|
زهر اللّوز -18-
نادية خلوف
(Nadia Khaloof)
الحوار المتمدن-العدد: 5171 - 2016 / 5 / 23 - 06:37
المحور:
الادب والفن
يمرّ أمامي أصناف من البشر يلبسون قبّعات تغطّي قسماً من وجوههم أعرفهم . أتوا من كوكب اكتشف حديثاً ما أجملكم! خذونا معكم.. . دعونا نعيش بسلام في كوكبكم سوف يبقى الكوكب لكم، نكون في الخدمة والسّهر على راحتكم . . . رفعوا قبّعاتهم احتراماً للتّحية ليتهم لم يرفعوها هم بلا عيون ولا آذان من كوكب مخيف ينسى به البشر من يكونون هل يمكننا أن نتراجع ؟ وقّعنا عقوداً عهوداً أن نكون عبيداً لهم . . . لن نرحل إلى كوكب لا نعرفه الدّنيا بلا حدود الظّلم نحن نصنعه، ونصنع القيود الموت نقدّم له الحبّ والورود لا نعرف الحياة إلا بعد رحيل القافلة وبعد أن تخاصمنا الحياة ، ولا تعود . . . لم أستطع أن أحسم أمراً على هذا الكوكب. فضلت أن أعود بالزمن إلى طفولتي الأولى في ولادتي الأولى قبل ألف ولاده. قرب النّهر رأيت مغارة أهلي. عدت طفلة . لماذا أتيت بي إلى هنا يا سلمى ؟ كنت أعيش حياتي بسعادة إلى أن أتت سلمى وأرغمتني على المجيئ إلى هنا . لا يوجد أحد هنا. كأنّ سلمى هي من صبيان أفكاري، وكهف أجدادي كذبة . هذه الجموع التي تصطدم أكتافها ببعضها تشبه الأموات الخارجين من القبور. أرغب أن يدّلني أحد على الطّريق. أسأل ولا أحد يجيب. هم لا يسمعون . . . . أرى أنّني السّبب في الحروب التي تجري على الكرة الأرضية، وفي الفقر الذي يحصد أرواح البشر. عليّ أن أتعاطف مع الكائنات الحيّة. عندما أحصل على عمل جديد، وعندما يبني والد ثعلبان له قصراً ويذهب إليه مع سلمى سوف أعمل كثيراً، وأبني قصراً مكان البيت ثم أتعاطف. يبدو أنّ ذاكرتي بدأت تعمل. تذكّرت أنّ سلمى ابنتي، وزوجها عبد الرّحمن، وعده والده أن يبني له قصراً. محظوظة أنت يا سلمى .سوف تعيشين في قصر. سلمى على صواب. قالت لي: الجنون ليس خياراً جيّداً، لن أسمح لأمّي أن تكون مجنونة. قالت ذلك ثم نسيتني ،وتركتني أعود إلى النّهر. سلمى مشغولة على الدّوام نسيت أنّ لها أمّاً. سلمى مشغولة بالانتظار والفراغ، لا تتحدّث إلاّ عن المستقبل، وكيف ستؤسّس لأسرة ناجحة؟ تعامل ثعلبان بمشاعر أمومة، يتجاهل وجودها، ويبقى خارج المنزل ، بينما تسجن نفسها بين أربع حيطان. لا أستطيع الحديث معها عن هذا الموضوع، تشتمني على الفور، ففي مخيّلتها صورة أخرى لثعلبان. صورة جميلة مثالية، تعزي بعض سلوكه إلى العفوية وعدم التّعقيد. سلمى في انتظار عبد الرّحمن، وأنا في انتظار سلمى، والدّائرة تدور. . . . عادت ذاكرتي إلى النّشاط. سوف أعود إلى حديقتي، وإلى شجرة اللّوز التي زرعتها قرب الباب في حديقتي الخلفيّة. سوف أقول لعبد الرّحمن أن يستعجل في بناء القصر من أجل سلمى ابنتي، ومن أجل أن أكون حرّة في بيتي. أشعر أنّني أحتاج إلى حمّام. أغتسل من فترة جنوني، أحتفل بعودة ذاكرتي. سوف أودّع الأطفال قرب النّهر. أيّها الأطفال. عادت ذاكرتي إليّ. لم أعد مجنونة. شكراً لكم أمضيت أوقاتاً ممتعة برفقتكم. سوف أعود إلى منزلي. -وكيف تتركينا هنا؟ نحن لا منازل لنا . هجرنا أهلنا. يقول أحدهم. انظري هذه صورتي مع أمّي وأبي. لم يعودا أبي وأمّي . . . . ما أجمل أن تستحمّ بمياه ساخنة. عليّ أن أنظّف قدّميّ من السّواد العالق بهما. مهما بذلت من جهد في حفّهما بالحجر لا ينتهي السّواد. لا بأس . سوف ألبس جورباً كي لا يظهر. انتهيت الآن. أنظر إلى المرآة. تلك المرأة لا تشبهني، ولا أعرف من هي. ليس مهمّاً . إنّها أنا بتاريخ المستقبل. ها هو عبد الرّحمن قادم . على وجهه ابتسامة صفراء. أعتقد أنّه قام بالتّحيّة. رأيته يتمتم. عليّ أن أعامله كأبني، وأتحدّث معه. -كيف حالك يا عبد الرحمن؟ -مرهق يا خالة! قولي لا بنتك أن تساعدني في هذه الحياة . هناك الكثير من الأعمال التي يمكن أن تجلب من خلالها المال. لكنّها قدّمت لك السّكن، وهذا يعادل ثمن الطّعام. ثم إنّ سوق العمل فارغ. -لو أرادت سوف تجد عملاً. عرضت عليها عملاً في مكتب الرّحمن العقاري، رفضت. -لكنّك تعلم جيداً أنّ هذا مخصّص للدعارة. -هكذا أنتم يا خالة . لا يعجبكم شيء، وهكذا علمتموها. -الحقيقة... الحقيقة. . . متى سوف تنتهي من بناء القصر؟ -هل أنتِ مغفّلة؟ قصر ماذا؟ -لكنّني أريد بيتي. . . . عدّت إلى شجرة اللّوز التي تقع قرب الباب في حديقتي الخلفيّة. أشعر ببعض الرّاحة أنّني تجرّأت على الحديث مع عبد الرّحمن. قرأت في عيونه أنّه يضمر إيذاء سلمى. هي لم تقرأ ذلك مع أنّني سألته : ماهي الرّسالة التي ترغب في إيصالها؟ لا زالت سلمى مصّرة أن يكون لديها أسرة، وزوج، وأطفال، يخرجون معاً إلى الحديقة. يلعبون كثيراً مع أطفالهم، ويحسدهم البشر. تقول أنّها سوف تعوّض الفراغ العائلي، لكنّني لم أقرأ ذلك في عينيّ زوجها، فهو لا يتواصل بعينيه. يرمي بعض الكلمات التي تؤذي. أشعر بالتّوازن. لا أقرب جهة سلمى كي لا أنكّد عليها عيشها. لي لقاء صباحي مع الأطفال قرب النّهر. لم أعد أرقص معهم. بل يجلسون حولي أعلّمهم الألف باء، وأجعلهم يغتسلون بماء النّهر ، يحاولون العمل. تربطني معهم علاقة حبّ. لي لقاء ليلي مع شجرة اللّوز التي تقع في الزّاوية قرب الباب في حديقتي الخلفيّة . أضع وسادتي قرب جذعها، أفكّر في طريقة أستطيع فيها عمل شيء من أجل ابنتي، تأتي إليّ الأشباح . تحدّثني، ثم تغطيني وترحل. نداء يسحبني، لكنّه في هذه المرّة نداء حقيقيّ . عليّ أن أفعل شيئاً. هذا هو جوابي للنّداء. أصبح عقلي يعمل أكثر من عواطفي. خفّت سذاجتي بنسبة كبيرة . .. . سوف أجعل عالمنا أجمل أبدأ من جديد أبني عالماً جديداً يرحل الخوف منّي أضمّ إليّ أولادي أحفادي أشعرهم بالأمان. سوف أزور العالم برفقة شتلات اللوز أزرع في كلّ بلد شتلة قرب نهر أو بحر أو واحة ويلعب الأطفال تحت ظلالها طوّرت عمل شجرة اللّوز هي الآن دائمة الخضرة كثيفة الزّهر يانعة الثّمر تعيش الرّبيع في كلّ الفصول سوف أعمل غداً لكنّني سوف أبدأ الآن
#نادية_خلوف (هاشتاغ)
Nadia_Khaloof#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زهر اللّوز -17-
-
زهر اللّوز -16-
-
زهر اللّوز -15-
-
زهر اللّوز -14-
-
زهر اللّوز -13-
-
زهر اللّوز -12-
-
زهر اللّوز -11-
-
زهر اللّوز -10-
-
زهر اللّوز -9-
-
زهر اللّوز -8-
-
زهر اللّوز -7-
-
زهر اللّوز -6-
-
زهر اللّوز -5-
-
زهر اللّوز -4-
-
زهر اللّوز -3-
-
زهر اللّوز -2-
-
زهر اللوز -1-
-
حكاية الفحل،والقارورة
-
نضال الطّبقة العاملة من أجل عالم أفضل
-
وقوع الطّبقة العاملة في فخ - الحرب ضدّ الإرهاب -
المزيد.....
-
جينيفر لوبيز وجوليا روبرتس وكيانو ريفز.. أبطال أفلام منتظرة
...
-
قراءة في ليالٍ حبلى بالأرقام
-
-الموارنة والشيعة في لبنان: التلاقي والتصادم-
-
-حادث بسيط- لجعفر بناهي في صالات السينما الفرنسية
-
صناع أفلام عالميين -أوقفوا الساعات، أطفئوا النجوم-
-
كلاكيت: جعفر علي.. أربعة أفلام لا غير
-
أصيلة: شهادات عن محمد بن عيسى.. المُعلم والمُلهم
-
السعودية ترحب باختيارها لاستضافة مؤتمر اليونسكو العالمي للسي
...
-
فيلم من إنتاج -الجزيرة 360- يتوج بمهرجان عنابة
-
-تاريخ العطش-.. أبو شايب يشيد ملحمة غنائية للحب ويحتفي بفلسط
...
المزيد.....
-
سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي
/ أبو الحسن سلام
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
المزيد.....
|