أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد عبد المنعم عرفة - الإسلام دين الله وفطرته التي فطر الناس عليها [10]















المزيد.....



الإسلام دين الله وفطرته التي فطر الناس عليها [10]


محمد عبد المنعم عرفة

الحوار المتمدن-العدد: 5212 - 2016 / 7 / 3 - 04:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في النبوات

يقول الإمام أبو العزائم: تقدم الكلام على قسم النبوات في كتاب: (معارج المقربين) وبَيَّنَّا اختلاف المذاهب فيه، وعرفنا النبي والرسول والولي والملَك وأنواع النفوس، وأقمنا الحجة على حقيقة مذاهب أهل السنة والجماعة ووجه احتياج الإنسان إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والحكمة المقتضية لبعثتهم عليهم الصلاة والسلام، بما أغنى عن تقرير هذا الموضوع في هذا المختصر، ومريد الله وطالب النجاة من الهول يوم الفزع الأكبر يجب عليه أن يحقق هذا الموضوع، حتى يأمن من استطراق الشكوك والريَب إلى عقيدة التوحيد، وسهل عليه أن يراجعه في موضعه في كتاب: (معارج المقربين) ولما كان لابد من مزيد فائدة في مختصرنا هذا والتوضيح لأهل طريقنا أحببت أن لا أخلي مختصري هذا من فوائد، تكون جمالاً للواصل، وعِلْماً للسالك.

الإنسان إجمالا:
معلوم أن حكمة الحكيم القادر اقتضت أن يكون الإنسان عالَما وسَطا بين عوالم المـُلك والملكوت، فأبرزته القدرة كأنه صورة لجميع العوالم مع صغر حجمه، فالإنسان كون صغير، والكون كله إنسان كبير، فأودع الله سبحانه وتعالى فيه كل معاني الأنواع.. فالإنسان جماد من حيث أنه من طينة ويميل إلى السكون والراحة، ونبات من حيث أنه يتغذى وينمو، وحيوان من حيث أنه يحس ويتحرك، ومَلَك من حيث أنه يشهد الغيب بدلائل المشهود ولا يعصى الله ما أمره ويفعل ما أمره الله سبحانه به إذا صفا وتكمّل، وإبليس إذا نزع إلى هواه ورأيه وحظه ونسى الحساب، وخليفة عن ربه إذا تجمل بأخلاق الربوبية.
الإنسان هو الكل في الكل - فسبحان القادر الحكيم - يبلغ بكمالاته النفسانية إلى أن يكون في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وينحط باتّباع حظه وهواه إلى أن يكون في هاوية السخط والمقت ولظى الجحيم، وبينهما دركات أو درجات.
قال الله تعالى في التنبيه بقدر الإنسان: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ). وقال سبحانه وتعالى في بيان منزلة الإنسان العلية وما انحط إليه من البلية: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) وقال الله تعالى في بيان أن الإنسان قد يكون شيطانا: (شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا).
فالإنسان وهو الهيكل الصغير الضعيف - كما قال الله تعالى: (وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا) وقال الله تعالى: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) - جامع لكل حقائق الكائنات!
يبلغ من المقامات في القرب من الله تعالى ما به يطيعه الله ويجيبه
وينحط بالمعصية والمخالفة إلى أسفل الدركات حتى يتمنى أن يكون ترابا.
هذا هو الإنسان إجمالا، وقد فصلنا طرفا من هذا الموضوع في كتاب: (النور المبين لعلوم اليقين) فليراجعه الراغب في العلم.

حكمةٌ بالغة:
لما كان الإنسان هو صورة الكون أجمع، وهو المقصود بالذات من كل الكائنات، كان لابد له أن يعرف الله بقدر ما أهله الله لمعرفته لا بقدر الجناب المقدس، تنزه الله ذاتا وصفة واسما عن أن يدركه مخلوق، أو يعلمه حق العلم مربوب مقهور.
وقد اقتضت الحكمة - لكمال تنزيه الله ذاتا وصفة واسما عن الإدراك والتحديد والكيف والتشبيه - أن يجعل لكل رتبة من مراتب الوجود العاليات معلما مخلوقا مشهودا، يُظهر سبحانه بهذا المخلوق ما لابد لأهل تلك الرتبة من العلم به سبحانه ومشاهدة آياته وأسمائه.
فجعل سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام معلما للملائكة، وآية أشهدهم بها غرائب حكمة الحكيم، وعجائب قدرة القادر البديع، فسجد الملائكة كلهم أجمعون عندما علموا بسيدنا آدم عليه السلام، وشهدوا في آدم من بديع الحكمة وعجيب القدرة، فكان الملائكة الرُوحانيون - مع طهارتهم من الشهوات والحظوظ والأهواء وعلوهم عن التدنس برذائل الشهوات - في حاجة إلى معلم يعلمهم ما يجب أن يعلموه، ونور يبين لهم ما لابد لهم أن يشهدوه.
حكمة بالغة.. سرُّها: مقتضى تنزيه الذات الأحدية وكمال تقديسها عن الإدراك والتحديد وكمال التشبيه، فكان سيدنا آدم عليه السلام وهو روحاني جسماني، تخْفَى أنوار روحانيته بقيود جسمانيته، إظهارًا لقدرة القادر الحكيم، ودلائل حق على كمال القدرة وجمال الحكمة، فلما كسفت ظلماتُ الجسم أنوارَ الروح هبط من درجات العلو إلى السفل، حتى أناب إلى الله تعالى بالتوبة التي تلقاها من ربه عز وجل، قال الله تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
ولما كانت طرق العلم:
الخبر الصادق
والحس الصحيح
والعقل الكامل
معنى قوله تعالى: (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
فجعل سبحانه وتعالى الأسماع للخبر الصادق
والأبصار لشهود الأكوان الدالة على مكونها سبحانه
والقلوب لفقه الآيات الدالة على القادر الحكيم المصور البديع المنعم المتفضل المعطي الوهاب.
ولمقتضى تلك الحكمة كان من فضل الله تعالى على الإنسان أن يدله عليه سبحانه، ويبين له سُبُلَهُ سبحانه، ويرشده لما فيه خيره وصلاحه في الدنيا والآخرة، وكانت سنة الله في خلقه أن يعلمهم ما لابد لهم منه من العلوم بمُعَلّم مخلوق كما قدمنا.

الرسل أنوار تضيء لمن هداهم الله:
بعث الرسل عليهم الصلاة والسلام معلمين لعباده مرشدين لخلقه، مبينين لسبله سبحانه بأعمالهم وأقوالهم وأحوالهم.
ولما كان تعليم الخلق لابد أن يكون بالقول والعمل والحال: اقتضت الحكمة الإلهية أن يكون الرسول إنسانا مثلنا، يعلمنا كيف نأكل ونشرب وننام ونبيع ونشتري ونعامل الناس، ويعمل أمامنا أنواع العبادات التي تقربنا لربنا سبحانه وتبعدنا عن كل ما يغضب ربنا، ويبين لنا وجوه الحكمة في كل مأمور به أو منهي عنه، وهي سنة الله الماضية وحكمته الدالة على فضله وإحسانه وكرمه.
فكانت الرسل عليهم الصلاة والسلام أنواراً تضيء لمن هداهم الله سبحانه، ويقيمون الحجة على من أضلهم الله حتى تكون الحجة البالغة لله جل جلاله، ويتجلى الحكَم العدل بالحجة على الخلق، والمنعم الوهاب ذو الفضل العظيم بالإحسان والحنان لمن سبقت له الحسنى من عباده الذين هداهم الله واختارهم.
حكمة عجزت الأرواح الطاهرة عن إدراك غوامضها، وسر سجدت العقول على أعتابه، لا يُسأل عما يفعل سبحانه وتعالى وهم يُسألون، وهو الحكم العدل، وهو ذو الفضل العظيم، وهو القهار المنتقم، وهو الغفور الرحيم، وهو القوي المتين، وهو اللطيف الخبير، سبحان من لا يعلم قدره غيره، ولا يبلغ الواصفون صفته، نحمده ونشكره على أن جعلنا من أمة حبيبه ومصطفاه (ص وآله)، وأكرمنا سبحانه وتعالى بأن جعلنا خير أمة أخرجت للناس وجعلنا أمة وسطا، نسأله سبحانه وتعالى أن يَمُنَّ علينا بأجمل مواهبه في الدنيا والآخرة، وأن يجعلني وأهلي وأولادي وإخواني المسلمين ممن يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

معرفة خاتم الأنبياء:
لما كان هذا المختصر إنما وضعته لأبين فيه أن الإسلام دين، وكان الواجب على المسلم أن يكون على بينة من معرفته خاتم الأنبياء وخاتم رسل الله عليهم الصلاة والسلام، والشفيع الأعظم يوم الهول الأعظم، والوسيلة العظمى لكل مخلوق من الملائكة والإنس والجن سيدنا ومولانا محمد (ص وآله)، اختصرت على أن أبين للمسلم ما يجب أن يعتقده بالنسبة لسيدنا ومولانا محمد (ص وآله)، وما يحسن أن يعلمه، وبذلك يكون قد آمن بكل رسل الله سبحانه، وصدق بكل كتب الله سبحانه، فأبتديء بنسبه الشريف (ص وآله).

نسبه الشريف ونشأته (ص وآله):
هو سيدنا محمد (ص وآله) بن عبد الله، بن عبد المطلب، بن هاشم، بن عبد مناف، بن قصى، بن حكيم (المشهور بكلاب) بن مرة، بن لؤي، بن غالب، بن فهر، بن مالك، بن النضر، بن كنانة، بن خزيمة، بن مدركه، بن إلياس، بن مضر، بن نزار، بن معد، بن عدنان.
ولد (ص وآله) بمكة يوم الاثنين (لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول عام الفيل) في عهد كسرى أنوشروان في 20 أبريل سنة 571 من ميلاد المسيح عليه السلام، فنشأ (ص وآله) يتيما فقيرا فآواه الله وأغناه بمصداق قوله تعالى: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى  وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى) وتولى سبحانه تربيته وتأديبه (ص وآله) بمصداق قوله (ص وآله): (أدَّبنِى رَبّىِ فَأحْسَنَ تَأدِيبِى) فنشأ (ص وآله) على الأخلاق الفاضلة، والصفات الكاملة من العفة والمروءة والكرم والسخاء والشجاعة وحسن الخلق وصدق الحديث وحفظ الأمانة، والبعد عن الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال، إلى غير ذلك من سائر الكمالات والمزايا والفضائل، حتى صح أن يخاطبه الله تعالى بقوله سبحانك: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).

ولما بلغ (ص وآله) أربعين سنة أرسله الله تعالى للناس كافة بشيرًا ونذيرا، قال الله تعالى له: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) وقال تعالى: (لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ)

دعوته (ص وآله):
قام (ص وآله) يصدع بأمر ربه سبحانه وتعالى، ويدعو جميع الخلق إلى:
توحيد الله سبحانه وتعالى وتنزيهه جل وعلا، وتفريده سبحانه وحده بالعبادة لا شريك له
ويأمرهم (ص وآله) بما فيه خيرهم وصلاحهم، والفوز بالسعادة الدنيوية والأخروية، فمن ذلك : اتحاد الكلمة وعدم التفرق، ونبذ التنازع والتباغض والتحاسد، وذلك في قوله تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا) وقوله تعالى: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)
ومن ذلك بر الوالدين ومعاملتهما بالملاطفة والمجاملة والإحسان إليها وذلك في قوله تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)
وصلة الرحم بالإحسان إليهما إن كانت من ذوى الفاقة، وإلا فبالتودد بالكلام، أو الزيارة، أو البدء بالسلام، أو بغير ذلك مما يجلب المودة ويزيد في المحبة، وذلك في قوله تعالى: (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ)
والتعاون على الخير وجلب المنفعة لأخيه المسلم ودفع الضرر عنه، وذلك في قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)
وأداء الأمانة، وذلك في قوله جل وعلا: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ)
وإنجاز الوعد والوفاء بالعهد وذلك في قوله تعالى: (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) وقوله تعالى: (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ)
والعفو وترك المجازاة على الذنب مع القدرة عليها، وذلك في قوله تعالى: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)
ومواساة الفقير والإحسان إليه ومساعدته بقدر الطاقة، وذلك في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)
والسعي في الصلح بين الناس وإزالة البغضاء والشحناء فيما بينهم وذلك في قوله تعالى: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)
والعدل والإحسان، وذلك في قوله تعالى: (اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)
والاقتصاد والتوسط في الأمور وعدم الإسراف فيها، وذلك في قوله جل شأنه: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)
والمسارعة إلى فعل الخيرات والمبادرة إلى انتهاز الفرصة قبل فواتها، وذلك بقوله تعالى: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات)
إلى غير ذلك من كل خصلة حميدة وصفة جميلة..
وينهاهم عن الكفر واتخاذ الشريك لله تعالى، وذلك في قوله تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) وقوله تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً)
وعن الفسق وعصيان الله تعالى فيما أمر به أو نهى عنه، وذلك في قوله تعالى: (وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يقْتَرِفُون) وقوله تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)
وعن الرياء وهو العمل الذي يعمله الإنسان لأجل أن الناس يمدحونه ويثنون عليه خيرا وذلك في قوله تعالى: (وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) أي: لا يرائي في عمله، وقوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَالَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ) وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ)
وعن قتل النفس بغير حق وذلك في قوله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بالْحَقِّ)
وعن الزنا بقوله تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً)
وعن الكبر بقوله تعالى:(وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً)
وعن الربا وذلك في قوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)
وعن شرب الخمر والقمار وذلك في قوله تعالى: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
وعن السخرية بالناس والاستخفاف بهم واستحقارهم وعن عيب المرء أخاه ودعوته بغير ما سمي به وذلك في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ)
وعن التجسس والغيبة وذلك في قوله تعالى: (وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)
وعن الكلام فيما لا يعني وذلك في قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)
وعن المن بالصدقة بقوله تعالى: (لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى)
وعن الخيانة بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ).
إلى غير ذلك مما يضر بالهيئة الاجتماعية أو النفس أو المال أو العرض أو العقل.

فلما دعاهم (ص وآله) إلى ما دعاهم إليه، وأمرهم بما أمرهم به، ونهاهم عما نهاهم عنه، نفروا من قبول دعواه (ص وآله)، وعادوه أشد المعاداة، وهجره منهم الأهل والخلان، وكذَّبه الشيوخ والشبان، وتحول له (ص وآله) الأوداء أعداء، والرفقاء خصوما الدَّاء فقام (ص وآله) دونهم يسفه أحلامهم، ويقبح أعمالهم، ويدحض أقوالهم.
كل ذلك براهين قاطعة، وأدلة ساطعة، وآيات بينات، ومعجزات باهرات على صدق دعوته عليه الصلاة والسلام.

دلائل نبوته (ص وآله):
من دلائل نبوته وعلامات رسالته (ص وآله)، ما ترادفت به الأخبار عن الرهبان والأحبار وعلماء أهل الكتاب من صفته وصفة أمته، واسمه وعلاماته، وذكر الخاتم الذي كان بين كتفيه (ص وآله)، وما وُجد من ذلك في أسفار الموحدين المتقدمين من شِعْر تُبّع ، والأوس بن حارثة، وشبهه، وكعب بن لؤي، وسفيان بن مجاشع، وقس بن ساعدة وما ذكر عن سيف بن ذي يزن وغيرهم، وما عرف به من أمره زيد بن عمرو بن نفيل ، وورقة بن نوفل وعثكلان الحميري، وعلماء يهود، وشامول عالمهم صاحب تبع من صفته وخبره، وما ألفى من ذلك في التوراة والإنجيل مما قد جمعه العلماء وبينوه ونقله عنهم الثقات ممن أسلم، منهم: ابن سلام ، وبني سعية، وابن يامين، ومخيريق، وكعب، وأشباههم ممن أسلم من علماء يهود، وبحيراء، ونسطور، وصاحب بصرى، وأساقف الشام، والجارود، وسلمان، والنجاشي، ونصارى الحبشة، وراهب بصرى، وأساقف نجران، وغيرهم ممن أسلم من علماء النصارى. وقد اعترف بذلك هرقل وصاحب رومة عالما النصارى ورئيساهما، والمقوقس صاحب مصر، والشيخ صاحبه، وابن صوريا، وابن أخطب وأخوه، وكعب بن أسد، والزبير بن باطياء، وغيرهم من علماء اليهود، وممن حملهم الحسد والنفاسة على البقاء على الشقاء.
والأخبار في هذا كثيرة لا تنحصر، وقد قرع أسماع اليهود والنصارى بما ذكر أنه في كتبهم من صفته وصفة أصحابه، واحتج عليهم بما انطوت عليه من ذلك صحفهم وذمهم بتحريف ذلك وكتمانه، وليهم ألسنتهم ببيان أمره، ودعوتهم إلى المباهلة على الكاذب، فما منهم إلا من نفر عن معارضته، وأبدى ما ألزمهم من كتبهم إظهاره، ولو وجدوا خلاف قوله لكان إظهاره أهون عليهم من بذل النفوس والأموال، وتخريب الديار، ونبذ القتال، وقد قال لهم: (قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).
إلى ما أنذر به الكهان مثل شافع بن كليب، وشيق، وسطيح ، وسواد بن قارب، وخنافر، وأفعى نجران، وجدث بن جذل الكندي، وابن خلصة الدويسي، وسعيد بن بنت كرير، وفاطمة بنت النعمان، ومن لا يعد كثرة..
إلى غير ذلك مما أظهر على ألسنة الأصنام من نبوته، وحلول وقت رسالته، وسمع من هواتف الجان، ومن ذبائح النُصُب، وأجواف الطيور، وما وجد من اسم النبي (ص وآله) والشهادة له بالرسالة مكتوبا في الحجارة والقبور بالحظ القديم، مما أكثره مشهور، وإسلام من أسلم بسبب ذلك معلوم مذكور..
فدلائل نبوته صلوات الله وسلامه عليه لا تحصى عدّاً، ولا تستقصى حدّاً، وكيف لا ؟ وهو رحمة الله التي عمت الملائكة والإنس والجن، ونعمته العظمى التي شملت كل مخلوق خلقه، ورسول الله الذي افتتح به الوجود، وختم به الرسالة صلوات الله عليه، أرسله عامة للناس إعلاماً بقدر مقامه العلي عند ربه سبحانه، ولم يكن رسول قبله من أولي العزم إلا وهو مرسل لقومه خاصة، ينسخ شرعه عند انتقاله من الدنيا، وهذا السيد صلوات الله وسلامه عليه نَسخ شرعُه الشريف كلَّ الشرائع، ومحت شمسهُ المضيئةُ كلَّ أَنْجُم ظهرت.

إمداده (ص وآله) بأنواع المعجزات:
لما كان هو المراد لذات الله تعالى (ص وآله)، وكان الرسل قبله صلوات الله وسلامه عليه وعليهم نوابه ينتظرون ظهوره عليه الصلاة والسلام، وآيات الكتب السماوية- التي تأولها من أعمى الله بصائرها، وأصم أسماع قلوبهم، حتى صار أكثرهم لا يسمعون ولا يبصرون ولا يفقهون- صريحة بالبشائر ببعثته (ص وآله)، ناطقة بفضله صلوات الله وسلامه عليه، مبشرة بإشراق أنواره المحمدية، وهو جوهرة العقد المقصود بالذات: ولذلك أمده الله تعالى بأنواع المعجزات التي أمد بها رسله صلوات الله وسلامه عليهم، دليل ذلك قوله سبحانه وتعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر) فإن بعض أهل العلم فسر الكوثر بالخير الكثير الشامل لنهر في الجنة، وللمعجزات ودلائل النبوة، ولنعم الله العظمى التي أفاضها الله به (ص وآله) على جميع خلقه.

مقابلة بين معجزاته ومعجزات الرسل السابقين:
لما كان القرآن المجيد معجزة المعجزات، وآية الآيات، ونور الله الذي بَيَّن به سبله، وهدى به من أحبهم من عباده، أحببت أن أفتتح به المعجزات التي وردت إما بطريق التواتر، أو بطريق صحيح أو حسن، مقابِلاً بين معجزاته (ص وآله) ومعجزات الرسل السابقين عليهم الصلاة والسلام أجمعين، فله (ص وآله) كل معجزة كانت لغيره من الأنبياء المشهورين:
1- فكتاب سيدنا آدم عليه السلام كان كلمات، كما قال تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ) وكتاب سيدنا إبراهيم وسيدنا موسى عليهما السلام كان كلمات وصحفًا، كما قال تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ) وقال تعالى: (صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) وكتاب نبينا وسيدنا محمد (ص وآله) مهيمنا على الكل كما قال تعالى: (وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ)
2 - وأن سيدنا آدم عليه السلام تحدى بالكلمات والأسماء، قال تعالى: (أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء) وسيدنا ومولانا محمد (ص وآله) إنما تحدى بالمنظوم، قال تعالى: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)
3- وأما سيدنا نوح عليه السلام فإن الله أكرمه بأن أمسك سفينته على الماء، وفى حق سيدنا محمد (ص وآله) وقف الحجر على الماء، فقد روي أنه (ص وآله) كان على شاطيء ماء ومعه عكرمة بن أبي جهل فقال: إن كنت صادقا فادع ذلك الحجر الذي هو في الجانب فليسبح ولا يغرق، فأشار الرسول (ص وآله) إليه فانقلع الحجر من مكانه، وسبح حتى صار بين يديه (ص وآله) وشهد الحجر له عليه الصلاة والسلام بالرسالة، فقال له (ص وآله): " يكفيك هذا " ؟ قال: حتى يرجع إلى مكانه، فأمره النبي (ص وآله) فرجع إلى مكانه.
4 - وأكرم سيدنا إبراهيم عليه السلام فجعل النار بردًا وسلاما عليه، وروى محمد بن حاطب قال: كنت طفلا فانصب القدر من على النار علىَّ فاحترق جلدى كله، فحملتني أمي إلى النبي (ص وآله)، وقالت: هذا ابن حاطب احترق كما ترى، فتفل رسول الله (ص وآله) في جلدي ومسح بيده على المحترق، وقال (ص وآله): (أذْهِب اَلْبَاسَ رَبّ ٱلنَّاسِ) فصرت صحيحًا لا بأس بي.
5 - وأكرم سيدنا موسى عليه السلام بفلق البحر في الأرض، وأكرم سيدنا ومولانا محمدًا (ص وآله)، ففلق له القمر فوق السماء.
6 - وفجر لسيدنا موسى عليه السلام عيون الماء من الحجر، وفجر لسيدنا محمد (ص وآله) أصابعه عيونا.
7 - وأكرم سيدنا موسى عليه السلام بتظليل الغمام في زمن نبوته، وأكرم سيدنا محمدا (ص وآله) بذلك قبل ظهور نبوته.
8 - وأكرم سيدنا موسى عليه السلام باليد البيضاء، وأكرم سيدنا ومولانا محمدا (ص وآله) بالقرآن العظيم، الذي هو نور من الله وبرهان.
9 - وقلب الله عصا سيدنا موسى ثعبانا، ولما أراد أبو جهل أن يرميه (ص وآله) بالحجر رأى على كتفيه (ص وآله) ثعبانين فانصرف مرعوبا.
10 - وسبَّحت الجبال مع سيدنا داود عليه السلام، وسبَّحت الأحجار في يده عليه الصلاة والسلام، ويد أصحابه رضوان الله عنهم.
11 - وكان سيدنا داود عليه السلام إذا مسح الحديد لان، وكان (ص وآله) حين مسح الشاة الجدباء درت.
12 - وأكرم سيدنا داود عليه السلام بالطير المحشورة، وأكرم سيدنا ومولانا محمدا (ص وآله) بالبراق.
13 - وأكرم سيدنا عيسى عليه السلام بإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وأكرمه عليه الصلاة والسلام بإحياء الشاة المسمومة وبتكلمها أنها مسمومة. روى جابر أن يهودية من أهل خيبر سَمَّت ذراع شاة، ثم أهدتها إلى رسول الله (ص وآله)، فأخذ رسول الله (ص وآله) الذراع فأكل منها، وأكل رهط من أصحابه معه، فقال رسول الله (ص وآله): (ٱرْفَعُوا أَيْدِيكُمْ) وأرسل إلى اليهودية فدعاها، فقال: (سَمَمْتِ هَذِهِ الشَّاة) فقالت: من أخبرك ؟ قال: (أَخْبَرَتْنِي هَذِهِ في يَدِي) يعني الذراع، قالت: نعم، قلت إن كان نبيا فلن تضره، وإن كان غير نبي استرحنا منه، فعفا عنها رسول الله (ص وآله) ولم يعاقبها.. وروي أن معاذ بن عفراء كانت له امرأي برصاء، فشكت ذلك إلى رسول الله (ص وآله)، فمسح عليها بغصن فأذهب الله عنها البرص. وحين سقطت حدقة قتادة ، أي: عين قتادة، يوم أحد رفعها رسول الله (ص وآله) فردها إلى مكانها.
14- وكان سيدنا عيسى عليه السلام يخبر بما في بيوت الناس، والرسول (ص وآله) عرف ما أخفته أم الفضل فأسلم العباس لذلك، روي أنه عليه الصلاة والسلام قال لسيدنا العباس رضي الله عنه حين أسر في أسارى بدر، وطلب النبي (ص وآله) منه فداء نفسه وابن أخيه عقيل بن أبي طالب فادعى العباس العجز عن الفداء، فقال له (ص وآله): (أين المال الذي وضعت بمكة عند أم الفضل وليس معكما أحد، وقلت: إن أصبت فلعبد الله كذا، وللفضل كذا) فقال العباس: ما علم أحد غيري، والذي بعثك بالحق إنك رسول الله، وأسلم هو وعقيل رضي الله عنهما.
15- ورد لسيدنا سليمان الشمس مرة، والرسول (ص وآله) كان نائما ورأسه في حجر علي عليه السلام، فانتبه وقد غربت الشمس فردها الله له حتى صلى رسول الله (ص وآله).
16- وعلم سيدنا سليمان منطق الطير، وفعل ذلك في حق سيدنا محمد (ص وآله)، روى أن طائرا فجع بولده، فجعل يرفرف على رأسه ويكلمه، فقال: (أيكم فجع هذه بولدها ؟ فقال رجل: أنا، فقال: اردد ولدها) وكلام الذئب والناقة معه (ص وآله) مشهور.
17- وأكرم سيدنا سليمان عليه السلام بمسير شهر في غدوه ورواحه، وأكرمه (ص وآله) بالإسراء إلى بيت المقدس في ساعة.
18- وأرسل معاذا إلى بعض النواحي، فلما وصل المفازة فإذا أسد جاث فهاله ذلك ولم يجرأ أن يرجع، فتقدم وقال: أني رسول رسول الله (ص وآله)، فبصبص السبع وانصرف.
19- وكما انقاد الجن لسيدنا سليمان عليه السلام، انقادوا لسيدنا ومولانا محمد (ص وآله)
20- وأطعم الخلق الكثير من الطعام القليل.
ومعجزاته (ص وآله) أكثر من أن تحصى خصوصاً في هذا المقام، فثبت صحة قوله تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ).

جمعه للمعارف والعلوم:
من معجزاته (ص وآله) الباهرة ما جمعه الله له من المعارف والعلوم، وما خصه به من الاطلاع على جميع مصالح الدنيا والدين، ومعرفته (ص وآله) بأمور شرائعه وقوانين دينه ومصالح أمته.
وما كان في الأمم قبله، وقصص الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، والجبابرة والقرون الماضية من لدن سيدنا آدم عليه السلام إلى زمنه (ص وآله)، وحفظ شرائعهم وكتبهم ووعي سيرهم وسرد أنبائهم وأيام الله فيهم، وصفات أعيانهم واختلاف آرائهم، والمعرفة بمُدَدِهم وأعمارهم، وحكمة حكمائهم.
وإقناع كل أمة من الكفرة، ومعارضة كل فرقة من الكتابيين بما في كتبهم، وإعلامهم بأسرارها، ومخبآت علومها، وإخبارهم بما كتموه من ذلك وغيروه مع البيان لكل قبيلة بلغاتها وغريب ألفاظ فرقها، والإحاطة بضروب فصاحتها، والحفظ لأيامها وأمثالها، ومعاني أشعارها وجوامع كَلِمِها.
إلى المعرفة بضرب الأمثال الصحيحة لتقريب التفهيم للغامض، والتبيين للمُشْكِل.
إلى تمهيد قواعد الشرع الذي لا تناقض فيه ولا تخاذل.
مع اشتمال شريعته (ص وآله) على محاسن الأخلاق، ومحامد الآداب، وكل شيء مستحسن مفضل، لم ينكر منه ملحد ذو عقل سليم شيئاً إلا من جهة الخذلان، بل كل جاحد له وكافر من الجاهلية به إذا سمع ما يدعو إليه صوبه واستحسنه دون طلب إقامة برهان عليه.
ثم ما أحل لهم من الطيبات، وحرم عليهم من الخبائث، وصان به أنفسهم وأعراضهم وأموالهم من المعاقبات والحدود عاجلا، والتخويف بالنار آجلا، مما لا يعلم ولا يقوم به ولا ببعضه إلا من مارس الدرس والعكوف على الكتب ومتابعة بعض هذا.
إلى الاحتواء على ضروب العلوم وفنون المعارف كالطب، والعبادة والفرائض، والحساب، والنسب. وغير ذلك من العلوم مما اتخذ أهل هذه المعارف كلامه عليه الصلاة والسلام فيها قدوة وأصولا في علمهم، كقوله عليه الصلاة والسلام: (الرُّؤْيَا لأِوَّلِ عَابِرٍ وَهِيَ عَلَىٰ رِجْلِ طَائِرٍ). وقوله: (ٱلرُّؤْيَا ثَلاَثٌ: رُؤْيَا حَقٍّ، وَرُؤْيَا يُحَدِّثُ بِهَا ٱلرّجُلُ نَفْسَهُ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ) وقوله: (إِذَا تَقَارَبَ ٱلزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا ٱلْمُؤْمِنِ تَكْذِبُ) وقوله: (أَصْلُ كُلِّ دَاءٍ ٱلْبَرْدَةُ) وقوله: (خَيْرُ مَا تَدَاوَيْتُمٍ بِهِ ٱلسُّعُوطُ وٱللَّدُودُ وٱلْحِجَامَةُ وَٱلْمَشْيُ، وَخَيْرُ ٱلْحِجَامَةُ يَوْمُ سَبْعَةَ عَشْرَ وَتِسْعَةَ عَشْرَ وَوَاحِدٍ وَعِشْرِينَ، وَفِي ٱلْعُودِ ٱلْهِنْدِىيِّ سَبْعَةَ أَشْفِيةٍ) وقوله: (مَا مَلأ ٱبْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا عَلَيْهِ مِنْ بَطْنِهِ)، إلى قوله: (فَإنْ كَانَ لاَبُد فَثُلُثٌ للِطَّعَامِ وَثُلُثٌ للِشَّرَابِ وَثُلُثٌ للِنَّفَسِ) وقوله وقد سئل عن سبأ أرجل هو أم امرأة أم أرض ؟ فقال: (رَجُلٌ وَلَدَ عَشرَةً تَيَامَنَ مَنْهُمْ سِتَّةٌ، وتَشَاءَمَ أَرْبَعَةٌ) الحديث بطوله. وكذلك جوابه في نسب قضاعة، وغير ذلك مما اضطرت العرب على شغلها بالنسب إلى سؤاله عما اختلفوا فيه (*)، من ذلك قوله: (حِمْيَر رَأْسُ الْعَرَبِ وَنَابُهَا، ومذحج هَامتها وقلصتها، والأزد كَاهِلُهَا وجمجمتها، وهمدان غَارِبُهَا وَذِرْوَتُهَا)
وقوله: (إِنّ الزّمَانَ قَد اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِه يَوم خَلَقَ اللّه السَمَواتِ والأرْضَ) وقوله في الحوض: (زَوَايَاهُ سواءٌ) وقوله في حديث الذكر: (وَأنّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ فَتِلْكَ مَائَةٌ وَخَمْسُونَ عَلَى ٱللِّسَانِ وَأْلفٌ وَخَمْسُمَائَة فِي ٱلْميزَانِ) وقوله: (مَا بَيْنَ ٱلْمشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ) وقوله لعيينة أو الأقرع: (أنَا أَفْرَسُ بِالْخَيْلِ مِنكَ) وقوله لكاتبه: (ضَعِ ٱلْقَلَم عَلَى أُذُنِكَ فَإِنَّهُ أَذْكَرُ لِلْمُمْلَى) هذا مع أنه عليه الصلاة والسلام كان لا يكتب ولكنه أوتي علم كل شيء، حتى قد وردت آثار بمعرفته حروف الخط وحسن إتقان تصويرها، كقوله (ص وآله): (لاَ تَمُدُّوا بِسْمِ ٱللهِ ٱلرّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ). وروي أنه قال لمن يكتب بين يديه عليه الصلاة والسلام: (أَلْقِ الدَّوَاةَ وَحَرِّفِ ٱلْقَلَمَ، وَأَقِمِ ٱلْبَاءَ، وَفَرِّقِ ٱلسِّينَ، وَلاَ تُعْوِرِ ٱلْمِيمَ، وَحَسِّنِ ٱللَّـهَ، وَأَمِدَّ ٱلرَّحْمَٰنَ، وَجَوِّدِ ٱلرَّحِيمَ)، وهذا وإن لم تصح الرواية أنه كتب عليه الصلاة والسلام، فلا يبعد أن يرزق علم هذا ويُمنح الكتابة والقراءة.
وأما علمه عليه الصلاة والسلام بلغات العرب وحفظ معاني أشعارها فأمر مشهور، وكذلك حفظه عليه الصلاة والسلام لكثير من لغات الأمم كقوله في الحديث: (سنه) وهي حسنة بالحبشية، وقوله: (ويكثر الهرج) وهو القتل بها، وقوله: (اشْكنب دردم) أي: وجع البطن بالفارسية، إلى غير ذلك مما لا يعلم بعض هذا ولا يقوم به ولا ببعضه إلا من مارس الدرس والعكوف على الكتب ومثاقفة أهلها عمره، وهو رجل كما قال الله تعالى أُمّىٌّ لم يكتب ولم يقرأ، ولا عرف بصحبة مَن هذه صفته، ولا نشأ (ص وآله) بين قوم لهم علم ولا قراءة لشىء من هذه الأمور، ولا عرف هو قبل بشىء منها، قال الله تعالى: (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) الآية. إنما كانت غاية معارف العرب النسب، وأخبار أوائلها، والشعر، والبيان، وإنما حصل لهم ذلك بعد التفرغ لعلم ذلك، والاشتغال بطلبه، ومباحثة أهله عنه.
وهذا الفن نقطة من بحر علمه (ص وآله)، ولا سبيل إلى جحد الملحد لشىء مما ذكرناه، وما وجد الكفرة حيلة في دفع ما نصصناه إلا قولهم: أساطير الأولين، وإنما يعلمه بشر، فرد الله تعالـى قولـهم بقولـه تـعالـى: (لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ).

____________________________
(*) يقول السيد عز الدين أبو العزائم في كتاب "دعوتنا" حول شروط الإمام الوارث لحضرة النبي ص: (الإمام عبد من عبيد الله المكرمين اختصه الله تعالى بكرامته، وحباه بولايته، فهو في أعلى درجات الكمال اللائقة بالبشر من التقوى والشجاعة والكرم والعفة والصدق والعدل، ومن التدبر والعقل والحكمة، وجميع الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة، لا يداينه أحد من البشر فيما اختصه الله به. وبهذا استحق أن يكون إماماً وهادياً. فإن منزلته العلمية لا تجاري، فما سئل عن شيء إلا أجاب عليه في وقته، ولا تمر على لسانه كلمة (لاأدري) ولا يؤجل الجواب للمراجعة أو التأمل)
ويشرح الشيخ طاهر محمد مخاريطة قول السيد عز الدين بقوله: (أما علمه فهو يتلقى المدد من طريق النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا استجد شيئا لابد أن يعلمه عن طريق الإلهام بالقوة التي أودعها الله تعالى فيه، فيكون في صفاء نفسه القدسية على استعدد لتلقي المعلومات في كل وقت وفي كل حالة. فمتى توجه إلى شيء من الأشياء وأراد معرفته استطاع علمه بتلك القوة القدسية الإلهامية بلا توقف ولا ترتيب مقدمات، فتنجلي في نفسه المعلومات كما تنجلي المرئيات في المرآة الصافية بلا لبس ولا إبهام). اهـ فإذا كان هذا في حق ورثته، فكيف به هو ؟!!



#محمد_عبد_المنعم_عرفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلام دين الله وفطرته التي فطر الناس عليها [9]
- الله وأنبيائه ورسله في التوراة وفي الفكر السلفي
- العلمانية الوجه الآخر لليهودية [2]
- العلمانية الوجه الآخر لليهودية [1]
- الأمة الإسلامية.. عوامل الضعف وأسباب النهوض [4] السيد محمد ع ...
- رسائل إلى الشيخ حسن فرحان المالكي [2]
- رسول الله ص يتنبأ بظهور الجماعات المتأسلمة ويخبرنا بأنهم مشر ...
- رسائل إلى الشيخ حسن فرحان المالكي [1]
- الأمة الإسلامية.. عوامل الضعف وأسباب النهوض [3] السيد محمد ع ...
- الأمة الإسلامية.. عوامل الضعف وأسباب النهوض [2] السيد محمد ع ...
- الأمة الإسلامية.. عوامل الضعف وأسباب النهوض
- الإسلام دين الله وفطرته التي فطر الناس عليها [8]
- عبادة الملائكة الروحانيين.. [2] الصوم كما يراه الإمام أبو ال ...
- يهود أم حنابلة ؟!! [5] السيد محمد علاء الدين أبو العزائم
- يهود أم حنابلة ؟!! [4] السيد محمد علاء الدين أبو العزائم
- يهود أم حنابلة ؟!! [3] السيد محمد علاء الدين أبو العزائم
- يهود أم حنابلة ؟!! [2] السيد محمد علاء الدين أبو العزائم
- يهود أم حنابلة ؟!! [1] السيد محمد علاء الدين أبو العزائم
- أدعية الغفران في شهر القرآن للإمام أبي العزائم - الجزء الثان ...
- الإسلام دين الله وفطرته التي فطر الناس عليها [7]


المزيد.....




- “ماما جابت بيبي”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على القمر الصنا ...
- الإعلام الحربي للمقاومة الإسلامية في لبنان يعلن تنفيذ 25 عمل ...
- “طلع البدر علينا” استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20 ...
- إعلام: المرشد الأعلى الإيراني يصدر التعليمات بالاستعداد لمها ...
- غارة إسرائيلية على مقر جمعية كشافة الرسالة الإسلامية في خربة ...
- مصر.. رد رسمي على التهديد بإخلاء دير سانت كاترين التاريخي في ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا لقوات الاحتلال الاس ...
- القائد العام لحرس الثورة الاسلامية اللواء حسين سلامي: الكيان ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان: مجاهدونا استهدفوا تجمعا لقوات ا ...
- قائد حرس الثورة الإسلامية اللواء سلامي مخاطبا الصهاينة: أنتم ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد عبد المنعم عرفة - الإسلام دين الله وفطرته التي فطر الناس عليها [10]