص الفلسفي من التعميم والكلية. وهنا يقول رولان بارت "لا توجد كلية بعيدا عن اللغة الملموسة للعالم المدني، لا كلية أو صوفية أو إسمية". وما يميز الكتابة الشذرية حسب بلانشو، هو العلاقة التي يقيمها مع الخارج، والتي تختلف عن الأسلوب الفلسفي الميتافيزيقي، الذي تكون علاقته متوسطة بدواخل الفكر، أي من خلال الوعي أو الروح. فأن تجعل الفكر متصلا بالخارج، هو ما لم يفعله الفلاسفة حتى حينما يتحدثون عن السياسة، عن الحياة، عن الهواء الطلق. ونصوص نيتشه تخترقها حركة قادمة من الخارج، وهي حركة مختلفة عن حركة المفاهيم المجردة.
وبالإضافة إلى هذه الخصائص، فالنص الجينالوجي يستعمل العديد من الكنايات المستمدة من مجالات مختلفة، فنية وأدبية وفلسفية، كديونزوس، والعود الأبدي وزرادشت... وهذا يعني أن المفاهيم المركزية في فلسفة نيتشه تقاوم أي محاولة تروم أن تؤسس عليها خطابا عقلانيا نسقيا، وهذا راجع إلى البنية المطاطية للنص النيتشوي، التي تقوم على الإنزياح والإستبدال، وتجعل كل المفاهيم متداخلة ولا يعصي أحدها الآخر، بل تتداخل داخل النص النيتشوي وتتعالق فيما بينها، في إطار منظور يمزج بين الفلسفة والشعر، بين المفهوم والإستعارة، بين الجد والعزل، بين الواقع والوهم، ويسعى إلى التفكير في الجينالوجيا والجسد.
وبهذا تكون الكتابة الجينالوجيا حلا لتجاوز الميتافيزيقا، كونها تتميز بالإختلاف والتعدد، وأنها كتابة تريد تلخيص العالم في نص غير كثيف، وهي محاولة لإقحام اللانهائي في الفضاء المحدود، وتعدد الموحد، مقابل الوحدة التقليدية التي أساسها الإنسجام المنطقي. وهي الكتابة التي تعيد الاعتبار للحياة والجسد، حيث يمكن إدراك الجسد والاستماع إلى ذوي أعماقه، وهنا يقول نيتشه "إن الفيلسوف يسعى لأن يردد في داخله كل أصوات الكون المتناغمة، لأن يخرجها كمفاهيم".



#عماد_الحسناوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قلب الأفلاطونية عند نيتشه
- نيتشه قارئا لكانط
- طرق العقل بالمطرقة الجينالوجية
- الميتافيزيقا عند نيتشه
- صيغ الوجود عند مارتن هيدجر
- الميتافيزيقا في الفلسفة الديكارتية
- الميتافيزيقا الأفلاطونية
- ما الميتافيزيقا ؟
- الوجود و الماهية في فلسفة نيتشه
- أزمة العقل عند نيتشه
- دور الثقافة الأروبية في ظهور البربرية
- خيانة الضيوف للجسد
- الدين الكوسمولوجي كبديل للدين التاريخي عند كانط


المزيد.....




- معلومة قد تذهلك.. كيف يمكن لاستخدام الليزر أن يصبح -جريمة جن ...
- عاصفة تغرق نيويورك: فيضانات في مترو الأنفاق وانقطاع كهرباء و ...
- هيركي عائلتي الكبيرة
- نحو ربع مليون ضحية في 2024 .. رقم قياسي للعنف المنزلي في ألم ...
- غضب واسع بعد صفع راكب مسلم على متن طائرة هندية
- دراسة: أكثر من 10 آلاف نوع مهدد بالانقراض بشدة
- بين الصمت والتواطؤ.. الموقف التشيكي من حرب غزة يثير الجدل
- تركا ابنهما خلفهما بالمطار لأجل ألا يخسرا تذاكر السفر
- في تقرير لافت.. الاستخبارات التركية توصي ببناء ملاجئ وأنظمة ...
- لماذا أُثيرت قضية “خور عبد الله” الآن؟ ومن يقف وراءها؟


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عماد الحسناوي - الكتابة الجينالوجيا كبديل للكتابة الميتافيزيقيا