أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - طارق المهدوي - عشرات السنتيمترات














المزيد.....

عشرات السنتيمترات


طارق المهدوي

الحوار المتمدن-العدد: 5107 - 2016 / 3 / 18 - 09:20
المحور: كتابات ساخرة
    


(1)
في أعقاب حرب أكتوبر 1973 ارتفعت أسعار النفط عدة مرات لتمنح بلدان الخليج العربي وفرة اقتصادية هائلة شكلت عنصر جذب لأبناء الطبقة الوسطى المصرية الذين كانت أحوالهم المعيشية قد تدهورت آنذاك على نحو مأساوي، فاستغلت الحركة الوهابية النافذة هي وأخواتها في السعودية وتوابعها الخليجيات تدفق ملايين المصريين لإجراء أكبر عملية برمجة دماغية مكثفة من أجل تغيير المسار السلوكي الجماعي في التاريخ البشري، وهكذا بدأ المصريون العائدون بمدخراتهم المالية من بلدان الخليج العربي يمارسون عدة سلوكيات مستجدة على المجتمع المصري لكونها تتراوح وتمزج بين ما هو سلفي وإخواني وجهادي بدرجات متفاوتة حسب كل حالة دماغية على حدا، وتدريجياً حلت هذه المستجدات السلوكية الوهابية محل الملامح التقليدية المتوارثة تاريخياً بين أجيال المجتمع المصري العريق بمختلف فروعها ومستوياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، والتي شملت تجلياتها فيما شملته الأزياء النسائية رغم العديد من المفارقات الدرامية التي شابت خطوات الإحلال السلوكي المجتمعي والمحفوظة جيداً في أذهان المتابعين المهتمين بالشأن العام!!.
(2)
قررت الابنة الصغرى لأسرة عائدة من الخليج الظهور بزي محتشم منذ لحظة عودتها الأولى فاشترت لنفسها ثوباً فضفاضاً متدلياً يمسح الأرض من فرط طوله، نصحتها أختها الكبرى فيما بينهما بتقصير الثوب عشرة سنتيمترات لضمان الجمع بين الاحتشام والأناقة في الوقت ذاته، ونصحتها أمها فيما بينهما بتقصير الثوب عشرة سنتيمترات لتحاشي ضرورة غسله وكيه وهو محمل بالأتربة الأرضية العالقة عقب أي ارتداء مما سيؤدي لاتساخ بقية ملابس العائلة المغسولة معه، كما نصحها أبوها فيما بينهما بتقصير الثوب عشرة سنتيمترات حتى لا يبلى سريعاً من جراء احتكاكه بالأرض فيضطر هو إلى شراء ثوب جديد لها، إلا أن صاحبة الثوب العنيدة رفضت نصائحهم جميعاً واتهمتهم بضعف الإيمان وتغليب دنياهم على آخرتهم وأوشك رفضها أن يتحول إلى مشاجرات لولا تدخل الجدة المقيمة معهم في كل مرة للتهدئة، ثم سلمت الابنة ثوبها الجديد إلى أمها كي تقوم بغسله وكيه قبل ارتدائه للمرة الأولى في صباح اليوم التالي خلال توجهها إلى كليتها الجامعية لتجده عند حلول الصباح بالكاد يغطي ركبتيها بعد فقدانه عشرات السنتيمترات من طوله، حيث كان الأب والأم والجدة والأخت الكبرى قد قرروا كل واحد منهم على حدا أن يقتطع سراً عشرة سنتيمترات من الثوب مع الاستعداد لتفسير ذلك بالحقيقة العلمية التي مفادها انكماش بعض الأقمشة أحياناً عند تعرضها للمياه!!.
(3)
رغم الفوارق الموضوعية العديدة فإن ما فعله الأب والأم والجدة والأخت الكبرى بصاحبة الثوب العنيدة يتطابق تماماً من حيث الشكل مع ما تفعله مؤسسات الدولة والمجتمع في مصر الآن ضد المتابعين والمهتمين بالشأن العام، الذين يجدون أنفسهم في مواجهة مستديمة غير متكافئة مع مؤسسات سيادية وعسكرية ودينية وبيروقراطية ماكرة تخشاهم وبالتالي تكرههم، إلى درجة قيامها هي وأخواتها وتوابعها كلٍ على حدا سراً وعلانيةً باقتطاع عشرات السنتيمترات من حياتهم وحرياتهم وحقوقهم ومصالحهم وأحلامهم، في إطار قراراتها غير المشروعة بإخضاعهم والسيطرة عليهم إن لم يكن التخلص منهم نهائياً، عبر أدواتها الشريرة التي لا تتقن سوى عمليات أمنية تتراوح وتمزج بين ألاعيب الاحتواء والتطويق صعوداً نحو التشتيت والإنهاك مروراً بالتوقيف والإعاقة وصولاً إلى الإزالة النظيفة أو القذرة لأشخاصهم!!.
طارق المهدوي



#طارق_المهدوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دعاء جدتي ضد الظالمين
- معلهش إحنا بنتبهدل
- عالجوهم أو اعزلوهم
- أشعار نازفة وشعارات ناسفة
- فوبيا العداء للجنس في الأذهان الفاشية
- صديقي المحارب الأممي كارلوس
- أخلاقنا وأخلاقهم
- استدراج الملحدين في أكمنة الدولة المصرية
- الغياب المتبادل بين الفن والجماهير (4) التذوق
- الغياب المتبادل بين الفن والجماهير (3) الوعي
- الغياب المتبادل بين الفن والجماهير (2) التطبيق
- الغياب المتبادل بين الفن والجماهير (1) الإبداع
- من سجلات الفاشية العسكرية في زمن العولمة
- من سجلات الفاشية العسكرية في زمن المكارثية
- يا نجاتي...فرقع البلالين
- ليس فقط لأنهم كاذبون محترفون
- سبع أرواح
- محلك سر
- حول فنون ومهارات العمل الثوري اللحظي في مصر
- كوابيس جمهورية الخوف الأولى - الجزء الثاني


المزيد.....




- جبل كورك في كردستان العراق.. من خطر الألغام إلى رفاهية المنت ...
- لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟ ...
- الذكاء الاصطناعي يختار أفضل 10 نجوم في تاريخ الفنون القتالية ...
- شباب سوق الشيوخ يناقشون الكتب في حديقة اتحاد الأدباء
- الجزيرة 360 تشارك في مهرجان شفيلد للفيلم الوثائقي بـ-غزة.. ص ...
- النيابة تطالب بمضاعفة عقوبة الكاتب بوعلام صنصال إلى عشر سنوا ...
- دعوات من فنانين عرب لأمن قطر واستقرار المنطقة
- -الهجوم الإيراني على قاعدة العُديد مسرحية استعراضية- - مقال ...
- ميادة الحناوي وأصالة في مهرجان -جرش للثقافة والفنون-.. الإعل ...
- صدر حديثا : كتاب إبداعات منداوية 13


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - طارق المهدوي - عشرات السنتيمترات