أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق المهدوي - سيدة القصر














المزيد.....

سيدة القصر


طارق المهدوي

الحوار المتمدن-العدد: 5139 - 2016 / 4 / 21 - 22:33
المحور: الادب والفن
    


سيدة القصر
طارق المهدوي
(1)
كلما ترددت دعوات التخلص من الثوار المصريين المخضرمين على ألسنة أبنائهم المبتدئين تعاودني تفاصيل إحدى الحكايات التي جرت أمامي بقصر لالا سميحة سراج الدين، أثناء عملي الدبلوماسي كمستشار إعلامي في السفارة المصرية بالسودان خلال النصف الأول من تسعينيات القرن العشرين، فبعد أن طالت إقامتي في فندق هيلتون الخرطوم إلى عدة شهور على أمل استجابة رئاسة الجمهورية المصرية لطلب نقلي وفق جدول التوزيع الجغرافي للدبلوماسيين الذي يمنع نظرياً تكرار الإلحاق بمناطق التوتر كما حدث معي، رفضت الرئاسة طلبي استناداً لما تعوله على استمرار عملي في السودان من توقعات بعوائد معلوماتية تفيد الوطن كله حسبما تم إبلاغي رسمياً آنذاك، لاسيما وأن أعمالي السابقة في مناطق التوتر الأخرى كألمانيا الشرقية وجنوب إيطاليا وغيرها كانت شبه دبلوماسية لا تخضع إلى الجدول المذكور كما قالوا، فانتقلتُ للإقامة بقصر منيف يجاور نهر النيل سبق أن شيده التاجر الثري سلطان سراج الدين الوافد قبل عقود من مدينة بورسودان عن أصول ترجع إلى آسيا الوسطى، ثم توفى تاركاً القصر مع ثلاثة أبناء وابنة واحدة دأب السودانيون على تسميتها "لالا سميحة" أي الأستاذة سميحة بإحدى لغات آسيا الوسطى، وإزاء سوء إدارة الاقتصاد السوداني من قبل نظام الحكم العسكري الإخواني المشترك تدهورت الأحوال المالية لأبناء سراج الدين فهاجروا إلى إحدى بلدان العالم الجديد تاركين شقيقتهم بعد توكيلها لبيع القصر واللحاق بهم، ولكن نظراً لعدم وجود سيولة مالية في السوق السوداني تغطي ثمنه الكبير فقد قررت سميحة استثمار القصر تجارياً بتقسيمه إلى نصفين خصصت أحدهما لإقامتها مع أسرتها وفرشت الآخر فرشاً راقياً يليق بسكانه من الدبلوماسيين الأجانب، بعد تقسيم هذا النصف أيضاً إلى نصفين مساحة كل منهما 500 متراً مربعاً أحدهما أرضي يتوسط حديقة القصر والآخر علوي يكتفي بإطلالة فوقية على الحديقة ذات الألف متر مربع والتي تأوي عدة مجموعات من الحيوانات الملتفة حول لالا سميحة كأبنائها!!.
(2)
في يوم إقامتي الأول باعتباري مستأجر ربع القصر الأرضي الذي يتوسط الحديقة أزعجتني جداً سوء حالة أحد الأعضاء المنتمين إلى إحدى المجموعات الحيوانية المقيمة على أرض الحديقة، وهو كلب أسود عجوز مقطوع الذيل والأذن اليمنى ومفقوء العين اليسرى ومكسور الساق مع انتشار آثار غائرة لجراح دموية قديمة عديدة فوق كل أجزاء جسده وكان السودانيون يسمونه "أدهم الدادابان" أي القائد أدهم بإحدى لغات آسيا الوسطى، فطلبتُ من سميحة أن تنقذه من العذاب الذي أراه يعانيه عبر قتله قتلاً رحيماً فنصحتني بالتريث حتى أرى مدى أهميته لدى جميع سكان القصر من بشر وحيوانات معاً، وهو ما أثبتته لي الأيام التالية حيث ساعدته المواهب الغريزية في الشعور المبكر بالخطر قبل وقوعه مع تنبيه ضحاياه المحتملين أو عند وقوع الخطر مع تدخله الفوري واستنفار الآخرين من أجل إنقاذ الضحايا، كما ساعدته المهارات المعرفية على تمييز النوايا الحقيقية للوافدين إلى القصر سواء كانوا أصدقاء أو أعداء أو محايدين والتعامل مع كل وافد منهم حسب نواياه الحقيقية، بينما ساعدته خبراته القتالية على مصارعة أشرار البشر والكواسر والجوارح والزواحف رغم أن ذلك قد سبب له الإصابات والإعاقات العديدة التي سبق أن أزعجتني في يوم إقامتي الأول، ولما كانت كل واحدة من إصاباته وإعاقاته ارتبطت بإنقاذ أو مساعدة أحد البشر أو الحيوانات ساكني القصر فقد أصبحوا جميعاً يشعرون حياله بالامتنان، وفي حين ترجم البشر مشاعرهم نحوه بالمواظبة على مداواته وعلاجه وتنظيفه ومداعبته فقد ترجمت الحيوانات مشاعرها نحوه عبر احترام بالغ تجلى في عدة سلوكيات، شملت ضمن ما شملته إفساح المكان الذي يختاره لرقود جسده وترك أولوية الأكل والشرب له حتى يشبع ويرتوي حتى آكلات العشب كانت تنتظره ليتشمم أكلها قبل أن يقرر زهده فيه، أما إناث الكلاب الصغيرات البالغات فكانت لا تسمح للذكور الصغار باعتلائها قبله أملاً في الحصول على جراء تشبهه من حيث المواهب والمهارات والخبرات، وهو ما حدث أخيراً بمجيء ابن له أسماه السودانيون "تاكسي الغرام" بلغة الأغاني المصرية استناداً إلى تطابق بشرته الصفراء مع لون سيارات أجرة الخرطوم وتكرار ملاحقاته لإناث الكلاب منذ صغره، وسرعان ما كشفت بعض العلامات السلوكية أن الابن "تاكسي الغرام" قد ورث المواهب والمهارات والخبرات عن أبيه "أدهم الدادابان" الذي تأكد من ذلك بنفسه فغادر القصر مطمأناً دون عودة!!.
طارق المهدوي



#طارق_المهدوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جوليو ريجيني...شيوعي آخر يدشن نضاله بمصرعه
- عواد باع أرضه
- حكايات الجوارح والمجاريح
- رفعت السعيد...جه يكحلها عماها
- أوراق من دفتر الأوجاع
- المدينة بين زلزالين
- عشرات السنتيمترات
- دعاء جدتي ضد الظالمين
- معلهش إحنا بنتبهدل
- عالجوهم أو اعزلوهم
- أشعار نازفة وشعارات ناسفة
- فوبيا العداء للجنس في الأذهان الفاشية
- صديقي المحارب الأممي كارلوس
- أخلاقنا وأخلاقهم
- استدراج الملحدين في أكمنة الدولة المصرية
- الغياب المتبادل بين الفن والجماهير (4) التذوق
- الغياب المتبادل بين الفن والجماهير (3) الوعي
- الغياب المتبادل بين الفن والجماهير (2) التطبيق
- الغياب المتبادل بين الفن والجماهير (1) الإبداع
- من سجلات الفاشية العسكرية في زمن العولمة


المزيد.....




- إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري! ...
- ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع ...
- كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا ...
- شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش ...
- -الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل ...
- -أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر ...
- -مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض
- الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها
- وفاة المنتج المصري وليد مصطفى زوج الفنانة اللبنانية كارول سم ...
- الشاعرة ومغنية السوبرانوالرائعة :دسهيرادريس ضيفة صالون النجو ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق المهدوي - سيدة القصر