زهر اللّوز -14-

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

الحوار المتمدن-العدد: 5167 - 2016 / 5 / 19 - 08:44
المحور: الادب والفن
    

جهل بلا حدود، أقلام تغوص في مزابل الوجود
قبل أن نفكّ الحرف كنّا نتوق أن نعرف فنّ الكتابة والقراءة
كأنّ الكلمات نهر يجري . نزرع على أطرافه الحياة
بعد أن أجدنا القراءة جفّ النّهر، أنهينا الدراسة بشهادة جهل
لعبنا بمصطلحات اللغة، وقصص التّاريخ
استبدلنا درس الرّياضيات بدرس العقوبات
أمسكنا بيد بعضنا. سرنا. وجوهنا إلى الأمام وخطواتنا إلى الخلف
أسمع هذا النشيد من بعيد
. . .
أعيش في بلد الشّطّار
ملائكة، عباقرة، أثرياء، نبلاء، إلا أنا غاطس في الخطيئة
أنتظر دوري لأمرّ فوق السّراط إلى النّار
لماذا جلبوني إلى هنا ولا زال دوري بعيد؟
أعيدوني لبضع ساعات كي تتغيّر الأقدار
لا أنطق بهذا النّشيد
فقط أسمع صداه
أحتمي منه بظلّي
كما كنت أفعل في سابق الدّهور
أخاف الأناشيد الحماسيّة
أخشى أن تؤول الحياة بعدها إلى دمار.
الكاتب :مسعود
.. .
لماذا أحتفظ بدفاتر مسعود عندي؟
رأيته لدقائق في حلم. لو أعدتني إلى الحلم لما عرفته.
وهذه القصيدة أيضاً
إهداء إلى دنيا:
نذرت نفسي لكِ ، أسهر على سعادتك
هذا الجمال يأسرني
وتلك الرّوح تعبث بي
تعالي إليّ أعلّمك دروس الحبّ
نسهر قرب السّماء
أحضنك بين ذراعيّ
نوقف ساعة الزّمن
تعالي يا دنيا إلى الحياة
أحبّك ليس مثل البشر
خلقت من أضلعي، أراك تعودين إليها
ارحمي قلباً يعصره الحنين ، يسكنه الحبّ
اذكريني لو غبت عن التّاريخ
سجّلي الذّكرى على الرّيح
فحبي ليس مثل حبّ البشر.
حبّي لك عصف ريح
. . .
من هو مسعود هذا؟
في حلم تلك الليلة سمّاني دنيا، لا أعرف سوى مكرود.
سوف أقوم بتمارين كي أستعيد ذاكرتي.
سوف أقرأ كلّ تلك الأوراق التي تخصّ مسعود، وبعدما أتعرّف عليها جيّداً ، أحفر لها قبراً قرب أوراقي التي دفنتها قرب شجرة اللّوز التي تقع قرب الباب في حديقتي الخلفيّة.
أرى بين الأوراق شهادة جامعيّة في الفيزياء لمسعود، وشهادة جامعية لدنيا في العلوم الطّبيعيّة.
يبدو أنّهما كانا مميّزان .
تجمعنا به قرابة ما، أو صلة رحم حتى آلت تلك الأوراق لنا.
مالي ولتلك الأوراق الآن. أبحث عن عقد ذهبيّ خبأته عن مكرود كي لا يبيعه، وفستان سهرة أعطاني ثمنه أبي كي أكون متألّقة ليلة خطبتي. كان أبي مستعداً أن يدفع بعض المال كي أتزوج، مع أنّه لم يكن غنيّاً، فقط من أجل أن يطمع مكرود بالزّواج منّي .سجّل قطعة أرض باسمي. كانت أميّ تخاف عليّ من العنوسة ، وأبي أيضاً فقد تجاوزت العشرين من عمري. اقتنعت أنّني بضاعة من النّخب الثّاني. سمعت أبي يقول لأمّي أن المرأة لا تنكح إلا لمالها. أمّا الجمال والدّين فهما تحصيل حاصل ، لأنّ كلّ النساء جميلات، ولآن مهمّة الزوج فيما بعد هي وضع شروط الإيمان في المنزل.
عندما أوصلني أبي إلى الباب، وسلّمني لمكرود همس في أذني: أنت سليلة عائلة كريمة. عليك بطاعة زوجك، وليكن بيتك قبرك.
عليّ أن أنسى، وأبحث عن العقد.
وجدت العقد. غداً خطبة سلمى سوف أهديها إياه. قلبي منقبض من خيارها، نصحتها بمودّة:
-لا زلت صغيرة يا سلمى. أنت في العشرين، أمامك مشوار طويل في الدّراسة.
-إنّها حياتي يا أمّي. أرجو أن لا تتدّخلي فيها. وعدني ثعلبان أن يساعدني كي أكمل تعليمي، وسوف يكون يعتني بنا.
-ألا يستطيع تغيير اسمه؟ هذا الاسم ثقيل.
-أحبّه يا أمّي على علاّته ، كما هو، معجبة أيضاً بعائلته القويّة. هو ثعلبان بن ثعبان. عندما ولد كان والده يعتقد أنّ الثعابين مخيفة، بينما الثّعالب ظريفة، سمّه بهذا الاسم لأنّه رأى رؤيا تنصحه بالاسم. ماذا يضرّ اسم ثعلبان سمِّه عبد الرّحمن لو أردت.
سوف يشتري له والده قصراً بعد عام، سوف نعيش معك ريثما ينتهون من بناء القصر.
لا أرتاح لوجود ثعلبان مع ابنتي. أشعر أنّ أمورها لن تكون بخير.
سوف أهديها هذا العقد الذّهبي، وسوف ألبس ليلة خطبتها هذا الفستان الذي لبسته يوم خطبتي.
على مكرود أن يكون حاضراً ليلة الخطبة، سوف أبحث عن ثياب له أيضاً.
رأيت في الخزانة بذلة رسميّة تناسبه. أتمنى أن يحضر.
منذ أن كتبنا معاً مذكّرات سلمى قبل أن تبلغ عامها الأوّل. توقّف عن النّشاط، وكلّما أصبح لدينا مناسبة لا أراه .
سوف يسكن ثعلبان معي في نفس المكان. لا أعرف كيف أتعامل مع الموضوع.
لا أحبّ أن يشاركني الغرباء المكان. لم يعد ثعلبان غريباً. أنا إنسانة مجبولة على الطيب -عفواً – قصدت السّذاجة. أشعر أن ثعلبان سوف يستولي على حديقتي التي تقع فيها شجرة اللّوز صديقتي الوحيدة في هذا العالم.
-اطرديه ، ولتذهب ابنتك معه لو شاءت. قولي لها لا أوافق أن يسكن معنا. سوف تندمين.
-كيف أطرد ابنتي ؟ لا . سوف أعامله مثل أولادي، فقط سوف أغيّر لفظ اسمه من ثعلبان إلى عبد الرّحمن. هما متشابهان في النّهاية . بدأت أشعر تجاهه بعاطفة قرابة .
-سوف تندمين.
لماذا تستعجل سلمى على موضوع الزّواج؟
لو رحلت بها عن المكان في سنّ العاشرة ربما كان الوضع أفضل، قرب المكان الذي نعيش فيه نهر يفصلنا عن مكان مجاور يفرّ النّاس إليه سباحة . لا أجيد السّباحة. اعتقدت أنّ البقاء في داري، وبين تجّاري هو الحلّ الأفضل، وأن أبقى مع شجرة اللّوز هو خيار يعبّر عن مدى إنسانيتي. ارتبطت بوعد مع الشّجرة. فات الأوان اليوم على هذا الكلام. نحن أمام مصيبة جديدة. إنّها زلّة لسان أعني: نحن أمام حدث جديد هو زواج سلمى من ثعلبان.

#نادية_خلوف (هاشتاغ)       Nadia_Khaloof#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات