أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - الديمقراطية وبيئتها المفهومية(الحلقة 2)















المزيد.....

الديمقراطية وبيئتها المفهومية(الحلقة 2)


منذر خدام

الحوار المتمدن-العدد: 5220 - 2016 / 7 / 11 - 10:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الديمقراطية وبيئتها المفهومية(الحلقة 2)
منذر خدام
الديمقراطية الحديثة
لا شك أن الديمقراطية الحديثة هي الديمقراطية التي ولدت في أوربا نتيجة الانقلاب التاريخي الذي حصل في المجتمع بقيادة البرجوازية، لذلك من الشائع أن يطلق عليها اسم الديمقراطية البرجوازية. هذه الديمقراطية لم تولد مكتملةً وناجزةً بل تصيّرت عبر تاريخ طويل نسبيا من التطور واكب تطور الرأسمالية ذاتها وهي لا تزال بعيدة جدا عن الصورة المثالية التي رسمها لها فلاسفة أوربا، وأكثر بعدا عما يتوقعه منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948.
ومع أن الديمقراطية كنمط حياة وكنظام في السياسة قد شكلت قطيعة بالمعنى التاريخي مع النظام الإقطاعي الذي كان سائدا في أوربا قبل صعود الرأسمالية، إلا أن بعض الجذور الأولى لها كانت ضاربة في عمق الحياة الإقطاعية ذاتها.من المعروف أن الإقطاع الأوربي كان يتمتع باستقلالية كبيرة تجاه السلطة المركزية وكان كل إقطاعي مستقلا تجاه غيره من زملائه،وعلى قاعدة هذه الاستقلالية والندية كانت تقوم الروابط والعلاقات بين الإقطاعيين بعضهم تجاه بعض ،وبينهم وبين الدولة .الإقطاعي الأوربي كان يتحدد بدلالتين مختلفتين: من جهة كان يتحدد بدلالة زملائه من الإقطاعيين ، فهو بهذه الدلالة إقطاعي بقدر اعترافه بوجود زملائه وتكامله معهم.بكلام آخر إن العلاقات التي كانت قائمة بين طبقة النبلاء الإقطاعيين كانت من طبيعة تكاملية وجود كل منهم فيها يشترطه وجود الأخر الإقطاعي ، وان وجودهم جميعا كطبقة كان يشترطه وجود الدولة الإقطاعية بالشكل الذي يحافظ على حدود كل منهما .
ومن جهة أخرى كانت طبقة الإقطاع تتحدد بدلالة الفلاحين الأقنان وغيرهم ممن ينتمون إلى الطبقات والفئات الاجتماعية الأخرى. هنا كانت العلاقة ذات طابع تفارقي ،بمعنى أنها كانت ذات اتجاه واحد من الإقطاعي إلى الفلاح،جوهرها التمايز والاختلاف والصراع بين وضعيتين اجتماعيتين متميزتين ، ومن خلال هذه العلاقة الصراعية كانت كل منهما تتحدد بدلالة الأخرى ،أي أن وجود طبقة النبلاء بالشكل الذي كانت عليه كان شرطا لوجود طبقة الفلاحين بالوضعية التي كانوا عليها والعكس بالعكس.
في الحالة الأولى كان الحوار والتعاون والندية هي التي ترسم ملامح حياة الطبقة الإقطاعية.هنا العلاقات التفاعلية كانت تجري في إطار دائري وعلى أساس المساواة،أما في الحالة الثانية فكانت التبعية والتسلطية والأوامرية هي التي ترسم ملامح العلاقات بين الإقطاعيين والفلاحين على أساس من التمايز والصراع. من هنا فإن مقولة أن الديمقراطية كانت سلاح الفقراء والضعفاء المتطلعين إلى عالم أفضل تسود فيه المساواة وتتحقق فيه الحقوق الاجتماعية والسياسية لها ما يبررها.[1]
وبالفعل فإن الدعوة إلى الحرية والمساواة كانت في جوهر الخطاب الديمقراطي كما قدمه فلاسفة أوربا الديمقراطيين. فحسب جون لوك الحرية والمساواة من السمات الطبيعية للإنسان لا يجوز انتزاعها منه وإلا فقد طبيعته. يقول جون لوك " لما كان الناس جميعا أحرارا ومتساوين بالطبيعة فلا يمكن انتزاع شخص من حالته هذه وإخضاعه للسلطة السياسية لشخص آخر إلا برضاه "[2]. وأن لا بقاء " للحرية بدون المساواة " حسب جان جاك روسو [3]. لكن المساواة التي نادى بها كل من لوك وروسو لا تتعدى المساواة أمام القانون والمساواة في الإرادة على المساواة ذاتها.فحسب روسو " لكل فعل حر سببان يجتمعان لإنتاجه أحدهما معنوي وهو الإرادة التي تحدد الفعل، والآخر مادي وهو المقدرة على التنفيذ" [4]. وكان يردد دائما " إذا أردت أن تضفي على الدولة استقراراً قرِّب بين الحدود القصوى بقدر الإمكان، فلا يبقى فيها غنى فاحش ولا فقر مدقع…" ،فالغنى والفقر وضعان يضران بالخير العام وببناء الدولة واستقرار المجتمع وفي كليهما تكمن بذور الاستبداد والطغيان،فإحداهما " يؤدي إلى وجود أعوان الطغاة والآخر إلى الطغاة، وفيما بينهما تشترى الحرية وتباع " [5]
بين لوك وروسو كانت تنوس قضية الديمقراطية في الحياة العملية تارة تقترب من لوك فتأخذ طابعا نخبويا، وتارة أخرى تبتعد عنه وتقترب من روسو فتأخذ طابعا إنسانيا عاماً. فحسب لوك الذي يعتبر فيلسوف الديمقراطية البرجوازية فإن الديمقراطية لا يمكن أن تكون إلا ديمقراطية نخبوية لذلك وبتأثير من مونتسكيو النخبوي صيغت المادة الثانية من دستور عام 1791 الفرنسي لتأكيد ذلك. تنص المادة الثانية من الدستور المذكور على " أن الأمة التي تنبع منها كل السلطات لا يمكن أن تمارس إلا بواسطة مفوضين ". ونتيجة لذلك فقد حصر حق الانتخاب بمن يملك ما يؤمن له 150 يوم /عمل في المدينة أو 400 يوم /عمل في الريف ،علما أن الحد الأقصى لأجر اليوم الواحد كان فرنك فرنسي واحد.[6] لكن في عام 1793 وضع دستور جديد على هدى فلسفة روسو أقر بأن" إنسانية الإنسان غير قابلة للمساس بها فلا يعترف القانون بأن يعمل إنسان في خدمة إنسان آخر"، وبناء على ذلك أعطى الحق لكل مواطن فرنسي يبلغ 21 عاما ولكل أجنبي يقيم في فرنسا منذ أكثر من عام بأن يشارك في الانتخابات بشرط واحد هو أن يعيش من عمله.[7]
وبين الميل إلى تجريد فكرة الديمقراطية ومنطق الواقع وضروراته لا تزال الحياة تجري يعيد إنتاجها الفاعلون الاجتماعيون باستمرار وبشكل مختلف . فكيف كانت هذه الحياة التي استدعت الديمقراطية لتشكل نمطها الخاص وشكل بنائها السياسي مع كل أفراد عائلتها من المفاهيم الأخرى .
من المعلوم أن عمليات الانتقال من التشكيلة الإقطاعية إلى التشكيلة الرأسمالية في أوربا كما هو متفق عليه على نطاق واسع قد بدأ فعليا في نهاية القرن الخامس عشر بداية القرن السادس عشر لتكتمل بشكل حاسم في القرن التاسع عشر. خلال هذه الفترة الطويلة نسبيا جرت تحولات جوهرية في جميع مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية أدت إلى ولادة إنسان ثقافي جديد.
من ناحية الأساس الاقتصادي للمجتمع جرى التحول من الريف إلى المدينة، من الزراعة إلى الصناعة والتجارة، وأعيد بناء المجتمع وهيكلته ليتلاءم مع ذلك.لقد أزيلت طبقة النبلاء الإقطاعية لتحل محلها في قيادة المجتمع الطبقة البرجوازية ،وتراجع دور الفلاح في الصراع الاجتماعي ليبرز دور العامل الحر، وتغيرت بالنتيجة طبيعة العلاقات التي تربط العامل برب العمل من كونها علاقات تابعة يتم فيها استحواذ القسم الأكبر من القيمة المنتجة بالوسائل السياسية إلى علاقات تقوم على أساس التعاقد الحر،يتم فيها استحواذ فائض القيمة المنتجة بالوسائل الاقتصادية .
في المجال الاجتماعي أعيد بناء المجتمع على أساس انصهاري، لتختفي منه البنى العشائرية والقبلية والطائفية ،وليبرز فيه دور الطبقات والفئات الاجتماعية المنظمة في تنظيمات مدنية مختلفة. .
وفي المجال السياسي تم الانتقال من الدولة الأوتوقراطية إلى الدولة المدنية وأعيدت هيكلتها بحيث تم الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ،وأصبح القانون هو الناظم لحياة الناس،بدلا من الولاءات ذات الطابع الشخصاني.
إن جميع هذه التغيرات التي طرأت على الرأسمالية ما كان بالإمكان قراءتها باللغة المفهومية السابقة ، لذلك كان لا بد من ولادة لغة مفهومية جديدة مناسبة .وهكذا جرى الانتقال من الأيديولوجيا الميتافيزيقية التي تحيل كل شيء إلى الما ورائيات إلى اللغة الوضعية التي تنمو وتتطور بين الناس .بهذا الشكل تشكل ما نسميه بالبيئة المفهومية للديمقراطية التي سوف نحاول التوقف عند بعض مفرداتها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- C .P . Macpherson, The real world of Democracy (New York , Oxford University Press ,1972) - p p 1-11 .
انظر أيضا علي الدين هلال " مناهج الديمقراطية في الفكر السياسي الحديث " في" أزمة الديمقراطية في الوطن العربي"، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربي، (بيروت ،المركز ،1987) ص 36 .
2-لوك ، جون ، الفصل الثامن من الرسالة الثانية، فقرة 95 من كتابه رسالتان في الحكم.
3- روسو ،الفصل الحادي عشر- الكتاب الثاني من العقد الاجتماعي.
4- روسو ، الفصل الأول –الكتاب الثاني من العقد الاجتماعي.
5- روسو، الفصل الثالث عشر- الكتاب الثالث من العقد الاجتماعي.
6-سيف الدولة ،عصمت ،معقب، " أزمة الديمقراطية في الوطن العربي "، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية، (بيروت ،المركز،1987 ) ص58
7-المرجع السابق ص59.



#منذر_خدام (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديمقراطية وبيئتها المفهومية(الحلقة 1)
- ممكنات الديمقراطية في الدول العربية(الحلقة 6)
- ممكنات الديمقراطية في الدول العربية(الحلقة 5)
- ممكنات الديمقراطية في الدول العربية(الحلقة 4)
- ممكنات الديمقراطية في الدول العربية(الحلقة 3)
- ممكنات الديمقراطية في الدول العربية(الحلقة 2)
- ممكنات الديمقراطية في الدول العربية(الحلقة1)
- وهم الهويات الكبرى
- اشكالية تأصيل الديمقراطية في الفكر الاسلامي( الحلقة5)
- اشكالية تأصيل الديمقراطية في الفكر الاسلامي( الحلقة4)
- اشكالية تأصيل الديمقراطية في الفكر الاسلامي( الحلقة3)
- اشكالية تأصيل الديمقراطية في الفكر الاسلامي( الحلقة2)
- اشكالية تأصيل الديمقراطية في الفكر الاسلامي( الحلقة1)
- مسار جنيف التفاوضي بينالنجاح والفشل
- الانسحاب العسكري الروسي من سورية: أسبابه ودلالته
- من قتل الحلم إلى قتل الشعب
- خصائص تفاعلات المكان والنظام السياسي العربي
- الشعب السوري ليس مع النظام ولا مع المعارضة
- الحوار -السوري- السوري- كذبة كبيرة
- النص الكامل للقرار 2254 وقراءتي المتأنية له


المزيد.....




- حصريا لـCNN.. مصادر تكشف عن جهود إدارة ترامب -السرية- لإعادة ...
- سوريا.. أحمد الشرع يثير تفاعلا بما قاله عن -أبناء منطقة الرئ ...
- تقييمات استخبارية: مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب سل ...
- لماذا يواجه نتنياهو -قرارا مصيريا- بشأن غزة بعد إعلانه الانت ...
- نتنياهو: -نعمل على توسيع اتفاقيات السلام بعد انتصارنا على إي ...
- ماذا قال البيت الأبيض عن جهود ترامب بشأن انضمام دول خليجية و ...
- إيران تكشف عن أضرار -كبيرة- بالمنشآت النووي وتؤكد أن تعليق ا ...
- الاتحاد الأوروبي يمدد عقوباته على روسيا حتى مطلع 2026
- إيران تعلن حجم الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية جراء الضرب ...
- مهرجان موازين يحتفي بدورته العشرين بحضور فني عربي وعالمي ممي ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - الديمقراطية وبيئتها المفهومية(الحلقة 2)