زهر اللّوز -15-

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

الحوار المتمدن-العدد: 5168 - 2016 / 5 / 20 - 09:21
المحور: الادب والفن
    

لا نحتاج إلى معرفة بالغيب مهما غاب
لا نحتاج إلى معرفة بالرّب مادام يعرف كلّ شيء
ولا من الخوف من عذاب القبر فالجسد الفارغ من الرّوح يبلى، ولا يتعذّب
الفرح مطلبنا، نركض من أجله
نتسابق مع الزّمن
نؤجّل حياتنا من أجل فرح قادم
بمحض الصّدفة نودّع العالم
بينما الفرح يعيش في جهة أخرى
. . .
الصّبح يوزّع روائح الحياة
أشمّ رائحة الحبق في السّماء
تأخّرت اليوم في الرّكض من أجل لا شيء
كافأني المولى برائحة عطر
هو يعرفني منذ دهر
لا يبدو مخيفاً
يبدو لطيفاً
. . .
يحوم العالم على صحن دبس
يحاول لحسه
وتدخل ذبابة فمه
يقفز مذعوراً
الذّبابة تدافع عن حقّها في صحن الدّبس
يغادر الدّبس يتحوّل إلى أكل لحوم وحوش الغابة
العالم جبان . يأكل الضّعيف حتى لو كان إنسان
...
حلّ الصّباح في غفلة عنّي ، فاتني حديث الليل الذي يحمل الحوار والشجن . نمت نوماً عميقاً ، وكلّما استيقظت وأنا قلقة أن يفوتني الليل غفوت مرّة أخرى، وها أنا أمام الصّباح وجهاً لوجه أخبرني عن خطّته في الحياة .
فاتني حديث اللّيل، لكنّ حديث الصّباح أجمل. فيه تختفي الأشباح، نتحرّر من الوهم.
كأنّ أحداً يهشّ عليّ بالعصا يسوقني إلى مكان ما. نداء يؤنّبني على تقصيري، وعقدة ذنب تملآ خاطري .
لماذا أنتِ جالسة وقد أشرقت الشمس ؟ هيّا تحرّكي. الوقت قصير .
لم أتناول فطوري بعد.
هل سوف تجلسين، وتتناولين الإفطار؟
وبماذا سوف تمتّعين نفسك في الطّعام ؟
" احملي معولكِ وامشي"
إنّه صوت الإله يدعوني إلى العمل.
كأنّ الإله أخطأني، سوف أخرج، لا ضرورة لتناول الإفطار.
كنت أحتاج لنوم عميق كي أصحو . الآن عرفت أنّ مكرود لم يعد من السّجن. تطلّ أم مكرود من قرب الشّمس . تسألني ماهي أخبار مسعود ابني؟ هل لا زال حظّه عاثر؟
هذا هو اللغز الأوّل الذي بحثت عنه طويلاً . الشّخص الذي يعيش معي هو مكرود، والشخص السّجين هو مسعود هما شخص واحد باسمين مختلفين.
لا. ليس صحيحاً. ها هو مسعود يصبّح عليّ . يسميني دنيا يمسك بيدي، يقول لي الشّعر، يحدّثني عن النّضال. أغلق فمه بكفّي: حذّرتك ألف مرّة أن لا تحدّثني عن شيئين. النّضال، والوطن.
يضحك مسعود:
تعالي نطير إذاً مع العصافير، بدأتْ للتّوّ رحلتها في السّماء
تعالي نملأ الكون غناء . هي لحظات، وينتهي الزّمن
تبدين اليوم كنجمة في صباح
أضأتِ قلبي بألوانك أيتها الجميلة
خذيني إلى الحياة كي نعيش معاً بعض ليلة.
-لماذا أتيتَ الآن؟
إنّي على عجلة من أمري .
دعني أعيش الحياة مرّة واحدة دون أن تتطفّل، لو أردت تعال معي سوف أسرق بعض الحاجات.
تعلّمت السّرقة منذ طفولتي، كلّما كنت أذهب إلى الدّكان أسرق بالوناً . أحصل على الأمور التي تسعدني بنفسي، وفي إحدى المرّات سرقت علبة بالونات أخفيتها، لكنّني كنت أهدي بعضها إلى أصدقائي الصّبيان، عندما تزوّجنا اعتقدت أنّك ابني، سرقت لك بشكيراً وصابوناً ومعجون أسنان. أصبحت السّرقة هوايتي.
البارحة أقسمت أمام معبد أن أتعافى من هذا المرض الجميل ، كلّ الأشياء التي أسرقها جميلة تبعث على الفرح. سرقت اليوم خاتماً وضعته في فمي. أعجبت به كثيراً. سوف أتوب عن السّرقة بعد أن أكتفي.
أخذت أذناً من الرّب في هذا الأمر .
عندما استدعاني لنناقش الموضوع قلت له:
هناك أشياء تبرق أمام عيني. أشتهيها، وتكون ضروريّة لي، أحسب أنّ المتجر لن يخسر لو قام ألف شخص بسرقة أشياء منه. على فرض أنّه سرقت ألف ربطة خبز مدعوم من الدّولة لا تخسر الدّولة ، يصبح الأمر كمن يسرق نفسه. أليس هو ملك عام. صفّق لي الرّب.، أعادني دون عقوبة .
عالم النّهار أجمل، وأحلام اليقظة في النّهار تجرّني إلى الرّقص، والحبّ، والطّيران.
النّهار طويل لا ينتهي. اشتقت للّيل، وللحكايات الجميلة أو الحزينة. لا زلت في أوّل النّهار. قسّمته إلى ثلاثة أجزاء لكلّ جزء منه ليل أعود له كي أمرّ فيه على أصدقائي الأشباح، عدّت إلى المنزل في الليل الأوّل من الجزء الأوّل من النّهار. وضعت أغطية غامقة على نافذتي، حلّ الليل. أنا الآن بعيدة عن العالم ، في ليل الجزء الأوّل من نهار جميل أمضيته في التّسوّل. عفواً . زلة لسان. أنا لا أتسّول، ولا أطلب عطاء، عندما يعجبني شيء أمدّ يدي وآخذه.
لو عملت نقابة للسّرقة، وجمعت فيها المتسّولين . درّستهم كيفيّة استبدال المهنة لا نضم للنّقابة أكثر النّاس في بلدي، ولو جرى ذلك لا استطعنا أن ننهي الفقر.
أنا أمام مهمّة كبيرة اليوم.
عليّ أن أجلب لا بنتي سلمى في ليلة زواجها أشياء تشعرها بالسّعادة. بقي على موعد الزّواج شهر واحد.
لا زلت أمارس حياتي الليليّة من خلف ستارة سميكة وضعتها على شبّاك نافذتي كي تحجب الشّمس، وها هو خاسر يجلس على طرف السّرير.
-أصبحتِ مجنونة يا زنزلختة . ليس هذا ليلاً ، لكنّه مكان مناسب للأشباح، إنّ تفكيرك حول الأمور أصابه مرض عضال.
-اخرج يا خاسر من ليلي. لم أعد بحاجة لنصائح. غيّرت قراري. لن أستقبل أحداً في ليلي . اعتقدت وأنا في الطّفولة أنّ النّصائح لها عمر. سوف أصبح جدّة، ولا زالت النّصائح تنهمر عليّ كالمطر. توقّف عن تقديم النّصح لي.
أنا من قسّم النّهار إلى ثلاثة أجزاء لكلّ جزء ليله.
ممنوع دخول الغرباء إلى ليلي بعد الآن.

#نادية_خلوف (هاشتاغ)       Nadia_Khaloof#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات