أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - لماذا يحمل الشباب المسيحي التمرَ على النواصي؟














المزيد.....

لماذا يحمل الشباب المسيحي التمرَ على النواصي؟


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5196 - 2016 / 6 / 17 - 12:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ما سرُّ التمرة؟ التمرةُ هي ابنةُ النخلة. والنخلة إن بُذِرَت بذرتُها اليومَ، تُحصد ثمارُها البلحاتُ بعد سنوات طوال. لهذا قد يزرعها زارعٌ، ويموت عنها قبل أن يرى ثمرَها. هو يدرك ذلك ويتعب في زرعها ليَطعم منها سواه. وفي المأثور القديم قرأنا عن فلاح عجوز جاوز الثمانين وشارف الموت. رآه المارةُ يغرس فسيلة نخيل في الطمي، فتعجّبوا من أمره، وسألوه: “هل ترجو أن تشهد ثمرة بذرتك أيها العجوز الهالك؟” فابتسم قائلا: “زرعوا فأكلنا، ونزرعُ ليأكلَ سوانا.”
التمرةُ إذن هي "الرهانُ على الآخر". هي إنكارُ الذات ومحبة الآخر، وقتل الأثرة انتصارًا للإيثار. نتعب ولا نجني من تعبنا سوى بهجة الآخرين. بهذا المعنى نفهم الحديث الشريف: “اتقوا النارَ ولو بشِقِّ تمرة، فمَن لم يجد، فبكلمةٍ طيبة.” فالتمرةُ في ذاتِها "كلمةٌ طيبة" يقولها المرءُ لسواه بقلبه وفعله دون قول. لهذا يقدّم العربُ في الخليج التمورَ في محافلهم؛ إشارة للحفاوة العملية بالضيف، دون ثرثرة ولا لغو ولا فائض قول. وبهذا المعنى نفسه نشهد عبقرية المصريين الخالدة في أن يقف شبابٌ على نواصي الطرقات في رمضان وقت غروب الشمس ليمنحوا العابرين والسابلة، ممن فاجأهم آذانُ المغرب خارج بيوتهم، بضعة تمراتٍ وكأسَ ماء بارد ليكسروا صيامهم، فكأنما يقولون لهم، دون كلام: “نحبّكم.” لأن الأدبيات المسيحية تقول على لسان السيد المسيح عليه السلام: “كأسُ ماء بارد لا يضيعُ أجرُه.”
لكن خصوصية مصر وعبقريتها، تكمن في أن الكثير من أولئك الشباب والصِبية الواقفين بأكياس التمر وكؤوس الماء ليُفطروا ظِماء الصائمين المسلمين، هم من شباب مصر المسيحيّ. تلك إحدى عبقريات مصر التي لن تجدها إلا في أرض طِيبة الخالدة التي أخفق الغزاةُ في فصم وحدة شعبها على مدار الزمان والغزوات. تلك نعمةُ النِعم التي يجب أن نحافظ عليها ونحميها من حقد الحاقدين وكيد الكائدين. وحدتنا.
يحملُ الشبابُ أكياسًا بلاستيكية صغيرة مكتوبًا عليها: “صومًا مقبولا، وإفطارًا شهيًّا. مع تحيات كنيسة كذا.” في تلك الكلمات القليلة تختبئ قصائدُ الوجود. تلك هي أعلى مراتب الإنسانية والسمو فوق المذاهب العقدية، وصولا إلى مرتبة "الإنسان"، وهي الهدف الأول للأديان. أن نسمو عن أنانيتنا حتى نحصل على لقب: "إنسان"، وليس مجرد كائن حيّ يعيش ويتناسل ويموت. أدعو الله مع بداية هذا الشهر الكريم ألا تختفي هذه الظاهرة المصرية الطيبة بعد الحادثة الحمقاء التي وقعت العام الماضي حين أُلقي القبض على ثلاثة صبية صغار من شباب المسيحيين يحملون أكياس التمر للصائمين المسلمين على إحدى نواصي مدينة الإسكندرية، واتُهموا بازدراء الإسلام (!!!!!!) وغُرّموا ثلاثين ألف جنيه كفالة لإخلاء سبيلهم! وكأننا نجعلهم يدفعون ثمن نبلهم ومحبتهم لأشقائهم المسلمين! هزّتني الواقعة السخيفة ورأيت أننا نقتل داخل أولئك الصبية شيئًا ثمينًا لا تعوضه الأموال والثروات. نقتل محبة الخير في قلوبهم، وفي قلب من يفكر في المستقبل وفي رمضانات قادمة أن يفعل الشيء نفسه.
دعوني أحكي لكم قصة من المأثور العربي تشرح لنا فداحة تلك الواقعة. كان هناك فارسٌ يسير في الصحراء فوق فرسه، فصادف رجلا تائهًا يتعثّر في أسماله وظمأه وجوعه. قرّر الفارسُ النبيل أن ينقذ التائه من الموت المحقق، فأركبه حصانَه ليوصله إلى المعمورة. فما كان من الرجل البائس إلا أن لكز الفرس بمهمازيه وجرى به بعيدًا عن صاحبه، وراح يضحك ويسخر من سلامة طوية الفارس النبيل وشهامته. فهتف به الفارسُ: “خذ الحصان، إن شئتَ، ولكن لا تحكي لأحد ما كان بيننا.” فأجاب اللصُّ مقهقهًا: “هل تخشى أن يُعيّرك العربُ لبلاهتك؟!” فأجاب الفارسُ: “لا! بل أخشى أن تختفي الشهامةُ من أرض العرب بعدما يعرفون ما جرى منك ومني.” فأعاد اللصُ الحصانَ للفارس، وندم واعتذر. خافَ اللصُّ، أن يختفي النبلُ من أرض العرب. فهل يتعلّم لصوصُنا.
سيظل المسيحيون في مصر يصومون معنا شهرنا الكريم، ويعلقون فوانيس رمضان في الشوارع، ويخبزون كعك عيد الفطر من أجلنا، ويقدم شبابهم التمرَ والماء لصائمينا على نواصي الطرقات، وسنظل نجدل معهم عيدان السعف ونفرح لأعيادهم. لأن فلسفة الأعياد هي جمع الناس على التوادّ والرحمة.
كل سنة وأنتِ يا مصرُ، مصرُ الطيبة التي لا تعرف الكراهية، ولم تدخل معجمَها، ولن تدخل، مفرداتُ الطائفية والإقصاء. وإنّا في رباطٍ إلى يوم الدين.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فين شيوخ القبيلة يا بلد؟
- كلمة الكاتبة فاطمة ناعوت في مؤتمر (دعم الأقباط) بواشنطن
- رصاصةُ فرج فودة؟
- الأبكم
- يقتلون براءتَهنّ!
- فين شيوخ القبيلة يا بلد؟!
- هل الأقباطُ أقلية في مصر؟
- كونشرتو اسمه: رمضان
- سمكة وحصان ... وسجني
- بيت شاهندة مقلد
- ومات معها كل شيء!
- فتّشوا عن الصندوق الأسود داخلكم
- الضعيف والمُستضعَف
- جلباب سعاد وأُذُن أيمن
- حوار حول تيارات الإسلام السياسي وقضيتها
- في الغُربة... الجول باثنين
- كيف وأدت الإماراتُ أخطبوط الطائفية؟
- صباح الخير يا مايسترو
- من فوق غيمة
- سيبيهم يحلموا يا طنط عفاف


المزيد.....




- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة
- تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل ...
- تنبأ فلكيوهم بوقت وقوعها وأحصوا ضحاياها بالملايين ولم تُحدث ...
- منظمة يهودية تطالب بإقالة قائد شرطة لندن بعد منع رئيسها من ا ...
- تحذيرات من -قرابين الفصح- العبري ودعوات لحماية المسجد الأقصى ...
- شاهد: مع حلول عيد الفصح.. اليهود المتدينون يحرقون الخبز المخ ...
- ماذا تعرف عن كتيبة -نتسيح يهودا- الموعودة بالعقوبات الأميركي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - لماذا يحمل الشباب المسيحي التمرَ على النواصي؟