أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد السلام أديب - حوار مع أحمد أحمد حرب3 و4















المزيد.....



حوار مع أحمد أحمد حرب3 و4


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 5134 - 2016 / 4 / 16 - 08:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في البداية أقدم اعتذاري للرفيق أحمد أحمد حرب على تأخري في التفاعل مع حواراته 3 و4، نظرا لانتكاسة صحية ابعدتني عن القراءة والكتابة، لكن تأكد أنني حتى وان تأخر تفاعلي معك فليس من طبعي اهمال وعد الحوار الذي قطعته معك. علما أن هذا الحوار هو ذو طابع علمي صرف، أستفيد منه وأفيد من خلاله، مهما تصاعدت حدة الانتقادات في بعض الأحيان، ولن تنتظر مني تخوينك أو تحريفك لمجرد خلافي معك في الرأي. بل سيتواصل احترامي لشخصك الكريم، حتى وان احتد انتقادي لمضمون رؤيتك في بعض الأحيان.

اعتبرت ورقتك الرابعة أكثر تقدما من ورقتك الثالثة، رغم كونها اعتمدت أسلوب السرد التاريخي الطويل الذي يستعرض إيجابيات الإنجازات السوفياتية تحت قيادة الرفيق ستالين، لكي تؤكد في خلاصتك ان الماركسية اللينينية هي نظريات كل من ماركس وانجلز ولينين وستالين، وهي الخلاصة التي سبق أن أضفت اليها في ورقتي الأولى نظريات روزا لوكسمبورغ وماوتسيتونغ. إن كل ما تقدمت به في ورقتك الرابعة مقبول من طرفي لكن كل ذلك لا يغير من طبيعة خلاصاتي في ورقتي الأولى التي تطرقت فيها الى تقييم تجربة الاتحاد السوفياتي.

لكن ورقتك الثالثة مع الأسف مليئة بالمغالطات نظرا لاعتمادك على الرؤية المثالية الميتافيزيقية للأشياء رغم تغنيك بالمادية الديالكتيكية التي لم تعتمد عليها أبدا في تحليلك وتقييماتك المتسرعة وأحكامك البعيدة عن الواقع. ولقد سبق لي ان اشرت في ورقتي الأولى بان الفرق بيننا هو في الشكل بمعنى في المنهج وليس في المضمون أي الجوهر. وأعتقد انك لم تفهم قصدي، فأنت عندما تستند الى المنهج المثالي الميتافيزيقي فانك تحرف كافة المضامين والحقائق التي تريد تقديمها، أما اذا استوعبت المنهج المادي الديالكتيكي واستعملته في تحليلاتك للاشياء فستتغير مجمل تصوراتك ونظرتك للواقع. فخلافنا إذن على مستوى الشكل فقط أما المضمون العلمي فيتغير بحسب الشكل والمنهج الذي تعتمده.

سأحاول في ما يلي أن أبدي وجهة نظري حسب عدد من نقاط خلافي معك على مستوى المنهج حول خطأ الانتقادات التي وجهتها في ورقتك الثالثة الى محاور ورقتي الأولى ونظرا لوجودي على فراش المرض فسأؤجل قضايا أخرى إلى حين تخطي الفترة المرضية:

1 – استنتاجات مغلوطة مستخلصة من "تكهنات" مجردة حول ورقتي الأولى:

نعم أيها الرفيق فأنت تعتمد على استنتاجات مجردة من دماغك لا علاقة لها بما جاء في ورقتي فتقول: " تحاول أن تصيب هدفا واحدا هو أن النظرية الماركسية اللينينية هي أساسا من إنتاج ماركس انجلز لينين وما ستالين إلا مساهما من موقعه في تطبيق النظرية الماركسية اللينينية على ظروف الاتحاد السوفييتي، ولا أعلم إن أدركت أنك حذفت انجلز لتجد طريقا واسعا لحذف ستالين تحت مبرر الفهم السليم لعلاقة "المضمون بالشكل" والكف عن "الغلو في تشخيص الماركسية" من أجل " وحدة ماركسيين لينينيين مغاربة "

فأنت في هذه الفقرة "تتكهن" بأنني "أحاول" أن أصيب هدفا واحدا ...، ثم في نفس الفقرة "تتكهن" مرة أخرى فتقول "ولا أعلم إن أدركت أنك حذفت انجلز لتجد طريق واسعا لحذف ستالين ...

انها مجرد اعتقادات وتكهنات مجردة ميتافيزيقية وهذا ليس تحليلا ماديا ديالكتيكيا، فأنت "صاحب هذه التخمينات" ولا علاقة لورقتي بها، فمقالي واضح عند قراءته ولم "أحدف" لا انجلز ولا ستالين، بل اضع كل رفيق في مكانته العلمية والتاريخية المطابقة له، ولم أبخس أحدا منهم قيمته، بل من فعل ذلك هو "نمط تفكيرك المثالي" و"تخميناتك" المجردة عن الواقع، حتى وان كنت تغرد بالمادية التاريخية. لقد ورد في ورقتي الأولى بشكل واضح ما يلي: " وعلينا أن نضيف أيضا أعمال كل من روزا لوكسمبورغ وماوتسيتونغ لإضافاتها الغنية الحاسمة للنظرية مما يجعلها تشكل مكملات عضوية طبيعية للنظرية الماركسية اللينينية بل امتدادا وتطويرا طبيعيا لها" فهذا الوضوح أكثر من "صارخ" فلا مجال معه للتكهن والتخمين الميتافيزيقي الا إذا كنت تريد اتهامي بالباطل. ان هذا "التخمين" الميتافيزيقي ستكرره في ورقتك الرابعة حينما تقول: " أود تذكير محاوري أن نقطة الخلاف الأساسية هنا هي ما إذا كانت الماركسية اللينينية هي نظرية ماركس انجلز لينين ستالين أم هي نظرية ماركس انجلز لينين فقط". فالنظرية الماركسية اللينينية تقف لديك عند نظرية ماركس وانجلز ولينين وستالين، بينما في ورقتي الأولى كما أشرت أعلاه فتمتد بالاضافة الى هؤلاء الثوار الاربعة الى نظريات روزا لوكسمبورغ وماوتسيتونغ.

2 –منهج تحليلي ميتافيزيقي يقود الى خلاصات مغلوطة:

انتقادك الثاني وارد في الفقرة التي تبدأها وتنهيها كما يلي: "جاء في مقدمة مقالك "إلا أنني أستسمح الرفيق أن أعبر عن وجهة نظري بطريقة (...)، فالاختلاف من حيث الشكل يجب بالضرورة أن يكون قد عثر على جدوره في مضمون وجهات النظر ...(إلى)... حين اعتبرت كل من ينتقد ستالين هو عدو للشيوعية (... الخ).

تركز انتقاداتك في هذه الفقرة على فكرتان، هما، أولا انتقادك لإشارتي الى أن الاختلاف بيننا هو من حيث الشكل وليس من حيث المضمون، ثم ثانيا انتقادك لمقولتي بأن من ينتقد ستالين هو عدو للشيوعية. أكرر هنا بأنك لم تفهم المقولتان معا وحورتهما في غير مضمونهما الذي أرمي اليه، وهذا الفهم غير الصحيح لديك شيء طبيعي نظرا لاعتمادك على المنهج المثالي الميتافيزيقي في التفكير وتقييم الأشياء رغم الزعيق المتواصل حول المادية الديالكتيكية التي لا تعمل على تبنيها وتطبيقها في تحليلاتك، فأنت لا تنطلق من الواقع الملموس أي "ما هو مكتوب وواضح امامك" قبل أن تحكم عليه انطلاقا من أدوات فهمك للأشياء.

فأولا أسأت فهم ما قصدته، فعندما تحدثت عن ان الخلاف بيننا هو على مستوى الشكل وليس المضمون، فالمقصود كما أشرت سابقا يتعلق "بالمنهج" الذي تستعمله في فهمك للأشياء وكيفية توصلك الى "خلاصات" انطلاقا من المعطيات الواضحة التي قدمتها أمامك في ورقتي الأولى، فقد انتقلت بسرعة الى الحكم عليها أحكام قيمية قاسية (حيث بدأت تلمح إلى اتهامي بالتحريفية حينما تقول " ومع ذلك فأنا لن أنطلق من هذه المقدمات ولن أعتبرها مسلمات وأتهمك بالتحريفي أو التصفوي") فكما أشرت في ملاحظتي السابقة فأنت تنطلق من "تخمين" تجريدي لا علاقة له بما ورد في ورقتي الأولى بحيث "توهمت" بانني "استهدف استبعاد انجلز وستالين"، ثم بناء على هذا "التخمين" الوهمي كأنك توحي للقراء بأنني تحريفي (فأنت تنصب لي شكلا من أشكال محاكم التفتيش القرسطوية) وأساس هذه الاحكام المغلوطة هي اعتمادك على المنهجية الميتافيزيقية في النقد. فإذن الاختلاف الأساسي بيننا ليس في المضمون، بل فقط في المنهج أي بعبارة مبسطة في الشكل. وبالفعل كما سبق لي ان قلت في الورقة الأولى بأن شكل ومضمون الشيء مترابطان في علاقة ديالكتيكية كوحدة وصراع الضدين وإمكانية ان يصبح المضمون شكلا والشكل مضمونا، من هنا تبرز خطورة الانزلاقات الشكلية والانحرافات المنهجية. فأنت عندما تخطأ في اختيارك للمنهجية المعتمدة فإنك لن تتوصل أبدا الى فهم المضمون بل تصبح خلاصاتك بدون معنى خارج المضمون الذي نتحدث عنه.

أما بالنسبة لانتقادك الثاني الذي خصصته لإشارتي إلى انني اعتبر كل من ينتقد ستالين عدوا للشيوعية، فإني أعيد تأكيد ذلك، مؤكدا أن جميع أعداء الثورة البلشفية ودولة دكتاتورية البروليتارية حاولوا تشويه الرأي العام العالمي البروليتاري عن طريق شخصنة الصراع مع الاتحاد السوفياتي وتركيز الانتقادات على ستالين. اقرأ هجومات التروتسكيين والنازيين وخروتشوف والامبرياليات فكلها تحاملت على شخص ستالين من أجل تشويه الشيوعية لأنها غير قادرة على تفنيد الاطروحات الماركسية اللينينية الاشتراكية فنقلت الصراع الى شخص ستالين. ان التحريفية الجديدة ومناهضي الشيوعية كلهم يحاولون تشويه الشيوعية ورفضها من خلال تشويه سيرة الرفيق ستالين. من هنا فأنا أعتبر كل من ينتقد ستالين كشخص فهو عدو للشيوعية. فيمكن لأي كان ان يستقرأ التاريخ البلشفي بسلبياته وايجابياته وينتقد ما يشاء في السياسات المعتمدة على انها من انتاج ثورة الطبقة البروليتارية وديكتاتوريتها، ومن ثم أن يستخلص منها الدروس التي يشاء، لكن انتقاد هذه التجربة على أساس تشويه سيرة الرفيق ستالين كما لو أنه هو وحده من صنعها، ففيه تجن على التجربة البلشفية وتشخيصا لدولة ديكتاتورية البروليتارية أولا ولأن هذا التشخيص المبتدل عملت على تكريسه لدى الرأي العام العالمي الدوائر الأيديولوجية النازية أولا والبرجوازية الصغرى المتواطئة بزعامة تروتسكي وخروتشوف ثم ورثته عنهم الدوائر الأيديولوجية والدعائية الامبريالية، فعن طريق تشخيص الصراع في شخص ستالين فإنك تنفي مفهوم دولة ديكتاتورية البروليتاريا وأسسها الأيديولوجية الماركسية اللينينية ودور البلاشفة برمتهم ودور هذه الدولة كمرحلة انتقالية نحو المرحلة الشيوعية الأعلى. فستالين، كقائد لهذه التجربة وكسكرتير عام للحزب البلشفي، منبثق عن الطبقة البروليتارية الروسية يمثل مصالحها وينضبط لقرارات مجالس السوفياتات ولكافة أجهزة الحزب والتي كانت تواجه منذ ثورة أكتوبر 1917 ثورة مضادة عنيفة وحروبا أهلية وتخريبات برجوازية ومنشفية وتروتسكية ثم حربا عالمية ثانية، فانتقاد ستالين هو انتقاد مبطن للشيوعية وتشويها لها. فمن يريد ان ينتقد ستالين معزولا عن الشروط المادية التي كان يوجد فيها والتي بوأته قائدا للاتحاد السوفياتي لمدى 29 سنة، رغم محاولاته المتكررة للتنحي عن السلطة، فإنما يستهدف تشويه الفكر البروليتاري والرأي العام العالمي. وبالتالي فإن هذا الأسلوب في التعامل مع شخصية الرفيق ستالين وانكار وحدته الديالكتيكية مع دولة دكتاتورية البروليتارية هو أسلوب ميتافيزيقي في التفكير، يعزل الأشياء عن سياقها ليكيل اليها بعد ذلك الضربات القاتلة. ثم ان من يريد ان ينتقد ستالين عليه ان يكون قد حقق ولو 0,1 في المائة مما أنجزه ستالين. فمن أنا ومن أنت لننتقد شخص هذا المناضل الماركسي اللينيني العملاق. لكن من جانب آخر رغم رفضي انتقاد شخص ستالين، نظرا للأسباب التي ذكرتها، فلا يعني أنه علينا أن نقدس شخص ستالين، أو أن نجعل منه صنما نفرض على المناضلين المغاربة عبادته وأن من لا يفعل ذلك نتهمه بالتحريفية، فأنا لا أقبل لا هذا ولا ذاك، فمن جهة أرفض انتقاد شخص ستالين نظرا لأن ذلك يستهدف الشخصنة المثالية للفكر والعمل الشيوعي، ومن جهة أخرى أرفض تقديس الرفيق ستالين لدرجة الصنمية حيث يربط ذلك المناضلين بشخص ستالين أكثر مما يربطهم بالجوهر الموضوعي للماركسية اللينينية. لذلك اقترحت الارتباط بالجوهر الموضوعي للماركسية اللينينية وعرفت ذلك اجمالا بكونه كافة انتاجات الثوريين العظام انطلاقا من ماركس وانجلز ولينين ووصولا الى روزا لوكسمبورغ وستالين وماو تسيتونغ. فمن شأن التعامل مع هذا الإرث الماركسي اللينيني بشكل موضوعي أن تحدث قفزة نوعية من إضفاء الطابع الشخصي المثالي على الماركسية اللينينية نحو إضفاء الطابع العلمي المادي الديالكتيكي على النظرية الماركسية اللينينية. وبالمناسبة فإني ارفض تشبيهك لنظريتي حول "الجوهر الموضوعي للماركسية اللينينية" القائم على المادية الديالكتيكية والاقتصاد السياسي والصراع الطبقي والثورة العمالية وديكتاتورية البروليتارية والاشتراكية العلمية كمرحلة انتقالية نحو مرحلة الشيوعية العليا، مع "مقولة الجوهر الحي" لعبد الله الحريف الذي اقتبسه من التحريفي روجي غارودي والذي يعني بان هناك أشياء حية في الماركسية وأخرى ميتة، فالفكرتين هما على طرفي نقيض، لكن تفكيرك الميتافيزيقي لا يتريث لحظة في الحكم السطحي على الاشياء دون تمحيصها.

وفي مجال الانتقادات دائما، فلا علاقة لنا اليوم بالنقاشات التي دارت بين ماو تسيتونغ وستالين أو بين أنور خوجة وماوتسيتونغ، ولسنا معنيين مباشرة بهذه الانتقادات التي حدثت بين تلك الأطراف في ظروفهم المادية التاريخية، والمقصود هو رفض ترديد تلك الانتقادات الببغاوية اليوم ضد ستالين أو ضد ماو تسيتونغ لتصفية الحسابات بين الفصائل السياسية التي تدافع عن هذا او ذاك من الزعامات الشخصية الصنمية. لكن ذلك لا يمنع من القراءة المتأنية لكافة الظروف والشروط التي حدثت فيها تجربة الموجة الثورية البلشفية الأولى بكاملها والتي اعطتنا زحما اشتراكيا نوعيا عالميا. فعلينا اذن دراسة كافة الصراعات والانتقادات وظروف نزولها، فالحركة العمالية العالمية والمحلية لا يجب ان تهمل قراءة اية تجربة ثورية قراءة علمية مادية ديالكتيكية للاستفادة منها في حربها الطبقية ضد العدو البرجوازي.

3 –المنهج الخاطئ يؤدي إلى خلاصات خاطئة:

إن سوء فهمك الميتافيزيقي لورقتي الأولى سيتعمق أكثر في فقرتك التي تبتدأها كما يلي: "كما قلت سابقا فإن فقرات العنوانين الأول والثاني ... (الى) ... فظهر لي أنك لويت عنق هذا العلم وأخرجت مقولاته من سياقها لكي تتوافق مع فكرة الوحدة المتينة للماركسيين اللينينيين".
أعذرني رفيقي أحمد أحمد حرب، فبالإضافة الى أنك لم تفهم ورقتي بالكامل نظرا لهيمنة المنهج الميتافيزيقي على اسلوبك في قراءة الأشياء وتحليلها، فإنك تبتعد تماما هنا عن التحليل المادي الديالكتيكي وتخرج بخلاصات وهمية مجردة عن الواقع. فوفقا للنظرية الماركسية اللينينية تعتبر الجماعة وليس الفرد هدفا في ذاتها وهي السيد الذي له كل السلطات والنفوذ، في منح الحقوق والحريات، وتنظيم ممارستها والسيطرة، والتحكم في كل شيء، أما الفرد فهو في نظر هذه النظرية، خادم الجماعة. يقول انجلز في هذا الصدد: "الطبيعة قضت ملايين السنين من أجل اعطاء ولادة كائنات حية واعية، والآن هذه الكائنات الحية الواعية في حاجة لآلاف السنين من أجل التصرف الجماعي بشكل واع؛ واعية ليس فقط بتصرفاتها كأفراد، وانما أيضا في تصرفاتها كجماهير؛ وعن طريق التصرف الجماعي وعن طريق المتابعة المشتركة لهدف المشترك المرغوب فيه مقدما، ذلك هو ما بلغناه تقريبا" (ماركس وانجلز، الأعمال، المجلد 39، ص: 63)، فالافراط في الشخصنة والفردانية هو ضرب للنظرية في الصميم.

كما يتطرق البيان الشيوعي للطريق الصعب الذي على البروليتاريا ان تقطعه من الفردية والذاتية نحو التوحد الجماعي من أجل التنظيم الطبقي ومواجهة العدو المشترك، فالشيوعية هي مذهب جماعي انطلاقا من أن المادية التاريخية تثبت بأن الفرد هو صنيعة كينونته الاجتماعية والاقتصادية، وهذا ما جعل ماركس يؤكد على أن الواقع هو الذي يصنع وعي الفرد وليس وعي الفرد هو الذي يصنع الواقع، ويمكن للرفيق أحمد أحمد حرب أن يراجع كتاب الأيديولوجية الالمانية من الصفحة 70 الى 77 حيث يؤكد ماركس على ان كل فرد هو صنيعة الطبقة التي ينتمي اليها بل أن ظروف الطبقة الاقتصادية والاجتماعية تحكم سلوك الافراد وافعالهم وانهم لا يستطيعون الفكاك من قيودهم الطبقية الا بالانتقال الى طبقة أخرى أو بالانتحار الطبقي أي الانتقال من طبقة عليا نحو طبقة سفلى.

وقد أكد انجلز على رفض شخصنة ماركس نفسه، ففي مقال يقدم فيه عمل كارل ماركس الاقتصادي: رأس المال، لعتبر انجلز أن هذا العمل "تم وضعه من طرف الحزب البروليتاري الألماني" أنظر في هذا الصدد (Das Volk, 6-8-1859).

إن سيرورة النشأة المادية لكافة هؤلاء الثوار العظام وانغراسهم وسط البروليتاريا وبالتالي مساهمتهم من داخل هذا الوسط في استيعاب وتطبيق النظرية الماركسية وتطويرها نظريا وتطبيقيا. فمنتجات هؤلاء الثوار هي منجزات الحركة العمالية العالمية ويجب تبني تلك الأعمال بشكل موضوعي وليس بشكل شخصي والا تحولنا الى ميتافيزيقيين مثاليين رومانسيين يصنعون ابطالا خارقين واصناما للعبادة.

ولا بأس هنا من تذكير الرفيق أحمد أحمد حرب حول ما قاله الرفيق انجلز في وصف التناقض بين المنهج الميتافيزيقي والمنهج الديالكتيكي في كتابه ضد دوهرينغ الصفحة (27 و28) ما يلي:

" فبالنسبة للميتافيزيقي توجد الأشياء وانعكاساتها الذهنية، أي المفاهيم منفصلة ثابتة متجمدة لا تتغير، تخضع للبحث الواحد تلو الآخر دون ارتباط ببعضها البعض، وهو يفكر بتناقضات مطلقة مستمرة لا وسط بينها. وأن جوابه هو "نعم – نعم، لا – لا، وما عدا ذلك فهو اثم". وبالنسبة له فالشيء إما موجود أو غير موجود، وكذلك لا يمكن أن يكون الشيء هو ذاته وغيره في نفس الوقت. الإيجابي والسلبي ينفيان بعضهما البعض بشكل مطلق؛ والسبب والنتيجة هما في علاقتهما ببعضهما في تناقض جامد أيضا.

قد يبدو لنا هذا الأسلوب في التفكير من النظرة الأولى مقبولا تماما لأنه يلازم ما يسمى بالتفكير الإنساني السليم. ولكن التفكير الإنساني السليم، وهو رفيق محترم جدا، بين الجدران الأربعة من حياته المنزلية يمر بأعجب المغامرات إذا أقدم على الخروج الى عالم البحث الرحيب.
وإن الأسلوب الميتافيزيقي للفهم وإن كان له ما يبرره بل ويحتمه في عدد من المجالات التي تختلف سعتها باختلاف طبيعة موضوع البحث، يصل إن عاجلا أو آجلا إلى ذلك الحد الذي يصبح عنده وحيد الجانب محدودا مجردا ويتوه في تناقضات لا تحل، لأنه في تأمله للأشياء المنفصلة لا يرى وراءها صلاتها المتبادلة، ولا يرى وراء وجودها ظهورها واختفاءها، وينسى حركتها بسبب سكونها، ولا يرى الغابه من وراء الأشجار.

وإن في الحياة العادية مثلا نعرف ونستطيع أن نقول بثقة إن كان هذا الحيوان أو ذاك حيا أم لا، ولكن عند البحث الأدق نقتنع بأن هذا يكون أحيانا مسألة معقدة إلى أقصى درجة، كما هو معروف جيدا للحقوقيين الذين قدحوا أذهانهم دون جدوى ليكتشفوا الحد المعقول الذي يعتبر عنده قتل الطفل في أحشاء أمه جريمة. فمن المستحيل أيضا تحديد لحظة الموت بالضبط لأن علم الفسيولوجيا يثبت أن الموت ليس ظاهرة فجائية خاطفة وإنما هو عملية طويلة جدا.

وبنفس الطريقة فإن كل كائن عضوي يكون في كل لحظة معينة هو نفسه وغيره، وهو في كل لحظة يستوعب المواد التي تأتيه من الخارج ويخرج منه مواد أخرى؛ وفي كل لحظة تموت بعض خلايا جسمه وتتكون خلايا جديدة، وعلى مدى وقت معين طال أو قصر تتجدد تماما مادة هذا الكائن وتحل محلها ذرات جديدة من المادة، ولهذا فإن كل كائن عضوي هو نفسه وليس هو نفسه.

وعند البحث الأدق نجد أيضا أن قطبي تناقض ما – مثلا الإيجابي والسلبي – هما مترابطان بوثوق بقدر ما هما متضادان وانهما يتداخلان على الرغم من كل التضاد بينهما. ونرى كذلك أن السبب والنتيجة هما تصوران لا يأخذان هذا المعنى الا عند تطبيقهما على حالة معينة مستقلة، ولكن حالما تبحث هذه الحالة المستقلة في علاقتها العامة مع العالم ككل حتى يتداخل هذان التصوران ويتشابكا في بعضهما البعض ويتحولا إلى تصورات ذات تعامل عام، تتبادل فيه الأسباب والنتائج الأماكن باستمرار؛ فما يعتبر هنا أو الآن سببا يصبح هناك أو حينئذ نتيجة والعكس بالعكس".

أما بالنسبة لاشكالية الأصل والفرع الديالكتيكية والتي انتقدتها رفيقي وحاولت ان تجعل من كل ثوري ايقونة مستقلة عن الباقين، فهذا الانتقاد هو الأخر يدخل في عرف الفهم الميتافيزيقي للاشياء. فلن ينكر أحد بأن الماركسية اعتمدت خلال حياة ماركس والدليل هو أنه عندما رأى غلو بعض الأحزاب الفرنسية في شخصنتها أن قال قولته المشهورة وهي انه ليس ماركسيا. فأصل الماركسية إذن هي أعمال كارل ماركس الفلسفية والسياسية والاقتصادية والتي انتجها خلال مدة تزيد عن أربعين سنة، فحتى انجلز يعترف بهذه الحقيقة حين نقرأ له في كتابه ضد دوهرينغ حول فضل ماركس في انجاز هذا الكتاب ما يلي:

" وألاحظ بشكل عابر أنه لما كان ماركس هو الذي أثبت وطور الجزء الأعظم من مفهوم العالم المعروض في الكتاب الحالي ونصيبي منه لا يتعدى جزءا ضئيلا فقد كان بديهيا بالنسبة لنا أنه لا يمكن ظهور هذا المؤلف دون علمه. فقد قرأت له كل المخطوطة قبل أن اسلمها للمطبعة، أما الفصل العاشر من القسم الخاص بالاقتصاد السياسي (من "التاريخ الانتقادي") فقد كتبه ماركس، ولكني اضررت للأسف إلى اختصاره بعض الشيء لمجرد أسباب خارجية. وقد اعتدنا من زمان أن نساعد بعضنا البعض في المجالات المتخصصة." (فردريك انجلز، ضد دوهرينغ، الصفحة 13 و14.) فحتى أعظم كتب انجلز الفلسفية وهو ضد دوهرينغ، يؤكد انجلز انه كتب بالاعتماد على رفيقه كارل ماركس.

أما بالنسبة لمصطلح الماركسية اللينينية فان الرفيق ستالين هو أول من اطلق هذه التسمية من خلال كتابه أسس اللينينية، كما أن جميع الماركسيين يعترفون بدور لينين في الفهم العميق للماركسية وبإسهاماته الاستراتيجية في الفلسفة والاقتصاد والسياسة وخاصة تنظيره لرأسمالية عصر الامبريالية. فالاقتصار في التسمية على شخصي ماركس ولينين له ما يبرره، ورغم ذلك فان دور الرفيقين انجلز وستالين في تطوير الماركسية وتفسيرها وتطبيقها أمر لا يمكن انكاره كما تعتبر أعمال كل من روزا لكسومبورغ وماو تسيتونغ مصادر أصيلة مكملة للنظرية الماركسية اللينينية ورافد من روافدها في المجالات التي تنسجم معها. لكن المحلل الميتافيزيقي ينظر دائما الى الأشياء مستقلة منفصلة عن بعضها البعض عديمة الارتباط فيما بينها، وبالتالي غالبا ما تأتي أحكامه مقلوبة. فالرفيق أحمد أحمد حرب ينظر الى ماركس وانجلز ولينين وستالين كما لو كانوا منفصلين عن بعضهم البعض ومن تم يجب النظر اليهم على قدم المساواة فلا نفضل ماركس على ستالين. وبمجرد أن نتحدث عن الماركسية اللينينية دون أن نذكر انجلز أو ستالين بالاسم فستصبح لدينا نوايا خطيرة تستهدف اقصائهما. لهذا نلاحظ أن الرفيق أحمد أحمد حرب، (في تجاهل تام لما تناولته في ورقتي الأولى من أن الجوهر الموضوعي للماركسية اللينينية هي أعمال (نظريات) ماركس وانجلز ولينين وستالين وماوتسيتونغ وروزا لوكسمبورغ)، يعود الى "تخميناته" المجردة عن الواقع واختراع أشياء لم أتطرق لها، لكي يقول بأن "هذه الأرضية هي: حتى إذا لم يكن انجلز وستالين فإن ماركس ولينين هما الأساس أو الجوهر أو النواة الصلبة". لقد اتعبتني رفيقي احمد، كيف تقولني ما لم أقله، فقط انطلاقا من تخميناتك وأوهامك؟ ان ما تقوم به ليس حوارا بل محاكمة لرفيق كان من المفروض ان نناضل معا جنبا لجنب من أجل تخليص هذه الجماهير المغتربة، الفقيرة، الجائعة، المضطهدة المقموعة من طرف نظام لا وطني لاديموقراطي لا شعبي. علما ان الأغلبية من بين هذه الجماهير لا تعرف لا ماركس ولا انجلز ولا لينين ولا ستالين، بل مغتربة بالمطلق تتوجه الى المساجد منذ أربعة عشرة قرنا طمعا في التخفيف الميتافيزيقي من آلامها، كما تحمل صور الملك خلال احتجاجاتها اعتقادا منها انها بتلك الطريقة ستدفع عنها القمع البوليس الوحشي، وأن هناك من سينظر الى آلامها بعين العطف. إن عملا جديا يقوم به الماركسيون اللينينيون في بناء الأداة السياسية للطبقة العاملة تخوض الصراع الطبقي ميدانيا على جميع المستويات، لهو أفضل من ألف أطروحة نظرية أو سياسية تتضمنها الكتب أو يحفظها المناضلون عن ظهر قلب. يقول كارل ماركس في رسالة له الى براكة بخصوص برنامج غوتا التوحيدي بين حزبي ايزناخ ولاسال: " ان كل خطوة تخطوها الحركة الفعلية لأهم من دزينة من البرامج". وهذا يعني من جهة أخرى أن قلة حركية المناضلين، تجعل شغلهم الشاغل هو التنابز فيما بينهم في المقاهي وعلى شبكة الانترنيت الافتراضية واختراع التناقضات الوهمية وتجزيئ المجزأ وتفتيت المتفتت.

4 – أؤكد أن كارل ماركس هو أصل النظرية الماركسية ونظريات انجلز ولينين وستالين ولوكسمبورغ وماو مجرد فروع لها:

يواصل الرفيق أحمد أحمد حربا ساديته ميتافيزيقية على ورقتي الأولى في الفقرة التي تبدأ كما يلي: " إن القول أن أصل النظرية الماركسية هي الأعمال الفلسفية الأولى لكارل ماركس قول يجانب الحقيقة ولا يصيب كبدها .... (الى) ..... أصل النظرية الماركسية هو ماركس وانجلز معا دون أدنى امكانية للفصل فيما بينهما وهي الحقيقة التي عارضتها حين اعتبرت انجلز فرعا من الأصل الذي هو ماركس."

فالرفيق أحمد أحمد يعود في هذه الفقرة مرة أخرى في تجاهل تام لقوانين الديالكتيك الى الفصل والتسوية بين ماركس وانجلز رغم أن انجلز نفسه كما اشرنا قد اعتراف في كتابه ضد دوهرينغ (الصفحة 13 – 14) بأن ماركس هو صاحب النظرية الماركسية. وفي نفس الكتاب في الصفحة 389، يؤكد انجلز على ان ماركس هو صاحب الفضل في بلورة المادية الديالكتيكية: "وإذا اسقطنا ذلك كله من الحساب يبقى هناك الديالكتيك الهجلي. ومن أفضال ماركس أنه أخرجه إلى النور من جديد، خلافا "للمقلدين الأدعياء المصياحين والسطحيين جدا الذين بيدهم القول الفصل في ألمانيا المعاصرة"، المنهج الديالكتيكي المنسي وأشار إلى صلته بديالكتيك هيغل، وكذلك إلى اختلافه عن هذا الديالكتيك الأخير وقدم في "رأس المال" في الوقت ذاته تطبيقا لهذا المنهج على وقائع علم تجريبي معين هو الاقتصاد السياسي. وقد وفق في ذلك لدرجة جعلت حتى المدرسة الاقتصادية الأحدث في ألمانيا لا تترفع عن حرية التجارة المبتدلة الا بفضل ممارستها الاقتباس من ماركس (وأحيانا كثيرة بصورة خاطئة) بحجة توجيه الانتقاد اليه." في ديالكتيك هيغل يسود نفس تشويه جميع الروابط الفعلية كما في سائر تشعبات نظامه الفلسفي. ولكن "الغيبية التي اصطبغ بها الديالكتيك على يد هيغل لم تمنع هيغل اطلاقا – كما يقول ماركس – من أن يكون بالذات أول من قدم تصويرا شاملا واعيا لأشكال حركته الشاملة. إن الديالكتيك عند هيغل مقلوب على رأسه، وينبغي إيقافه على قدميه، من أجل إزاحة القشرة الغيبية والكشف عن البذرة العقلانية من تحتها".
كما يعترف انجلز في كتابه الاشتراكية العلمية والاشتراكية الطوباوية بأن : "هذين الاكتشافين العظيمين: التصور المادي للتاريخ، والكشف عن سر الإنتاج الرأسمالي بواسطة فائض القيمة، ندين بهما لماركس. وبفضلهما أصبحت الاشتراكية علما ينبغي الآن مواصلة بلورته بكل تفاصيله وترابطاته".

فاعتبار ماركس الأصل وانجلز الفرع ليس تجنيا على هذا الأخيرالا إذا نظرنا الى ذلك من المنظور الميتافيزيقي، أما على المستوى الديالكتيكي، فتؤكد ان رابطة ماركس وانجلز قد أدت الى "طفرة نوعية" للرجلين بحكم اختلاط معارفهما ومصيرهما المشترك، وهذا الارتباط بحد ذاته هو ما أعطى تلك الحركية وذلك الإنتاج الغزير في كافة المجالات، ولا يخرج لينين وستالين وروزا لوكسمبورغ وماو تسيتونغ عن هذه القاعدة، بحكم عدة شروط مادية تاريخية.

إن دقة المنهج الديالكتيكي في دراسة الأشياء كما هي في الواقع وكما تتطور في علاقاتها بمحيطها المادي والاجتماعي، وكان عليك أيها الرفيق ان تطبق هذا المنهج الذي لا تتوقف عن ترديده في دراستك لسيرورة الماركسية اللينينية منذ انطلاقها على يد كارل ماركس وتأثيره على محيطه وعلى العالم وعلى علاقة فردريك انجلز بماركس وارتباطه الديالكتيكي به والذي شكل احد الأسباب المباشرة لانتاجات انجلز الاقتصادية والسياسية والفلسفية، فليس عيبا تحديد كل طرف في مكانته التاريخية في علاقة مع الأطراف الأخرى لان ذلك لا يبخس أي رفيق من قيمته، فلو اعتمدنا على ابسط مناهج الديالكتيك وهي العلاقة السببية فسنرى انه لولا اعمال ماركس لما جاءت اعمال انجلز بذلك الشكل ولولا اعمال الرفيقين لما ظهرت اعمال لينين اللاحقة، ولولا العمل الجبار الفلسفي والاقتصادي والسياسي والتنظيمي للرفيق لينين وسط الحزب البلشفي لما حدثت الثورة في روسيا ولما لمع نجم ستالين بعد وفاة لينين سنة 1924، ثم لولا ستالين لما تعرفنا على تطبيقات نظرية وتطبيقية ملموسة للاشتراكية في الاتحاد السوفياتي وكل ما ذكرته في اطار سردك لتاريخ الاتحاد السوفياتي في ورقتك الرابعة. إن المنهج الديالكتيكي لا يشخصن التحليل كما يفعل المنهج الميتافيزيقي بل ينطلق من التحليل الملموس للواقع الملموس ليدرس الأمور كما هي في الواقع دون تبخيس لأي شيء.

5 – تكرار الأخطاء المنهجية:

هناك فقرة طويلة نسبيا، بدأها الرفيق أحمد وأنهاها كما يلي: " من المعروف كذلك أن الماركسية علم مبني على ثلاث ركائز أساسية ..... (الى) ...... وهكذا تفقد الفقرة الثانية من العنوان الاول كل علميتها حين ترى أن "الديالكتيك هو شكل حركة المادة" وتضع حاجزا وهميا بين المادة والديالكتيك وكأن المادة هي المضمون والمنهج هو الشكل."

في هذه الفقرة اعتقد ان الرفيق أحمد أحمد حرب فقد البوصلة تماما، ففي الوقت الذي يقول فيه الرفيق أن الفقرة الثانية من العنوان الأول فقدت كل علميتها حين أشرت ألى أن "الديالكتيك هو شكل حركة المادة" وانني قد وضعت حاجزا وهميا بين المادة والديالكتيك وكأن المادة هي المضمون والمنهج هو الشكل. أرجوا أن يعيد الرفيق مراجعة كتابي انجلز ضد دوهرينغ وديالكتيك الطبيعة وخاصة الفصل الذي يتحدث فيه عن الأشكال الأساسية للحركة، فالعالم الذي نوجد فيه يتكون من مادة لا تفنى ومجالها هو المكان والزمان، وهذه المادة ليست جامدة بل هي في حركة دائمة، بحيث أن الحركة نفسها لا تفنى، ومن خلال هذا الارتباط العضوي بين المادة والحركة نستنبط قوانين الديالكتيك، فهناك الديالكتيك الموضوعي المترتب خارج وعينا بناء على التفاعل بين المادة والحركة على أساس قوانين موضوعية، ثم هناك الديالكتيك الذاتي، وهو انعكاس الديالكتيك الموضوعي في مخيلاتنا، لأن وعينا هو انعكاس للواقع المادي المتحرك. يقول انجلز في هذا الصدد في الصفحة 244 في كتابه ديالكتيك الطبيعة: " إن الديالكتيك، المدعو بالديالكتيك الموضوعي، يهيمن في الطبيعة بأسرها، أما الديالكتيك المدعو "بالذاتي"، ديالكتيك الفكر، فليس سوى انعكاس للحركة، السائدة في كافة أرجاء الطبيعة. وهذه الحركة تتم من خلال الأضداد، التي تتحدد حياة الطبيعة بصراعها المستمر، بانتقالها النهائي أحدها إلى الآخر، أو الى أشكال أرفع". إن هذا الانعكاس المادي المتحرك في وعينا نستطيع ترجمته الى منهجية ديالكتيكية للوصول الى استيعاب الحقائق العلمية ومن بينها أن عالمنا المادي يتحرك بحسب قوانين معينة وأن ذلك هو مضمون الديالكتيك الموضوعي".

لم أكن أعلم رفيقي أحمد بأن قدرتك على الادراك لن تستوعب تعريفي المبسط جدا للديالكتيك دون شرح أو تفصيل. فأنا أقدر هذا الحيز الضيق الذي نتحاور فيه كما أقدر أن لديك معرفة واسعة بالمواضيع التي نناقشها، لذلك يتحول كل اسهاب وسرد مبالغ فيه في الشرح عبارة عن عقوبة وليست حوارا. خاصة وأنني مريض منهك، أخذت بصعوبة هامشا من وقت راحتي لكي أخربش لك هذه الردود.

إن تفكيرك الميتافيزيقي الذي يفصل الأشياء عن سياقها ويحاول تقييمها معزولة هو الذي يتسبب في وقوعك في عدم الفهم وفي ارتكاب الأخطاء، فقراءة عبارة "الديالكتيك هو شكل حركة المادة"، بشكل سطحي جعلتك "تخمن" مرة أخرى بأني أضع حاجزا وهميا بين المادة والديالكتيك مع العلم ان العبارة نفسها تؤكد ارتباط المادة والحركة عضويا بل أن العبارة هي صيغة أخرى للمادية الديالكتيكية. لكن أين هو هذا الحاجز المتوهم في العبارة؟ فإذا كانت المادة أزلية الحركة، وأن هذه الحركة تتم حسب قوانين الديالكتيك: الكم يؤدي الى الكيف والعكس، ووحدة وصراع الضدين ونفي النفي، والحرارة والبرودة والتمدد نتيجة لتلك القوانين أفلا يعني ذلك أن الديالكتيك هو شكل حركة المادة وأن الديالكتيك والمادة يشكلان وحدة أزلية الحركة. هل من الضروري أن أتحدلق عليك بالكلام حتى تحكم عليه بالعلمية، ثم ما هو العلم إن لم يكن هو فهم الواقع كما هو ثم التعبير عن ذلك بلغة بسيطة مفهومة.

وفي نهاية المطاف فإن عبارتي "الديالكتيك هو شكل حركة المادة" هي اختزال لجملة طويلة ومعقدة بدون تنقيط ولا فواصل ويصعب على الانسان العادي فهمها حاولت استعمالها بنفسك للدلالة على نفس الشيء وهي كما يلي:

"إن المادة هي في حركة دائمة بفعل حركة التناقضات المشكلة لها وهذا هو مضمون حركة المادة الذي يتخذ في كل مرحلة من مراحل صراع الأضداد نفسه شكلا معينا وهذا قانون طبيعي متحكم في سير وتطور كل أشكال المادة إلى جانب مجموعة أخرى من القوانين الطبيعية المترابطة فيما بينها كالجوهر والظاهر، الخاص والعام... والمسمات في الأدبيات الماركسية بالمقولات الماركسية، أما اكتشاف هذه القوانين فيسمى علم المادية الديالكتيكية".

لقد ورد في ورقتك قضية اقتباس ماركس للديالكتيك عن هيغل، ان استعمالك لمصطلح اقتباس غير صحيحة، كان بامكانك اعتماد عبارة تصحيح ماركس للديالكتيك الهغلي، فكارل ماركس قدم أطروحة دكتوراه حول المادية الديالكتيكية في الفلسفة تحت عنوان ""الفوارق في فلسفة الطبيعة عند كل من ديموقريطس وأبيقور". وقد تحدث ماركس عن الفرق بينه وبين هيغل حول الديالكتيك في مقدمة الطبعة الثانية لكتابه رأس المال كما يلي:

"إن منهجيتي الديالكتيكية لا تختلف من حيث الأساس عن المنهجية الهغلية فحسب، بل هي نقيضها المباشر. فهيغل يعتبر أن عملية التفكير، التي جعل منها ذاتا قائما بنفسه أطلق عليه اسم "الفكرة"، هي خالق العالم الواقعي، وهذا العالم الواقعي لا يمثل سوى الظاهرة الخارجية لتجلي "الفكرة". أما عندي فالأمر معكوس، إذ ليس المثالي سوى انعكاس وترجمة للعالم المادي في الدماغ البشري.

لقد انتقدت الجانب الصوفي من ديالكتيك هبغل قبل زهاء ثلاثين عاما يوم كان يمثل الموضة السائدة. ولكن بينما كنت أعمل في المجلد الأول من رأس المال، راق أنصاف المثقفين، المتغطرسين، التافهين المشاكسين(يقصد ماركس، بهذا، الفلاسفة: بوشنر، لانغة، دوهرينغ، وفيشنر وغيرهم)، الذين لهم الكلمة العليا اليوم بين متعلمي ألمانيا، أن يعاملوا هيغل معاملة موسى مندلسون الشجاع لسبينوزا في عهد ليسنغ، أي يعاملوه مثل "كلب ميت". لذلك أعلنت نفسي جهارا تلميذا لذلك المفكر الجبار، بل عمدت في هذا الموضوع أو ذاك من الفصل الخاص بنظرية القيمة، إلى مغازلة أسلوبه الخاص في التعبير. وعلى الرغم من أن الديالكتيك قد عانى على يد هيغل من الصوفية، فإن ذلك لم يمنع هيغل من أن يكون أول من عرض الأشكال العامة لحركة الديالكتيك بأسلوب شامل وواع. الديالكتيك عند هيغل يقف على رأسه. فينبغي أن يوقفه المرأ على قدميه ليكتشف النواة العقلانية داخل القشرة الصوفية.

لقد أصبح الديالكتيك، في شكله الصوفي، موضة ألمانية، لأنه بدا وكأنه يمجد ما هو قائم. أما في شكله العقلاني فهو شيء فاضح بغيض في نظر البرجوازية ومفكريها النظريين، لأنه ينطوي على فهم إيجابي لما هو قائم، ونفي هذا الوضع القائم وانهياره المحتوم في آن واحد؛ لأن هذا الديالكتيك يرى الأشكال القائمة من منظور الحركة المتدفقة، أي من جانبها الزائل أيضا، لأنه غير هياب، ولأنه في جوهره نقدي وثوري".

بدلا من الخاتمة

أكتفي بهذا القدر من نقد ورقتك الثالثة، فأنا مريض منهك وبصعوبة حاولت ابلاغك بجوهر خطئك في انتقاداتك الواردة خاصة في ورقتك الثالثة. لكن مع ذلك أحييك على جرأتك ولغتك الجميلة واطلاعك الواسع، لكني ارجو منك تصويب منهجك التحليلي واقامته على أساس المنهج الديالكتيكي والحذر من السقوط في التحليل الميتافيزيقي. لقد تحدثت في ورقتك عن الضبابية في فهم مواقفي. لكن مع الأسف مرة أخرى فإن الضبابية التي تشعر بها كامنة في المنهج الميتافيزيقي الذي تحلل به الأشياء والشخصنة المفرطة لشخص الرفيق ستالين التي جعلت منه صنما يفوق كارل ماركس، وهذا الأسلوب في التفكير يظل أسلوبا رومانسيا لا زال غارقا في البحث عن البطل المخلص للإنسانية، رغم أن المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية علمتنا بأن البنيات التحتية هي التي تنتج البنيات الفوقية، الأيديولوجية والسياسية والقانونية والأخلاقية.

أختم هذه الورقة بمقولة ديالكتيكية لكارل ماركس وردت في توطئة كتابه نقد الاقتصاد السياسي الصادر سنة 1859:

" إن أنماط الانتاج الآسيوية، والقديمة، والاقطاعية والبرجوازية الحديثة يمكن وصفها على أنها حقب قد تطورت تدريجيا في تشكيلها الاقتصادي للمجتمع. وتعتبر علاقات الانتاج البرجوازية آخر الأشكال المتناقضة في السيرورة الاجتماعية للإنتاج، التناقض ليس بمفهوم التناقض الفردي، وانما تناقض ناشئ عن الشروط الاجتماعية لوجود الأفراد؛ ومع ذلك فإن قوى الانتاج التي تتطور في قلب المجتمع البرجوازي تخلق في نفس الوقت الشروط المادية الخاصة لمعالجة هذا التناقض. ومع انتهاء هذا النظام الاجتماعي، ينتهي إذن عصر ما قبل التاريخ للمجتمع الانساني".

تحية عالية للرفيق أحمد أحمد حرب

أديب عبد السلام: السبت 16 أبريل 2016



#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع أحمد أحمد حرب2
- حوار مع أحمد أحمد حرب1
- تقرير ملخص حول الندوة العالمية الثانية للنساء القاعديات بكات ...
- بؤس النقد لدى السيد أحمد شركت، الجزء الثالث
- بؤس النقد لدى السيد أحمد شركت الجزء الثاني
- بؤس النقد لدى السيد أحمد شركت
- حزب الله حركة ثورية وطنية ضد الصهيونية والامبريالية والرجعية
- تحية للمرأة المغربية المناضلة
- الشبكة المغربية الديموقراطية للتضامن مع الشعوب
- الاستهداف الامبريالي – الرجعي لشعوب دول الشرق الأوسط وشمال ا ...
- نداء السنة الجديدة 2016 الى كافة الرفاق والرفيقات
- سياسة الميزانية لسنة 2016، مؤطرة مسبقا من طرف صندوق النقد ال ...
- هل كردستان العراق ضد كردستان سوريا (رجافا وكوباني)؟
- لا خيار يعلو على صوت المقاومة
- المتصرفات والمتصرفون يضيعون موعدا مع التاريخ خلال مؤتمرهم ال ...
- لا تحرر للمرأة من دون انعتاق المجتمعات من نمط الانتاج الرأسم ...
- كارل ماركس
- التنديد بمسؤولية المملكة العربية السعودية عن عدد من الانتهاك ...
- في ذكرى تأسيس الرابطة الدولية للعمال 28 شتنبر 1864
- 2016 سنة الاحتقان أم سنة تنفيذ إملاءات صندوق النقد الدولي


المزيد.....




- بعد جملة -بلّغ حتى محمد بن سلمان- المزعومة.. القبض على يمني ...
- تقارير عبرية ترجح أن تكر سبحة الاستقالات بالجيش الإسرائيلي
- عراقي يبدأ معركة قانونية ضد شركة -بريتيش بتروليوم- بسبب وفاة ...
- خليفة باثيلي..مهمة ثقيلة لإنهاء الوضع الراهن الخطير في ليبيا ...
- كيف تؤثر الحروب على نمو الأطفال
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 4 صواريخ أوكرانية فوق مقاطعة بيلغو ...
- مراسلتنا: مقتل شخص بغارة إسرائيلية استهدفت سيارة في منطقة ال ...
- تحالف Victorie يفيد بأنه تم استجواب ممثليه بعد عودتهم من موس ...
- مادورو: قرار الكونغرس الأمريكي بتقديم مساعدات عسكرية لأوكران ...
- تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد السلام أديب - حوار مع أحمد أحمد حرب3 و4