الهروب من الجوع والموت المبكر (وزن الانسان وطوله والعمر المتوقع له)

جواد الديوان

الحوار المتمدن-العدد: 5203 - 2016 / 6 / 24 - 09:29
المحور: الطب , والعلوم
    

عالم الاقتصاد فوكل Fogel (حصل على جائزة نوبل) يؤكد على توافق التحسن في ظروف المعيشة والمراضة والوفيات ومنذ القرن الثامن عشر، في مشاهداته في العالم المتقدم. كما حاول دراسة الاوضاع الصحية في البلدان الفقيرة وفق معايره المحددة. كما ارسى اسس التفكير في مستقبل الصحة للمحظوظين في البلدان الغنية، حيث عمرهم المتوقع عند الولادة اطول بعشرة سنوات عنه في البلدان الفقيرة (التقديرات في التسعينات من القرن الماضي).
الاقتصادي واختصاصي الوبائيات النرويجي والر Waaler قدم العلاقة بين الطول والوزن والوفيات في منحنى (رسم بياني) معروف باسمه منحنى والر Waaler curve، يوضح العلاقة بين العمر المتوقع للانسان ومؤشر كتلة الجسم Body Mass Index (BMI) (تقسيم الوزن بالكيلوغرام على مربع الطول بالمتر). ويوازي المنحنى المحور السيني ويمثل مؤشر كتلة الجسم حتى بلوغه 30 ليرتفع بشكل حاد موضحا زيادة في احتمالية الوفيات. وبالعودة الى معنى مؤشر كتلة الجسم، فان المنجنى يوضح بان الانسان الاطول يتمتع بعمر متوقع اطول من قصير القامة.
ونجح فوكل في تطبيق منحنى والر على المعلومات المتوفرة لديه عن المتطوعين في الجيش الامريكي وتاريخ النمو الاقتصادي وتاريخ تطور علم وظائف اعضاء الانسان (الفسلجة). وظهر له طريق الهروب من الجوع والموت المبكر، وكان الطريق من الجنوب الغربي الامريكي يتميز سكانه بالنحافة والضعف وقصر القامة الى الشمال الشرقي الامريكي حيث السكان الاقوياء وطوال القامة. وبالامكان تطبيق منحنى ولير على الصينيين والهنود وكقارنة النتائج مع تلك عن الامريكان في القرن الثامن عشر او حاليا لتظهر اهمية التغيرات في الطول والوزن والعمر المتوقع للانسان.
ويرسم فوكل عندها صورة عن الاسلاف والتغذية في القرنيين الماضيين، عندما اصبح طعامهم اكثر، ويعني انتاج غذاء اكبر فاصبحوا اضخم واقوى. ويظهر الهروب من الجوع والموت المبكر هو تجاوز المصيدة الغذائية حيث لا يستطيع الانسان العمل لانتاج غذاء اكثر لانه ضعيف.
واطلق فوكل وطلابه على ظاهرة التحسن المتوافق بنظرية التطور التقني الفسيولوجي (الوظيفي) Techno-physio-evolution وهذه تغيرات بايولوجية وليست جينية تنتقل عبر المجتمعات بسرعة وليست بالضرورة ثابتة. ولا زال هذا الموضوع يثير الاهتمام. وباختصار النظرية تتناول تاثير النمو الاقتصادي على وظائف اعضاء جسم الانسان. ونظرية التطور التقني الفسيولوجي مناسبة للتنبؤ حول طول عمر الانسان، والعمر الذي تظهر فيه الامراض المزمنة وحجم جسك الانسان وكفاءة وفترة عمل الاعضاء الحيوية لجسم الانسان في هذا القرن والقرن القادم. كما ان النظرية عامل ضغط على السياسات السكانية اي النمو السكاني وكلفة التقاعد والرعاية الصحية.
تستند النظرية الى سيطرة الانسان الغير مسبوقة على البيئة، وبالتالي زيادة في الانتاج. وفصلت الانسان الحاضر عن اسلافه. وبهذه السيطرة استطاع الانسان ان يزيد حجم جسمه اكثر من 50% وعمره المتوقع اكثر من 100% وكذلك قوة وحيوية الاعضاء في جسمه.
في القرن الثامن عشر وفي بريطانيا، كانت الناس ذات اجسام ضيئلة يكفيها الغذاء الذي تحصل عليه، اي السعرات، للحياة في وقت الراحة ولا يتبقى سعرات اضافية للعمل، ولذا عاشوا بقامات اقصر مما عليه حاليا. واذا افترضنا انتقال الناس من هذا الزمن الى القرن الثامن عشر باستخدام ماكنة الزمن الافتراضية! فسيصبحوا اكثر نحافة، ولكن من هم قصار القامة سيبقوا احياء. ومن الافتراض، بالامكان تصور كيف استطاع الاسلاف الهروب من الجوع والموت المبكر عندما تحولت اجسامهم الى كتل اكبر وتمتعوا بعمر متوقع اطول.
ويجد فوكل بان زيادة حجم الناس واوزانهم وقوتهم الان بسبب نمو الدخل القومي في بريطانيا منذ 1790. والتحسن في الطول والوزن سبب التغير في العمر المتوقع للانسان، ويضاف لذلك سبب اخر حيث انخفاض اصابات الامراض الغير انتقالية (امراض القلب والجهاز الحركي والهضمي وغيرها).
ولا زالت الزيادة مستمرة في الوزن والطول والقوة. وظهر ذلك من دراسة حديثة من 10 بلدان اوربية بان الطول يزداد 0.6 أنج للرجال و 0.3 أنج للنساء كل عقد من السنوات. وظهرت فروق واضحة بين البلدان ذات السكان الاطول (النرويج والسويد والدانمارك وهولندا) والبلدان ذات السكان الاقصر (فرنسا وايطاليا واسبانيا)
وفي العراق يفقد الانسان السيطرة على البيئة منذ حروب الثمانينات من القرن الماضي وما تلاها، ورسم صورة لذلك يحتاج الى دراسات.

#جواد_الديوان (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل