أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - كل سنة وأنت طيب أيها الصندوق الطيب














المزيد.....

كل سنة وأنت طيب أيها الصندوق الطيب


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5201 - 2016 / 6 / 22 - 16:06
المحور: الادب والفن
    


من وقع تصفيق الجمهور وإيقاعه، كانت السيدةُ الجميلة تعرف اسم أغنية السيدةِ الجميلة. الجميلةُ الأولى هي أمي سهير، رحمها الله، المثقفة التي لم تكن تسمح بأن يدخل أذنيها إلا راقي الطرب. وأما الجميلة الثانية فهي السيدة أم كلثوم. بمجرد هدير التصفيق، لحظة نهوض أم كلثوم عن مقعدها الخشبي بعد انقضاء المقدمة الموسيقية، كانت أمي تهمس: “أمل حياتي". عشّاق أم كلثوم الحقيقيون يعرفون الأغنية بمجرد رؤية الفستان الذي ترتديه السيدة العظيمة والمنديل الشيفون الذي تحمله بيمناها ليمتصّ طاقة التوتر التي تنتابها بعد رؤية الجمهور الأنيق المثقف الذي جاء من كل العالم ليسمع شدوها. والجمهور الأكثر عشقًا، لم يكن بحاجة إلى مشاهدة الفستان ليعرفوا اسم الأغنية، بل كانوا يعرفونها من النغمة الأولى من اللحن الموسيقي، ومن المقام الحامل للحن: صبا، بياتي، حُجاز، نهاوند، الخ. أما أمي الجميلة، فقد غلبت الجميع بمعرفة الأغنية من نغمة التصفيق التي تسبق النغمات والمقام. معجزة سمعية تليق بعاشقة لمعجزة طربية ثقافية هائلة.
تذكّرت كل هذا مع عيد ميلاد الإذاعة المصرية، 31 مايو 1934. هذا الصندوق الثقافي الهائل الذي كوّن ثقافة أجدادنا وجدّاتنا قبل دخول التليفزيون إلى بيوتنا. واستمر هذا الصندوق المدهش في مدّ الأجيال التالية بكنوز لا حدود لها من المعارف والفنون الراقية. أمي الجميلة تلك، على عشقها لفن أم كلثوم، كانت حاسمة جدًّا فيما يخص الاستذكار نشدانًا لتفوّق طفليها، شقيقي الأكبر وأنا. لم يكن مسموحًا لنا إلا أن ندرس طوال الوقت، وكل ما عدا هذا من مباهج ولعب وأصدقاء وسنيما وتليفزيون، فكانت من الممنوعات والخطوط الحمراء العصية. لكنني استطعتُ بعد جهدٍ أن أجعلها بأن تمنحني عشر دقائق من كل يوم في العاشرة مساء، أستمع فيها إلى برنامج "لغتُنا الجميلة" الذي يقدمه الشاعر الكبير "فاروق شوشة"، بعدما أقنعتها أن إنصاتي إليه سوف يدرّبني على إجادة اللغة العربية فيؤدي هذا إلى تحصيل الدرجات العليا في المدرسة. ولهذا البرنامج الثريّ يعود جزءٌ كبير من الفضل في عشقي للغة العربية، بعد القرآن الكريم وديوان الشوقيات، وموسوعة الأغاني للأصفهاني. ثم تماديتُ أكثر في إغوائي لها، حتى وافقت أن أفتح محطة "البرنامج الموسيقي" بصوت خافت وأنا أستذكر دروسي؛ بعدما أقسمتُ لها أن ذلك يساعد عقلي على الاسترخاء من التوتر، واستيعاب الدروس على نحو أفضل.
كانت محطة أم كلثوم، تبدأ في الخامسة عصرًا بأغنية لها، تتلوها أغنية للموسيقار الأسطورة محمد عبد الوهاب، تتلوها أغنية لفريد الأطرش، ثم عبد الحليم ونجاة الصغيرة، وغيرهم من رموز الطرب، حتى تختتم برنامجها بأغنية أخرى لكوكب الشرق قبل أن تُغلق بابها في العاشرة مساء. كانت هي الساعات الخمس التي تزيّن بيوتنا المصرية بأيقونات الصوت والموسيقى والفرح.
في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، كان هذا الصندوق الساحر هو مركز التقاء الأسر المصرية حول حفلات أم كلثوم، لمن لم يستطع أن يحظى بتذكرة لحضور الحفل لايف في مسرح سينما ريفولي بالقاهرة. لم تكن كل البيوت المصرية قادرة على شراء هذا الصندوق الساحر، فكان الجيران يذهبون إلى البيت "الثري" الذي يمتلك الراديو لكي يسهروا على صوت الجميلة أم كلثوم.
مَن فينا ينكر فضل برنامج "زيارة لمكتبة فلان" الذي تقدّمه الإعلامية الجميلة الأستاذة "نادية صالح"، بصوتها الشهيّ واختياراتها المثقفة؟ عبر هذا البرنامج كان بوسعنا التلصص على عقول نخبة مصر والعالم العربي، عبر التسلل إلى مكتباتهم والتلصص على عناوين الكتب التي تحملها رفوف المكتبات تلك. قُل لي ماذا تقرأ أقل لك مَن أنت. عبارة صادقة مائة بالمائة لأن اختيار المرء جزءٌ من عقله، كما قال الإمام السيوطي.
في عيد ميلاد الإذاعة المصرية، أقول: كل سنة وأنت طيب، أيها الصندوق الطيب.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جنونٌ أمْ كفر؟ 1/3
- أمّة تقرأ | ماذا تقرأ هذه الأيام؟
- لماذا يهاجمني نشاط من أقباط المهجر؟ بيان فاطمة ناعوت
- لماذا يحمل الشباب المسيحي التمرَ على النواصي؟
- فين شيوخ القبيلة يا بلد؟
- كلمة الكاتبة فاطمة ناعوت في مؤتمر (دعم الأقباط) بواشنطن
- رصاصةُ فرج فودة؟
- الأبكم
- يقتلون براءتَهنّ!
- فين شيوخ القبيلة يا بلد؟!
- هل الأقباطُ أقلية في مصر؟
- كونشرتو اسمه: رمضان
- سمكة وحصان ... وسجني
- بيت شاهندة مقلد
- ومات معها كل شيء!
- فتّشوا عن الصندوق الأسود داخلكم
- الضعيف والمُستضعَف
- جلباب سعاد وأُذُن أيمن
- حوار حول تيارات الإسلام السياسي وقضيتها
- في الغُربة... الجول باثنين


المزيد.....




- حماس تنفي نيتها إلقاء السلاح وتصف زيارة المبعوث الأميركي بأن ...
- صدر حديثا ؛ إشراقات في اللغة والتراث والأدب ، للباحث والأديب ...
- العثور على جثمان عم الفنانة أنغام داخل شقته بعد أيام من وفات ...
- بعد سقوطه على المسرح.. خالد المظفر يطمئن جمهوره: -لن تنكسر ع ...
- حماس: تصريحات ويتكوف مضللة وزيارته إلى غزة مسرحية لتلميع صور ...
- الأنشطة الثقافية في ليبيا .. ترفٌ أم إنقاذٌ للشباب من آثار ا ...
- -كاش كوش-.. حين تعيد العظام المطمورة كتابة تاريخ المغرب القد ...
- صدر حديثا : الفكاهة ودلالتها الاجتماعية في الثقافة العرب ...
- صدر حديثا ؛ ديوان رنين الوطن يشدني اليه للشاعر جاسر الياس دا ...
- بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ ...


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - كل سنة وأنت طيب أيها الصندوق الطيب