مريم نجمه
الحوار المتمدن-العدد: 5135 - 2016 / 4 / 17 - 21:46
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
الجلاء الأول 17 نيسان 1946... " الشعب هو البطل " .
الشعب السوري اليوم بحاجة للنضال والعمل وتكثيف الجهود للجلاء الثاني أكثر من أي يوم آخر , حيث سوريا محتلة من دول عديدة وليست دولة واحدة فقط كما كنا في السابق , فهناك الروسي والإيراني وحزب الله وفيلق العباس ودواعش أميركا وإسرائيل وحلف الناتو وغيرهم .., بالإضافة للإحتلال الداخلي الأسدي لنصف قرن ومازال !!
من غرائب التاريخ والأقدار ومفارقات هذا العصر الرجوع للوراء مئة عام وأكثر وأن يترحم الشعب على الإستعمار القديم لبلاده بعد 73 عاماً على رحيله , فالحاكم الداخلي لسوريا ظلم وقتل وهجّر وهدم البلد إقتصادياً وسياسياً وإجتماعياً وووو ... أكثر من ظلم الأجنبي بآلاف المرات !
لنعد قليلاً إلى الوراء لذكرى أول جلاء لنسترجع ونتذكر المواقف الوطنية الصادقة لرجالات الإستقلال والحرية , وبين من يتآمر ويقتل ويطعن الثوار , أو يتاجرالبعض بالثورة الشعبية الديموقراطية اليتيمة ودم شهدائها اليوم , لنقارن ؟
***
.... بعد إستلام الجيش قضية جلاء القوات الأجنبية عن سورية - سورية ترفع القضية إلى مجلس الأمن .
..... الجيش السوري بدأ بممارسة مهامه , بتركيز استحكاماته على طول الساحل السوري ووقف على أهبة الإستعداد لصد أي محاولة نزول فرنسية على الشواطئ السورية .
قضية جلاء القوات الأجنبية عن سوريا
.... كان من ثمرات الإضراب والمظاهرات الشعبية قرار لجنة الشؤون الخارجية الذي وافق عليه المجلس النيابي والذي صدر في آخر يوم من سنة 1945 , القاضي برفع الشكوى إلى هيأة الأمم المتحدة والمطالبة بجلاء القوات الأجنبية عن البلاد .
ومن حسن الطالع أن يتوافق صدور ذلك القرار مع إرسال جميع الدول المشتركة في الحرب وفودها إلى لندن لحضور مؤتمر الجمعية العمومية لمنظمة الأمم المتحدة , ولم يكن في جهاز القوتلي سوى فارس الخوري من هو كفء لترؤس الوفد السوري في هذا المؤتمر .
فأصدرت الحكومة بلاغاً في 3 / 1 / 1946 بتسمية أعضاء الوفد السوري من فارس الخوري رئيساً , ونجيب الأرمنازي وناظم القدسي وفريد زين الدين مندوبين , وحسني باقي وعصام الإنكليزي وناظم مرهج وحيدر الركابي سكرتيرين , وقد حل محل فارس الخوري في رئاسة المجلس نائبه محمد العايش , وهو تاجر وملاك كبير في دير الزور .
من حسن الحظ أن يتوافق قرار المجلس النيابي مع إنعقاد الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة , لأن طريق التأجيل والتنصل من عرض الشكوى على المنظمة الدولية أصبح مسدوداً أمام الحكومة السورية , لا سيما بعد سفر الوفد السوري مع الوفد اللبناني الذي كان يضم حميد فرنجية ورياض الصلح وكميل شمعون . وكان من عوامل الإثارة والتشجيع إستقالة حكومة الجنرال ديغول في فرنسا وانتخاب مصر عضواً في مجلس الأمن الدولي , وقرب إنعقاد مجلس جامعة الدول العربية برئاسة جميل مردم سفير سوريا في القاهرة , وتأزم الوضع بين الشعب في سوريا وبين مراكز الإحتلال الفرنسي لا سيما بعد إنزال قوات فرنسية في لبنان " .
نص الخطاب الذي ألقاه فارس الخوري في الجمعية العمومية مكتفياً بعرض الشكوى :
" هناك قضية خطيرة قد ظهرت بصورة غير منتظرة من جراء الإتفاق الذي تم بين بريطانيا العظمى وفرنسا في اليوم الثالث عشر من كانون الأول 1945 , وفي اليوم الذي تعقد لجنة الأمم المتحدة المؤقتة جلساتها التحضيرية توطئة لإنعقاد الجمعية العمومية الأولى لمنظمة الأمم المتحدة حدث فعلياً أن هاتين االمتمثلتين في المنظمة المذكورة قد عقدتا إتفاقاً بينهما يتعلق بسوريا ولبنان الدولتين الممثلين أيضاً في المنظمة نفسها دون أن يطلب إليهما الإشتراك في الأبحاث , ويبدو أن بريطانيا العظمى وفرنسا ترغبان بأن تتخذا لنفسهما صفة الحراسة على سوريا ولبنان ....
أما نحن فيصعب علينا أن ندرك معنى هذا الإتفاق ولا نرى وجهاً للتوفيق بينه وبين مبادئ الأمن التي ينص عليها الميثاق . . وبدلاً من ان يضمن وجود هذه القوات الأجنبية إستتباب الأمن في البلاد السورية أو اللبنانية فإن التجارب الماضية قد دلت بأن وجود قوات من هذا الطراز يؤدي للفوضى واضطراب حبل الأمن فيها ... وليس هناك خطر خارجي يهدد جمهويتينا لأنهما مرتبطتان ارتباطاً وثيقاً بالدول المحبة للسلام الممثلة بهيئة الأمم المتحدة . وإذا هدد الخطر كيانهما بالرغم من ذلك يصبح لزاماً على الحكومة السورية أن تعالج الحالة الطارئة وأن ترفع شكواها إلى هيئة الأمم المتحدة " .
أصداء الجلاء عن سوريا ولبنان في البلاد العربية :
كان لانتصار سورية ولبنان في معركة الجلاء أثر بعيد في البلاد العربية فقامت في تونس مظاهرات صاخبة , مطالبة بالجلاء فقمعها الإستعمار الفرنسي بوحشية وقسوة وقامت في بغداد مظاهرات الإبتهاج والتأييد للجلاء عن سوريا ولبنان , واشتعلت في مصرالإضرابات والمظاهرات الإبتهاج الشعبية العارمة بقيادة الطلاب والعمال وتصاعدت إلى حدود الثورة اللاهبة وأدى قمعها إلى وقوع ضحايا عديدة وخسائر كبيرة مما هز المشاعر القومية في سوريا هزاً عنيفاً كان من أصدائه أن تقدم قاسم الهنيدي إلى البرلمان السوري بالإقتراح التالي :
" عندما كان المجلس النيابي في عطلته وقعت حوادث دامية في القطر المصري الشقيق , فقد هبّ الشعب المصري ينادي بجلاء الجيوش الأجنبية عن أراضيه ويطالب باستقلاله ووحدة أراضيه , وقد قابل المستعمر هذه التظاهرات القوية بالرصاص فخرّ عدد غير قليل من إخواننا المصريين صرعى مهم ينادون باستقلال وطنهم . فعلى أرواح هؤلاء الإخوان الشهداء اقترح وقف الجلسة دقيقة واحدة حداداً وإجلالا" ... . وبعد أن وقف النواب دقيقة حداد وإجلال وافق المجلس على اقتراح بإبلاغ مجلس النواب والشيوخ في مصر بمايلي :
" إن المجلس النيابي السوري يؤيد مصر الشقيقة بوحدة وادي النيل وجلاء الجيوش الإنكليزية جلاء تاماً وبمطاليبها القومية الإستقلالية " - 2 - أيار 1946 -
بعد رفض سوريا مشروع سورية الكبرى , طرح نوري السعيد مشروع الهلال الخصيب الذي يقتصر على الإتحاد بين سورية والعراق . فكانت هذه المحاولة الثانية من قبل بريطانية لإدخال سوريا في منطقة نفوذها . أما المحاولة الثالثة فكانت الضغط على سورية لإدخالها في حلف بغداد , وقد أدت هذه المحاولات إلى حبك المؤامرات والإنقلابات العسكرية في سورية .
بطل الجلاء
في هذا الجو الثائر الذي عمّ العالم العربي , أقام شكري القوتلي في 17 نيسان 1946 , مظاهرة إحتفالية ضخمة بمناسبة الجلاء حضرها وفود من جميع الدول العربية , وخرجت صحف 17 نيسان في دمشق مزينة بصور شكري القوتلي والملك أحمد والملك فيصل الثاني وعبد الرحمن عزام وناظم القدسي ونجيب الأرمنازي ومظهر باشا رسلان وخالد العظم ونعيم الإنطاكي وجميل مردم ولطفي الحفار وصبري العسلي وفتحالله أسيون ومظهر البكري وأحمد الشراباتي والأمير فيصل بن عبد العزيز الذي كان واضحاً حين عقد مؤتمراً صحفياً في دمشق قال فيه :
" يوم العروبة لا يوم الجلاء في دمشق " .
وأفاضت الصحف بوصف ضخامة الإحتفالات والعرض العسكري .
لقد كان الشعب في أول إحتفال للجلاء غائباً عن مسرح البطولة , وهو الحاضر دائماً عند تحمل التضحيات والألام والمسؤولية , وأن التاريخ لن يقلب صفحة كوارثنا وهزائمنا , ذلنا وانكسارنا الذي يهدد وجودنا , إلا عندما تتبدل هذه الصورة المزورة فيصبح الشعب هو البطل , وهو المنتصر , وهو الحقيقة ..
عندما تسمى الأمور بإسمائها , فتبرز القيادات التي تتحمل مسؤولياتها بإخلاص فتتعارف الوجوه , وتسقط الأقنعة , وتنكشف المعميات وتظهر المخفيات .
أول جلسات المجلس النيابي بعد الجلاء
فارس الخوري يشيد بدور المجلس النيابي في تحقيق الجلاء
..... عاد فارس الخوري من لندن فاستهل إفتتاح الجلسة الأولى بقوله :
" تأجل إجتماع مجلس النواب مدة شهر واحد إعتباراً من 19 آذار وهذه الجلسة الأولى التي يعقدها .مجلس النواب بعد الجلاء واستكمال عناصر إستقلال االبلاد .
فإنني بهذه المناسبة لا بد لي في افتتاح هذه الدورة أن أهنئهم بما انتهت إليه مساعيهم الناجحة وجهودهم المثمرة ببلوغ الهدف السامي الذي ما زالت الأمة تكافح وتجاهد وتبذل أعز ما لديها في سبيله منذ أكثر من ثلث قرن .... وأرى من واجبي أن أسجل ما كان لهذا المجلس من الأيادي البيضاء والمواقف المشرفة في الجهاد المبرر منذ انعقاده في صيف 1943 , فهو ما زال في كل جلسة من جلساته مثابراً على إثارة النقمة على التسلط الأجنبي والمطالبة الملحّة والتقاضي الملزم لحق البلاد بممارسة إستقلالها كاملاً غير منقوص ... كانت مواقفه وقراراته توجيها واضحاً وحافزاً قوياً ومسنداً متيناً للوزارات التي انبثقت عنه .. فتعاقبت على مناصب الحكم لمواصلة الطلب والصمود ضمن الحدود التي اقرها المجلس لإحراز الإستقلال كامل ناجز غير مشوب بميزة او موقع خاص لأية دولة كانت وغير مقيدة بعهد يحد من استقلال البلاد . فاستحق رجالها أيضاً تقدير الأمة وشكرها . وهذه ضبوط مجلس النواب حافلة كلها بصفحات نيرة وخطب فياضة بالحماسة الوطنية والعزة القومية . وقد كانت هذه الأهداف الشغل الشاغل للمجلس والحكومة والشعب بأسره من ورائه تشد أزره وتدعم أمره بجميع ما لديها من وسائل التقاضي الناجع وبذلك أستطيع بملء الحق أن أصرّح من هذاالمقام بأن مجلس النواب في هذا الدور الإشتراعي قد قام بالمهمة التي أنيطت به من هذه الناحية خير قيام وأدى الأمانة حقها بالعزيمة الصادقة والإخلاص الناصع وسجل بذلك صفحة مشرفة بتاريخ سوريا الحديث يعرفها له الجيل الحاضر والجيل الآتي .......
ثم استطرد معدداً جهوده وجهود المجلس سواء بالنسبة لوضع ميثاق جامعة الدول العربية أو إعلان الحرب على المحور , واشتراك سوريا في هيأة الأمم المتحدة ...
ويستمر أكرم الحوراني في توثيق هذه المرحلة الدقيقة التاريخية من سوريا بقوله : وأنبأ المجلس أن رئيس الوزراء - أي فارس الخوري - قدم استقالته لرئيس الجمهورية فكلفه بالدوام على العمل الإداري ريثما تتألف الوزارة الجديدة .
ويختم الحوراني هذا الفصل بقوله :
كان الشعب معلمنا الذي بثّ بنا حرارة الإيمان واليقين , وهو الذي ألهمنا وأرشدنا ووجه خطانا ...
وقد تمنيت لو أننا نقيم عيداً آخر للجلاء يذهب فيه نواب المجلس إلى الأماكن التي جرت فيها المعارك الدامية بين الفرنسيين والشعب , فتمجد ذكرى الشهداء , في كل مدينة وناحية وقرية , لأنهم هم صانعوا الجلاء .
أما أعداء الجلاء , فنفتح لهم سجلاً آخر , يعدد أسماء العملاء والمتواطئين مع الإستعمار , كما تجري محاكمتهم , لينالوا جزاء ما أقدموا عليه .
بمثل هذا ننصف الأفراد والشعب والتاريخ , ونفتح صفحة جديدة مشرقة في تاريخ هذا البلد . ) * -
لأرواحكم السلام والرحمة والخلود يا رجالات سوريا الشرفاء معلمي الوطنية وحب الشعب والإخلاص والوفاء له
المجد والخلود لشهداء الثورات التحررية و ( الجلاء الأول )
الشعب هو المنتصر
هذا هو شعبنا , شعب التضحيات والآلام المسؤولية والوحدة الوطنية
شعب الحرية والكرامة , والديمقراطية والتعددية
والتضامن العربي الصادق الحقيقي
وكل عيد جلاء والوطن بخير محرر من سلطة الإسبتداد وكل أشكال الإحتلال .
---------------------------------------------------------------------------------------
استعنت بالمقال بمذكرات أكرم الحوراني - الجزء الأول حتى *ص 503
مريم نجمه
#مريم_نجمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
