أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح زنكنه - زوجة الآمر ... قصة قصيرة















المزيد.....

زوجة الآمر ... قصة قصيرة


صلاح زنكنه

الحوار المتمدن-العدد: 5230 - 2016 / 7 / 21 - 01:46
المحور: الادب والفن
    


جاءني مراسل الأمر هاشا باشا وهو يخبرني بميوعته المعتادة
_ الآمر يريدك فورا
تسألت مندهشا
_ يريدني أنا ! ؟
قال مؤكدا
_ نعم يريدك أنت ... هيا معي
أجبته
_ اذهب وسألحق بك
ولحقت به وأدخلني الى ملجأ الآمر المحصن
أديت التحية العسكرية
_ نعم سيدي
_ تفضل بالجلوس
قالها بمودة وبشاشة وهو المعروف بصرامته وصلافته وخشونته
_ شكرا سيدي
وجلست حذرا مما سيأمرني به
سألني
_ أنت فنان ؟
_ نعم سيدي خريج الفنون الجميلة قسم التشكيل
_ تشكيل شنوووو ؟
_ الفنون التشكيلية سيدي أعني الرسم والنحت والسيرامك والزخرفة والخط ووو
_ فهمت , فهمت
ثم سألني
_ هل تعرف أن تصبغ ؟
فوجئت بسؤاله وأستدركت
_ الأصباغ والألوان هو من صميم دراستي وعملي سيدي
_ هل تجيد صبغ الجدران , البيوت ؟
_ نعم , بالتأكيد سيدي
_ حسنا سأمنحك اجازة طولية الأمد
_ أشكرك سيدي
أخرج انموذج اجازة من جيبه وخربش عليها
_ لا تشكرني , هذه اجازة لمدة أسبوعين
كدت أطير فرحا من هول المفاجأة
رمقني بنظرة جانبية وأكمل كلامه
_ تذهب اليوم الى بيتك وغدا استراحة وبعد غد تبدأ بصيغ بيتي الجديد مباشرة
وهذا هوالعنوان وناولني قصاصة ورق دوّن فيها العنوان مع انموذج الاجازة
أجبته منتشيا
_ نعم سيدي أمرك
ثم قال مهددا
_ أن لم تكمل صبغ البيت سأسجنك وأنقلك الى الحجابات , هل فهمت ؟
قلت طائعا
_ نعم سيدي سأفعل
ثم أمرني بالأنصراف
_ اذهب الله معك
وطرت الى الديار على جناح اللهفة , وفي الموعد المحدد ذهبت الى بيت الآمر
الذي بدا فخما ومن الطراز الحديث وقد بنيّ للتو , ضغطت باصبعي على جرس
الباب بعد هنيهة فتح الباب واذ بفتاة عشرينية سألتها مرتبكا
_ عفوا .. هل هذا بيت الرائد حمدان
أجاببت مؤكدة
_ نعم .. نعم
وأردفت
_ أكيد أنت الصباغ خالد
اجبت باستحياء
_ نعم أنا الصباغ
_ تفضل بالدخول
وشرعت الباب وصاحت
_ يمه جاء الصباغ الذي ارسله حمدان
لأول مرة أسمع اسم الآمر يلفظ حافا دون لقب الرائد أو سيد أمر الفوج , وجاءت
أمها امرأة خمسينية ورحبت بيّ وأدخلتني البيت وراحت الفتاة أعني زوجة الأمر
تشرح لي الألوان التي ترغب بها لطلاء البيت فيما راحت الأم تهيء لي الشاي
_ أريد لون الجدران الخارجية (تبني) مع خطوط وأقواس خضراء , الهول وغرفة الضيوف
أريد لونهما سمائي , السقوف بيضاء , غرفة النوم (بمبي) هل تعرف لون البمبي ؟ بمبي بمبي
وأنا جنبك وأنت جنبي كما تغني سعاد حسني وأطلقت ضحكة آسرة
ثم قالت
_ لا تبدو صباغا ؟
قلت
_ أنا صباغ محترف درست الألوان وفن الطلاء في كلية الفنون
وأختلقت كذبة بيضاء
_ لقد طليت معظم معالم القصر الجمهوري
قالت
_ اها .. حلووو .. فنان وجندي في الجبهة والله حرام
وسألتني
_ اشلونه حمدان وياك بالجيش ؟
قلت كاذبا
_ كولش زين , آمر ممتاز الله يطول عمره
_ سأجعله ان يمنحك اجازات طويلة وينقلك الى مكان مريح اذا طليت البيت
حسب مرامي ومزاجي
_ حاضر ست الحسن
لا أدري كيف خرجت الجملة من فمي بعفوية بيد انها قهقهت
_ حلووووووة ست الحسن .. أني أمل اسمي أمل
_ عاشت الأسماء ست أمل
وأضفت كذبة أخرى
_ غدا أجيء بمساعدي ونبدأ العمل على بركة الله
وودعتني الى الباب وهي تذكرني بالشاي
_ لقد نسيت أن تشرب شايك
وأردفت
_ لا تنس الألوان الزاهية , لا أحب الألوان الكئيبة
أومأت براسي موافقا
_ تدللين ست أمل
وذهبت مباشرة الى صديقي جلال الصباغ وضحكة أمل تلمع في ذاكرتي
وأقنعته ان يمثل دور مساعدي في الطلاء وهو الاسطة المعروف في طلاء
البيوت والمحال التجارية وبدأنا العمل في اليوم التالي على قدم وساق وأمل
تتلو تعليماتها عليّ وأنا أتلوها على جلال الذي يأتمر صاغرا .. حاضر اسطة
وكنت بمثابة الاسطة المحترف الذي لا يجيد سوى خلط الألوان وجلال يقوم
بالمهمة على أكمل وجه وأمل تحلق بخفة ورشاقة في أرجاء البيت مثل فراشة
وتعد الغداء بمعاونة أمها التي استلطفتني كثيرا بكلامها بادية رضاها عن سير العمل
_ صدك أنت خوش ولد أبن حلال الله يحفظك لأهلك
_ الله يسلمك خالة
وبعد سبعة أيام من العمل المتواصل أكملنا الطلاء , لكنني شعرت بالأسى في دخيلتي
كوني سأفارق وجه أمل البشوش وابتسامتها العذبة وغنجها اللذيذ
وتسألت مع نفسي
أيعقل ان تكون هذه الغزالة الوديعة زوجة لذلك الخنزير الجلف المسمى برائد حمدان
آمر فوج مغاوير لواءنا الذي كان يعدم الأسرى دون سؤال أو جواب ويرمي بجثثهم الى العراء لتنهشها الغربان
ودعتها وقلبي يكاد أن يطفر من بين ضلوعي ألما وحسرة وهي توعدني بمكافأة مجزية من زوجها حمدان حال التحاقي بالجبهة
وعدت الى البيت منهكا ضجرا ولم أنم ليلي كله وأنا أستعيد طيفها واطراءها لي
_ تعرف يا خالد أنت لا تشبه الجنود , أنيق ومهذب ومرتب حتى كلامك يختلف عنهم
_ بماذا يختلف يا أمل ؟
_ بكل شيء , العسكر أجلاف
تشجعت وسألتها
_ وماذا عن رائد حمدان ؟
_ أنت تعرفه أحسن مني , حمدان يابس خشن قاسي لكنه زوجي و
قاطعتها
_ وأنا ؟
ابتسمت بعذوبة
_ أنت كلك ذوق وترافة ولطافة
سكتت برهة واضافت
_ والله يا خالد لقد أحببتك منذ الوهلة الاولى
وكاد يغمى عليّ من هذا البوح الساحر من امرأة ساحرة الجمال الا انها واصلت كلامها
_ لقد حسبتك أخا ليّ مثل أخي سمير
هكذا كلمتني في واحدة من حواراتنا التي تخللت العمل في بيتها الجديد ورحت
أهيم بطلتها التي تضفي لمسة من الدفىء والحميمية على سير العمل في الأيام السبعة وكأنها دقائق سبع
وفي اليوم الثامن زارني صاحبي شهاب عصرا وهو يحمل لي خبر استشهاد الرائد حمدان بقذيفة سقطت على موضعه
كان الخبر صاعقا ومفرحا بالنسبة لي ولا أدري كيف سيكون وقعه على أمل , أجرت سيارة تاكسي وذهبت الى بيتها , تفاجأت بزيارتي وهي تستفسر مستغربة
_ مو على بعضك ... صاير شي ؟
قلت لها
_ ممكن أدخل ؟
قالت
_ أمي غير موجودة
ثم وافقت
_ ادخل أنت بمثابة أخي
ولجت البيت وأنا كلي حيرة وارباك ثم جمعت قواي وقلت لها
_ أمل .. لقد استشهد الرائد حمدان
بهتت وجحظت عيناها ثم تساءلت غير مصدقة
_ ماذا تقول ! ؟
_ أنا آسف , آسف جدا , نعم استشهد
وراحت تجهش بالبكاء , بالنحيب ثم رفغت رأسها وقالت
_ لا أبكي عليه , أبكي على نفسي , أنا غير محظوظة
ثم اضافت
_ حمدان ليس زوجي
قلت مندهشا
_ كيف ليس زوجك ؟
أجابت
_ زواجنا عرفي , أنا مجرد محظية له , جارية
_ وهذا البيت ؟
_ وعدني بتسجيله باسمي , وها أنت ترى المقادير تفعل فعلها
تركتها وأنا لا أستوعب الموضوع برمته ووعدتها بزيارة قريبة
وقبل التحاقي بيوم زرتها ووجدتها كشجرة ذابلة وعرضت عليها الزواج الا انها ابتسمت وقالت
_ خالد أنت ابن حلال وكل شيء قسمة ونصيب ولا أعتقد أن أكون من نصيبك
أنا امرأة غير محظوظة
_ أنت أجمل وأعظم امرأة يا أمل , في الاجازة القادمة سأعقد عليك وأتزوجك
هزت رأسها وكررت قولها
_ كل شي قسمة ونصيب
قلت لها مؤكدا
_ أتمنى أن تكوني من نصيبي
وحين ودعتها عند الباب همست لي
_ خالد ... أحبك
وحسبت هذا البوح أعتراف وموافقة مبدئية على طلبي , ولا أدري كيف مرت الايام
واليالي خلال الشهر الذي قضيته في الجبهة وهي لا تبارح تفكيري , وما أن عدت باجازة حتى حثثت الخطى الى حيث أمل
لكنني وجدت يافطة على الباب تعلن أن ( البيت للايجار ) طوح الأعلان بصوابي وزلزل كياني , سألت هذا الجار وذاك الجار وتلك الجارة
لا أحد يعرف وجهتها وكأنها ( فص ملح وذاب في نهر) لقد أختفت أمل والى الأبد لكن حضورها الطاغي في وجداني ظل يقض مضجعي طوال سنوات وسنوات ومازال .



#صلاح_زنكنه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمير الحلاج .. أمير الفراشات
- شاعر أشيب .. أنا
- حماتي العزيزة ... اقصوصة
- صائم أنا أيضا (2)
- سيرة رجل ميت
- صائمُ أنا عنكِ
- الرعاع .. اذا دخلوا مدينة اتلفوها
- عابر سرير
- وجع .. وحنين .. وجفاء
- شجن عراقي
- قلق قلب
- تجليات عاشق
- رسالتان هائمتان الى أمل
- ثلاث رسائل وجد الى أمل
- وقفتان
- نقاط على حروف
- 4 رسائل متأخرة الى أمل عبد الله
- حب في الملهى .. نساء في الذاكرة
- 6 رسائل حنين الى أمل عبدالله
- 3 رسائل وجد الى أمل عبدالله


المزيد.....




- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح زنكنه - زوجة الآمر ... قصة قصيرة