سعاد خيري
الحوار المتمدن-العدد: 1392 - 2005 / 12 / 7 - 10:59
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
تثير جلسات محاكمة صدام حسين في عواصف وجدانية لا اقوى على تهدئتها . ليس فقط من خلال ما عاناه شعبنا من جرائم وكوارث على يدي اعوانه بتوجيهات مباشرة من قيادته الفردية وبتوجيه مباشر من الادارة الامريكية لتركيع شعبنا وليس فقط لما قدمه من خدمات للامبريالية الامريكية لبسط سيطرتها على منطقة الخليج اغنى بقاع العالم بالنفط والتمهيد لتحقيق حلم اسرائيل، وليس فقط معاناتي الشخصية في قترة اعتقالي من قبل جلاوزته للفترة من 15/5/1979 الى 27/6/1979 ، بل لمراقبة كل وسائل الاعلام العربية والعالمية لسير المحاكمة وانتقاد أي ثغرة فيها واستغلالها لاثارة الراي العام ضد المحكمة باعتبارها منا فية للديموقراطية وحقوق الانسان . فأين كانت كل هذه وسائل الاعلام من قتل عشرات الالاف من الشباب العراقي تحت التعذيب باوامره ، بل وبعضهم لكي يدرب ولديه على استعمال السلاح . بل اين كانت وسائل الاعلام هذه من عمليات اغتصاب الشابات وتعرية حتى كبار السن وتصويرهن وتهديدهن بنشر صورهن بالصحف او ارسالها الى عوائلهن. اين كانت وسائل الاعلام هذه من تعذيب واغتصاب الام والاخت لاجبار المعتقلين على الاعتراف بما يريدون واين كانوا من تهديد الام بقتل اطفالها امام ناظريها بل واقتراف ذلك .. لقد ذكرتني شاهدة اليوم من الدجيل بما تم لي خلال فترة اعتقالي التي استمرت 42 يوما فقط والتي لم تنسى حتى ارض وستائر غرفة التعذيب الحمراء بالضبط كالتي عذبت بها . فبعد نقاشات مختصرة واغراءات بالعمل كصحفية لمصلحة الثورة وتحت خيمة البعث الى اقسى التهديدات ومن الكلام المعسول الى الشتائم البذيئة نقلت الى غرفة التعذيب وانا مربوطة العينين وموثوقة اليدين، اتعثر في مشيتي ادخلت الغرفة وبدأ التعذيب بتعريتي تماما رغم مقاومتي واحتجاجي باني كبيرة السن فقد بلغت عام 1979 الخمسين من العمر ، وقلت لمن يعريني باني اكبر من امك. قال ان امي ليست شيوعية وليست ضد البعث وبدأ التعذيب بالكهرباء وتوجيهه الى كل المناطق الحساسة وهددني بادخاله في جسمي وانا كالذبيحة تنتقل اختلاجات جسمي من منطقة الى اخرة وتوقف لحظة ليعيد التهديد بوسائل اقسى او القبول بخدمة البعث والثورة. قلت لهم انكم تعرفون بانني شيوعية وكنتم في تحالف مع الحزب الشيوعي واستفدتم كثيرا من ذلك التحالف ولكنكم تسحقون هذا التحالف والتاريخ يعاقبنا اليوم على هذا التحالف الخاطيء ، وغدا سيعاقبكم التاريخ على سحق هذا التحالف. فانهال علي الضرب الشديد ورفع العصابة عن عيني ووجه المسدس نحوي قائلا ساطلق النار عليك . ورأيت شابا يقوم بكل هذا التعذيب ثم وضع العصا الكهربائية تحت عنقي واحنى راسي حتى انقطع نفسي واغمي علي . وما ان افقت الا واستأنف التعذيب وكانت الذروة عندما بدأ بخلع سرواله مهددا لي بالاغتصاب !!
جن جنوني فماذا استطيع ان افعل بعد يوم وليلة من التعذيب ..وكيف اقاوم هذا الشاب القوي ؟؟ وفلم اجد بدا من اثارة النخوة العربية : صارخة انا امك انت تفعل بامك وبقيت اصرخ امك.. امك.. حتى هب مذعورا يسب ويلعن الشيوعية والسياسة عموما.. ورمى بملابسي علي قائلا البسي ملابسك وخرج..
بقيت في الغرفة نصف ساعة تبينت خلالها بان الغرفة فارغة من كل اثاث ولكنها نظيفة وانيقة بموكيت احمر وستائر حمراء وهناك في الحائط المقابل لي كوة خشبية مربعة الشكل يشرف من خلالها من يراقب التعذيب. واخيرا نقلت بعد ربط عيوني الى غرفة واوسعوا لي مكان بين المعتقلات بعد ان امضيت في التعذيب من الساعة العاشرة صباحا حتلا الثانية بعد منتصف الليل.. وبعد هدوء الوضع ازحت العصابة عن عيوني وتبينت ان ما يقرب من اربعين امرأة مصفوفات كالساردين بصفين حيث تلتقي الارجل لان ابعاد الغرفة لا تزيد عن 4 في 5 متروهناك شباك طويل بعرض 15 سم ولم اتبين شيئا من خلاله فقد كان الظلام يحجب كل شيء فالتفت حولي لارى او اسمع شيئا من النسوة دون جدوى . وجذب نظري الفتاة المحاذية لي وهي غارقة في النوم تبتسم. فقلت في نفسي : كل هذه الجدران وكل هذا التعذيب الجسدي والنفسي لم يستطع ان يحرم هذه الفتاة من الاحلام السعيدة. ومع الصبح بدأت تتكشف لي حقائق مؤلمة فشرطي الامن يبقى معنا في الغرفة ليحرم علينا التكلم او الجلوس او تخلخل ربطة العيون. وعلينا الذهاب الى المغاسل مرتين في اليوم ونحن مربوطات العيون وكثيرا ما نتعرض للضرب اثناء الطريق. وخلال النهار وعند استدعاء احدهن او جلب اخرى يرمي رجال الامن السيكاير على النسوة وفي الليل وبعد انتهاء حفلات التعذيب وصراخ المعذبين واشدها الما اصوات الرجال.. يقيم المعذبون حفلة عشاء وبعدها يرمون بالفضلات على النسوة.. كما ترمى العظام على الكلاب.. تألمت كثيرا وهالني ما رأيت من تخاطف المعتقلات لما يرمى لهن . فقررت المجازفة بالحديث مهما يكلفني ذلك . وانتهزت اول فرصة بخروج الامن من الغرفة . سألت لماذا ترخصن انفسكن الى هذا الحد ؟ قالت احداهن وهل بقي لانفسنا قيمة لقد عرينا واغتصب بعضنا واخذت لنا عدة صور وارسلت الى اهلنا ووقعنا على كل ما ارادوا . قلت ومع ذلك بقي لكن الشعور الانساني الذي يمكن ان يجعل لحياتكن قيمة كبيرة في خدمة شعبنا والانسانية من خلال مهنكن فانتن جميعا جامعيات . فاجابتني احداهن لقد نبهتهم الى ذلك ودعيتهم للاضراب عن الطعام معي ورفضن فهل ستضربين عن الطعام معي. قلت ان للاضراب عن الطعام قواعد .. وعندئذ دخل الامن علينا وطلبت احدى المعتقلات الذهاب الى المغاسل وقبل ان تعود استدعاني الامن وبدأت حملة تعذيب جديدة مهددين: هنا وتحرضين علينا..!! كانت من نتائجها بعد استخدام الفلقة لم استطع المشي واصبحت قدمي اليمنى ونصف الساق اسود اللون .
وبعد عودتي قلت في نفسي :ان اخرج من هذا الامتحان في حياتي بخسارة ساق واحدة شيء جيد . واسرت لي احداهن بان احدى المعتقلات من معارفي وهي التي تقوم باخبار مدير الامن بكل ما يجري هنا. واستمر جلب المزيد من الشابات لاسيما وان نهاية ايار وبدء حزيران هي فترة الامتحانات في الكليات والثانويات . فيستقبلون الفتاة بتعريتها واخذ عدة صور لها ويهددوها بارسالها الى ذويها او التوقيع على تعهد بالتبرؤ من الشيوعية اولا ومن ثم يبدأ التعذيب لاخذ الاعترافات عن اصدقائها ومعارفها. وكم احضروا من فتيات لم يبق من ملابسهن قطعة غير ممزقة و في اجسادهن بقعة سالمة وكم كان يؤلمني عدم تمكني من الحديث معهن ومساعدتهن حماية لهن ولكن الاخريات كن يقمن بالواجب . وكم مرة تعرضت لحملات التعذيب بعد مجازفتي بالحديث مع المعتقلات، قائلة لنفسي ان في موتي او حياتي خدمة لشعبنا. فقد ابلغوني وهم يهددوني : "وهل سينفعك ما نشره زكي خيري عن تعذيبك في الجرائد الشيوعية ؟ سندفنك هنا" واستدعاني مدير الامن يوما وهددني بجلب اطفالي وقتلهم امام عيوني قائلا ونحن نعرف اين هم الان . فطار صوابي واغمي علي ولم استطع المشي بعد ذلك فنقلت الى المستشفى. وبعد عشرة ايام اعادوني الى الامن ومررت مرة اخرى بالمسالخ البشرية والات التعذيب المختلفة وسيول الماء والبول والدماء الجارية. واذابهم يأتون بطفلة لا يزيد عمرها على الثانية عشر لتبقى جنبي وقد افرج عن معظم المعتقلات.. فقال الامن الذي جلبها ان هذه الطفلة اشجع من كثير من رفيقاتكم فقد قاومت التعذيب وضربت من يعذبها ورفضت ان تقتل احد شيوخ الدين قائلة نحن الشيوعيين لا نقتل الناس وانما نعمل على توعيتهم. واسمها صمود . قضيت معها اسبوعا كنا نتحدث وننشد الاناشيد بصوت خافت وانا معجبة بشجاعتها ومعنوياتها. حتى استدعوها يوما وعادت بعدها باكية . قالت لقد خدعوني اسمعوني صوت والدي وهو يتوسل الي ان اوقع لكي اراه. وما ان وقعت حتى اتضح لكي كذبهم وخداعهم. قلت لها لا تحزني فما زلت طفلة وامامك حياة طويلة تثبتين فيها حبك واخلاصك لشعبنا وللبشرية.. واخيرا وبعد ان بقيت لوحدي، استدعيت ولم اعرف لماذا وادخلت في غرفة لم يكن بها احد وبقيت انتظر حتى حضر رجال الامن وسألوني ما اذا كنت عطشانة او احتاج أي شيء لانني ساخرج بعد قليل قلت : كلا لست بحاجة الى أي شيء وكنت الاحظ ترددهم حتى رن جرس التلفون واطلق سراحي. لابقى بعدها شهرين تحت مراقبة دائمة رغم تردي وضعي الصحي والقيام بمسرحيات من اجل ضبطي متلبسة بنشاط حزبي واعتقال من يتصل بي، استطعت الهرب الى خارج الوطن مع اطفالي في 22/8/1979.
هذه شهادة اخرى ولكن ليس لهذه المحكمة التي وضعت كل اجراءاتها ومسيرتها ونهايتها الادارة الامريكية وانما للتاريخ ولدعم شهادات كل من عانى من شعبنا انصافا لانفسهم ولجميع ضحايا شعبنا الذين قضوا تحت التعذيب او بالتسميم بالثاليوم ومن دفنوا احياء في المقابر الجماعية او قتلوا في حروبه العدوانية ونتيجة الحصار والتجويع والاصابة بمختلف اشكال السرطان نتيجة استخدام القوات الامريكية اسلحة اليورانيوم المنضب والذين يقتلون في ظل الاحتلال الذي مهد له، الان وحتى يتم تحرير العراق. ان هذه المسرحية جاءت بمسيرتها ونتيجتها المرسومة للتغطية على كل هذه الجرائم التي اقترفت بتوجيه وباسلحة وادوات اعدى اعداء البشرية وهي الادارة الامريكية .
ورغم كل ذلك فلها دروس ايجابية وفي مقدمتها ان كل جرائم اعداء البشرية وادواتهم لايمكن ان تقتل ارادة الشعوب فها هو الشعب العراقي بعد كل هذه المحن يقاوم قوى الاحتلال ويكبدها الخسائر والتضحيات، ولابد لشعبنا وللبشرية من التحرر من علاقات الانتاج الراسمالية وادواتها. والدرس الاخر هو مهما قوى وتجبر من حكام بدعم ومساندة اعداء البشرية فانهم لابد ان يسقطون بيد شعوبهم او بيد ولاة نعمتهم فليس لاعداء البشرية من اصدقاء بل مصالح فقط.. وتحذير لمن يخدم قوات الاحتلال اليوم وحتى التحرير سواء مباشرة او بالتضليل لقاء السلطة اوالثروة.
#سعاد_خيري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟