أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عاطف سلامة - المثقف الفلسطيني بين الإذعان والحاجة إلى التمرد















المزيد.....



المثقف الفلسطيني بين الإذعان والحاجة إلى التمرد


عاطف سلامة

الحوار المتمدن-العدد: 5137 - 2016 / 4 / 19 - 02:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم تستطع الحركات السياسية الفلسطينية المختلفة عبر مثقفيها، أن تفصل المعرفة عن السياسة، فتحوّلت المعرفة عن وظيفتها وفقدت الثقافة مهمتها التغيرية المستقلة عن السياسة، فترتب على هذا الواقع نتائج خطيرة أهمها خسارة المثقف لدوره التاريخي الذي كان حرياً به التصدي له وإنجازه، وهو ما هدده بفقدان صفته كمثقف.
عدا عن غياب المشروع الثقافي الشامل، السابق للمشروع السياسي، تصدّى السياسي لحل إشكاليات الثقافي وتحول المثقف إلى رجل سياسة" فخسرت السياسة، ولم تربح الثقافة " وقام المثقف بإلغاء دوره، وإعطائه للسياسي، الذي بدوره قام بإلغاء الثقافة والسياسة معا
وبتغييب الثقافة، انحصر فعل الأحزاب والحركات السياسية في مجالين محددين، التطلع إلى السياسة، والتنافس فيما بينهم حول مسائل صغيرة وآنية، كالدرجات الوظيفية و المسميات المختلفة والمراتب والمرتبات.
الثقافة الفلسطينية
تشكل الثقافة في فلسطين جزءا لا يتجزأ من هوية الشعب الفلسطيني على مر التاريخ والعصور، فظهور المجلات والملاحق الثقافية في فلسطين يعود إلى عام 1905 ؛فانتشر المثقفين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وفي الشتات، إضافة إلى الكثير من المثقفين وكبار الكتاب والشعراء والأدباء العرب الذين ناصروا القضية الفلسطينية.
وبدأت مستويات التعليم بين الفلسطينيين تزدهر بشكل كبير منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وهو ما يعتبر تكوين أكبر نخبة من المتعلمين بين جميع الشعوب العربية.
الثقافة الفلسطينية هي الأوثق صلة مع الثقافات الشرقية القريبة وبالأخص بلدان العالم العربي. فالمساهمات الثقافية الفلسطينية لمجالات الفن والأدب والموسيقى والملابس والمطبخ أعربت عن تميز التجربة الفلسطينية، وهي لازالت تزدهر، على الرغم من الفصل الجغرافي الذي حدث في فلسطين التاريخية بين الأراضي الفلسطينية وإسرائيل والشتات، وحتى يومنا هذا وفصل الضفة عن القطاع بعد الانقلاب وحدوث الانقسام 2007
الذاكرة الفلسطينية مثقلة
ما حلّ بالحياة الثقافية الفلسطينية عند دخول المحتل إلى فلسطين؛ كارثة بالمعني الحقيقي بعد أن كانت الآمال كبيرة قبل أن يأتي الصهاينة ويهدموا صروحا من الفكر والأدب والثقافة، فقد جنت تلك المأساة المروعة على تراث فلسطين الفكري والأدبي، عدا عن الإنسان، فاضطر العلماء والأدباء والمفكرون إلى الهجرة من فلسطين مخلفين وراءهم ثمار وإنتاج عقولهم، ومكتباتهم الخاصة الحافلة بأمهات الكتب وأعظم المصادر في اللغة والأدب والتاريخ والشريعة".
النكبة بدورها أرجعت العقل الثقافي للمبدع إلى الوراء رغما عنه، وتلقت المكتبة الفلسطينية خسارة فادحة، وغيبت الهوية الثقافية الفلسطينية وتخلصت من كل تراث فكري لأهلها ،كي تبدو وكأن الديار بكل ما فيها من تاريخ خالصة لهم، مع إلغاء كل ما يشير بصلة إلى أصحابها الحقيقيين. من هنا جاء تطبيق المؤامرة، على المثقف الفلسطيني وإبداعه وكلما يشير إلى ارتباطه بالأرض عندما نهبت العصابات الصهيونية عام 1948 المكتبات الخاصة و العامة بما فيها من ثروات فكرية، وبخاصة في مدينة القدس. وتبددت ثروة فكرية ضخمة من المؤلفات الفلسطينية ومن آثار المفكرين والعلماء والكتاب والشعراء من أبناء فلسطين، وتعذر الوصول إلى تلك الذخائر من المطبوعات والمخطوطات النادرة التي لا تقدر بثمن". هذا وشكلت الحكومة الإسرائيلية في عام 1949 لجنة علمية متخصصة لتغيير معالم المكان الذي تم الاستيلاء عليه وطرد سكانه، وكانت مهمتها تغيير أسماء الأماكن العربية إلى أسماء عبرية.
مرحلة جديدة
عادت الحالة الثقافية إلى النهوض شيئا فشيئا من الكبوة التي فُرضت عليها، واستطاع المثقف الفلسطيني أن يؤسس، ولو بشكل بطيء، حالات من تجاوز المحنة التي أصابته كي يخوض مرحلة جديدة من مراحل ارتباطه بقضيته، والدفاع عن وطنه بقلمه أدبا وفكرا وثقافة. ولربما كان "أعظم نضال خاضَهُ الكتاب الفلسطينيون وأعظم انتصار حققوه في النصف الثاني من القرن العشرين. ومع أنهم لم يتوقفوا أبداً عن الإحساس بالمعضلة التي يحياها شعبهم، فإنهم يبدون من قوة التحمل ما يعلو على المأساة ويتجاوز الضرورة، وهذا ما لوّن الأدب الفلسطيني المعاصر وحدد وجهته ولَهجَتَه".
تعريف الثقافة
يبقي المفهوم الجاد للثقافة شبه غائب بحيث تبدو كلمة "ثقافة" ثابتة ولكنها في الحقيقة "متحوِّلة"، وتقسم الثقافة إلى صنفين: ثقافة نخبوية أو عليا وثقافة شعبيةpop- culture، بمعنى ثقافة منفصلة وأخرى متَّصلة. و"كلمة مثقف (intellectual) كلمة جديدة في دلالتها الاجتماعية، حتى في اللغة الإنكليزية. ومعناها القديم يقتصر على كل ما هو خاص بالذهن أو العقل أو الفكر المنطقي، في مقابل العاطفة أو الشعور والإحساس. وأن معناها الجديد يستبعد هذا الفصل التعسفي بين العقل والعاطفة والخيال والشعور والإحساس والذوق. وهي تشير إلى دور اجتماعي وليس إلى شخصية متكاملة، فالمثقف مواطن ينتمي إلى هيئة اجتماعية وليس إلى طبقة اجتماعية.
غرامشي بدوره أكد أهمية ودور المثقف العضوي في المجتمع، منطلقاً من مشكلة أساسية وجوهرية هي أن: جميع الناس مثقفون، بمعنى من المعاني، ولكنهم لا يؤدون وظيفتهم الاجتماعية في المجتمع، التي هي من اختصاص المثقفين النوعيين من ذوي الكفاءات الفكرية العالية ألبالغي الندرة اليوم، الذين يؤمنون وينادون بقيم ومعايير الحق والعدالة والمساواة.
أشكال العلاقة بالسلطة
لعلاقة المثقف بالسلطة شكلين الأول: هو الولاء الطبيعي، الفطري، أو الغريزي، الولاء للعشيرة والعقيدة. والثاني: الولاء العقلي الأخلاقي المقترن بالتحضر والتمدن. الشكل الأول أقدم من الثاني ويمكن القول إن "علاقة فكر الفرد وجهده وخيالة بسلطان الهيئة الاجتماعية قضية أخلاقية"، وفق منظومة الأخلاق السائدة لدى الجماعة المعنية، سواء كان ولاء المثقف غريزياً أم عقلياً. والولاء للجماعة" الطبيعية" يدعمه الولاء للزعيم، ويمكن اعتبار الثاني رمزاً للأول، في ظل العلاقة بين الزعيم ومن يوالونه، وتجدر الإشارة إلى أن الولاء الغريزي لا يزال هو الأقوى في مجتمعنا.
أنواع المثقفين
حسب غرامشي فالمثقفين نوعين: الأول: المثقف العضوي الذي يحمل هموم جميع الطبقات وقضايا أمته وشعبه ويستمر في العطاء جيلا بعد جيل. والثاني: المثقف التقليدي الذي يجلس في برجه العاجي ويعتقد بأنه فوق الجميع، مؤكدا على أهمية المثقفين ودورهم الفعال في التغير والتغيير الاجتماعي إذا ما التزموا بقضايا الشعب الأساسية التزاماً عضوياً.
ادوارد سعيد من جهته تأثر بأفكار غرامشي وقال: المثقف الحق هو من لديه أفكار يعبر عنها لغيره وعليه ان يتمسك بقيم عالية كالحرية والعدالة وعدم قبول الحلول الوسط باعتباره مشاركاً في الحياة العامة كما عليه" تمثيل" العامة في معارضة جميع أشكال السلطة منطلقاً مما يؤمن به من قيم ومبادئ انسانية عامة كمحترف وليس هاو.
المثقف المستقل "الهامشي"
ثمة فريق ثالث وهو المثقف المستقل أو المثقف الحر الذي يدرك إدراكاً واضحاً أن السلطة السياسية محصلة جميع السلطات الأخرى فيخرج عليها جميعاً، بدءاً من سلطة المعرفة، وسلطة الأب، كما وصفها فرويد، ذلكم هو المثقف أو المفكر الذي وصفه إدوارد سعيد بالمثقف المنفي أو الهامشي أو الهاوي، ويحاول تحطيم القوالب الجامدة والأنماط الثابتة والتعميمات الاختزالية التي تفرض قيوداً شديدة على الفكر الإنساني وعلى التواصل مابين البشر.
المثقف الحق القدوة:
هو من يقاوم جميع أنواع السلطة وجميع أشكالها. فإن ما يمثل وعي المثقف أو المفكر هو روح المعارضة لا القبول والتناغم. فما تتسم به الحياة الفكرية من جاذبية وتحديات يكمن في الخلاف والانشقاق والخروج على "الوضع الراهن" وفكره وثقافته السائدة.
المفكرون الحقيقيون، كما وصفهم جوليان بندا، "أقرب ما يكونون إلى الصدق مع أنفسهم حين تدفعهم المشاعر الميتافيزيقية الجياشة والمبادئ السامية، أي مبادئ العدل والحق، إلى فضح الفساد والدفاع عن الضعفاء وتحدي السلطة المعيبة الغاشمة".
على حد تعبير "غرامشي": إن المثقف القدوة هو المثقف الذي استطاع منهجياً ووظيفياً أن يمتلك القدرة النقدية في التعامل مع الواقع تحليلاً وتركيباً، لمعرفة الكثير من معوقات تقدمه، وعوامل نهضته، والأهم هو ما ينتجه هذا الواقع من تخلف على كافة المستويات. وبالتالي غالباً ما يشكل هذا المثقف جزءاً من التركيبة الثقافية في بلده، حيث يساهم هنا وهناك بنشاطاتها، إن كان من خلال عمله الوظيفي الرسمي، أومن خلال مؤسسات ثقافية أهلية، وذلك إيماناً منه بضرورة التأسيس لوعي وثقافة عقلانية وتنويرية في وطنه، يمكن نشرها عبر ما هو متاح له من وسائل ثقافية تسمح بها ظروف نشاطه الثقافي والفكري.
إشكالية المثقف
ان إشكالية المثقف لا تنفصل عن إشكالية الثقافة السائدة، وإشكالية الثقافة لا تنفصل بدورها عن إشكالية المجتمع، وإشكالية المجتمع لا تنفصل عن إشكالية السلطة وايديولوجيتها، فهناك علاقة عضوية وجدلية تربط بين المثقف والثقافة وبينهما وبين المجتمع والسلطة.
والمثقف باعتباره عضواً في المجتمع يكتسب معرفته وثقافته وسلوكه منه، فهو يساهم في إنتاج المعرفة الثقافية ويضيف إليها من انتاجاته الإبداعية. غير أن المثقف ليس من الضروري أن يمثل طبقة معينة، فالمثقفون عموماً ينتمون إلى فئات وشرائح وطبقات اجتماعية مختلفة، ولكن ما يجمعهم هو كونهم "منتجي ثقافة" وتتحدد وظيفتهم بالدور الريادي الذي يقومون به في الدفاع عن حرية الفكر وازدهاره ومساهمتهم الفاعلة في عملية توعية وتنوير الأفراد وإخصاب معارفهم وتوسيعها مثلما يتحدد دورهم في نوع الثقافة التي ينتجونها والكلمة التي يبدعونها والمسحة الجمالية التي يضيفونها إلى عملهم الثقافي.
وظيفة المثقف
ان وظيفة المثقف ودوره التنويري في المجتمع لا يمكن أن تكون فاعلة إلا باستخدام المنهج النقدي العقلاني الذي يقف ضد الامتثال والوصاية والتبعية والتهميش. وبمعنى آخر وجوب استخدام المثقف لمنهج نقدي يربط الفكر بالممارسة العملية ربطاً جدلياً، داخلياً وليس سطحياً، وهي مهمة المثقف النوعي مثلما هي مهمة المثقف التنويري المتحرر من الوصاية.
وعليه، يجب أن يمارس دوره التنويري بحريــة فـــي النقـــد. نقد الموروث القديم وتفكيكه، نقد الوافد الجديد وفرزه، ونقد الواقع المعيشي وتحليله، بمعنى آخر نقد الفكر ونقد المجتمع والسلطة معاً، على ألا يشكل النقد عنده، سلطة تصدر أحكاما أخلاقية مسبقة أو تعسفية مطلقة، وإلا يكون أداة بيد أي سلطة.
فالمثقَّف هو ذلك الذي لا يعبد لا أرباب السياسة ولا أرباب الشركات ولا يؤمن بهم مهما كان نوع هذا الربِّ لأنَّ اتخاذ المفكِّر صفة العابد لربٍّ سياسيٍّ هو نشوز عن دور المفكِّر وسلوكه فعلى المثقَّف ألا يسمح بطاقة سلبية لأيِّ راع من الرعاة أو سلطة من السلطات توجِّهه أو توجيه خطابه لخدمتها لأنه عادة ما تخذل هذه الأرباب عبَّادها.
علاقة الشك بين المثقف والسلطة
ثمة علاقة ملتبسة بين المثقف والسلطة،وهي علاقة تحكمها الشك والريبة وعدم الثقة وأحياناً التعارض والتناقض. هذه الإشكالية نلاحظها في الصراع التاريخي بين المثقف والسلطة،التي تنعكس في كتابات المفكرين والأدباء والمثقفين منذ أقدم العصور.
هذه العلاقة تنتج هاجس خوف يستولي على المثقف من السلطة ومن الذات وكذلك من الآخر، وحتى من الحرية نفسها. كل ذلك يعمل على إعاقة المثقف عن تحقيق ذاته، خاصة إذا كان تابعاً للسلطة، لأن الدولة التي تحتكر كل شيء توصد في وجهه الأبواب، لتجعل منه تابعاً متحيزاً لها ،أو مثقفاً نوعياً يقف في وجه السلطة ويكون مستعداً للتحدي والتضحية، أو أن يهرب ويتنحى.
وثمة ترابط جدلي بين السلطة في الأنظمة الشمولية ولا يمكن فهم هذه العلاقة وتحليلها إلا في حالة هيمنة الدولة على الثقافة وأدلجتها وتوجيه العلاقات الفكرية والاجتماعية والسياسية حسب مصالحها. بحيث يتحول النشاط الثقافي الى ما يخدم مصالحها وتحقيق أهدافها عن طريق تشكيل مؤسسات وأجهزة إدارية تستطيع توجيه "الرأي العام" نحو رؤية ذات بعد واحد تقوم على احتكار المعرفة والثقافة وتوجيهها. وهو ما يقود في الأخير إلى نفي الآخر المختلف وإلغاء وجوده. وهذا يستدعي منها أيضا تحويل "المثقف" إلى داعية وقولبته وفق أيديولوجية السلطة الحاكمة التي تنتج الثقافة والمثقف في آن. وحين تهيمن الدولة على الثقافة وتتسلط على المثقف يتحول المثقف بدوره إلى متسلط من جهة والى مقموع مهزوم من جهة أخرى.
تعريف السلطة
يقودنا هذا إلى تعريف السلطة بأنها "علاقة قوة"،حسب ميشيل فوكو، أو علاقات بين قوى مختلفة ومتفاوتة تنتج منها سلطات مادية ومعنوية ومؤسسات خاصة بهذه وتلك، بدءاً من سلطة الأب على أفراد أسرته،وسلطة الرجل على المرأة وصولاً إلى السلطة السياسية.
وإذا ما تأملنا فكرة السلطة أو مفهوم السلطة، بمعزل عن آلياتها وأدواتها وأشكال ممارستها، يتبين لنا أنها ليست سوى معرفة وعمل فرديين تحولا في بوتقة الجماعة إلى قوة، بفعل نوع من (كيمياء اجتماعية) تُنتِج من العناصر الفردية مركبات فكرية وقيمية عامة يختفي فيها الطابع الفردي، ولا تلبث هي ذاتها أن تصير سلطة عليا وأطراً اجتماعية وأخلاقية صلبة للمعرفة والتفكير المنظم، تقيد حرية الفرد وتحد من نزوعه إلى المغامرة والاستكشاف والمعرفة والانفتاح على آفاق أبعد من حدود مجتمعه.
نظرة المجتمع للمثقف
اعتادت الناس على اعتبار أن المثقف عنصراً غير مؤثر في الشؤون العامة والقضايا الكبرى والمصيرية، كغيره من الفئات الاجتماعية العريضة كالعمال والفلاحين. هذه العادة مازالت مسيطرة بشكل أو بآخر على الأحزاب السياسية التي لا تولي شاغلي المواقع القيادية الثقافية، ما توليه من أهمية واهتمام لباقي المواقع ممَّا أدّى، ويؤدي إلى تكريس هذا الفهم لدى عامة الناس. ويزداد الأمر سوءاً عندما تُسند المواقع القيادية لغير مستحقيها، فيبدو الأمر كالأعمى الذي يطلب منه قيادة المبصرين.
ديمقرايطس الذي يعتبر مؤسساً للفلسفة المادية، قال:" المثقف وحده القادر على إحداث التوازن بين البشري والمعرفي. وهو في هذه الحال مبدعو ليس بمثقف
مقاومة السلطة
كل سلطة تنتج أشكال مقاومتها. ولا سلطة بلا مقاومة، سواء من داخلها أو من خارجها، هنا تتموضع الحرية بوجهيها: الإيجابي والسلبي، وبها تتحدد علاقة المثقف بالسلطة، وتتعين صورته، وجميع الأمور الأخرى تابعة. وهنا لا يتفاوت المثقف ونفي درجة مقاومتهم للسلطة أو ولائهم لها فحسب، بل في نوع السلطة التي يقاومونها أو يوالونها ويذعنون لها، وهكذا ترتسم صورة المثقف أو المفكر في أذهان متابعيه وفق السلطة التي يواليها أو يعارضها.
ومن أوتي من شجاعة العقل والقلب يمكنه مقاومة السلطة والخروج على تقاليدها وقيمها. ذلكم هو أحد وجوه الدراما الإنسانية القائمة على تناقض بين التقليد والتجديد، بين حقيقة السلطة وسلطة الحقيقة. فكل جديد مستهجن؛ ولكن ثمة دوماً من يتصدر حقيقة تحرره.
ولو أمكن أن نحذف السلطة من الوجود لما كنا بحاجة إلى الحرية والمساواة والعدالة. هذه الوضعية المزدوجة للحرية هي أساس فكرة التاريخ وفكرة التقدم. هنا تتجلى جسامة المهمة الملقاة على عاتق المثقف أو المفكر وخطورتها.
مهمة ورسالة المثقف
يقول إدوارد سعيد: مهمة المثقف أو رسالته إنسانية بامتياز وكونية بامتياز، تنطلق من واقع الشقاء الإنساني في العالم، انطلاقاً من واقع الشقاء الإنساني في مجتمعه.
المثقف الحق ينفر من التبعية لأي سيد والإذعان لأي سلطان، ولذلك هو منفي ومهمش. هكذا يمكن الإمساك بجذر المسألة ولب القضية.
علاقة المثقف بالسلطة علاقة تناف متبادل، هو يعمل على نفي جميع السلطات القائمة، لتقوم محلها سلطات أخرى أقرب إلى العدالة، وأكثر استجابة لمطالب الروح الإنسانية، وجميع السلطات القائمة تعمل على نفيه، وهذه أيضاً علاقة قوة، أي علاقة سلطة.
سلطة المثقف هي سلطة الحقيقة، النسبية والمتغيرة ،التي ينتجها عمل الرأس واليدين، ويعيد إنتاجها، في مقابل حقيقة السلطة الثابتة والمطلقة. ولذلك يتوجه المثقف، بحكم مهمته التي اختارها، إلى أوسع جمهور ممكن من المتابعين، يحصنه بالمعرفة وبطانتها الأخلاقية، ويتحصن به. وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن يكون المثقف رسولاً، أو مناضلاً سياسياً، أو مجاهداً، بخلاف ما يوحي به ظاهر الكلام. رسالة المثقف هي ما يكونه هو فقط، هي كونه مثقفاً حين يجهر برأيه لا يقول سوى حقيقته، والبقية تتولاها "الكيمياء الاجتماعية".
حرية التفكير أولا
هل بوسع مثقف أن يدافع عن قضية، كقضية الحرية مثلاً، إن لم يكن حراً في تفكيره أولاً ؟ حرية التفكير التي يظن بعضنا أنها قضية سهلة هي من أصعب الأمور، إذ لا يمكن بلوغها إلا بمغالبة جميع السلطات التي تضغط على وجدان المثقف والتحرر من آثارها في نفسه، شتان ما بين صورة المثقف أو المفكر ومنهجه وأسلوبه في الحياة ورؤيته إلى العالم وموقفه من السلطة، وبين صورة المناضل السياسي، ومهنته التي ازدهرت في بلادنا منذ أكثر من نصف قرن، وانتهت بالمثقف إلى تابع ذليل لسلطات مستبدة
الولاء الغريزي للسلطة
المثقفون يذعنون إذعاناً تاماً لسلطة التقليد أو سلطة السلف أو سلطة الدين الوضعي أو سلطة الحزب، ويقاومون السلطة السياسية (المستبدة) في الوقت نفسه، إلى هذا الحد أو ذاك. وآخرون يذعنون للسلطة السياسية المستبدة إذعاناً تاماً ، ويوالونها ولاء خالصاً ، ويقاومون سلطة التقليد أو سلطة السلف أو سلطة الدين الوضعي، إلى هذا الحد أو ذاك أيضاً.
هذه الوضعية التناقضية لا تشي بما سماه كارل ماركس نقصاً في المبدأ فقط، بل هي عامل من أهم عوامل ركود المجتمع وتأخر الوعي والفكر، لأن محصلة هاتين القوتين الأساسيتين في الحياة العامة تساوي صفراً أو تتناهى إلى الصفر، ولا سيما إذا أضفنا إليهما قوة كثر ممن يجمعون بين الإذعان للسلطة السياسية المستبدة والإذعان لسائر السلطات الأخرى. لا يمكن تفسير هذه الوضعية التناقضية في علاقة المثقف بالسلطة إلا بمبدأ الولاء الغريزي. وكلما كان هذا الولاء خالصاً يقابله براء خالص، يغدو معه المثقف مجرد مساجل همه إفحام الخصم، ولو أدى به ذلك إلى قول الشيء ونقيضه في وقت واحد.
المثقف الفلسطيني
المثقف الفلسطيني بدوره يعكس حالة التجزئة والشرذمة الموجودة في المجتمع ويعيش حالة اتهام ،فهو متهم بأنه "فقد فاعليته، لأنه لم يعمل بخصوصيته وهي: إنتاج المعرفة.
هذا الاتّهام، يعكس رؤية أيديولوجية، اغترابيه، فعدم الفاعلية ليس عائداً، لكون المثقف لم يعمل بخصوصيته، وهي إنتاج المعرفة، بل عائداً، لكونه لم يعمل بخصوصيته، وهي هنا، إنتاج المعرفة، وطنيا وقومياً، بما تعنيه من مظاهر الالتزام الفكري، الوطني والقومي والعمل من أجل قضايا الأمّة وتجسيد تطلعاتها. وهو لهذا السبب، أمسى في مؤخرة المجتمع، وفي عزلة عن الناس. فالخصوصية هنا ليست إنتاجا لمعرفة بل الفعل المعرفي، المطابق لاحتياجات الأمة ومفاهيمها.
اتفاقية أوسلو وانعكاساتها على الثقافة الفلسطينية
نستحضر أوسلو لسببين: لأنها تقترن بأسوأ الذكريات السياسية لدى الشعب الفلسطيني ولان "اتفاقية أوسلو" كانت مرحلة تحول كبير في الثقافة الفلسطينية، وفي صورة المثقف الفلسطيني، وفي شكل صراعه حتى يومنا هذا. فبعد" أوسلو" ،عرف" مثقف منظمة التحرير"-كما سمّاه غالب هلسا في دراسة مبكرة له بهذا العنوان-طورا جديداً أصبح فيه"مثقف السلطة" في صيغة قريبة من نمط" مثقف السلطة" العربي التقليدي في بلاطات الأنظمة الشقيقة.
ولعل فترة السبعينيات والثمانينيات وصولاً إلى بداية التسعينات كانت كافية لإهتراء نموذج" مثقف منظمة التحرير" ولانكشافه. لأنّ المنظمة نفسها كانت في طريقها إلى الانكشاف والموت أيضاً بتأسيس" السلطة الفلسطينية" ، التي غلب عليها اسم "سلطة أوسلو" التي أنتجت "ثقافة أوسلو" وتمت ترجمة فلسطين عن العبرية لتكون فلسطين هي"الضفة الغربية وقطاع غزة". وترجمة الشعب الفلسطيني إلى سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، وترك البقية (قرابة 6 ملايين فلسطيني في أرض اللجوء) وتحويل عودتهم إلى"حق مقدّس"
ولعل أخطر ما صنعه "مثقف منظمة التحرير" هو ضربه حراك المثقف الفلسطيني الآخر الخارج على الامتثالية والذرائعية كأنيس صايغ مثلاً. وثمة تاريخ من التهميش مارسه التيار الرسمي على معارضي أومنتقدي سياسات المنظمة. (راجع سيرة الشهيد ناجي العلي (1936-1987) ورسومه، وسيرة عشرات غيره من المثقفين، الذين ظلوا في الهامش. (راجع قراءة الإفادات التي قدمها محمد الأسعد صاحب رواية" أطفال الندى"). ويمكن أيضاً مراجعة ما واجهه المفكر الفلسطيني هشام شرابي (1927 -2005) عام 1996 وهو من" مثقفي المنظمة" ،كما يوثقها كتاب" بيت بين البحر والنهر- محاورات حول فلسطين والعودة" (2001) لنوري الجراح الذي يتضمن حوارات أجراها المؤلف مع عشرة مثقفين فلسطينيين بينهم هشام شرابي وإدوارد سعيد وشفيق الحوت ومحمود درويش، وثلاثة من المفاوضين في مؤتمر مدريد: حيدر عبد الشافي وحنان عشراوي وإلياس صنبر. الكتاب الذي يقدم صورة عن حالة المثقف الفلسطيني بعد أوسلو والهيمنة التي كانت تمارسها «منظمة التحرير» من خلال" مثقفيها" على المثقفين الفلسطينيين المستقلّين.
أسباب إعاقة عمل المثقف الفلسطيني
أولا: الاحتلال الصهيوني ،حيث وضع الصهاينة خطتهم لاقتلاع الثقافة الفلسطينية ومحاربة المثقفين الفلسطينيين، فإنّ التطبيق العملي لهذه الخطط وما دعمها من قوة، ومواصلة لهذه الخطط من كافة الأحزاب الصهيونية التي تعاقبت على المؤسسة الحاكمة فيه، كان من الطبيعي أن تتراجع الحركة الثقافية من جديد، وسط حرب متواصلة، فلقد تراجع وبشكل ملحوظ الإنتاج الثقافي الفلسطيني بمختلف أشكاله، نتيجة إجراءات الاحتلال الإسرائيلي التعسفية ضد الشعب الفلسطيني.
ثانيا: "حالة المثقف الفلسطيني" حيث تعتبر مرحلة جدية من مراحل المواجهة تمثلت ب "الحصار" الثقافي الذي جاء امتدادا لمعركة فيها من الحصار السياسي والعسكري والفكري ما فيها. فلقد حُرمَ الفلسطينيون في فلسطين المحتلّة عام 48 من الكتاب العربي بعّامة، والفلسطيني بخّاصة. وفي المناطق المحتلة عام 67 اختفت المكتبات القليلة لأن المحتل الصهيوني حارب الثقافة الفلسطينية، وقطّع الأرض، ومزّق الشعب بغرض تدمير الشخصية الفلسطينية.
ثالثا: الحروب وحالة التشرذم والهجرة وظروف الحروب الأهلية التي تعيشها الدول المحيطة وضعف التطور وتراجع المجتمع العربي
رابعا: غياب المشروع النهضوي، الحضاري الشامل، وقد تجلَّى هذا الضعف في "عدم انتقال الطبقات من مستوى "الطبقة بذاتها" إلى مستوى "الطبقة لذاتها" وإن عدم الانتقال هذا، مؤشر على غياب المثقف العضوي
خامسا: العلاقة المفككة التي تربط الثقافي بالسياسي، كحقلين للممارسة الاجتماعية، هذه العلاقة التي يعبّر عنها باسم علاقة المثقفين بالسلطة، فالقول "بأن علاقة المثقف بالسلطة هي علاقة صراع، هو قول خاطئ ويتوقف على طبيعة الثقافة وطبيعة السلطة، فالمعرفة بُعدّ من أبعاد السلطة (المعرفة هي في ذاتها سلطة – "فرنسيسبيكون") ولا سلطة بغير ثقافة، ولا ثقافة إلاَّ وتنتسب إلى سلطة ما، سائدة أو تسعى لأن تسود، فهناك ثالوث عضوي متماسك من: النظام والمعرفة والسلطة".
لقد ارتبط، ومنذ القدم، وضع المثقف، بوضع السلطة وموقعها. وإن العلاقة بين هذين القطبين، تحكمها إمَّا حالة صراع، وإمَّا حالة هدنة وذلك حسب الهوية الطبقية لكل من المثقف والسلطة.
سادسا: المعتقلات فقد امتدت أذرع الاحتلال الصهيوني إلى المعتقلات فكان الحصار الثقافي هو العنوان الأبرز الذي تمت به مواجهة المثقف الفلسطيني داخلها. ونجد كيف عمل الصهاينة على تفريغ المعتقلات الفلسطينية من أي عطاء إبداعي، وحرصوا ألا يكون في الاعتقال إلا ما يهدد الهوية الثقافية للإنسان الفلسطيني بشكل عام، والمثقف بشكل خاص.
سابعا: الانقسام وفعله في تقويض ما تبقى من المشروع الثقافي الفلسطيني." فإغلاق المعابر من جهة ومداهمة ومصادرة وإغلاق الجمعيات والمؤسسات الثقافية ووسائل الصحافة والاعلام من جهة ثانية ومنع السفر وحظر التجمعات وتعطيل إقامة المؤتمرات والندوات واللقاءات والرقابة الصارمة على المثقف وحظر الصحف والمجلات والدوريات ومراقبة المطابع ومنع التجمعات وحرية التعبير وحرية الكلمة ومنع التواصل مع الآخر من جهة أخرى، ساهم وبشكل كبير في تردي الحالة الثقافية بقطاع غزة على وجه التحديد، ناهيك عن تبادل الاتهامات وانتشار ثقافة الردح بدلا من ثقافة المقاومة ، والتي خلقت عند المثقف صدمة وشكلت حالة استياء عامة جعلته ينأى بنفسة عن المشاركة ويتقوقع على ذاته أو يبحث عن سبيل الى الهجرة.
قيود الاحتلال على الثقافة في ظل الانتفاضة
إنّ مسلسل الحصار الدامي الذي تتابعت فصوله وحلقاته، لم يكن مفرّغا من الأهداف،ولم يأت من قبل الصهاينة بشكل عشوائي، بل جاء عبر إجراءات مدروسة، ووسائل كثيرة تؤدي في النهاية غرضها في أن تحاصر المثقف الفلسطيني كي يصاب باليأس، وتصبح الهوية دون ملامح، أو تجد من يعبر عن ذات أحلامها وطموحاتها، وآلامها وآمالها. ولذلك تواصل تطبيق هذه المخططات، فلقد "تعرضت دور النشر للمداهمة، ووُضعت قيود على استيراد الكتب" وتمت "مداهمة المؤسسات الثقافية إضافة إلى انعدام الأمن والتعرض للمثقفين والحياة الثقافية كلها، ومنع إدخال المواد الخام". كما أنّ "الإجراءات الإسرائيلية المشددة على المعابر تمنع التواصل الثقافي مع العالم العربي والاطلاع على أحدث الإصدارات". ولم يقف الأمر عند هذه المؤسسات الثقافية ودور النشر بل امتد إلى الجامعات الفلسطينية فلقد واصلت "قوات الاحتلال اعتداءاتها على الجامعات الفلسطينية وأغلقت بعضها مما عطل إقامة المؤتمرات والندوات العلمية وتطوير أدائها".
كما تأثرت الساحة الثقافية الفلسطينية والمثقف الفلسطيني، بما يجري على الأرض من انتفاضة فلسطينية وما يتم التصدي لها من قبل الصهاينة، فكان أن انخفض حجم المطبوعات الثقافية خلال انتفاضة الأقصى –نتيجة الإجراءات الإسرائيلية- إلى أكثر من 60%. وانخفض أيضا الطلب على الكتب نتيجة الضائقة الاقتصادية التي يمر بها الفلسطينيون.
وهكذا تراجع الإبداع الثقافي رغما عنه، وصار يبحث عن مجالات تفتح الفضاء الثقافي أمامه بعد أن حجب دخانُ الاحتلال كثيرا من الطموحات الثقافية الفلسطينية وكان الحصار الخانق الذي يمارسه الاحتلال سبباً إضافياً لسد الآفاق في المدى المنظور. وهكذا توقف إلى حد كبير إنتاج الكتب وإقامة المعارض وغيرها من الأنشطة الثقافية وتوقفت بعض المجلات الثقافية عن الصدور بسبب صعوبة التوزيع والأزمة المالية، وتعرض المكاتب للتدمير.
الثقافة عمل النخبة والسياسة حركة الجماهير
يقول د. حسن حنفي : إن الثقافة عمل النخبة، والسياسة حركة الجماهير. الثقافة للأقلية، والسياسة للأغلبية. الثقافة نظر وبحث عن الحقيقة، والسياسة عمل وتحقيق للمصلحة. الثقافة ميدان الصدق، والسياسة عالم الكذب.
وهنا نتساءل، كيف تجتمع الحقيقة والزيف، الصراحة والنفاق، إن تاريخ الثقافة، وحركات التغيير الاجتماعي ،يدحض هذا التصور الثنائي، ويبيّن أن الثقافة سياسة غير مباشرة، وأن السياسة ثقافة بلا جذور، أن الثقافة سياسة على مستوى النظر، وأن السياسة ثقافة على مستوى الممارسة، فهنا كما يسمى بالثقافة السياسية، وهو التمهيد للسياسة بالثقافة وتحقيق الثقافة في السياسة وبدونها تصبح الثقافة منعزلة عن الواقع الذي تعمل فيه، وتصبح السياسة مجرد غوغائية، ديماغوجية، نفعية وارتزاق، مجرد قوة وتسلط.
الأصل والفرع
ما هو شائع اليوم هو تبرير السياسة باسم الثقافة كما يفعل مثقف السلطة، يجعل السياسة هي الأصل، والثقافة هي الفرع، وقد ينشأ تبرير الثقافة باسم السياسة كما هو الحال في الدعاية السياسية. وإذا حاول المثقف الالتزام بالثقافة كسياسة، وبالسياسة كثقافة فإنه يجد نفسه بين المطرقة والسندان بين واجبات السلطة وحقوق الجماهير، بين العمل في إطار الشرعية ومن خلال قنواتها ورعاية مصالح الناس.
الرأسمالية والاشتراكية معا، تؤكدان أن لافرق بين الثقافة والسياسة، لأن تلك الأيديولوجيات كأنظمة سياسية إنما كانت بالأصل تيارات فكرية. ومع ذلك هنا كالحد الأدنى من الالتزام الثقافي والسياسي، الخط الأحمر المتبادل، من أعلى ومن أدنى للسلطة وللجماهير، دون الخروج على السلطة أو خيانة الجماهير وهي معادلة صعبة وميزان يصعب تعادل الكفتين فيه. فقد تميل الكفة مرة إلى أعلى نحو السلطة فتفرح وتغضب الجماهير، ومرة إلى أسفل فتغضب السلطة وتفرح الجماهير، ويمكن بالمران اكتساب مهارة الالتزام الثقافي والسياسي، وتعدد أشكال التغيير.
إن الظروف التي تمرُّ بها الأزمة الفلسطينية تجعلنا نفترض على المثقف الفلسطيني ألا يكون خارج تلك الظروف ومفاهيمها، بل أن ينغمس فيها من أجل تفكيكها من داخل منظومتها
وهنا تزداد خطورة المهمة في ظروف الثورة الثقافية، فالمثقف اليوم "لا يلتقي بالسلطات القائمة استناداً إلى توافق سياسي، وأيديولوجي، بل يلتقي بها عبر باب جديد هو الاختصاص الذي يفضي إلى أيديولوجيا التكنيك أو التحديث". ولكن كما يرى الفيلسوف الفرنسي "جان بول سارتر" (1905-1980) فإن "الأيديولوجيا تلقِّن تقنييّ المعرفة دورين: فهي تجعل منهم في آن واحد اختصاصيين في البحث وخادمين للهيمنة، أي حراساً على التقاليد، أما الدور الثاني فيهيئهم ليكونوا على حدّ تعبير غرامشي، موظفين في البنى الفوقية" .وإذا ما رفض المثقف طريق التبعية للسلطة فإنها تعتبره منافساً لها، وتسعى إلى محاربته بشتى الوسائل.
المثقف الفلسطيني واستحقاقات المكان
لا خلاف بأن الحالة الثقافية في فلسطين ضحية الاحتلال والحصار وضحية نخب سياسية مأزومة لا تنظر بأريحية للمثقفين لأنهم يعبرون عن ضمير الأمة وكرامتها، وهو ما يُشعر هذه النخب بعجزها وتقصيرها.
وهنا كعلاقة مُعقدة تربك المشهد الثقافي الفلسطيني، سواء العلاقة ما بين المثقف والسلطتين القائمتين في غزة و الضفة، أو مابين المثقف وضميره، أو ما بين المثقف واستحقاقات المكان الذي يعيش فيه.
المثقفون الفلسطينيون وخصوصا في الأراضي المحتلة واقعون بين مطرقة الاحتلال والسلطتين من جهة وسندان الحاجة ومتطلبات الحياة اليومية من جهة أخرى، الأمر الذي يُعيق تَشَكُل حالة ثقافية ضاغطة سواء على الاحتلال أو على السلطتين في الضفة وغزة.
الاحتلال وأسباب أخرى للتراجع:
الاحتلال ليس الذريعة الدائمة لتبرير تردي الحالة الثقافية واعتباره "الشماعة" التي تحمل كل العبء الفلسطيني، بالرغم من انه خطرا داهما على الثقافة الوطنية فهو يحاربنا ثقافيا بما لا يقل عن محاربتنا عسكريا. إلا أن وجود الاحتلال لا بد وأن يكون دافعا يفرض علينا أن نشكل تحديا يفتح آفاقا أوسع للعمل الثقافي والإبداعي بكافة أشكاله.
ورغم أنّ العدو الصهيوني له اليد الطولى في تراجع الحالة الثقافية، إلا أنّ الحالة الفلسطينية لا تنجو من هذا الحصار الداخلي غير المقصود تارة،أو تهميش الثقافة في حالات أخرى، فاتفاقات أوسلو ‏قتلت وأخرست أقلام وهربت أخرى وتسلقت غيرها واستنكف المميزون.‏
الأديب الفلسطيني أحمد دحبور في حديث عن المشروع الثقافي الفلسطيني أشار إلى أن اتفاقية أوسلو لم تتضمن إشارة واحدة إلى الشأن الثقافي. كما أنّ القوى الفلسطينية تتحمل مسؤولية أيضا في الدفاع عن الهوية الثقافية الفلسطينية، والمثقف الفلسطيني، والدفاع عن التراث الأدبي والفكري والثقافي للوطن. وغيابهم عن هذا المضمار كان يبعث التساؤل ويُولِّد الحيرة:
تحديد الأولوية
يواجه المثقف الفلسطيني معضلة تحديد الأولوية ما بين متطلبات مواجهة الاحتلال من جانب ومتطلبات مواجهة حالات الخلل في النظام السياسي الفلسطيني أو السلطتين القائمتين، سواء تعلق الأمر بالانقسام أو إعاقة الديمقراطية أو الفساد من جانب آخر. صحيح يجب تسبيق مقاومة الاحتلال ثقافيا وبكل الوسائل الممكنة على أي جهد آخر، ولكن في حالة وجود قوى سياسية أو مؤسسات تتعاون مع الاحتلال، أو تضع عراقيل أمام الشعب وحقه في مقاومة الاحتلال أو تشوه الثقافة والهوية الوطنية وتناصب المثقفين العداء، أو تحمي الفساد والمفسدين، آنذاك يصبح من الواجب على المواطنين والمثقفين خصوصا مواجهة الفساد والمفسدين وكل من يتعاون مع العدو بنفس شراسة مقاومة العدو.
على المثقف الحفاظ دائما على اتجاه البوصلة، فلا يغرق في مواجهة الفساد والمفسدين والانشغال بالانقسام وتداعياته على حساب مواجهة العدو الرئيس، الاحتلال وممارساته الاستيطانية والتهويدية والعدوانية. أحيانا يعمل الاحتلال على تشجيع فتح مواجهات فلسطينية داخلية لينشغل الفلسطينيون بمشاكلهم الداخلية وينسون الاحتلال.
وهنا لا بد على المثقف الفلسطيني بقدر ما يمليه عليه واجبه وضميره أن يصطف إلى جانب شعبه وقضاياه الوطنية والحياتية في مواجهة أية تجاوزات من الحكومة أو السلطة أو أي جهة تسلطية، فإنه في نفس الوقت إنسان له متطلباته الحياتية وصاحب أسرة، وحتى يُعيل نفسه وأسرته فهو مضطر لأن يعتاش على راتب، وهو الأمر الذي يخلق عند البعض أزمة ضمير وصراع داخلي مابين واجبه الوطني كمثقف، وواجبه كرب أسرة يجب أن يُؤَمِن راتبا ليُعيل اسرته، وخصوصا في ظل اقتصاد مُدَمَر وسلطتين وانقسام وفساد
غرور وانعزال
سيطرة النرجسية والغرور عند كثير من المثقفين، وهي حالة تجعل كل منهم يرى نفسه محور العمل الثقافي والفكري وأنه أفضل من غيره من المثقفين وبالتالي لا يقبل أن يكون جزءا من كلّ، بل على الآخرين الالتحاق به والدوران في فلكه.
وبعض المثقفين ينتمون لمدرسة ثقافية فكرية لا ترى علاقة حتمية أو ضرورية بين إبداع المثقفين وإنتاج حالة ثقافية وطنية، ويرى أنه ليس من الضروري أن يؤدي الإبداع الثقافي إلى إنتاج حالة ثقافية وطنية. لذا فبعض المثقفين يضرب طوقا أو حصارا على نفسه ويعمل بصمت ويعزل نفسه عن أي عمل ثقافي جمعي.
غياب المؤسسة
المؤسسات الثقافية لا تصنع مثقفا، فالمثقف أو المبدع يوجَد ويفرض نفسه أولا ثم يفكر بالانضمام للمؤسسات الثقافية القائمة أو تسعى هذه المؤسسات له لاستقطابه. لكن لو كانت اتحادات الكُتاب والصحفيين والفنانين الخ جامعة وفاعلة، تدافع عن أعضائها وعن حقوقهم وخصوصا حق حرية الرأي والتعبير، في مواجهة السلطتين، لما كان المثقفون يعيشون تحت رهاب الخوف من الاعتقال أو قطع مصدر رزقهم. بالإضافة الى استهتار النظام السياسي الرسمي بالشأن الثقافي
أثر الانقسام
كان للانقسام أثرا مدَمِرا على الثقافة الوطنية والحيلولة دون بروز حالة ثقافية جامعة، فالانقسام امتد للحقل الثقافي، فجماعات الإسلام السياسي تنظر بشك بل وبعداء إلى كل رموز ثقافتنا وهويتنا الوطنية، وهي جاهزة لأن تُكفر وتتهم كل من يُبدع بما يتعارض مع أفكارهم التي تعبر عن رؤيتهم الخاصة للإسلام.
• نحو ثقافة فلسطينية فاعلة
حتى لا يكون العرض للحالة الثقافية قولا على قول، وأملا في الوصول إلى خطة فلسطينية جامعة ترسم الشكل المطلوب من الهوية الثقافية الفلسطينية في وقت هي مهددة فيه بالخطر أكثر من ذي قبل، نرى أنه لا بدّ من التفكير جماعياً لاستنباط وسائل تسهّل التواصل بيننا وبين شعبنا حيثما كان. ثمّة إمكانات تنفتح لنا يمكن استغلالها للتغلّب على بعد الأمكنة بيننا، وصعوبة العوائق التي يخترعها الاحتلال الصهيوني للتفريق بيننا، والانترنت أحد هذه الوسائل الجبّارة".
وعطفا على ما ذكرناه من أسباب داخلية في التقصير الثقافي تجاه الثقافة والمثقف، وكيف أن المطلوب هو برنامج عملي بمراحل طويلة المدى، وخطط مرحلية أيضا يبرز دور مؤسّسات المجتمع المدني كأحد الضمانات الأساسيّة التي يمكن أن تساهم في تقوية الصفّ الفلسطيني والمساهمة في بقاء الحقوق حية لحين تغيّر الظرف السياسي العام.
باختصار مؤلم، وكلمات موجعة..الثقافة الفلسطينية تمر في منعطف خطير فالحرب الصهيونية عليه او الانقسام والحصار المبرمج والمتواصل يبعث أسئلة عن الدور المطلوب من المثقفين الفلسطينيين كي تحافظ على الهوية الثقافية الفلسطينية، التي تعتبر جزءا مهما من الهوية الثقافية العربية
إرادة المثقف والجهد المأمول
أولا: مقاومة ثقافة أوسلو، وعليه مقاومة "التطبيع" والأَسْرَلة في الثقافة والإعلام، والأسرلة يمكن تلخيصها بقبول السردية الإسرائيلية، وخطاب الاحتلال، أو تسويغ الخطاب الاستعماري.
ثانيا: التمسك بالبعد الأخلاقي للقضية الفلسطينية، ونبذ التسلّط والاستبداد السياسي. وهذا لن يكون ممكناً إلا بنبذ الهيمنة التقليدية ومفاهيمها والدعوة إلى قيم ثورية فعلية تعلي من قيمة الإنسان.
ثالثا: إعادة القضية الفلسطينية إلى تعريفها الصحيح، كحركة تحرر وطني من احتلال كولونيالي، لا بد من إعادة طرح القضية الفلسطينية كقضية سياسية، لا كقضية" إنسانية"، وهنا لا بد من تعريف الدور الغربي تعريفاً صحيحاً، باعتباره مسؤولاً جرمياً عما حلّ بالشعب الفلسطيني. ويمكن العمل على استعادة البعد العربي
رابعا: الإعداد لولادة حركة وطنية فلسطينية جديدة تستفيد من تجربة الماضي، ولاسيما الأخطاء. على أن تجمع بين الحلقات الثلاث (فلسطين المحتلة عام 1948، وفلسطين المحتلة عام 1967، وفلسطين اللجوء والشتات) وهذا يستدعي تكريس خطاب ثقافي يوحّد بين أبناء الشعب الفلسطيني في الحلقات الثلاث (48-67- اللجوء).
خامسا: رفض تزييف القضية الفلسطينية وتصفيتها. وهذا يستدعي مواجهة مشروع "الدولة الفلسطينية" التي أصبحت، للمفارقة، مطلباً إسرائيلياً، باعتبارها مشروعاً لتصفية القضية الفلسطينية، ولا تملك من مقومات الدولة ومواصفاتها شيء
سادسا: إزالة آثار "أوسلو" وصياغة مشروع نظري يندمج خلاله المثقف في المجتمع عن طريق الكلمة والفكر من أجل زيادة معارف الناس وصقل وجدانهم وجعلهم أكثر إنسانية ،يسعى باستمرار إلى تعديل القيم الثابتة وإلى العمل كجماعة ضغط معنوي من أجل المبدأ والقضية.
المصادر
• سعيد إدوارد، المثقف والسلطة، ترجمة وتقديم محمد عناني، دار رؤية للنشر القاهرة، 2006
• مجلة "الوحدة" –كريم أبو حلاوة، ص.86وحتى89
• الربيعو، تركي، في خيارات المثقف، بيروت، دار الكنوز الأدبية، 1998 ط،1 ص.49
• حرب علي، "الفكر و الحدث "، بيروت، دار الكنوز الأدبية، 1997 ط،1 ص.120
• يوسف، شوكت (ترجمة)، "المثقفون". والتقدم الاجتماعي، دمشق، وزارة الثقافة, 1984 ط،1 ص126 وحتى 129
• سعد محمد الكردي، مجلة المعرفة السورية، 414 ،1988 ص 182-183
• ناجي علوش مجلة "الوحدة" ،العدد 10 تموز، 1985،ص16-17.
• ميشيل كيلو، ص 98 وحتى .107
• حنفي، حسن – "في الثقافة السياسية"، دمشق، دار علاء الدين, 1998 ط,1 ص182 وحتى 186.
• سارتر، جان بول – "دفاع عن المثقفين"، بيروت، دار الآداب، ترجمة: جورج طرابيشي, 1973،ط1 ص23.
• عربي العاصي، صحيفة الثورة السورية- العدد 10957 تاريخ 22/8/,1999 عرض لكتاب: "المتلاعبون بالعقول"، ترجمة: عبد السلام رضوان
• ابراش، إبراهيم/ إشكالية الثقافة والمثقفين في فلسطين / وكالة معا: 29/09/2015
• سمير عطية مؤسسة القدس للثقافة والتراث. الثقافة الفلسطينية من النكبة حتى الحصار
• نجوان درويش، أن تكون مثقّفاً فلسطينياً بعد أوسلو، جدلية، سبتمبر 2013
• خضر زكريا، مجلة "الوحدة"، العدد, 58, 59, 1989 ص 266.
• برتراند رسل، السلطة والفرد، ترجمة شاهر الحمود، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 1961
• مجلة "الوحدة" -العدد ,66 ،1990 ص .85



#عاطف_سلامة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غول داعش وسيناريوهات دحره
- الشعبية بين اللا والنعم؟
- حكومة الوحدة والفتور الشعبي
- هل إنهاك الغزيّين يجعلهم يقبلون المشروع الحمساوي ؟
- مبادرة خريج عاطل لحل خلافات فتح وحماس !
- لمن يتمنون عودة الاحتلال للخلاص من حماس !!
- التعليقات على الأخبار فشة غل لا أكثر
- الإعلام الفلسطيني وخطاب الردح على الشاشات
- في الذكري العشرين لرحيل ناجي العلي ..الكاريكاتير السياسي ..أ ...
- سيناريوهات محتملة بعد انقلاب غزة
- رسالة عاجلة إلى أعضاء المجلس المركزي ل م.ت.ف
- موقف الأغلبية الصامتة من أحداث غزة
- قوات بدر .. ملف يفتح من جديد
- الاعلام وتحديات الفلتان الأمني
- النكتة السياسية..نقد مباشر وصريح
- بعد اتفاق مكة.. نحو السلم الأهلي ونبذ ثقافة الموت


المزيد.....




- مكالمة هاتفية حدثت خلال لقاء محمد بن سلمان والسيناتور غراهام ...
- السعودية توقف المالكي لتحرشه بمواطن في مكة وتشهّر باسمه كامل ...
- دراسة: كل ذكرى جديدة نكوّنها تسبب ضررا لخلايا أدمغتنا
- كلب آلي أمريكي مزود بقاذف لهب (فيديو)
- -شياطين الغبار- تثير الفزع في المدينة المنورة (فيديو)
- مصادر فرنسية تكشف عن صفقة أسلحة لتجهيز عدد من الكتائب في الج ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن آثار تورط فرنسي في معارك ماريوبو ...
- بولندا تنوي إعادة الأوكرانيين المتهربين من الخدمة العسكرية إ ...
- سوية الاستقبال في الولايات المتحدة لا تناسب أردوغان
- الغرب يثير هستيريا عسكرية ونووية


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عاطف سلامة - المثقف الفلسطيني بين الإذعان والحاجة إلى التمرد