أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - حوار الفكر والثقافة -رذيلتان لا تنجبان فضيلة-















المزيد.....



حوار الفكر والثقافة -رذيلتان لا تنجبان فضيلة-


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 5185 - 2016 / 6 / 6 - 14:24
المحور: مقابلات و حوارات
    


عبد الحسين شعبان وحوار الفكر والثقافة
رذيلتان لا تنجبان فضيلة

أجرى الحوار: خيرية المنصور
المخرجة السينمائية والتلفزيونية
مديرة موقع الصدى الإعلامي

o لا تصبح السياسة علماً إلاّ باقترانها بعنصر الخير.
o الشرير ليس شجاعاً.
o أنا ضد العنف سواءً الموجه ضد الآخر أو نحو الذات.
o التسامح لا يعني المساومة.
o لا تغيير حقيقي دون أن تستطيع النخب استعادة دورها.
o كلّما اتّسعت نفس الإنسان للحب، اتّسع قلبه للتسامح وعقله للاّعنف.
o نستفزّ الوردة برفق، لكي تتفتّح وتفوح رائحتها.
o لم أشعر بتقدّم العمر إلاّ حين رحلت والدتي.
o لا أتمنى أن أكون حاكماً كي لا أفقد دهشتي.
o الدين ظاهرة اجتماعية، ليس رجعياً أو تقدمياً، وإنما يتلوّن بلون القوى الاجتماعية الحاملة.
o جوهر الدين هو "روح عالم بلا روح".
o كان ماركس طوباوياً، حين اعتقد أن زوال المجتمعات الطبقية سيؤدي إلى انقراض الدين!!
o تطوّر العلم، لكن الحاجة إلى الدين ازدادت.
o أن تكون يسارياً يعني أنك لست مع أنصاف القيم.
o كيف تكون يسارياً وأنت تتجه صوب العولمة النيوليبرالية أو صوب اللغة الخشبية، للقوميين والإسلاميين.
o لا أكره أحداً حتى من اعتبر نفسه خصماً لي أو عدوّاً أو أساء لي.
o القانون زوجتي والأدب عشيقتي.
o أكتب بلغة الحرير، لكن الريشة مغمّسة بالدم.
* * * * *
لا يهدأ المفكّر ولا يستريح، بل ينشغل لدرجة الانهمام بكل متغيّر أو مستجدّ، فيحاول أن يخضعه في مشغله للدراسة والتحليل. لا يسترخي ولا يتوقّف، لأنه يدرك أن مفاهيم الناس وحاجاتهم ووسائل تعبيرهم عنها، تتغيّر، وبالتالي يلاحق بديناميكية هذا التطوّر، كيما يجتهد في تفسيره واجتراح حلول لمشكلاته.
ومن البديهي أن مفكّراً كبيراً مثل عبد الحسين شعبان، يقرأ بعمق تطوّرات المجتمعات العربية وتشعباتها وخصوصياتها، بل ومفارقاتها، ويقاربها من زاويته اليسارية ومنهجه المادي ـ الجدلي، كما يقول متوقّفاً عند أسئلة جديدة، مثل السياسة ومفاهيمها والشجاعة واللاّعنف والتباسات المسألة القومية، والأغلبيات والأقليّات ومفاهيم الشرعية، والحزبي والسياسي بصورهما القديمة ـ الجديدة وسيكولوجية الرضوخ، لينتقل إلى حقول ليست مطروقة كثيراً، بل وغالباً ما يبتعد عنها المثقفون والمفكّرون، مثل الحب والمرأة والدّين، وإنْ قاربوها، فبالعموميات في غالب الأحيان، لكن شعبان يخوض فيها بجرأة وبكثير من البوح، معلياً من شأن الجانب الإنساني في فكره وحياته وسلوكه.
ليس هذا فحسب، بل يتحدّث بشفافية عن الصداقة والأصدقاء، والفن والأدب وروافده الروحية، ومقارباته الكتابية لأجناس أدبية مختلفة من النقد والسيسيولوجيا الثقافية والسيرة الفكرية والمحطات النضالية وغيرها.
الحوار مع شعبان متنوّع، فهو يخرجك من حقل ليدخلك في آخر، ولا يكتفي بالفلسفة والتاريخ، الذي يقول عنهما الأحب إليه، بل يظهر ميله إلى الأدب أكثر ممّا هو البحث الأكاديمي، المعروف به، وتكاد من الصعب أن تجمعه، فمن الدراسات القانونية الدولية والدستورية الرصينة، إلى الأديان والفكر الديني، وقضايا التسامح واللاّعنف، إلى ميدان حقوق الإنسان والمجتمع المدني، إلى الثقافة والأدب والنقد، إلى إضاءات لسيرة مبدعين كبار مثل الجواهري وشمران الياسري (أبو كاطع) وحسين جميل وسعد صالح وآخرين، إلى دراسات نقدية لـ: غائب طعمة فرمان ومظفر النواب ونصر حامد والطيّب صالح وهادي العلوي وعامر عبد الله، وغيرهم العشرات الذين ربطتهم به علاقات صداقة.
الحوار بحد ذاته هو دهشة الطفل الذي لا يزال يقبع في عبد الحسين شعبان، الذي يتحدّث عن الطفولة والحياة العائلية وقضايا شخصية، بكل أريحية وانفتاح ونقد للذات أيضاً.
في إطار منهجه النقدي المادي ـ الجدلي، ولا يقول الماركسي، أو لا يفضّل ذلك، لأنه ينتسب إلى فلسفة وليس إلى شخص، ينتقد شعبان اليسار بشكل عام واليسار العربي والعراقي بشكل خاص، وقد دأب على ذلك منذ نحو ثلاثة عقود من الزمان بنقد التجربة من زاويتها الفكرية رابطاً ذلك بالبراكسيس كما يقول.
ونقده لليسار لا بهدف النقد، بل يطرح بلاتفورم أقرب إلى برنامج سياسي بعيد المدى لمراجعة فكرية عملية، للمفاهيم والعمل والتنظيمات، داعياً إلى علاقة من نوع جديد بين أطرافه وقواه. ومع كل النقد وقسوته أحياناً، فتراه شديد الاعتزاز بيساريته، تلك التي يريدها حرّة، لا تثقلها عقد الماضي، بل تسعى للاستفادة من إيجابياته للانفتاح على الآخر، بكل رحابة صدر، بما فيه نقده للآخر، من موقع استقلالي يشدّد في اعتماده، خارج ما هو معروف من التصنيفات القديمة.
الحوار معه شيّق ومثير، وهو يطرح أفكاراً وآراء تحتاج إلى المزيد من التأمل والقراءة الانتقادية، بل إنه يطرح أسئلة جديدة ومفتوحة لا تزال طازجة وطرّية.
خيرية المنصور
مديرية موقع الصدى الإعلامي
 -;---;--
س 1 ـ كيف ينظر المفكر الكبير عبد الحسين شعبان للحوار؟
للحوار دائماً نكهة خاصة ومذاق متميّز، خصوصاً إذا استطاع محاورك أن يستدرجك إلى فسحة أوسع للبوح، ليكشف عن جوانب غامضة، أو ليضيء على مساحات غير معروفة في شخصك أو تفكيرك. وبعد ذلك ففيه متعة ودلالة ومراجعة في الآن. إنه نوع من الاختبار لما تفكّر به، تعرضه للتقييم الذاتي، سيرة فكريّة أو مسار نظري أو اجتهاد معرفي أو غير ذلك.
س 2 ـ وماذا يعني بالنسبة لك؟
أحاول من خلاله أن أنسج ضوءًا آخر في منظومتي الفكرية وأستذكر أحلامي وأدقق في رؤياي، بل أُخضع بعضها للنقد والمراجعة. هذا هو شغل الباحث وهمّه الدائم. والحوار أصل الفلسفة، وكل فلسفة حوار وجدل وتوليد ونقد، وتلك هي مهمّة المثقف.
س 3 ـ وكيف يقول مفكر مثلك؟
لا زلت تلميذاً، بل في بداياتي الأولى، أحاول أن أجتهد، أخطىء وأصيب، وأراجع وأدقّق، وأقدّم نقداً ذاتياً أعتزّ به، بما فيه أخطائي، لأنها صميميّة، أي أنها نابعة عن قناعة واجتهاد، وإذا ما أرتني الحياة حقائق أخرى، أدق وأوضح، فسوف أغيّر رأيي وأنحاز إليها، ولا ينبغي أن نقف ضدّ إيقاع الحياة ومتغيّراتها.
أردّد دائماً مع الإمام الشافعي:
كلّما أدّبني الدّهْرُ

أراني نَقْصَ عقْلي

وإذا ما إزددت عِلْماً

زادني علماً بجهلي

س 4 ـ أنت عالم سياسة؟ ما هي السياسة؟
لست عالماً، بل أنا باحثٌ ودارسٌ، فقد درست الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة بغداد، والعلاقات الدولية في براغ، ثم توجّهت إلى دراسة الدولة والقانون في أكاديمية العلوم التشيكوسلوفاكية، ولا سيّما القانون الدولي والقانون الدستوري من خلال البحث في فلسفة القانون. وكرسّت جزءًا من جهدي الفكري والمهني لثقافة حقوق الإنسان والمجتمع المدني وقضايا الهويّة والمواطنة.
والسياسة بقدر ما هي علم، هي ممارسة وتجربة، وكل علم يخضع للتجارب بعضها سيكون ناجحاً والآخر فاشلاً، والناجح يتم البناء عليه والفاشل لا بدّ من الاستفادة من دروسه، وإذا ما كشفت الحياة عن حقائق جديدة فلا بدّ من تجارب جديدة، وفي الوقت نفسه، فالسياسة فن فيما يتعلّق بالإدارة، ونصف أي نجاح هو الإدارة، وهذه الأخيرة هي علم أيضاً، وهي كذلك بحاجة إلى تراكم وتجارب وإغناء، ولا يكفي أن تكون لديك معارف نظرية وخطط صحيحة، بل ينبغي أن تكون لديك إدارة ناجحة وأدوات مناسبة تستجيب لمتطلبات التطوّر بما فيها العلوم الأخرى.
س 5 ـ ما معنى السياسة إذاً؟
السياسة حسب حنّا أرنت تعني "الحرية"، ببساطة متناهية. أما لينين فقد اعتبرها: التعبير المكثّف عن الاقتصاد، وهي شكل من أشكال الصراع والاتفاق، وهي فن الممكن كما يقال، ووفقاً لابن خلدون فهي "صناعة الخير العام"، وهذا أمانة وتفويض ومحاسبة.
س 6 ـ ما هو مفهومك أنت لعلم السياسة؟
بالنسبة لي أرى أنها أقرب إلى "علم إدارة الدولة والمؤسسات التي خارجها"، وهذا ينبغي أن يقترن بالأخلاق، إضافة إلى عنصر الخير، وأقتربُ هنا من المفهوم الأرسطوي للسياسة، باعتبارها: نشاط إنساني يهدف إلى تحقيق الخير العام لجميع أفراد المجتمع. وإذا كان هذا جزء من المفهوم، فالأمر أعقد بكثير من ذلك، فمسألة الحرية، إضافة إلى المساواة، والعدالة، ولا سيّما الاجتماعية، إضافة إلى المشاركة والشراكة، ينبغي أن تكون حاضرة في مفهومنا للسياسة ببعدها السقراطي المتعلّق بالأخلاق.
وبالطبع، فإن هذه العناوين حتى وإن كانت بمسمّيات أخرى هي موجودة منذ القِدم، ولكن رؤيتنا إليها تطوّرت، وستبقى في تطوّر دائم لا حدود له بتطوّر الحقوق. وحصل الأمر على نحو كبير بعد حركة التنوير التي شهدتها أوروبا، ولا سيّما بعد الثورة الفرنسية في العام 1789، بالترافق مع الثورة الصناعية وتطوّر مفهوم الدولة ذاته.
س 7 ـ هل تميل إلى الثنائيات: خير وشر، ديني وعلماني، مقاوم ومساوم؟
الثنائيات بشكل عام سادت خلال فترة الحرب الباردة والصراع الآيديولوجي، بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي، وبسبب "الأدلجة" لم يرَ أياً من الفريقين إيجابيات ما لدى الآخر، لأن الصراع كان تناحرياً، إلغائياً، استئصالياً.
لقد حقّقت البلدان الاشتراكية السابقة نجاحات فيما يتعلّق بالتعليم والصّحة والخدمات العامة والرياضة والثقافة، لكنّها كانت تعاني من شحّ الحرّيات والاختناقات الاقتصادية والبيروقراطية وقلّة الأجور، أما الغرب فقد أصبح مستودعاً للعلوم والتكنولوجيا والآداب والفنون والعمران والجمال، وحقّقت الطبقة العاملة منجزات مهمّة، لكن غياب العدالة الاجتماعية والتفاوت الطبقي ونهب ثروات الشعوب الأخرى، كان سمة من سماته الأساسية.
وإذا كانت فكرة التعايش السلمي قد انتعشت بعد ذلك، فلأن المواجهة كانت تعني الحرب النوويّة المدمّرة لكليهما، بل للعالم أجمع. كانت بعض ردود الفعل العاطفية هي السائدة في ساحة الفريقين والتي تلعب فيها المشاعر، وهذه تقوم بالتحشيد والشحن، ولم ير أياً من الفريقين الضلال ما بين الأسود والأبيض، فهناك درجات متعدّدة من الألوان الرمادية، تتراوح بينهما.
صحيح أنه ليس هناك مساواة بين العدل والظلم وبين السلام والحرب وبين التسامح والعنف، لكن الظواهر معقّدة ومركّبة، ولا ينبغي النظر إليها بتبسيط أو سطحية، ومن زاوية واحدة فقط، وإهمال زوايا النظر الأخرى.
لقد انقسمت النخبة العربية، بين استمرار الحصار على العراق أو إدانته، وبين ضرب العراق بزعم مخالفة حكامه السابقين لحقوق الإنسان ولممارساتهم الإرهابية، وهو صحيح، وبين رفض استخدام ذلك ذريعة، كما اتّسعت شقّة التباعد بين تأييد الاحتلال أو الوقوف ضده، وإذا كان رفض الحصار والقرارات الدولية لمعاقبة العراق والوقوف ضد الاحتلال، أمراً صحيحاً، لكن البعض حاول أن يوظّفه للدفاع عن الدكتاتورية، سواء عن قصد أو انساق إليه ببراءة، مثلما حاول البعض بزعم مواجهة الدكتاتورية استدعاء قوى دولية لاحتلال العراق، مؤيّداً كل مبرّراتها المزعومة بوجود أسلحة دمار شامل وغير ذلك. هكذا هي الظواهر معقّدة وزوايا النظر إليها تعطي صوراً مختلفة للمشهد الواحد أحياناً.
س 8 ـ هل ينسحب الأمر إلى مفهوم الإرهاب؟
بالطبع، فالبعض عدّ كل فعل مقاومة للاحتلال إرهاباً دولياً، في حين هناك من تواطؤ مع العمل الإرهابي بالسكوت أو تسهيل مهماته أو المداهنة والمهادنة، طالما هو ضد الحكومات التي تعاونت مع الاحتلال أو نشأت باعترافه أو إقراره بصيغة المحاصصة، أو الضغط للحصول على مكاسب لها.
س 9 ـ هل ينطبق الأمر على داعش أيضاً؟
نعم، فعند احتلال الموصل، تعاون معه حزب البعث، وحيّا عزت الدوري أمينه العام "المجاهدين"، وكان يعتقد أو يؤمل أنه بعد احتلال الموصل من قبل داعش يمكنهم الحصول على موطىء قدم والتمدّد أبعد من ذلك، بل والإطاحة برؤوس داعش، لكن داعش كانت أسرع منهم ولديها خططاً مُحكمة وبارعة، فقد "تغدّت بهم قبل أن يتعشوا بها".
قلت لأحد الشخصيات الكبرى من التنظيم القومي: أيعقل أنكم تتعاونون مع أكثر التنظيمات إرهابية ووحشية؟ أجابني: إن خطتهم كانت تقضي الانقلاب على داعش بعد نجاحها، كما حصل حين تم الانقلاب على عبد الرزاق النايف في 30 تموز (يوليو) 1968 بعد انقلابهم في 17 تموز (يوليو) العام ذاته.
ولم تكن تلك سوى تبريرات سمجة لتكتيكات قديمة ومشروخة، وضحك على الذقون واستهانة بالعقول، ومحاولة التذاكي بافتراض استغباء الآخر، إضافة إلى كونها دونية ولا أخلاقية. فالسياسة التي تتنصّل عن الأخلاق هي مثل بضاعة فاسدة ورديئة يتم الترويج إليها بطرق احتيالية، وهذا التصرّف ذكّرني بمقطع لقصيدة الراحل وليد جمعة يقول فيه: "يا ابن آوى، كلّنا مثلك ثعلب"، بمعنى أن هناك من يفكّر بالمؤامرة والمناورة والمداورة في إطار ذرائعي ضيق الأفق وبالضدِّ من مبادىء الأخلاق.
س 10 ـ أهي ميكافيلية؟
نعم، فلدى ميكافيلي وكتابه "الأمير"، الذي هو من أهم الكتب، وكان صدر في العام 1513 واحتفلت إيطاليا بمناسبة مرور خمسة قرون على صدوره، إن الغاية تبرر الوسيلة، لكن الوسيلة لا بدّ أن تكون جزءًا من الغاية، ولا غاية شريفة دون وسائل شريفة، والغاية هي حسب فيلسوف الهند العظيم المهاتما غاندي رائد المقاومة السلمية المدنية اللاّعنفية، هي مثل علاقة الشجرة بالبذرة فلا يمكن فصلهما، لعلاقتهما العضوية.
كان كتاب الأمير بمثابة وصايا للحكام في حقل التعامل السياسي، وقد لقي شهرة كبيرة، بسبب تأثّر الكثير من القادة والزعماء به، لدرجة هناك من كان يضعه بالقرب من سرير نومه، وكان يتعلّم منه الدرس بعد الآخر، بغض النظر عن الجانب الأخلاقي. وبالنسبة لي فإن السياسة بدون أخلاق ستعني تدليساً وخداعاً وتبريراً لأي فعل شنيع.
س 11 ـ ألا تلاحظ أن ثمّة انحدار في السياسة؟
هذا صحيح، ولذلك تزداد الحاجة للاهتمام بها كعلم، والسياسة لا تصبح علماً أي إدارة وتدبيراً وتنظيماً إلاّ باقترانها بعنصر الخير.
س 12 ـ وماذا عن الشر؟
السياسة العدوانية والعنصرية والفاشية مثلاً ليست سياسة في نظري، لأنها ترتبط بعنصر الشر، ولذلك لا نقول للإنسان العدواني أو العنصري أو الفاشي، إنه شجاع، لأن الشجاعة هي فضيلة من فضائل القلب، وسمة للإنسان القوي، ولن تكون الشجاعة "شجاعة" إذا استخدمت الشر، وسيكون الإنسان شريراً وليس شجاعاً، والشرير ليس شجاعاً، إنه شرسٌ وعنيف ومرتكب، لأنه يستخدم الشرّ وسيلة لتحقيق أغراضه.
س 13 ـ هل هذا يعني عدم وجود شرير، شجاع؟
نعم، لأن الشجاعة صفة للخير، أما الجبن فهي صفة الشرير حتى وإنْ تخاشن أو استشرس أو اقتحم أو دمّر الخصم أو العدوّ، لكنه لن يكون موضع إعجاب ولا ينبغي أن يكون، لأن ما يقوم به هو فعل شرّ. أما الشّجاع فهو موضع الإعجاب والتّقدير لأنه يدافع عن الخير وينتصر لقيم العدالة، ويسعى لوضع حد للظلم والعدوان واللاّمساواة. الشّجاعة بدون هذه القيم لن تكون شجاعة إنْ استُخدِمتْ في فعل الشرّ، وستنتهي إلى الجبن.
الشّرير ليس شجاعاً مهما واجه من مخاطر وتحدّيات لأن مآربه شريرة وليست خيّرة، في حين أن الشجاع يتحلّى بفضيلة إنسانية وهي دفاعه عن الخير والعدل، وهذه تمكّنه من الإمساك برباطة جأشه في الوقت المناسب.
الشجاعة تقتضي مقاومة الشر، وليس الاقتداء به، والشجاع هو نقيض الشرير، يقول المهاتما غاندي، وكذا الحال هي السياسة، كما أعتقد.
س 14 ـ أنت أحد روّاد اللاّعنف في العالم العربي.. كيف أصبحت؟
لا زلت أسعى للتخلّص من لوثة العنف التي هيمنت على ثقافتنا العربية، وأقصد اليسارية منها وعلى نفوسنا، وتوصّلت إلى قناعة أن العنف سوف يولِّد العنف، في دورة مجنونة جديدة، وذلك من خلال قراءة للتاريخ البعيد والقديم وللتجارب المعاصرة، بما فيها التي عشتها وعرفتها.
العنف ليس موجهاً ضد الآخر فحسب، بل إنه موجّه نحو الذات أيضاً، في الوقت نفسه، وبقدر ما تحاول إذلال الآخر وتحطيم مقاومته في الدفاع عن كرامته، فإنك تقتلع ما تبقّى من إنسانيته لديك، ولذلك فإنني ضد عنف الذات وعنف الآخر، وكلاهما يدمّران الإنسان وينزعان الإنسانية عنه. وعلى ذكر الهند، فقد تمكّن السياسي الأعزل أن يتفوق على ثعلب السياسة المدجج بالسلاح والمعرفة والتكنولوجيا والعلم، هكذا تغلّب غاندي اللاّعنفي السلمي والمقاوم المدني على ونستون تشرشل رجل الامبراطورية التي لم تغب عنها الشمس، والذي قال متهكّماً "سنقاتل حتى آخر هندي".
س 15 ـ هل هناك تجارب لاعنفية تعتد بها؟
نعم، إن سياسة اللاّعنف التي قادها مارتن لوثركنغ القس الأمريكي من أصول أفريقية، هي التي أدّت إلى انتصار الحقوق المدنية في أمريكا، فقد بدأ بالدعوة إلى مقاطعة الباصات الحكومية في العام 1955. وهكذا "بقوة المحبة" (المقصود السياسة اللاّعنفية) انتصرت حركة المجتمع المدني في نضال لاعنفي نموذجي، وتم إلغاء منظومة القوانين العنصرية في العام (1964) بعد قرون من الاستعباد.
وكانت فكرة اللاّعنف والتسامح هي التي فرضت على حكومة الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا، إجراء انتخابات لكل الأعراق وعلى أساس المساواة، وقادت إلى انتصار الزعيم الافريقي نيلسون مانديلا، وفتح هذا صفحة جديدة من التعايش واللاّعنف والمساواة وعدم الانتقام والثأر، عبر ما سمّي "بالعدالة الانتقالية"، التي تعني كشف الحقيقة ومعرفة ما جرى والمساءلة وجبر الضرر والتعويض وصولاً إلى المصالحة، لا سيّما بإصلاح الأنظمة القانونية والقضائية والأمنية.
وكان للمقاومة المدنية اللاّعنفية دوراً كبيراً في أوروبا ضد العدوان النازي، فيوم أقفل هتلر المدارس البولونية، نظم البولونيون تعليماً سرّياً خاصّاً، وكانت فكرة المقاومة اللاّعنفية وراء نقابة تضامن التي أطاحت بالنظام الشمولي في بولونيا.
ولعلّ "اللاّ" هي التي أطاحت بنظام الدكتاتور ماركوس في الفيليبين، وهي التي حطّمت معنويات الجنود الإسرائليين في انتفاضة الحجارة الأولى أواخر العام 1987 وامتدت لبضعة أعوام.
"واللاّ" اللاّعنفية هي التي أطاحت بأنظمة أوروبا الشرقية الشمولية (أواخر الثمانينات) وحقّقت بعض أنظمة أمريكا اللاتينية انتصارات باللاّعنف عبر ما عُرف "الثورة في صندوق الاقتراع"، حيث فاز اليسار في نحو 7 بلدان، مثلما كان اللاّعنف وراء انتصار الثورة الإيرانية في العام 1979، وظهرت تأثيراته بصورة جليّة في انتفاضة الياسمين ضد زين العابدين بن علي، وانتفاضة النيل ضد محمد حسني مبارك، ويعكس مسار الثورتين دور اللاّعنف في تطوراتهما. وقد انتقلت العدوى إلى بلدان أخرى عربية وغير عربية.
علينا تحديد استدلالات اللاّعنف وفهم معانيه الإنسانية وتحديد مبانيه ومعرفة جوانب القوة الخارقة الكامنة فيه.
س 16 ـ أليس ثمّة التباسات حول الموضوع؟
نعم، لا بدّ من نزع الالتباسات وتحديد المفاهيم وفاعليتها وإيجابياتها فيما يتعلق بالعدالة مثلاً، وعندما نقول باللاّعنف لا ينبغي أن ينصرف الذهن إلى الحلول الاستسلامية مثلاً والقبول بالمهادنة والتخلّي عن الحقوق، سواء فيما يتعلّق بفلسطين ومقاومة الاحتلال "الإسرائيلي" أو غيره.
إنني شخصياً أدعو للمقاومة وأقف معها، وأفضّل أن تكون مقاومة لاعنفية مدنية وسلمية، وأقول لا للعنف، ولكنني في الوقت نفسه أقول نعم للمقاومة، ضد العنصرية والإرهاب والاحتلال، سواء من دولة أو جماعة أو فرد، ولا بدّ من استراتيجيات ووسائل للعمل النضالي اللاّعنفي.
التسامح لا يعني هو الآخر المساومة مع العدوّ على حساب الحقوق، بل إنّ قيَمَهُ تفرض المقاومة، وهي قيم الحرية والمساواة والعدالة والشراكة، وهي قيمٌ إنسانية، لا مجال فيها للتنازل، لأنها لا تقبل التجزئة، وهي متكاملة ومتفاعلة بعضها مع بعض، ولا يمكن التفريط بجزء منها لحساب الآخر، فهي مثل السبيكة الذهبية، لا يمكن رمي قطعة منها أو الاستغناء عنه.
س 17 ـ هل هذا ما تقول به الأغلبية؟
مفهوم الأغلبية والأقلية عندي ليس هو الحاسم، فلا زالت الأغلبية في واد والنُخَب في واد، وحتى النخب تخلّى قسم كبير منها عن دوره التنويري ورضخ لمتطلبات السائد والمهيمن والمصلحي أحياناً. وبكل تواضع أقول لا تغيير حقيقي دون أن تستطيع النخب استعادة دورها وتعديل الميزان بحيث تؤثر بالأغلبية ويكون لها دوراً ريادياً وطليعياً.
وإذا كانت الديمقراطية مرتبطة بمبدأ الأغلبية، فهذه الأخيرة ليست على صواب دائماً، ولو كانت الأغلبية على حق دائماً لما تم انتخاب حكام فاسدين أو غير كفوئين، لكن العزاء أن يتم استبدالهم بوسائل ديمقراطية أيضاً، أي سلمية ومدنية ولاعنفية.
الأغلبية ليست على صواب دائماً، بدليل أن هناك أغلبية مضللة أو خاطئة، وفي هذه الحالة ستكون الشرعية الناجمة عن هذه الأغلبية "مزيفة" أو فاقدة بعض أركانها أو مبتورة أو ناقصة أو مشوّهة، أي أنها مشوبة بأحد العيوب الجوهرية، وهو التدليس والخداع وتزوير الإرادة، فما بالك إذا افتقدت لشرعية الإنجاز!؟
س 18 ـ هل تشكّك في مفهوم الشرعية السائد؟
"الشرعية" أحياناً تنتج الطغيان أو تجبر المواطنين على اتباع توجه خاطىء، وقد لا ينسجم مع قيم العدالة والمساواة والحرية، وهذه هي الأهم والمعيار الإنساني، وهدف أية شرعية هو الإنسان، الذي حسب الفيلسوف الإغريقي بروتو غوراس "الإنسان مقياس كل شي". لقد جاء هتلر إلى السلطة عن طريق انتخابات في العام 1933، ولكنه بالشرعية سبّب أكبر كارثة للعالم، حين فجّر الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) التي راح ضحيتها ملايين البشر.
حكّام عدد من البلدان العربية والإسلامية والعالمثالثية، جاءوا إلى السلطة بالانتخابات، ولكن ماذا كانت النتيجة؟ إنه خراب ودمار وفساد على جميع المستويات. ألم يصل الحكام الفاسدون في العراق إلى السلطة عبر صندوق الانتخابات، بغضّ النظر عن دستور ملغوم ومحاصصة طائفية وإثنية فرضها المحتل؟
س 19 ـ ماذا تقصد بالأغلبية والأقلية؟
أقصد بهما المعنى السياسي، داخل الأحزاب وفي البرلمانات وفي هيئات المجتمع المدني، وليست الهويّات الإثنية والدينية واللغوية وغيرها.
وهنا لا بدّ من إزالة بعض الالتباسات التي لا تزال سائدة بالمفهوم، خصوصاً وأن العديد من القوى والجهات في الغرب عادت إلى خطابها القديم حول "حماية الأقليات" وهي تقصد بذلك المجاميع الثقافية الأخرى "غير السائدة"، التي تزعم الدفاع عنها، ومثلما في السابق، فهي الحاضر أيضاً، وربما على نحو أشد الآن، فهي تدقّ على الوتر الحسّاس وتريد التدخّل بشؤون دول المنطقة، من هذا الباب.
ولكن في مفهوم الأقليات والأغلبيات هناك ثلاث التباسات هي:
الالتباس الأول ـ هناك "أقليات" مضطهدة، مثلما هناك "أقليات" حاكمة، فكيف يستقيم الحديث عن حماية "الأقليات"؟
الالتباس الثاني ـ هناك "أغلبيات" مهمّشة أو مُبعدة عن موقع القرار، في حين هناك "أغلبيات" متحكّمة، إذا أخذنا بالمفهوم السائد.
الالتباس الثالث ـ إن حقوق "الأقليات" الحاكمة، هي غير حقوقها وهي مقموعة، كما أن حقوق "الأغلبيات" المتسيّدة هي غير حقوقها وهي مستبعدة أو مهمّشة، الأمر الذي يحتاج إلى إعادة بناء هيكلية الدولة على أساس المساواة وعدم التميز، وفقاً لصيغة تشريعية جديدة، تمأسس مبادىء المساواة والمواطنة المتكافئة، دستورياً وقانونياً وسياسياً، ناهيك عن متابعة ذلك اجتماعياً بما يحفظ حقوق المجموعات الثقافية، في مجتمع متعدد الثقافات، خصوصاً باعتماد صيغة لامركزية الدولة، وحسب ظروف كل بلد، من حكم ذاتي إلى فيدرالي أو غيره، مع الحفاظ على وحدانية الدولة والمجتمع، في إطار التنوّع والتعدّدية، وحماية حقوق المواطنة، بما فيها الاعتراف بالهويّات الفرعية وما يرتبه ذلك من حقوق سياسيّة وإداريّة ولغويّة ودينيّة.
س 20 ـ هل تدعو إلى مفهوم جديد للشرعية؟
الأمر يحتاج إلى توسيع تطبيقات مبدأ الشرعية، بحيث يكون بعيداً عن التزوير أو التحريف أو التشويه على أساس سياسي أو مالي أو ديني أو غير ذلك، ولعلّ ذلك جدير بأبحاث العلوم السياسية الجديدة، فالشرعية أو عدم الشرعية بالنسبة لي هي الاقتراب أو الابتعاد عن القيم الإنسانية الأساسية، ذلك هو معيارها ووظيفتها وهدفها، ولا سيّما بتحقق شرعية الإنجاز وفاعلية المنجز.
أتذكّر أنني توقّفت طويلاً عند رد الرفيق فهد "يوسف سلمان يوسف" أمين عام الحزب الشيوعي السرّي على أسئلة الرفيق مقدام حول الشرعية، فيما عناه الأقليّة المصيبة (الصائبة) والأكثريّة الخاطئة (السؤال الرابع)، وكنت ولا أزال أستذكر جواب فهد دائماً، ففيه رؤيوية استراتيجية لمسائل العمل والتنظيم والحياة بعيدة المدى وعميقة الدّلالة. واستند فهد على التجربة الأمميّة، ففي حين كان الماركسيون اليساريون كما أسماهم يمثّلون أقليّة ضئيلة في مؤتمرات الأمميّة الثانية، بالنسبة للانتهازيين اليمينيين، وبالنسبة إلى متذبذبي الوسط، لكن موقف هذه الأقليّة كان صحيحاً من القضية القومية وقضية المستعمرات وقضية الحرب.
للأسف يأخذ البعض جانب التمجيد والتقديس بفهد، وتُهمل بعض أطروحاته المتقدّمة في حينها، ومنها كرّاسه الشهير "حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية"، على أننا ينبغي أن نأخذ أفكاره بسياقها التاريخي، ومن خلال القراءة الانتقادية.
س 21 ـ ولكن تلك كانت مواصفات الحزبي السري فأين نحن الآن؟
لم تكن تلك المواصفات خاطئة كليّاً، ففيها جوانب مشرقة ومضيئة التضحية، التفاني، الصدقية، لا سيّما وأنها تحمل قيماً إنسانية هي نتاج ظرفها التاريخي، ونحن بحاجة اليوم إلى إعادة قراءتها بسياقاتنا التاريخية مقارنة مع الحاضر واستشرافاً للمستقبل، مع الأخذ بنظر الاعتبار التطوّرات العالمية على هذا الصعيد، خصوصاً موضوع الاعتراف بالآخر والإقرار بالتعدّدية والاحتكام إلى الرأي العام والتداولية في المواقع والإدارات وغيرها.
أما السياسي "الجديد" (المغلّف السليفون) والذي ظهر ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، فإن صورته بدأت تختلف عن صورة السياسي في الخمسينات والستينات في الأحزاب الثورية والسرية في الغالب، التي عرفناها بما لها من إيجابيات وهي كثيرة، وما عليها من سلبيات وهي غير قليلة.
ومن مواصفات سياسي اليوم أن لا يكون لهم ماضي نضالي، وإن كان فإنه محدود وتجاربة شحيحة، وليس مطلوباً مستوى ثقافة ومعرفة معينين، والمهم أن يحتمي تحت سقف جماعة أو طائفة أو إثنية أو مجموعة عشائرية أو فئة سياسية كانت في المنفى.
هكذا ازدحمت الساحة بما يسمى "سياسيّ الصدفة" أو "القضاء والقدر" والبعض جيء به، باعتباره ممثلاً عن هذه الطائفة أو تلك، وتحت عناوين مختلفة، ليمثّل الداخل بشكل خاص، لا سيّما بعد أن تصدّرت جماعات الخارج المشهد السياسي السائد!!
إن مهمة "المثقف" اليوم أعقد من السابق بكثير كما أفترض، لأنه لم يعد يكفي رفع شعارات عامة لإقناع الناس كي تسير خلفك أو تمتثل لرأيك، حتى وإنْ كنتَ مدافعاً أميناً عنها، وإلاّ لماذا تسير هذه الحشود المليونية وراء قيادات بعضها بسيط لحد السذاجة، لكنها تستغل اسم الدين وتحرّك المشاعر والغرائز وتدفع هذه الجموع للانصياع لأوامرها حتى وإن كانت تلامس حقوقها كسراب.
هل يعقل أن تتظاهر نسوة ضد حقوقهنّ؟ قد يكون السؤال غريباً، لكن الأغرب حين أقول لك نعم: حصل هذا في العراق حين أريد جمع التأييد لإلغاء قانون الأحوال الشخصية لعام 1959، في دورة مجلس الحكم الانتقالي التي تولاّها عبد العزيز الحكيم. تصوّر أن كل ذلك يجري في عهد العولمة والثورة العلمية ـ التقنية والانفجار الهائل في تكنولوجيا الإعلام والمعلومات والاتصال والمواصلات فيما نطلق عليه الثورة الرقمية "الديجيتيل"، وفي ظلّ فسحة الحقوق الواسعة التي حصلت عليها المرأة على المستوى العالمي.
س 22 ـ ما الذي تبقى من صورة سياسيّ الماضي إذاً؟
لقد بهتت صورة السياسي التقليدي وتلاشى بريقها تدريجياً، كما أن العمل السري منذ أواخر الستينات، حتى إذا ما وصلنا إلى أواخر السبعينات، شهد مرحلة تدجين وترويض، وإلاّ فإن الغياب والتلاشي صار هو السائد، وهكذا فإن المكابرة كانت ضرباً من المغامرة غير المحمودة العواقب، ولذلك اتجهت الأحزاب المعارضة إلى: إما الاتفاق مع الحكومة أو تعريض نفسها إلى التصفية الكاملة، أو اختيار الحل الثالث وهو الهجرة إلى المنافي، وحتى في المنافي لوحق السياسي المعارض بالقمع البوليسي من جهة والقمع الآيديولوجي من جهة ثانية، عبر حملات تشويه مستمرة، خصوصاً وأن بيئة المنفى تشجّع على ذلك، ناهيك عن الاختراقات الخارجية بأشكال مباشرة أو غير مباشرة.
ليس هذا فحسب، بل إن بعض المعارضات بالاستقواء مع أجهزة الدول المضيفة، أصبحت سلطات تتحكّم بقوت المعارض ورزقه وعلاجه ودراسة أطفاله، فضلاً عن تزكيته، وإلاّ سيكون عرضة للمجهول، وكم ضاع من المناضلين في غمرة أعمال قمع وتطويع لمعارضات حسبت نفسها بديلاً عن السلطات، والأمر يشمل الشيوعيين والإسلاميين والقوميين والبعثيين وغيرهم.
للأسف، فإن المنافي شهدت أمراضاً عديدة، سببها الغياب عن ساحة العمل النضالي، والترهّل والتأثيرات الخارجية وضعف اليقظة، والامتدادات الإقليمية والدولية، التي سعت لاحتواء المعارضات وجلبها إلى بيت الطاعة، وكان الهدف هو إدخالها جميعها إلى "الحظيرة" ليُمكن التحكّم بها.
وإذا كان هذا قد حصل للمعارضة العراقية، ولا سيّما في مطلع التسعينات، فإن معارضة اليوم ليست أحسن حالاً من معارضات الأمس.
لنلاحظ ما يحصل للمعارضات العربية أيضاً، فبعد أحداث ما سمّي بالربيع العربي، بدأت تدخّلات وتداخلات الخارج تبدو محمومة ومؤثرة وقوية، وقسم منها دفع أطرافاً في المعارضة إلى العسكرة، الأمر الذي جعل أوراقها بيد القوى الإقليمية والدولية.
وللأسف لم يستفد أحد من الدروس التي حصلت للمعارضة العراقية، وكرّر ذات الأخطاء ولا يزال، تلك التي وقعت فيها سابقاً المعارضة، والمبرّرات هي نفسها "وجود أنظمة دكتاتورية" لكن ما حصل في العراق وما هو منتظر في العديد من البلدان العربية، التي امتدت إليها يد الخارج، أدت إلى تدمير الدولة الوطنية وبنيتها التحتية ومرافقها الحيوية، وأوقعت البلاد تحت احتلال بغيض.
وإلاّ كيف نفسر أن يكون بول بريمر مرجعية إدارية لتعيين شيوعي في مجلس الحكم الانتقالي على أساس مذهبي؟ وكيف ينخرط "شيوعيون" في عقود عمل مع البنتاغون لرسم مستقبل العراق عشيّة الغزو؟ وذلك جزء من خطة الاحتلال ذاتها، وبعد ذلك كيف يدافع شيوعيون عن الاحتلال ومجلس الحكم الانتقالي والوزارات المنبثقة عنه على أساس طائفي وإثني؟ وأين العداء للإمبريالية والصراخ بسقوطها؟ وهل أصبح بول بريمر هو الذي يحقق مقولة: "وطن حرّ وشعب سعيد"؟.
ثم كيف لإسلاميين أمطرونا لعقدين من السنين بوابل من عبارات "الاستكبار العالمي" و"الموت لأمريكا" أن يكونوا أبناء مدلّلين لها لتنصّبهم حكّاماً مع آخرين على العراق، وذلك غير الأبناء "الشرعيين" المعروفين بالولاء التاريخي لها.
أما البعثيون الذين ملأوا الأرض شعارات حول العروبة وتحرير فلسطين، فإذا بهم ينتهون لقبول تنفيذ تعليمات داعش وخططه، ولعلّ تلك جزء من شيزوفرينيا السياسة.
وبعد ذلك كيف للقوى الكردية التنافس والابتزاز والاحتراب واستخدام حق تقرير المصير للشعب الكردي، وهو حق مشروع، وسيلة جديدة للتنافس والمكاسب الضيقة، سواء في علاقاتها مع بعضها البعض أو في العلاقة مع بغداد، ولا سيّما فيما يتعلّق بالمناطق المتنازع عليها.
س 23 ـ كيف تقيّم ذلك: هل هو سذاجة أم تواطؤ؟
لا أخوّن أحداً أو أتهمه، لكنني أقول إنه قصور ذاتي بالدرجة الأساسية، وبعض فشل وعزلة، وهذا يقود إلى الانحدار بالدرجة الأساسية، ولا يعرف البعض أنهم يتجهون إلى الهاوية، خصوصاً إذا ابتعدت السياسة عن الأخلاق والقيم، وأصبحت التكتيكات اليومية و"البراغماتية" ذريعة لكل تنازل أو تراجع أو تحوّل من ضفة إلى أخرى.
وعلى أحسن الأحوال وخارج نطاق الشكوك، فتلك هي نتائج عدم نضج وقلّة معرفة الإدارات السياسية التي تخلت عن الاستراتيجيات لحساب تكتيكات قصيرة النظر وبعضها مبتذل. ومن الصعوبة أن تحرّر السذّج من الأغلال التي يبجّلونها، يقول فولتير.
س 24 ـ وماذا عن الرضوخ؟
بحكم أنظمة اجتماعية وممارسات سياسية فوقية، تتولّد أحياناً سيكولوجية خاصة يمكن أن أطلق عليها سيكولوجية الرضوخ أو العبودية، أو القابلية على العبودية حسب المفكر الجزائري مالك بن نبي "القابلية على الاستعمار" أي القابلية على قبوله. وهذه هي الأخرى تظهر داخل الأحزاب الشمولية مهما كانت هويتها شيوعية أو إسلامية أو قومية عربية أو كردية أو غيرها.
سيكولوجية الرضوخ، تسفّه، بل وتستسخف بأية إمكانية للتغيير واستبدال ما هو قائم، بحجّة لا وجود لبديل، فمن أنت لكي تعارض الاحتلال أو تقف ضد نظام غاشم أو تواجه إدارة حزبية بيروقراطية؟ هكذا تطرح أسئلة هدفها جعل الخضوع للقوة مساراً مهيمناً، وأمراً واقعاً لا بدّ من الاعتراف به، وكما نعلم فإن امتلاك القوّة يوازي أحياناً استخدامها، وهكذا يصبح القمع مع تمجيد القوة والغطرسة واحتقار الضعيف، بل واعتبار أي تواضع ضعف، وهكذا يصل الشعور بالعجز لدرجة اليأس مسيطراً مكّبلاً لأي تفكير بالتغيير، الأمر الذي يؤدي إلى سيادة سيكولوجية الخضوع.
هكذا ترتبط القوة بالسلطة والمال والسلاح والعنف، وهي قوة التعسّف في مواجهة قوّة الحقّ وقوّة العدل وقوّة اللاّعنف، والأخيرة لا يمكنها مواجهة معادلات القوة الكبرى حسب نظرية الخـضوع، بل سينظر إليها باعتـبارها غير قادرة لإنتاج البديـل، وستكون بهذا المعنى ضرباً من العبث والمغامرة والانتحار، وهو ما يسعى إلى تعميمه مفهوم الرضوخ، وقد اعتاد بعض الحزبيين على الرضوخ لإدارات الحزب التي كانت تعتبر كل رأي مخالف بمثابة اعتراض يصل إلى درجة التخريب إذا ما جرى التعبير عنه بوسائل مختلفة.
س 25 ـ هل ننتقل إلى الحب؟
وهل يوجد أجمل منه؟ شيئان في الحياة يستحقان الصراع: وطن حنون وامرأة جميلة، حسب رسول حمزانوف، أن نحب الآخر يعني أن نجعل الحياة أكثر جدارة. والحب أممي بطبعه مثل الجمال، فهو يتخطّى الحدود والبلدان والأديان والقوميات واللغات وكل ألوان الطيف الاجتماعي.
لا يأتي الحب بقرار، إنه يدهشك أولاً ويحضر دون موعد أو تخطيط، يحتلّك فجأة ويهيمن عليك لدرجة لا تستطيع الفكاك منه. إنّه يرسل إشارات غامضة إلى قلبك فتنفتح له كل الأبواب من القلب إلى العقل إلى الوجدان. الحب يتغلغل فيك ويسري في عروقك.
القلب يتّسع لأكثر من حب، والحياة تسمح بأكثر من حب، والحب يتجدّد دائماً، قد يذبل الحب وقد ينتهي، لكنه لا ينبغي أن يتحوّل إلى عداء أو كراهية. يستطيع الإنسان أن يحب لأكثر من مرّة ويخوض أكثر من تجربة، ولكل تجربة خاصّيتها وتميّزها، وبالتالي ظروفها وسياقها التاريخي، كما يمكن للقلب أن يعشق مرّات كثيرات، وكلّما اتسعت نفس الإنسان للحب، اتّسع قلبه للتسامح وعقله للاّعنف.
س 26 ـ ماذا تعني المرأة بالنسبة إليك؟
المرأة بالنسبة لي كل شيء، وبدونها لا يمكنني العيش، أشعر مع وجودها بالتوازن والاعتدال، وبغيابها يصيبني شعور بالاختلال واللاّجدوى.
س 27 ـ هل يعني أن الحب مفروض عليك؟
كلاّ، الحب حالة من الوصل الإنساني الذي يأتي بصورة عفوية وتلقائية مصحوبة بإحساس عذب وآسر. ستكون روابطك مقطوعة مع العالم بدونه، ولذلك نشعر أننا بحاجة إليه، كي نوسّع قيم الجمال في داخلنا، وكي ننظر إلى العالم بمنظور أكثر إشراقاً بتحسّس ما هو إنساني في ذواتنا. نحن دائماً بحاجة إلى أن نستفز الوردة برفق لكي تتفتح ونشمّها برقّة كي تفوح برائحتها ويتدفّق عطرها.
س 28 ـ يقول عمر الشريف: إنه لم يحب سوى فاتن حمامة مع أنه عرف نساء كثيرات؟
أخالفه تماماً في هذا الرأي. لقد أحببت نساءً كثيرات، وكل واحدة منهنّ أعطتني شيئاً مميّزاً، بل إن كل واحدة كان لها طعمها الخاص وعطرها وخفاياها وخباياها. مع كل حب جديد أشعر أن روحي تتجدّد، وعلى إيقاعه تبدو الحياة أكثر بهاءً، والقمر أكثر نوراً، والبحر أكثر شفافية، والسماء أكثر صفاءً وزرقةً.
س 29 ـ أفي موقفك من المرأة ثمّة علاقة بحب الأطفال؟
هناك حبل سري يربطني بالطفولة، كلّما شعرت بتقدّم العمر ازددت طفولة، وكلّما لاحت مظاهر الشيخوخة: الشيب والوقار، أهرب إلى الطفولة، وأدير ظهري للزمن، وكنت قريباً جداً مع بناتي وأولاد شقيقاتي وشقيقي حين كانوا أطفالاً بشكل خاص، وكنت أرغب في مشاطرتهم بلعبهم وتمرّداتهم وخيالاتهم وأكاذيبهم ومقالبهم، وحتى حينما كبروا فهم يتذكّرون كيف كنت ألاعبهم بحميمية وطفولة.
الطفولة تشعرني بالبراءة، وكلّما كانت المشاكل تكبر والحياة تتعقّد، أستذكر الطفولة وأستعيد الأيام الجميلة الهانئة ورعاية الوالد والوالدة، اللذان تعرّضا بسببي لأنواع من الأذى. ولم ألتقي الوالدة ما يزيد على عشرين عاماً، في حين توفي الوالد متأثراً بحادث دهس واستجوابات عديدة.
قد لا تشعر بتقدّم السن، لكن هذا الإحساس يداهمك على نحو مفاجىء. وقد حصل هذا معي بعد وفاة والدتي، شعرت أنني أهرم على حين غرّة، فقد كنت حتى رحيلها أضع رأسي في حضنها وهي تعبث بشعري وتعدّ ما تبقى فيه من شعيرات سوداء. وهو ما كنت أفعله مع بناتي والأطفال الذين أحبهم، فأضع رؤوسهم في حضني وأداعبهم. وبالمناسبة إنّ الأطفال جميلون جميعهم دون استثناء.
كنت أقرأ لسوسن وسنا "الأمير الصغير"، وأناقش معهما أمور الحياة، وأدفعهما لتحمّل المسؤوليات، وأطلب منهما الاستمتاع بالحياة والعيش بحريّة واختيار ما هو مناسب من الأصدقاء، دون تدخّل أو إكراه، وكنت أحترم خيارتهما دائماً، حتى وإن لم أقتنع بها.
سوسن تعمل محامية، وهي متزوجة. وسنا أنهت دراسة الماجستير في الآداب والثقافة، وتعمل بصورة مؤقتة، على أمل الحصول على عمل مناسب. أتعامل معهما في إطار من الصداقة والاحترام لخصوصياتهما وعلاقاتهما وأستمتع حتى اللقاء بأصدقائهما.
أعود معهما أحياناً إلى الطفولة، فنستبدل المواقع، أنا الطفل وهنّ الكبيرات، وكثيراً ما يستمتعن بهذا الدور حين يصدرن التعليمات والقرارات لي، وأطلب منهنّ إقناعي لأمتثل لنصائح الطبيب أو تعليمات الغذاء والدواء.
س 30 ـ وماذا عن الصداقة؟
العلاقة مع المرأة أوّلها إعجاب وصداقة واحترام، وآخرها صداقة واحترام ومشتركات. تبدأ العلاقة بها وتنتهي أو تتواصل معها، أما شكل العلاقة وطبيعتها فهي التي تتغيّر من صداقة وحب إلى صداقة مع المودّة.
الصديق أمرٌ ضروري وحيوي وعظيم في الحياة وأعتزّ كثيراً بشبكة أصدقائي، وثروتي في هذا العالم صداقاتي، حسب مثل روسي. وقيل الكثير عن الصداقة والصديق، فهو قبل الطريق وهو عند الضيق وقيل أفضلهم "العتيق".
وكان أبو حيّان التوحيدي هو من قال: "إن فيلسوفاً سئل ذات يوم: من أطول الناس سفراً، فأجاب من سافر في طلب الصديق". علينا الاحتفاء بالصداقة والصديق، فهما ملح الذكريات والأحلام والتمرد.
س 31 ـ هل هذا هو سِفر الحياة؟
حسب ابن عربي: الأسفار ثلاثة:
سفر من عنده،
وسفر إليه،
وسفر فيه،
وهذا هو سفر التيه والحيرة،
وسفر التيه والحيرة لا معنى له.
تلك هي حيرة الإنسان الأبدية، والحيرة هي بداية الحكمة، وبالحيرة تبدأ الأسئلة وتتوالد، ولا أسئلة بدون شك، ولا شك من دون يقين ثم شك.
س 32 ـ هل بإمكانك لو أصبحت حاكماً أن تطبّق هذه المفاهيم؟
كلاّ، لأن الحكام بلا دهشة، وأنهم بدون مشاعر وأحاسيس في الغالب الأعم، لا أتمنى أن أكون حاكماً، لأنني سأفقد الدهشة، وأي إنسان يفقد الدهشة سينسى طفولته، أو ينزعها عن نفسه، والدهشة أجمل ما في الجمال والحب والطفولة، ولذلك أريد دائماً أن أفتح فمي وأشعر بالدهشة لأصيح من داخلي: ما أجمل الحياة! يا الله ما أروع الزهور والأشجار والطيور والعصافير والجبال والوديان والبحار والأنهار.
كلّها تستفز مشاعري وتحرّكني إلى مكامن الجمال المخفيّ والمعلن منه، والمستتر والظاهر، إنها الفتنة بالجمال المعتّق، وهو إحساس بالانتشاء بعد رشفة نبيذ من كأسٍ رقيق وإبريق أنيق، بحيث يكون الإنسان في كينونته الكبرى، متصالحاً مع نفسه والعالم، من خلال النقد.
س 33 ـ وماذا عن الفن؟
أنا متلقّي ومتذوّق لكل أنواع الفنّ: الأغنية أو قطعة موسيقية أو قصيدة أو فيلم سينمائي أو عرض مسرحي أو تمثال أو صرح معماري أو جدارية، أو أي عمل روائي أو قصصي، ودائماً ما أركّز علي الجمال والمتعة والتناسق والأثر الذي يمكن أن يتركه بحيث يجعلني أتسامى باللغز والرمز.
والفنّ هو الجسر الذي يربطني بالعالم ويحقق ذاتي في الآن، وللشعر مكانة خاصة في نفسي، إذ شكّل أحد الروافد الروحية التي ساهمت في تكويني الثقافي والأدبي والفكري، مثلما لعب القرآن دوراً آخراً في تكويني اللغوي والمخيّلي، بما احتواه من حكايات وقصص وأساطير، مثّلت دروساً وعبراً، ناهيك عن القيم التي تلقيتها وتشربت بها من خلاله، والتي عاشقتها لاحقاً بأفكار الماركسية واليسار والمفهوم المادي الجدلي للحياة والكون.
قد يكون البحث عن الجمال تعويضاً عما تعانيه شعوبنا من صدمات لواقع بائس وأوضاع بشعة، وحتى عندما أحدّق بالراهن، فأنا أحاول تجاوزه نحو المستقبل من خلال المضمون الجمالي الإنساني، فضلاً عن الشكل الفني والقدرة الذاتية على الخلق والإبداع والإنشاء والتشكّل والتعبير.
أهمس أحياناً للوردة كي تتفتح، وأسمع حركتها الداخلية وهي ترسل إشارات تعلن إظهار مفاتنها، وكأنها تتوثب، مثل نهد يشق طريقه إلى الشمس والحرية.
س 34 ـ هل أنت متديّن؟
الدّين ظاهرة اجتماعية تاريخية وعلى الباحث فهمها والتعاطي معها، لا معارضتها، لأن مهمّته تقتضي تحليل الظواهر. وللدّين قيمة علمية نظريّة وعمليّة، لأنه يشكّل أساس علاقة الفرد بالذات، خصوصاً إحساس الإنسان وعاطفته وسلوكه واعتناقه عقيدة معيّنة، ومن جهة أخرى، فإن الأشكال الاجتماعية التي يمثّلها الوعي كأنساق وتمثّلات هي في جوهرها مجموعة من الأفكار والنظريات والآراء.
وقد تكون هذه التمثّلات منسجمة مع الواقع أو متعارضة معه، حسب ماركس، بل وحتى وهميّة أو خياليّة، إلاّ أن هذا الخيال لا يمكن اعتباره مُفرغاً تماماً من الواقع، بل إنه يتجسّد ويتموضع في نتاج نشاط الناس. علينا فهم العلاقة بين الفكر الدّيني والخطاب الذي ينجم عنه من جهة، وبين الممارسة الاجتماعية "البراكسيس" من جهة أخرى.
س 35 ـ هل لا تزال أطروحة ماركس حول "الدّين أفيون الشعوب" صالحة وهل تؤمن بها؟
هناك التباسات وتأويلات بخصوص مقولة ماركس "الدّين أفيون الشعوب"، التي اقتبسها من الفيلسوف الألماني عمانوئيل كانط، وقد وردت في كتابه "الدّين في حدود الفعل البسيط"، وقد قصد منها ماركس العلاقة الملموسة بين الدولة البروسية والكنيسة البروتستانتية في ألمانيا (القرنان السابع عشر والثامن عشر). وقد ظلّ لهذه الجملة رنين خاص بفعل استخداماتها من جانب أعداء الماركسية من جهة، ومن جهة ثانية من بعض أتباعها الذين فسّروها على نحو خاطىء، بل وضار، باعتبارها عداءً للدين. ويمكن للدّين أن يكون أفيوناً مثلما يمكن للفن والأدب والسياسة أن تكون أفيوناً، وهذا ما عبّر عنه كاسترو في حواره الطريف والعميق مع فراي بيتو رجل الدّين المسيحي لمجلة أتفيو.
لم يكن ماركس ضد الدين كدين، وقد تحدث عنه كما تحدث مثله انجلز ولينين، باعتباره عنصراً إيجابياً يمكن أن يسهم في دعم نضال الكادحين، ولا يهم إن كان الإنسان مؤمناً أو غير مؤمن. وسواء كان غير مؤمن أو مؤمن فإن النضال ضد الاستغلال ومن أجل تحرير الإنسان وسعادته يبقى هو الأساس.
لقد بحث ماركس في وظيفة الدّين وأسباب البشر وحاجته إليه باعتباره "الزهرة الوهمية على قيد العبد" أو "زفرة المقهور"، وقد استفاد ماركس من فيورباخ ونظرته إزاء الدّين، ولم يكن له موقف عدائي مسبق منه. وأعتقد أن أي مواقف مسبقة من الدّين ستكون نقيضاً للمادية الجدلية، التي هي أداة لتحليل الظواهر لا نفيها، والدين ظاهرة اجتماعية، فكيف يمكن لماركس أن ينفيها؟
علينا إخضاع الدّين والمسألة الدينية للمنهج الجدلي، لا سيّما فهم التناقضات في الظاهرة الدينية نفسها، ولا يمكن لأي جماعة ثورية أن تتجاهل الظاهرة الدينية، لأنها ظاهرة مجتمعية، وإلاّ فإن ذاتها لن تكون ثورية.
س 36 ـ هل الدين آيديولوجية؟
الدين أوسع من الآيديولوجيا، فضلاً عن توجّهه لمخاطبة فئات أوسع من السكان، لا سيّما الفئات الشعبية، الأمر الذي يصبح سلاحاً ذا حدّين، فهو من جهة بيد الحاكم، ومن جهة ثانية يمكن أن يكون بيد المحكوم. ووفقاً لذلك لا يكون هدف محاربة الدين ثورياً، وأيّ ماركسية تلك التي تتوجه إلى معارضة دين ومعتقدات الغالبية الساحقة من السكان؟ أظن أن في ذلك ضربٌ من الصبيانية وعدم الشعور بالمسؤولية، ناهيك عن الجهل، وفي أحسن الأحوال، فإنه سيبقى يدور في نخبوية ضيقة خارج الماركسية، لأن هذه الأخيرة مهمّتها نضالية تغييرية.
أستطيع القول إن ماركس لم يضع أطروحة كاملة حول المسألة الدينية، أو السيسيولوجيا الدينية (باستثناء الإشارات التي وردت في كتابه عن: المسألة اليهودية)، وإذا كان الاستغلال والقمع والاضطهاد بأوروبا قد ارتبط بالدّين وبرجال الدّين، لا سيّما في القرون الوسطى، فقد كان من المنطقي شن الكفاح على المستوى العملي والنظري ضد ذلك الاتجاه، خصوصاً على مستوى الثقافة والوعي لكي لا يُستثمر الدين ضد التقدم الإنساني.
وبقراءة تحليلية فإن البرجوازية التي توجهت لمحاربة الإقطاع في القرن الثامن عشر، فإنها في الوقت نفسه توجهت لمحاربة الكنيسة، لأن الإقطاع كان مرتبط بها، الأمر الذي اقتضى محاربة سلطتها ومنظوماتها السلوكية والعملية.
إن عبارة ماركس "الدين أفيون الشعوب" ينبغي أن تُفهم في سياقها التاريخي، فالأفيون في القرن التاسع عشر كان علاجاً طبياً وقانونياً، لا باعتباره مخدّراً سامّاً أو مدمّراً لجسم الإنسان، بل هو مسكّن مؤقت من الآلام والأوجاع.
س ـ 37 هل تتفق مع ماركس من أن الدين سينقرض؟
أختلف مع ماركس في أطروحته بشأن انقراض الأديان مهما حصل من تطوّر علمي، وأرى أنها ليست دقيقة، بل إن الحياة دحضتها. وقد حاول غرامشي إعادة النظر بالمسألة الدينية استناداً إلى البراكسيس، وهو ما وجدت نفسي أميل إليه باستنتاج سبق لي أن ذكرته في كتابي "الحبر الأسود والحبر الأحمر ـ من ماركس إلى الماركسية"، مفاده أن الظاهرة الدينية هي ظاهرة دائمة ترتبط بالوعي والثقافة الشعبية، وهي تعبير عن الإحساس المشترك الذي كان علينا إدراكه والتعامل معه من موقع نقدي وليس من موقف نفي.
س 38 ـ هذا يعني عدم إمكانية إلغاء الدين، أليس كذلك أو هكذا فهمت من كلامك؟
نعم، إن إلغاء الدين يعني إلغاء التاريخ، وهذا الأخير لا يمكن للحاضر أن يوجد من دونه، ولا يمكن البدء من الصفر، وهذا ما تبنّاه غرامشي على مستوى المنهج. الدين ليس نتاجاً للمجتمعات الطبقية فحسب، وليس محكوماً عليه بالاختفاء مع انتفاء الملكية الخاصة، وهذه جزء من أطروحات ماركس بشأن انقراض الدين، وأعتقد أن الحياة لم تزكّيها، على الرغم من تقدّم العلم، فالدين لم يتراجع أو يضمحل أو حتى يخفّ تأثيره.
إن ربط الدين بالملكية الخاصة، هو جزء من التفسير الأرثوذوكسي للماركسية التقليدية، بربط كل شيء بالاقتصاد والصراع بين البروليتاريا والبرجوازية الذي سينتهي بإزاحة الأخيرة والتقدم نحو مجتمع الشيوعية والذي بدوره سيؤدي إلى تلاشي دور الدين تدريجياً، وهي استنتاجات نظرية مجرّدة، ثم إن اعتمادها كمسلّمات للتعبير الثقافي بخصوص الظاهرة الدينية، ليس سوى افتراض، لا يمكن التدليل عليه.
الدين بذاته ولذاته كآيديولوجيا شاملة ليس رجعياً أو تقدمياً، وإنما يتلوّن باللون الذي تعطيه إياه القوى الاجتماعية الحاملة لذلك الوعي وتكييفه لمضامينها ومصالحها.
س 39 ـ هل توقّف الشيوعيون العرب لدراسة الظاهرة الدينية بجديّة لما لها تأثير في مجتمعاتنا؟
للأسف لم تولِ الحركة الشيوعية العربية، الظاهرة الدينية، الاهتمام الكافي، وانتقل بعضها في التعامل مع الحركة الدينية من موقع العداء والتجاهل، إلى موقع المهادنة والتزلف (كما حصل في العراق) ولا سيّما بعد الاحتلال العام 2003.
لو قاربنا جوهر فكرة ماركس حول الدين "الدين هو روح عالم بلا روح" بدلاً من عبارة جرى تفسيرها على نحو إغراضي أو عن جهل "الدين أفيون الشعوب"، لكنّا قد أغلقنا الباب بوجه رياح الفكرة المادية المبتذلة التي جرت محاولات لإلصاقها بالمنهج المادي الجدلي، سواء من الخصوم أو المريدين، تلك التي تقصر اهتمام الماركسية "المادية الجدلية" بالمادة والماديات، وليس بالروح والروحانيات، التي تتجسّد بالقيم الأخلاقية والإنسانية العليا. ويقصد ماركس من اعتبار الدين هو روح عالم بلا روح، هو أن الرأسمالية سلبت روح البشر، والروح هي الدين المتبقي، وكان يريد تحرير الروح بالقضاء على الهيمنة الرأسمالية الاستغلالية.
وإذا كان مثل هذا التوجّه صحيحاً وواقعياً، فقد كان ماركس في الوقت نفسه طوباوياً في استنتاجاته الخاصة بالدين، والقائلة بأنه بزوال المجتمعات الطبقية ستنتهي الحاجة إلى الدين، لا سيّما بزوال الظلم والاستغلال، الأمر الذي يتناقض مع الطبيعة البشرية، فألغاز البشر لا حصر لها، ولا يمكن الإجابة عنها بمثل هذه الاستنتاجات الخفيفة الوزن، من شخص جبار وبثقل ماركس. تبقى الحياة والموت والمخاوف الإنسانية من المجهول، وعدم القدرة على تفسير بعض الظواهر، تستوجب بقاء الحاجة إلى الدين، تلك الحاجة التي قد تكون أبدية.
س 40 ـ هل تنظر إلى الدين فلسفياً أم اجتماعياً؟
إن وظيفة الدين تتجاوز النظرة الفلسفية وتمتدّ إلى الجوانب الاجتماعية ـ العملية، إذ بإمكانه تعبئة طاقات واسعة وشرائح اجتماعية متنوّعة، نحو أهداف سياسية واجتماعية، وهذه تتموضع زمانياً ومكانياً، حسب موقعها وموقفها من الاستغلال والهيمنة، خصوصاً عندما تصبح سلاحاً بيد الطبقات المسحوقة.
س 41 ـ دائماً ما تطرح إشكالية الدّين والعلم.. كيف تنظر إلى ذلك؟
لقد حوّلت أوروبا الدين إلى مجرد تقليد أو محاكاة، ولا سيّما في عصر التنوير، وعلى الرغم من الاعتقاد السائد بأن الله يمثّل القوّة الكامنة التي يُنسب إليها كل شيء، وأن الفرد والمجتمع بحاجة إلى التقرّب إليها، لكن الأمر، تدريجياً وفي ظلّ الحداثة، اتخذ بُعداً جديداً، بإضعاف دور الدين على حساب دور الدولة، التي حاولت التأثير على المؤسسات الدينية لتتساوق مع مؤسسات الدولة العليا.
كان اكتشاف إسحاق نيوتن قوانين الفيزياء الحركية وقوانين الجاذبية والميكانيك صدمة مؤثّرة لعالم الغيب، الأمر الذي وضع هذه القوانين في إطار الدراسة والفهم والتطوير، دون العودة أحياناً إلى نصوص دينية بإضفاء طابع التقديس عليها، وبالتالي جعلها فوق العالم وتجاربه.
ومع أن هذه القوانين لا تلغي الحاجة إلى الدين وإلى الروحانيات، فقد أخذ نجم العلم يرتفع عالياً، وقد ترافق هذا الأمر مع نظرية تشارلز روبرت داروين واكتشافاته، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، التي اعتبر فيها تطوّر الكائنات البشرية جاء من أصل واحد بسبب طفرات جينية ووراثية، الأمر الذي يتعارض مع الأطروحات الدينية التي تقول "كلّنا من آدم، وآدم من تراب"، وهكذا ارتفع رصيد العلم على حساب الدين.
لم يكن ماركس رأس الحربة في تبهيت صورة الدين، بل كان أوغست كونت مؤسس الفلسفة الوضعية، الذي نظر إلى الدين باعتباره استلاباً فكرياً. أما لودفيغ فيورباخ الذي تأثّر به ماركس في موقفه من الدين، فاعتبر الدين استلاباً أنثروبولوجياً (إنسانياً)، وذهب عالم النفس سيجموند فرويد إلى اعتباره استلاباً نفسياً، بل وهماً يُصنع في العقل الباطن مثل بقية الأوهام.
وحين قرّر كارل ماركس في كتابه "المسألة اليهودية" ملامسة موضوع الدين اعتبره استلاباً اقتصادياً واجتماعياً، لكن الضجّة حول ماركس كانت أسبابها سياسية، لأنه يمثّل حركة تغيير سياسي، عملت وفقاً لمنهجه المادي الجدلي، الأمر الذي يحتاج إلى مجابهتها بوسائل مختلفة، وكان الدين أحد تلك الوسائل ذات التأثير البالغ، لا سيّما اتهامها بالإلحاد.
ومثل هذه الوسائل استخدمت في الشرق، ولا سيّما في البلدان العربية والإسلامية، حيث تجد تربة خصبة بحكم الموروث الديني وعقائد الغالبية الساحقة من فئات المجتمع، ناهيك عن حالة التخلّف والأميّة والفقر، يضاف إليها بعض أخطاء الحركة الشيوعية واندفاعاتها الصبيانية أحياناً، بتحدّي الظاهرة الدينية وصدم مشاعر فئات واسعة.
ومع تطوّر العلم وازدهار العلوم، إلاّ أن الدين لم يختفِ أو ينقرض، سواء في الدول الاشتراكية السابقة أو في الغرب، مثلما بشّرت بعض الأطروحات، وعاد بقوّة أكبر أحياناً، كما ظهر في الاتحاد السوفيتي السابق وبلدان أوروبا الشرقية، مثلما لعبت الكنيسة في أمريكا اللاتينية دوراً كبيراً فيما سمّي بـ"لاهوت التحرير"، فما بالك في الشرق؟ خصوصاً البلدان العربية والإسلامية، التي لا تزال بعيدة في الكثير من الأحيان عن الماديّات، حيث تهيمن الروحانيات، في مجتمعات لا تزال تعجز الأرض عن إيجاد حلول لمشكلات الفقر والمرض والبطالة والعيش الإنساني والحريّة، فلا بدّ من البحث عن معالجات لها في السماء، والوعد باليوم الآخر، فضلاً عن قلق الإنسان وهواجسه منذ الأزل، بشأن لغز الحياة والموت والولادة وأسرار الطبيعة والكون، التي تبقى قائمة ومستمرة مهما تقدّم العلم، فهناك مناطق فراغ لا تشفي غليل الإنسان ولا تطمئن روحه. وقد عزفت الجماعات الإسلامية على هذا الوتر، خلال ما سمّي بموجة "الربيع العربي" فتمكّنت بصورة مذهلة الهيمنة على الشارع وتوجيهه، سواءً في الانتخابات أو خارجها، ولم يكن بعيداً عن ذلك بعض التنظيمات الإرهابية، مثلما هو تنظيم القاعدة، وداعش، وجبهة النصرة، وأخواتهم الذين قدّموا تفسيرات ماضوية سلفيّة لا يربطها رابط مع روح العصر، ناهيك عن تعاليم الإسلام السمحاء.
س 42 ـ ماذا يعني أن تكون شيوعياً أو ماركسياً أو يسارياً؟
أفضل الانتساب إلى فلسفة بدلاً من الانتساب إلى شخص، حتى وإن كان ماركس العظيم، الحلقة الذهبية الأولى في الفلسفة المادية الديالكتيكية، لكنه ليس نهايتها، بل كان بدايتها، وإذا كان منهجه صحيحاً حتى الآن، فإن الكثير من أحكامه واستنتاجاته وفرضياته عفا عليها الزمن، أو أن الحياة لم تثبت صحتها.
إنني مادي جدلي والماديّة الجدليّة هي المُلهم لي في كل كتاباتي وأفكاري وممارساتي ونمط حياتي. وأقارب التحليل بأدوات عديدة منفتحاً على مدارس اجتماعية واقتصادية ونفسية متعدّدة وتيارات فكرية مختلفة، إضافة إلى التراث البالغ الأهمية للحضارة العربية ـ الإسلامية.
المادية الديالكتيكية تمثل نقطة الانطلاق الأساسية لي منهجياً وفكرياً، وهي مع المدارس الأخرى تزداد ثراءً وغنىً في التوجّه والتجارب.
أن تكون يسارياً يعني أنك لست مع أنصاف القيم: نصف الحقيقة أو نصف العشق أو نصف الصداقة أو نصف العدالة أو نصف الحرية أو نصف المساواة. القبول بالنصف سيضعك في مكان آخر، غير اليسار. الأمر لا علاقة له بالتكتيك أو توازن القوى، تلك غير حسابات المثقف الحالم. أنت كمثقف لا ينبغي أن تقبل بنصف الحب، أو نصف الحياة، أو نصف الجمال، فنصف الحب لا حب، ونصف الحياة موت، ونصف الجمال القبح.
أن تكون يسارياً يعني أن تكون مع حقوق الناس وحرياتهم، ومع حقوق المرأة كاملة ومع حقوق المجاميع الثقافية: الدينية والقومية واللغوية وغيرها، ومع حقوق الضعفاء والمهمّشين وأصحاب الاحتياجات الخاصة وحقوق الإنسان في بيئة نظيفة، ومع الحق في السلام واللاّعنف، ومع حق الإنسان في إلغاء الاستغلال وحقه في أن يكون له مستلزمات حياة مريحة وحرّة، ومع حق الشعوب في تقرير مصيرها والأوطان في التنمية وحماية نفسها.
س 43 ـ هل هذا برنامج جديد لليسار تطرحه؟
للأسف الشديد فإن الكثير من قوى اليسار أضاعت بوصلتها، ولا سيّما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وحتى في حركة الاحتجاج التي شهدها العالم العربي منذ العام 2011، لم يكن دورها مؤثّراً، مع أنه كانت لها فرصة في طرح برنامج جديد لاستقطاب أوساط كادحة ومحرومة وعاطلة عن العمل بما فيها بعض خريجي الجامعات، لكن اليسار ظلّ مثقلاً بأعباء الماضي، فهو من جهة مثخن بجراحات لم تندمل من القمع المزمن، ومن جهة أخرى، فإنه يعاني من أزمات وتطاحن وانشقاقات وحروب داخلية معلنة ومستترة، بما فيها مؤامرات ودسائس وأحقاد، ناهيك عن أن تبعيته السابقة للمركز الأممي، التي جعلت منه متلقياً في الغالب.
وقد لعبت الاتكالية الفكرية تلك دوراً كبيراً في سيادة الكسل والترهّل الذي عانت منه الأحزاب الشيوعية وقياداتها بشكل خاص، الأمر الذي شعرت بفراغ كبير لغياب "الأخ الأكبر" (الاتحاد السوفيتي). وبدلاً من البحث في الواقع وتضاريسه وجغرافيته وتنوّعه، مال الاتجاه السائد إلى توصيفه، في حين أن الحاجة كانت تزداد إلى تفسيره وتحليله ووضع معالجات جديدة، لتغييره.
لقد اعتاد اليسار طويلاً على العمل تحت مرجعيات وسقوف عالية، ولم يشعر بأنه بلغ سن الرشد، وأن مرجعيته ذاتها تآكلت، وكان عليه أن يبادر بتحمّل المسؤولية مباشرة، فلم تعد هناك مرجعية، وليس هناك تنظيرات جاهزة، ويقتضي الأمر اجتراح الحلول والمعالجات باجتهادات جديدة تنسجم مع التطوّرات الحاصلة في العالم على الصعيد الداخلي.
لكنه للأسف لم يفعل ذلك إلاّ باستثناءات محدودة، فذهب فريق منه صوب العولمة النيوليبرالية، بزعم قوانين السوق والخصخصة واندحار الاشتراكية، وعاش على أوهام نقل الديمقراطية عبر الطائرات والأساطيل الحربية، ووجد في ذلك "مرجعية" جديدة لتبرير الأمر الواقع.
أما الفريق الثاني فاتجه صوب الجماعات القومية والإسلامية، بخطاب تقليدي اجتراري ولغة خشبية، لا سيّما في النظر إلى مشكلات البلدان العربية والإسلامية، بالقفز على الداخل، للتوجّه نحو الخارج، تحت عنوان الصراع الأساسي والصراع الثانوي، طالما أن صراعنا مع الإمبريـالية هو الصراع الأساسي، فينـبغي تأجيل الصراعات الثانـوية مع الأنظمة الوطنية، ووفقاً لهذا الخطاب المزمن كان تبرير دعم الأنظمة الدكتاتورية والقمعية.
س 44 ـ ماذا يحتاج اليسار برأيك؟
ليس لديّ وصفة جاهزة لأسديها كنصيحة، وهي لا توجد في الكتب كما كان يقول لينين وعلينا البحث جميعاً في ما تفرزه الحياة من متغيرات وتطوّرات، لقراءة ما يمكن عليه أن يكون اتجاه اليسار. اليسار حسب متابعتي يحتاج إلى إعادة نظر بمناهجه وأساليب عمله مستفيداً من تجارب أمريكا اللاتينية، وكذلك تجارب بعض اليسار الأوروبي في اليونان والبرتغال وإسبانيا وغيرها، تلك البلدان التي حققت نجاحات مهمّة، مثلما عليه الحفاظ على استقلاله الفكري، بتمييز نفسه على التيارات الأخرى، مهما كانت قريبة أو بعيدة عنه، وعليه تجديد نفسه والتوجّه صوب الفقراء والكادحين والمهمشين في الريف والمدينة، وهؤلاء غالبيتهم الساحقة هم المادة الخام للإسلام السياسي وللجماعات الإرهابية، وهم بالأساس جمهوره، مثلما عليه الانفتاح على المثقفين والاستماع إليهم، والتخلّي عن النظرة القاصرة إلى دورهم.
ولكي يكون اليسار في الموقع المطلوب، عليه إعادة النظر بمفهوم الحزب ودور الطليعة والضوابط التنظيمية التي جاء بها لينين في كتابه ما العمل؟ الذي صدر في العام 1903، وينبغي فتح المنابر داخله وتوسيع دائرة الديمقراطية وقبول المعارضة العلنية في صفوفه.
التجديد كلمة يجري الحديث عنها كثيراً، ولكن ما نحتاجه إليه هو الشروع بتنفيذه ووضعه موضع التطبيق. وهو يحتاج إلى وضع استراتيجيات وتكتيكات جديدة تنسجم مع مقتضيات العولمة بما فيها من تطور لثورة المعلومات والاتصالات وتكنولوجيا الإعلام. كما يحتاج إلى جيل جديد، بتقدير عمري مناسب، أما الكهول والشيوخ وكبار السن من المناضلين، فمكانهم محفوظ، وقد أدّى كل منهم دوره إيجاباً أو سلباً وقدّم عصارة جهده لخدمة توجهات اليسار بغض النظر عن نجاحها أو إخفاقها.
س 45 ـ وماذا عن المجتمع المدني؟
لكي يعمل اليسار في البيئة الجديدة، فعليه مدّ الجسور مع منظمات المجتمع المدني. وهنا لا بدّ من التمييز بين بعض المنظمات التي كانت الوعاء الذي سكبت فيه النيوليبرالية ماءها، وبين منظمات حقيقية شعرت بأهمية التحوّل الديمقراطي والدور المطلوب منها مع الأحزاب والقوى السياسية المؤمنة بالتغيير.
بعض المنظمات يعمل وفقاً لأوامر البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والجهات المانحة وهيئات التمويل، وبالطبع فإن مثل هذه الأجندات هي جزء من توجهات العولمة والجهات المموّلة التي كانت تغض الطرف عن مخالفة هذه المنظمات لأولويات العمل الديمقراطي كانتخاب الإدارات وتداول المسؤوليات بينها والعلاقة مع جمهرة أعضائها واستقلاليتها ودورها في عملية التنمية كقوة اقتراح وليس قوة احتجاج فحسب، إضافة إلى ضرورة الشفافية في الكشف عن تمويلها.
وفي كتاب بول بريمر "عام قضيته في العراق" ورد ما مفاده أنه وزّع 780 مليون دولار على منظمات المجتمع المدني وجهات إعلامية، لكنه لم يعترف أحداً أنه تلقى مساعدات، الأمر الذي يحتاج إلى رقابة ومساءلة وإخضاع حسابات هذه المنظمات والجهات الإعلامية للمحاسبة القانونية.
س 46 ـ هل تكره وأنت المحب العاشق؟
لا أكره بشراً، قد لا أرتاح لشخص ما، لكنني لا أكرهه، حتى من اعتبر نفسه عدواً لي أو خصماً، أو أساء لي، وقد حاولت أن أمارس رياضة روحية للتخلّص من بعض ردود الفعل.
قد يكون لديّ خصوم كثيرون، وهو أمر طبيعي ككل صاحب رأي، فما بالك حين يتّسم الرأي بالنقد، وكل نقد جارح، ويثير شتى أنواع الضغائن والأحقاد، خصوصاً لمن لا يتقبّل النقد، بل يحوّله إلى عداوة، لكنني لا أعتبر أحداً منهم عدوّاً.
وإذا كان الطغاة والمستبدّون والظالمون يقترفون الجرائم، فلا ينبغي أن نحذو حذوهم، وكنت قد قلت إيماناً مني بالتسامح "رذيلتان لا تصنعان فضيلة" و"عنفان لا ينجبان سلاماً" و"جريمتان لا تصنعان عدالة"، كما يقول صديقنا المفكر اللاّعنفي وليد صليبي.
والكره لا يقابل بالكره، والحقد لا يواجه بالحقد، ولست مع القول الشائع "العين بالعين" و"السن بالسن"، لأننا سنكون أمام مجتمعات عوراء وأفواه بلا أسنان. البشر "خطاءون" وعلينا أن نأخذ بعضنا بعضاً بروح التسامح.
أكره بعض الصفات التي يتلبّسها بعض البشر مثل: الغدر والحقد والحسد والبخل، وكلّها صفات لا تتّسم بالفروسية والشجاعة التي تحدثنا عنها، وتكون أقرب إلى الشر منها الخير.
س 47 ـ كيف تجمع بين الأكاديمية وحقول أخرى، من بينها الكتابة والبحث في الأديان؟
لعلّ ميلي الأكاديمي ودراساتي لفروع مختلفة جعلتني كثير التدقيق في الإشكاليات ذات الطبيعة المتجاورة في كثير من الأحيان والمتضادة في أحيان أخرى. الأكاديمية تمنح الباحث فسحة أكثر شمولية لدراسة الظاهرة من مصادر مختلفة وقراءة مستجداتها بالاعتماد على مراجع ومناهج ومقارنات واستقراءات واستدلالات. دراساتي القانونية والدولية منحتني قدرة على تناول الكثير من الظواهر التي تواجهنا.
وما كتبته عن الإسلام "وهو أربعة كتب" وعن المسيحية "ثلاثة كتب" هو جزء من البحث عن الهوّية والحقوق الإنسانية والمواطنة، وهو دفاع عن هذه المفاهيم التي تغيب عن مجتمعاتنا العربية. وكل دراسة للقانون الدولي أو الدستوري أو غيره تتفرع منها فروع أخرى متجاورة مؤتلفة لدرجة الاشتباك أحياناً مثل الاقتصاد والسياسة والإدارة والأديان والمجتمع المدني وغير ذلك، فضلاً عن رغبة شخصية في مدّ القنوات بين هذه الفروع التي أشعر بانتماء إليها جميعها في دراساتي السيسيوتاريخية الثقافية.
الأكثر قرباً إلى نفسي هو الفلسفة والتاريخ، وإذا أردت ما هو قريب من قلبي فإنني مغرم بالأدب.
س 48 ـ كيف توفّـق بين القانون والأدب؟
قلت في حديث سابق إذا كان القانون زوجتي، فالأدب عشيقتي، وأنا أعني ما أقول، وإضافة إلى القانون والفكر السياسي، فإنني أكتب نصوصاً في النقد وفي النثر وفي السيرة وفي السيسيولوجية الثقافية، وبعض نصوص أدبية من جنس يتداخل فيه النثر بشيء من الشعر، إضافة إلى أنني أكتب عن ما انغمست به منذ مراهقتي من تجارب وأحداث، وهدفي هو إبراز المعاني والدلالات لتلك الأحداث والتجارب التي عشتها.
لم أجلس هكذا يوماً، لأفكر أنه ينبغي عليّ أن أكتب كتاباً عن الجواهري أو أبو كاطع "شمران الياسري" أو عامر عبد الله أو حسين جميل أو سعد صالح أو منصور الكيخيا أو عبد الرحمن النعيمي أو غيرهم. وهؤلاء جميعهم تقريباً عايشتهم وارتبطت بصداقة معهم أو بمعرفة لظروف حياتهم، مثلما كتبت عن عشرات آخرين نصوصاً نقدية لأدبهم وفنهم ومساهماتهم الفكرية والثقافية.
كتبت عن هادي العلوي ومصطفى جمال الدين والطيّب صالح ومحمد باقر الصدر ومحمد صادق الصدر وطالب شبيب وخضير ميري ومحمد بحر العلوم وعربي عواد وخالد علي الصالح والعربي أبو سلطان ومحمد السيد سعيد ومحمود البياتي ووليد جمعة وغضبان السعد وكامل الجادرجي وعبد اللطيف الراوي ومصطفى البارزاني وإبراهيم أحمد وعبد الوهاب سنادة وعبدالله عمران تريم وجاسم القطامي ومحمد حسين فضل الله وإنعام رعد وشاكر السماوي وعزيز السيد جاسم ونصر حامد أبو زيد وعلي كريم وبدر شاكر السياب وغائب طعمة فرمان ومظفر النواب، وغيرهم، وكانت الفكرة تأتيني، وأما الأسلوب والنصّ فهو جزء من المضمون، وقد يتنوّع أحياناً.
كل ما أكتبه هو نصّ أشعر بحاجة لأعبّر فيه عن قضية أو فكرة أو مفهوم أو هاجس يشغلني ويعنيني، فألجأ إلى سرديات تجمع بين الثقافة والتاريخ والسيسيولوجيا والنقد الأدبي في إطار فلسفة لنصوص تجمع أكثر من جنس أدبي، وأصارحك القول إنني أنحاز دائماً إلى مثل هذه النصوص، ربما أكثر من ميلي للنصوص والأبحاث الأكاديمية، لما فيها من طراوة وحكاية وحبكة درامية، في حين أن الدراسات الأكاديمية تكون أقرب إلى الجفاف والصلادة. ولكنني أحاول أن أطعّمها باستطرادات وأذيّلها بشروحات تضفي عليها ندى وخفّة دمّ، لكي لا يضجر منها أو يملّ القارىء غير المتخصص.

س 49 ـ كيف تكتب؟
الكتابة ينبغي أن تكون عقد زواج كاثوليكي مع الحقيقة، هي شكل من أشكال الصلاة حسب الروائي التشيكي فرانسيس كافكا. إنها مكافأة جميلة تمنحنا الحياة إيّاها على فقداننا أشياء كثيرة. قد نضطر أحياناً ألاّ نقول كل الحقيقة، ولكن علينا ألاّ نقول ما يخالفها. النصف يحرجنا أحياناً، لكن النصف الآخر غير ملغى أو محذوف، إنه قد يكون مؤجلاً أو بعيداً لحين، أما الحلم فهو الذي ينبغي أن يكون قائماً، وبدون أحلام سيغدو العالم كالحاً، الحلم يلوّن الحياة ويعطيها رونقاً ، لذلك مهما حصل لنا من خيبات ومرارات وعذابات، لا ينبغي أن ننكّس رايات أحلامنا.
أكتب لأنني أشعر بحاجة إلى أن أقول ما أفكّر به، وما أعتقد أنه سينفع الآخرين. الكتابة أحياناً فعل هجوم لاقتحام الساكن، وتحريك الراكد ونقد المألوف ومواجهة السائد، وهي في وجه من وجوهها دفاع عن النفس والحق والعدل والجمال.
لكي تكتب عليك أن تفهم أولاً وتحسّ ثانياً وتشعر ثالثاً، وتتجلّى في كل ذلك حماستك للمعرفة، وهو ما أراده المفكر الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي من المثقف الذي حلّل خطأه باعتقاده أنه يستطيع أن يعرف دون أن يفهم وهكذا. وكما قال ابن المقفع: من العِلمِ أن تعلمْ أنّك لا تعلم، أو كما قال سقراط: "كن حكيماً واعرف نفسك... أنك لا تعرف".
س 50 ـ ولمن تكتب؟
قد يبدو أحياناً أننا نكتب بلغة الحرير، لكن الريشة ستكون مغمّسة بالدم، لأنها كتابة من الروح.
إن شغل الكتابة مضنٍ وقاس، خصوصاً إذا أردت الوصول إلى الجمهور، وكلّ كاتب يطمح أن يصل إليه، حتى وإن توجّه إلى النخب، لكن ما هو أقسى حين تعرف أن القراءة في عالمنا العربي انحسرت على نحو كبير، وأن ثمّة قيود لا تزال مفروضة على انتقال الكتب والمطبوعات.
تتألم أحياناً حين يشار إليك ببرنامج تلفزيوني، على تمنعاتي الكثيرة واعتذاراتي المتكرّرة، لكن صدور نحو 60 كتاباً لك لا يعني شيئاً لجمهور منشغل عن القراءة بأمور أخرى. المبيعات من كل كتاب لا تصل إلى بضعة آلاف، وهذا حال القراءة في عالمنا العربي، وإن كان هناك مظاهر أخرى بعضها إيجابي.
أشعر بالحرج حين يصادفني طالب أو سيدة أو صاحب دكان أو عامل في مقهى أو صحفي في جريدة أو في إحدى القنوات التلفزيونية في العراق أو في لبنان أو في العديد من البلدان العربية والإسلامية، ليلتقط معي صورة ويبدي إعجاباً أو يطرح سؤالاً عن كتاب أو مقالة، وكذلك حين يعرض عليّ طلباً للجوء أو مساعدة في قضية تتعلّق بحقوق الإنسان أو مسألة قانونية أو غير ذلك، وهذا يعني أن بعضهم قرأني أو سمع حديثي أو اطّلع على اسمي، وهذه الظاهرة الجديدة ليست بمعزل عن دلالات جديدة أخذت بالاتساع بفضل الانترنت، ففي موقع الحوار المتمدن وحده وهو موقع مرموق، كان قد خصّص لي موقعاً فرعياً، وهناك أكثر من ثلاثة ملايين ونيّف شخص دخلوا عليه، خلال السنوات القليلة الماضية، وهو رقم أدهشني عندما اطّلعت عليه.
أكتب لهؤلاء، وهؤلاء هم مادة التغيير.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا وراء غبار الحرب في الفلوجة؟
- انطولوجيا الصحافة ومرآة الحياة ونبضها - أوراق من ذاكرة ليث ا ...
- حقوق المدن
- القوة الناعمة: جدل في المفهوم والسياسة
- مأساة الفلّوجة وملهاتها
- الطفولة المعذبة في العراق: إلى أين؟؟
- حوار مع مجلة كولان الكردية
- كوابح التغيير في العراق
- عدوى التعصب الديني
- اتفاقية سايكس بيكو: الاتفاقية الحرام
- أسئلة ودلالات لحكايات النزوح العراقي
- عن فكرة الانتماء والهوية العراقية
- استراتيجية واشنطن وأولويات بغداد
- متى يعاد الاعتبار للسياسة عراقياً؟
- العراق.. تدوير الزوايا ومعادلات القوة
- الزبائنية وما في حكمها!!
- العربي أبو سلطان -محمد الهباهبه-: حالم لم يفارقه حلمه
- الماراثون العراقي والعودة إلى المربع الأول
- اللحظة اليابانية.. ال«هُنا» و«الآن»
- الفلوجة وسريالية السياسة العراقية


المزيد.....




- -جريمة ضد الإنسانية-.. شاهد ما قاله طبيب من غزة بعد اكتشاف م ...
- بالفيديو.. طائرة -بوينغ- تفقد إحدى عجلاتها خلال الإقلاع
- زوجة مرتزق في أوكرانيا: لا توجد أموال سهلة لدى القوات المسلح ...
- مائتا يوم على حرب غزة، ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية
- مظاهرات في عدة عواصم ومدن في العالم دعمًا لغزة ودعوات في تل ...
- بعد مناورة عسكرية.. كوريا الشمالية تنشر صورًا لزعيمها بالقرب ...
- -زيلينسكي يعيش في عالم الخيال-.. ضابط استخبارات أمريكي يؤكد ...
- ماتفيينكو تؤكد وجود رد جاهز لدى موسكو على مصادرة الأصول الرو ...
- اتفاق جزائري تونسي ليبي على مكافحة الهجرة غير النظامية
- ماسك يهاجم أستراليا ورئيس وزرائها يصفه بـ-الملياردير المتعجر ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - حوار الفكر والثقافة -رذيلتان لا تنجبان فضيلة-