فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 5193 - 2016 / 6 / 14 - 02:21
المحور:
الادب والفن
عند حُمرةِ الشَّفَقِ الحزينْ
كانَ عصفورٌ
يئِنُّ في قفصٍ
أنينَ المواتِ
والحَزَنْ.
سَجّانةٌ
من جبالِ البربرْ
قصّت ريشَه
لتحشو وسادتَها،
كسرت مِنقارَه
واستلّتْ من حُنجرتِه
وترًا
جعلتْه خيطًا لأسنانِها
تُنظّفها
من ِأشلاءِ قتلاها
ثم سجنتْه
نصفَ أبكمَ
في قفصٍ
وجلستْ عند شاطئ النهرِ
تُدخّن الغليونَ
وتُغنّي.
سمِعتُ أنينَه المهزومَ
يجوبُ سماءَ طِيبةَ
فسافرتُ
وسافرتُ
عبرتُ الجبالَ والبحارَ
وقطعتُ البراريَ
ومزّقتُ الصحارَىَ
ولما دنوتُ من إسارِه
ابتسمَ في وهنٍ
وهَمَّ بالغناءْ
رغم الوترِ المبتور.
فتحتُ الصندوقَ
كسّرتُ الأغلالَ حول مِعصميه
ثم علّمتُه الطيرَ
فطارَ للبعيدْ
باحثًا عن سَجّانتِه
وعن قفصِ الفولاذْ الذي
كنتُ ألقيتُه وُسْعَ ذراعي
إلى حيثُ
قاعِ المحيطْ.
حجَلَ الأبكمُ
ووقفَ فوق رابيةٍ
تُطِلُّ على صفحةِ الماءْ
تلفّتَ مناديًا
بنصفِ صوتٍ:
"أيتها السجّانةُ
التي ذبحتْني
ونتفتْ ريشي
فما عدتُ قادرًا على الطيران
ولا الشدو
ها أنا ذا
جِئتُكِ
خانعًا
ذليلاً
فتعاليْ!"
فلمّا لم تُجبْه
لأنها مشغولةٌ
بصريعٍ جديد
انتشلَ قفصَه
بمِنقارِه المكسورْ
ثم طأطأ الرأسَ
خفيضًا
خاضِعًا
كما عبدٍ
يبحثُ عن سيّدِه
ثم ضمَّ جناحيه
ودخلَ قفصَه.
ركضتُ صوبَه
ولّما هممتُ بالقفصِ من جديد
لأفتَحه
لم أجدْه.
القفصُ الموصدُ
غليظُ القضبانْ
لم يعد حول جناحيّ العصفور الأبكم
إنما صارَ
حولَ قلبِه.
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟