أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - ناضجون ومراهقون














المزيد.....

ناضجون ومراهقون


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5205 - 2016 / 6 / 26 - 23:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



صورتان لمشهدين، متزامنين، على نفس الكوكب، في ذات المجرة، وفي كون واحد.
الصورة الأولى: مجموعة من الرجال والنساء ينتمون لدولة في الشمال الأوروبي، الدنمارك، يتحلّقون حول مسجد، ليشكّلوا بأجسادهم سورَ حماية بشريًّا، ليمنعوا حرقه على يد مجموعة مراهقة من أبناء الفكر النازي المتطرّف.
الصورة الثانية: لمشاهد عديدة تمثّل مجموعة من الذكور الملثمين بالسواد يدورون على كنائس في العراق وسورية يحرقون ويهدمون ويقتلون مُصليّن. وصور شبيهة شهدناها بأنفسنا قبل عدة أعوام لمجموعة ذكور، ينتمون بحكم التاريخ لأعرق حضارات الأرض: مصر، يحملون فؤوسًا ومعاولَ وبلطاتٍ يحطمون به كنيسة الماريناب بمدينة أسوان جنوب مصر، على مدار 22 ساعة، وتكرر المشهد مع كنيسة صول بحلوان، ثم هذا العام في مدينة العامرية بالإسكندرية شمال مصر.
الفارقُ بين الصورة الأولى والصور الثانية هو الفارق بين درجات من النضوج والمراهقة على سُلّم الترقّي الإنساني. هو الفارق بين قمة السُلّم، وسفحه.
البشر الذين خلّدتهم الصورة الأولى، مختلفو العقائد والمذاهب والتوجهات الفكرية، ما بين المؤمن والربوبي اللاديني والملحد، بينما الكائنات في الصور الثانية لم يدخلوا بعد تحت مظلة الإنسانية، وبالتالي لا يحقّ لنا أن نسأل عن توجههم الفكري أو العَقَدي أو المذهبي، لأن أول شروط الفكر والمذهب والمعتقد، هو أن يكون الكائنُ "إنسانًا" في البدء. الإنسانُ الناضج يؤمن أن المعتقد شأنٌ خاصٌّ بين المرء وبين ربّه، لا يحقّ لأحد أن يتدخل فيه أو يُناوئه. أما المراهق فكريًّا أو دينيًّا فهو ذاك الذي يزجّ بأنفه في معتقدات الآخرين، ويحاول أن يعطّل طرائق تواصل أي إنسان مع ربّه، بالطريق الذي اختاره لنفسه، وسمح به الله، حينما سمح بتعدد رسالاته ولم يشأ أن يجعل الناس أمّة واحدة.
الناضجون في الصورة الأولى، وفيما يدافعون عن حقّ المسلم في الصلاة بأمان في مسجده، كانوا يدافعون عن حقوقهم الخاصة. فأنا أحمي حقوقي حينما أحمي حقوق جاري. وأهدر حقوقي حينما أساهم في هدر حقوق سواي، أو حين أسمح بأن تُهدَر حقوقه. والمراهقون في الصور الأخرى يهدرون حقوقهم فيما يهدرون حقوق سواهم.
الناضجون في الصورة الأولى، كانوا يدافعون عن إنسانيتهم الخاصة، فيما يدافعون عن إنسانية سواهم ممن يعتنقون عقيدة مخالفة لعقيدتهم. فالإنسانية تسبق العقائد، وتحميها من الزوال. أما المراهقون في الصور الأخرى فإنما يهدمون إنسانيتهم فيما يهدمون إنسانية سواهم.
في دولة الإمارات العربية المتحدة، "يعيش" في توادّ وسلام واحترام بشرٌ من عشرات الجنسيات يعتنقون عشرات المعتقدات. أقول "يعيش" ولا أقول "يتعايش". إذ لا أحب تلك المفردة التي تذكّرني بتعايش الإنسان مع مرض السكر أو الكبد الوبائي أو السرطان، أو ما شابه. العيش يكون بين الأنداد والمتصالحين. والتعايش لا يكون إلا بين الخصوم أو بين الإنسان والمرض. في دولة الإمارات، المسلمة، تجد المسجد جوار الكنيسة جوار المعبد البوذي جوار المعبد الهندوسي، يخرجُ كلٌّ من دار عبادته ليتحول إلى مواطن أو وافد حاملا معتقده في قلبه وشاهرًا إنسانيته التي يواجه بها الناس.
كيف حدث هذا؟ لأن رجلا مثقفًا ناضجًا، اسمه الشيخ زايد، قرر أن يشيّد دولة ناضجة مثقفة تحترم قيمة "الإنسان"، دون النظر إلى معتقده وعِرقه ولونه. فكتب دستور هذه الدولة، وسَنّ قوانينها، ليتفقا مع هذا المبدأ: احترام الإنسان. ثم "طبّق" القانون بحسم ودون مواربة أو ميوعة، حتى أصبح ذلك المبدأ ثقافة طبيعية لدى المواطنين. وحين رحل هذا الرجل النبيل، رحمه الله، سار أبناؤه الناضجون على نهجه، وحملوا المبدأ ذاته مشعلا لا يخبو نوره، فأصبح "احترام الإنسان" نهج حياة من طبائع الأمور. وهذا ما لم يستطع حكّامُ مصر تكريسه رغم دساتيرنا المتعاقبة التي تُقرّ باحترام حق الإنسان ممارسة شعائر دينه بأمان، إلا أن "عدم تطبيق القانون" بحسم على المتطرفين كرّس شيوع الممارسات المراهقة وأدرى إلى الفتن الطائفية التي تضرب خاصرة مصر مع عشية ليلة ونهار صبح.
أحد المفكّرين حكى حكاية رمزية طريفة. تخيل أن هناك دائرة في مركزها يتجلّى الله تعالى. والبشر، على اختلاف مشاربهم، مصطفّون على محيط الدائرة ينظرون نحو الله في مركز الدائرة. الخط الواصل بين كل إنسان وبين المركز هو نصف قطر. أنصاف الأقطار لا تلتقي إلا عند المركز، حيث الله. أما لو رسمنا خطًّا بين نقطتين على المحيط، فقد رسمنا وترًا لا ينظر إلى مركز الدائرة. هذا ما يحدث حين يقتتل إنسان وإنسان ممن يقفون على محيط الدائرة. أوتار الدائرة لا تنظر إلى المركز أبدًا، وبالتالي لا تصل إلى الله. لا يقتتل شخصان وصولا إلى الله أبدًا، بل وصولا إلى الشيطان.
الله هو المحبة والرحمة والعدل والرأفة والحنوّ. شئنا هذا أم أبينا. صدّقنا هذا أم لم نصدّق. من يحب الله ويؤمن به، يحاول أن يحاكيه في كل ما سبق من قيم نبيلة على قدر إنسانيته. ومن لا يعرف الله يكون عاجزًا عن محاكاته، وله منّا الشفقة والدعاء. نحن بشرٌ بقدر نضوجنا الإنساني، ونحن كائنات حوشية وحشية بقدر ما نحمل من مراهقة وانعدام نضوج.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عين الطائر ودو كيخوتي
- البابا شنودة يرفض اعتبار أقباط مصر أقليلة، هل سينال سبابكم م ...
- كل سنة وأنت طيب أيها الصندوق الطيب
- جنونٌ أمْ كفر؟ 1/3
- أمّة تقرأ | ماذا تقرأ هذه الأيام؟
- لماذا يهاجمني نشاط من أقباط المهجر؟ بيان فاطمة ناعوت
- لماذا يحمل الشباب المسيحي التمرَ على النواصي؟
- فين شيوخ القبيلة يا بلد؟
- كلمة الكاتبة فاطمة ناعوت في مؤتمر (دعم الأقباط) بواشنطن
- رصاصةُ فرج فودة؟
- الأبكم
- يقتلون براءتَهنّ!
- فين شيوخ القبيلة يا بلد؟!
- هل الأقباطُ أقلية في مصر؟
- كونشرتو اسمه: رمضان
- سمكة وحصان ... وسجني
- بيت شاهندة مقلد
- ومات معها كل شيء!
- فتّشوا عن الصندوق الأسود داخلكم
- الضعيف والمُستضعَف


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - ناضجون ومراهقون