أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى عنترة - تقرير أمريكي يشيد بالحرية الدينية بالمغرب















المزيد.....



تقرير أمريكي يشيد بالحرية الدينية بالمغرب


مصطفى عنترة

الحوار المتمدن-العدد: 1387 - 2005 / 11 / 23 - 10:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كيف تناول تقرير الخارجية الأمريكية وضع الحرية الدينية في المغرب؟ وهل يعكس التقرير المذكور الوضع الحقيقي للحرية الدينية ببلادنا؟ وهل الإصلاحات التي شهدها الحقل الديني بالمغرب كافية للحصول على التنويه المسجل في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية المنجز بتعاون مع معهد الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ هذه الأسئلة وغيرها تشكل محاور هذا الملف:

*التنــويه:
نوه التقرير السنوي الذي تصدره وزارة الخارجية الأمريكية حول الحريات الدينية بالجهود المبذولة من طرف المغرب من أجل تشجيع قيم التسامح والاحترام والحوار المتبادل بين الأديان.
وأكد التقرير أن المغرب سجل خطوات هامة في مجال ترسيخ مناخ الحرية الدينية، حيث يعد من بين البلدان الرائدة في هذا الاتجاه داخل منطقة الشرق الأوسط الكبير. وقد استند التقرير في مضامينه على معطيات همت بالأساس إحداث المرصد الدولي للديانات بالمغرب، وكذا احتضان المغرب في الشهور الماضية للحوار الإسلامي اليهودي وهو اجتماع للجنة الدائمة اليهودية الإسلامية المحدثة عقب المؤتمر العالمي الأول للأئمة والحاخامات من أجل السلام المنعقد في يناير الماضي ببروكسيل، علاوة عن إنشاء المتحف اليهودي بالدار البيضاء الذي يديره شمعون ليفي على اعتبار أنه البلد الوحيد الذي توجد به منشأة من هذا النوع، فضلا عن التنظيم السنوي لـ" مهرجان الموسيقى الروحية" بفاس الذي أشرفت على تنظيمه جمعية "فاس سايس" لكونه يشكل فضاء لالتقاء موسيقيين من مختلف الثقافات والديانات المختلفة: الإسلامية، المسيحية، اليهودية، الهندوسية، البوذية وغيريها، ناهيك عن الملتقيات الدولية التي يحضرها علماء ومفكرون ينتمون إلى ديانات مختلفة.
ولم يفت التقرير التذكير بالجهود التي يبذلها المغرب من أجل ترسيخ إسلام معتدل ومتسامح من خلال جملة من الإجراءات والتدابير التي اتخذها الملك محمد السادس بوصفه أميرا للمؤمنين من أجل إعادة هيكلة الحقل الديني الذي عرف في السنوات الأخيرة تحولات جذرية، بدءا من إبعاد عبد الكبير العلوي المدغري عن كرسي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وانتهاء بتعيين امرأة داخل المجلس الأعلى للعلماء ونساء أخريات داخل المجالس الإقليمية وإلقاء امرأة للعام الثاني على التوالي درسا في إطار سلسلة الدروس الحسنية التي يترأسها الملك خلال شهر رمضان والتي تعرف حضور نخبة من العلماء من مختلف البلدان، مرورا بإحداث هيكلة جديدة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية للرابطة المحمدية لعلماء المغرب وتعيين نخبة جديدة داخل هياكل المجالس العلمية ووقاية فضاءات البلاد من التطرف الديني. وسجل التقرير استمرار وجود ما يسمى بـ "الاستثناءات" التي عرفتها البلاد بعد أحداث 16 ماي الإرهابية وذلك في ما يتعلق بالتعامل الأمني والقضائي مع المتورطين في هذه الأحداث كما سجل في ذات السياق استمرار مراقبة أنشطة بعض الجماعات الدينية سواء داخل المساجد أو في فضاءات أخرى، خاصة تلك التي تعتبرها خارج الحدود المرسومة..

*التقــرير:
شرعت وزارة الخارجية الأمريكية في إنجاز تقرير سنوي حول الحريات الدينية في العالم منذ عام 1999 بوصفها راعية حرية التدين وحماية حقوق الأقليات بمختلف ألوانها داخل الكرة الأرضية، وهو تقرير يصدر كملحق للتقرير السنوي لحقوق الإنسان حول العالم.
وتكمن وظيفة هذا التقرير في كونه يرصد واقع الحرية الدينية في مختلف بقاع المعمور، ويعتمد في صياغته على هيأة دولية تقوم بجمع المعطيات اللازمة من مصادر متنوعة ومختلفة في مواقعها من دوائر حكومية رسمية، منظمات غير حكومية، وسائل الإعلام وما تتضمنه تقارير المنظمات الحقوقية والدينية، ناهيك عما تقوم به سفارات واشنطن في مختلف العواصم من تحركات للحصول على المعيقات الضرورية خدمة لبنك معلوماتها في هذا الباب.
وتقوم السفارات التابعة للولايات المتحدة الأمريكية بإرسال هذه المعلومات إلى واشنطن، إذ تتم مراجعتها من قبل مكاتب تابعة لـ "معهد الديمقراطية وحقوق الإنسان"، وبعدها تتم بلورة هذه المعطيات في تقرير سنوي يطلع عليه الرأي العام الدولي.
وتنحصر أهمية تقرير الخارجية الأمريكية حول الحريات الدينية في كونه لا يعتبر مصدرا للمعلومات التي تهم هذا الشأن فقط بل مصدرا على أساسه (ليس الوحيد) تتحد طبيعة تعامل القوى الغربية العالمية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية مع هذه البلدان، بل الأكثر من ذلك قد تسبب هذه التقارير في اتخاذ عقوبات اقتصادية وما شابه ذلك من قبل الأمريكان، فضلا عن انعكاسات هذا التقرير على صورة الديمقراطيات الناشئة في المحافل الدولية.
ويشرف على هذا التقرير "هانوفر" السفير الأمريكي المتجول، كما يقوم المكتب بالإدلاء بشهادته أمام الكونغريس الأمريكي، مع الإشارة في هذا الباب إلى أن مكتب الحرية الدينية الدولية يختلف عن اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية التي تعمل بشكل مستقل عن الخارجية الأمريكية والمكتب المذكور.

*الاختــلاف:
وضعت استفهامات كبيرة حول أهداف وخلفيات تقرير الخارجية الأمريكية حول الحريات الدينية، ذلك أن فريقا شكك في مصداقية مضامينه على اعتبار أنه يشكل وسيلة للتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان وأيضا أسلوبا من أساليب التهديد، كما أن إعداده يتم من خلال جهات تجهل بعض الديانات خاصة وأنه يقوم على فلسفة أحادية الجانب، بمعنى أن واضعيه يستندون في منهج تعاملهم مع هذه الحريات على الثقافة العلمانية المرفوضة داخل جزء هام من بلدان الشرق الأوسط الكبير، ومن هنا يستخلص هذا الفريق أن التقرير يفتقد لأية مشروعية للحديث عن حرية الديانات في العالم.
وخلافا لذلك يرى الفريق الثاني أن تقرير الخارجية الأمريكية يعد مكسبا هاما لكونه يفضح وضع هذه الحرية خاصة إذا تعلق الأمر بالأقليات الدينية أو الأديان غير المنسجمة مع بعض الديانات الرسمية التي تميز بعض بلدان الشرق الأوسط الكبير كالأقلية القبطية في مصر على سبيل المثال لا الحصر. ويرى هذا الفريق أن الاضطهاد الديني الذي تعيشه بعض الأوساط من قبل الأغلبية الحاكمة يجد مبرره في تدخل القوى الغربية لحماية حقوق هذه الأقليات.
ومن هذا المنطلق يشجع الفريق الثاني مثل هذه المبادرة خاصة في ظل سيادة الحقوق الثقافية واللغوية والدينية ضمن الموجة الثالثة لحقوق الإنسان.
من المؤكد أن احترام الأقليات كيفما كانت طبيعتها أصبح ضمن المعايير الهامة التي تعتمد عليها المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة لقياس مستوى الدمقرطة في بلد معين، فإلى جانب المعايير السابقة التي شكلت أساس الديمقراطية الإجرائية كالوثيقة الدستورية المتفاوض في شأنها، الإرادة السياسية الواضحة، القضاء النزيه والمستقل، الإعلام الحر، المجتمع المدني الفاعل والفعال، الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية الجذرية.. أصبح التأكيد على احترام حرية الأقليات وتدبير التعددية من قبل المراقبين والمتتبعين الدوليين للانتقالات الديمقراطية.
وتأسيسا على ما تمت الإشارة إليه يجد هذا التقرير شرعيته ومشروعيته في فضح الانتهاكات الجسيمة التي تتعرض إليها الحرية الدينية والتمييز الذي تعرفه بعض الأقليات خاصة إذا انطلق هذا التقرير في أسسه على أهداف تنموية وديمقراطية حقيقية.

*المعـوقات:
مما لا شك فيه أن وضع الحرية الدينية في بلادنا ليس بالصورة المثالية، فجريمتا "القريعة" بالبيضاء ومكناس التي ذهب ضحيتها مغربيان يهوديا الديانة على يد عناصر إسلامية متطرفة بعد أحداث الجمعة الدامي (16 ماي 2003) كشفت أن واقع الحال ليس بخير، فضلا عن مسلسل الهجوم الذي يتعرض له اليساري شمعون ليفي في مناسبات عدة من قبل جهات مختلفة إعلامية تتبعنا فصولها من قبل إحدى الأسبوعيات الرباطية وحزبية بمناسبة تنظيم المؤتمر الوطني الخامس لحزب التقدم والاشتراكية، حيث قام رفاق هذا الأخير ينتمون إلى العاصمة الإدارية على وجه التحديد بنعت القيادي شمعون ليفي بـ "اليهودي"..!!وآخرها الرسالة التهديدية الصادرة عن جماعة تطلق على نفسها الجماعة الإسلامية والجهاد بالمغرب.
لقد أعاد هذا الواقع سؤال حماية اليهود المغاربة من طرف قوى الشر ومخططاتها الظلامية..
صحيح، لقد قام الإعلام العمومي بالانفتاح النسبي على الأنشطة الثقافية والدينية للمغاربة من الديانة اليهودية، كما أن الصورة التي كان يحملها اليهودي في المخيال الشعبي للمجتمع عرفت هي الأخرى تحسنا إيجابيا، بفعل عوامل متعددة منها سيادة ثقافة التعايش والتسامح..، لكن اندماج هذه الشرائح الاجتماعية داخل المجتمع لازالت تعترضه عدة معوقات موضوعية وذاتية منها ما هو مرتبط بالثقافة السائدة داخل المجتمع ومنها ما يتعلق بالانعزالية التي تطبع سلوك اليهود أنفسهم..
لقد استطاع اليهود المغاربة أن يحتلوا مواقع متقدمة داخل الحياة الاقتصادية، إذ كانوا تاريخيا بجانب السلاطين كمستشارين لهم في الميادين الاقتصادية والتجارية، وقد تضخم موقعهم الاقتصادي مع مرور الوقت، إذ نجدهم يتقلدون مهام ومسؤوليات حساسة داخل المؤسسات الاقتصادية والمالية بالبلاد.
خلافا لذلك لعب اليهود المغاربة في البداية دورا بارزا في الكفاح ضد المستعمر، وقد ضمت حكومة ما بعد الاستقلال عضوية أحد الوجوه المعروفة داخل دواليبها، كما تميز الحزب الشيوعي المغربي بوجود يهود في صفوفه كأبراهام السرفاتي، شمعون ليفي، إدمـون عمران المالح.. إلا أن تطورات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وما ترتب عنه من انعكاسات سلبية على المنطقة الممتدة في المحيط إلى الخليج كان من نتائجها هجرة أفواج هامة من اليهود إلى إسرائيل وكندا وغيرهما.
ويختلف الأمر بالنسبة للمسيحية، فقد سجل في السنوات الأخيرة تراجعا جذريا بخصوص الاعتقالات التي كانت تشهدها أوساط شبابية معتنقة للمسيحية في بعض المدن بشمال المملكة، كما شهدت أنشطة الجاليات والمجموعات الدينية المسيحية انتعاشا بفعل عامل الحرية. وقد ساعدت ثورة الاتصال المتعدد الوسائط في انتشار المسيحية، حيث تم الإقبال بكثرة وبسهولة على المواقع المسيحية عوض الكتب والمنشورات التي كان استيرادها يتطلب وقتا كبيرا بفعل صعوبات المراقبة الجمركية..، كما أن تحركات المبشرين كانت تصطدم بضغوط بعض الجماعات الإسلامية على الدولة من أجل التدخل للحد من تحركاتها وأنشطتها..
وفي ذات السياق طالعتنا بعض المنابر الإعلامية باستجواب لأحد الفاعلين يعلن فيها تبنيه المذهب الشيعي، وآخر يشرح إيجابيات المذهب الشيعي مقارنة مع المذهب السني المالكي المعتمد رسميا في المغرب، دون أن يتعرض لمضايقات تحد من حريته..، وهو ما اعتبره المراقبون والمتتبعون للشأن الديني مؤشرا جديدا على جو الحرية الدينية الذي يسود داخل المغرب.
وجدير بالتذكير في هذا الباب أن المغرب عرف في بداية الستينات من القرن الماضي قضية تتعلق بحرية العبادات وإقامة الشعائر الدينية إثر ظهور ما يسمى بـ "حركة البهائيين، حيث عرضت هذه القضية على أنظار محكمة الناظور. وقد توبع ثلاثة عشر بهائيا من المغاربة وآخر سوري الجنسية بتهمة التمرد والقيام بأعمال الشغب والمس بالأمن العمومي وتكوين عصابة إجرامية والمس بالعقيدة الدينية، وقد حكم على بعضهم بأحكام جد قاسية في حين تمت تبرئة البعض الآخر.. مع الإشارة في هذا الإطار إلى أن البهائية التي يتبرأ منها المسلمون السنيون ظهرت كحركة في المشرق الأقصى في القرن التاسع عشر.
أكيد أن تقرير الخارجية الأمريكية سيشجع المغرب على المضي أكثر في مسلسل الإصلاحات الدينية التي انخرط فيها في السنوات الأخيرة في الاتجاه الذي يجعل الدين والسياسة لا يجتمعان إلا في الدولة التي تسمو على الجميع.

تصريحات بعض الفاعلين:

*أحمد البوكيلي، باحث في الفكر الإسلامي

ـ من الملاحظ أن تقرير الخارجية الأمريكية قد نوه بالمستوى الكبير للحرية الدينية بالمغرب، كيف تعلقون على هذا التنويه؟
بداية يجب أن نتفق على أخلاقيات منهجية حتى يكون لكلامنا مصداقية علمية تجنبنا الأحكام الإيديولوجية المسبقة، وتسمح لنا بفهم طبيعة آليات اشتغال مراكز القرار ومؤسسات صناعة الخطاب، وعليه فتنويه الخارجية الأمريكية بمستوى الحرية الدينية في المغرب يعكس الاستراتيجية العامة التي تؤطر الرؤيا الأمريكية على كافة المستويات، ولذلك لفهم آليات رصد ومتابعة المجال الديني المغربي يجب الكشف عن العلاقة بين البعد الوظيفي لهذه المؤسسات وبين البعد الاستثماري العام لهذه التقارير ضمن المخططات العامة للسياسة الأمريكية. وعلى هذا الأساس يمكن استيعاب اللغة السياسية المتضمنة في التقارير باعتبارها رسائل سياسية مباشرة لمؤسسة الدولة تدخل إما في باب الغزل السياسي أو الضغط السياسي للمزيد من تقديم التنازلات ضمن الاستراتيجية الكلية التي توظف هذه التقارير من جهة لبيان عمق قوة الرصد للخريطة الدينية المغربية ومن جهة ثانية لتحسيس النخبة السياسية بالمراقبة الخارجية التي "تنقط" لها بناء على مع معيارية خاصة، الشيء الذي يطرح سؤالا خطيرا يتجلى في من أعطى الشرعية للخارجية الأمريكية لتقويم المجال الديني، خصوصا وأننا لسنا إزاء جهة مستقلة، بل إننا أمام مؤسسة تشتغل ضمن البنية النسقية العامة للنظام السياسي ونعني بها ثلاثية المعرفة والسلطة والعقيدة.
وبناء على هذه الملاحظات يمكن القول بأن الغزل السياسي الأمريكي إنما يهدف للمزيد من خدمة الاستراتيجية الدينية الأمريكية التي تعتمد منطق التدرج لتصل إلى مستويات تبدو الآن مستحيلة ولكن بمرور الوقت ستصبح عادية ومتجاوزة، ونعتقد بان التنويه الأمريكي باحترام المغربي للحرية الدينية، هو فقط تذكير بضرورة تبني المغرب للرؤيا الأمريكية في مجال الاستراتيجية الدينية وخصوصا بعد الأحداث الإرهابية التي تعرفها الساحة الدولية، والتي تستدعي في المنظور الأمريكي تشجيع ثقافة التسامح والتعددية... ولذلك إذا وضعنا التقرير ضمن السياق التاريخي يمكن فهم تنويه الخارجية الأمريكية بمستوى الحريات الدينية في المغرب. ومع ذلك نثير انتباه القارئ الكريم إلى مسألة في غاية الخطورة وهي أن المعيارية الأخلاقية لتقييم مجال الحرية الدينية يجب أن يكون ضمن نقاش وطني وخصوصا بين فضاء العلماء والمفكرين والمثقفين الملتزمين بمقومات الانتماء الحضاري للهوية بدلالتها المنفتحة. وإلا فإن خضوع المجال الديني لتأثيرات العوامل الخارجية والإكراهات الأمريكية كما سيزيد من ثقافة التطرف فإنه من الممكن أن يستثمر قضايا تتعارض مع منطق المصالح الشرعية والثوابت الوطنية لتفجير الخريطة المذهبية باسم الحرية الدينية. وكمثال على ذلك إمكانية تدعيم أمريكا للورقة "الشيعية" لمواجهة التيارات "السلفية" باسم حقوق الأقليات. ومع إيماننا المطلق بالحرية الدينية فإننا نشير إلى ضرورة تبني العلماء المسؤولية الرسالية والحضارية لمقاربة العديد من القضايا التي لا يجب أن تبقى محصورة ضمن "فقهاء السلطة" وإلا فإننا سائرون لتفجير الخريطة الدينية في المنطقة الإسلامية ككل، كما هو الشأن بالنسبة للمجال الديني في العراق.

ـ في نفس هذا السياق يلاحظ أنه بعد الأحداث الإرهابية الأخيرة التي ضربت المغرب هناك سياسة لدفع اليهود المغاربة للظهور الإعلامي والمشاركة في المسيرات، كيف تقرأون هذه الرسالة؟
بكل روح عرفانية أستسمحكم لأقول بأننا كما فشلنا في بناء المشروع المجتمعي فشلنا في الاستيعاب الحضاري للأقلية اليهودية ضمن الثقافة الوطنية التي من المفروض أن تكون ثقافة تؤمن بالتنوع بين مختلف المكونات العرقية والدينية للمجتمع المغربي، وربما يعود السبب إلى تغليب المنطق الإيديولوجي بحكم رهاننا على توظيف ورقة الهجرة اليهودية ضمن الخريطة السياسية للأحزاب الإسرائيلية، ومع ذلك لم نتمكن لا خارجيا ولا داخليا أن ننتج نموذجا وطنيا يدفع مواطنيه لاعتزاز بمغربيتهم وبثقافتهم؛ في حين كان من الأولى أن يمثل اليهود المغاربة نموذجا للانتماء الوطني الصادق الذي كما يدفعهم لإدانة الإرهاب الذي يستهدفهم في وطنهم بالمغرب، يدفعهم لإدانة الإرهاب الإسرائيلي المسلط على الفلسطينيين بإسم الأوهام الصهيونية. ولذلك على الرغم من تنويه تقرير الخارجية بوجود المتحف اليهودي فإن المسألة أكبر لأنها مرتبطة بقدرتنا على صناعة هذا النموذج الذي يجعل كل مكوناته تعتز بهويتها الوطنية دون خوف إيديولوجي أو عمالة خارجية.

ـ في نفس سياق يلاحظ نوعا من التساهل مع السياسة التبشيرية التي تعتمدها المخططات المسيحية باسم التعايش والتسامح والحرية الدينية، هل من تعليق على هذا التساهل؟
بالفعل أشار تقرير الخارجية الأمريكية حول الحريات الدينية للجو العام الوطني المطبوع بتشجيع قيم التسامح والاحترام المتبادل تجاه الجالية المسيحية، بل وربما الأمر أكثر من زاوية عدم إثارة خطورة الزحف المتدرج لتمسيح بعض المغاربة؛ إذ بالرغم من تأكيد وزارة الأوقاف على أن الوضع الديني في المغرب مضبوط بقيم الاعتزاز بالانتماء للدين الإسلامي فإن المسألة باتت تأخذ أبعادا أكبر من الحسابات المحكومة بقوانين الخريطة الجغرافية الدينية، خصوصا أمام هذا الزمن المعلوم الذي باتت فيه مسافات المعرفة المباشرة للمرجعيات الدينية لا تحتاج سوى للتجول في القنوات الفضائية المتخصصة في المجال التبشيري؛ وعليه فإن القضية أكبر من مفهوم التساهل مع السياسات الدينية المسيحية، بحكم أن الإشكال الذي يجب أن نفكر فيه يتجلى في ضرورة تقوية مؤسسة العلماء المتخصصين في مجال علم مقارنة الديانات لبلورة رؤيا مشتركة قادرة على الإجابة عن كبرى التحديات المطروحة على الإنسان في زمننا المعاصر، وهو ما يعبر عنه باللغة القرآنية "بالكلمة السواء"، وهي قمة السمو الروحي المقعد لثقافة التنوع وفلسفة الاختلاف واحترام الآخر.
ولهذا السبب نعتقد بأن انفتاح العالم يفرض علينا التفكير بلغة جديدة قوامها تربية العقل على التخلق بصفات الانفتاح والقبول بالآخر والتسامح معه، حتى نتجنب سياسة الاستغلال السياسي للرسائل السماوية ضمن المخططات الدنيوية التي لا علاقة لها بالمقاصد الروحية للديانات السماوية، بحكم أن منطق تخويف الناس من الآخر أو خلق ثقافة التهويل من إمكانية التحول التدريجي لجزء من المجتمع إلى الديانة المسيحية لا يمكن أن يبني ثقافة الشهادة كأرقى موقف فلسفي وديني من الوجود، ينطلق من استخدام القدرات العقلية للدخول في عالم الاعتقاد الديني.
ولذلك قبل أن نتساءل حول التساهل مع عقيدة التثليث أستسمج القارئ لنقارب ثقافتنا الدينية حول مدى فهمنا أصلا لعقيدة التوحيد بالمنظور الحضاري الذي يرتقي بالعقل إلى مقامات الجمال والكمال عوض أن يقوم بإسقاط بنيته النفسية والثقافية الغارقة في بحر التخلف على العقيدة لينتج فهما متخلفا يستحيل أن تتحول من خلاله وظيفيا قيم الجمال إلى تجل حضاري، كما يرتقي بالإنسان إلى مقامات المحبة، يرتقي بالحضارة إلى مقامات الشهود والتمكين.
وختاما، وحتى لا نقدم رؤية سوداوية لخطورة استراتيجية عولمة الرؤية الأمريكية للعالم، التي كما تفرض تنميط العالم ضمن الرؤيا المادية الحلولية التي تحول الإنسان إلى كائن استهلاكي يدخل ضمن بنية السلع تهدف إلى تحويل العالم الديني إلى مجال يقاس وفقا للمصلحة الأمريكية التي تنطلق من مسؤولية الإسلام في تغذية ثقافة التطرف وإنتاج سيكولوجية الكراهية الدينية للآخر.... فإننا نقول وندعو العلماء والمثقفين للتفكير في تخليص الديانات من هيمنة التوظيف الإيديولوجي للنخب السياسية التي من مصلحتها أن يبقى العالم مشتعلا بالحروب والصراعات والاقتتالات حتى تتحكم في أسواق السلاح والكراهية والدماء.... وهذا لن يتم إلا بالانخراط في التفكير الجماعي في ضرورة بلورة ميثاق أخلاقي إنساني يضمن للإنسان حرية الاعتقاد للسمو به في مقامات المحبة الإلهية والفيض العرفاني على الوجود عشقا وذوقا ومحبة؛ وإلا كيف نحلل أن السياسة الأمريكية الداعية للتسامح الديني والاعتدال تعيش قمة الغرق في عالم الأساطير الدينية المؤصلة من قبل المسيحية الصهيونية الحالمة بحكم العالم باسم الله في انتظار معركة هرموجدون بل وتأييد إسرائيل من موقع الإيمان العقائدي بوظيفتها الصهيونية في انتظار وتسريع مهمة عودة المسيح عليه السلام؟

**روبير أسراف، ناشط يهودي
المغرب ليس دولة دينية واليهود يتمتعون بحرية العقيدة
شرع اليهود في الهجرة منذ الإعلان عن قيام دولة إسرائيل عام 1948، وبعد الاستقلال تزايد عدد المهاجرين بشكل ملحوظ خاصة بعد إعلان المغرب عن انخراطه في الجامعة العربية وتبني موقف مقاطعة إسرائيل ومنع اليهود من الاتصال بأهلهم هناك سواء عبر البريد أو الهاتف.. إذ كان اليهودي بالنسبة للرأي العام مرادفا للإسرائيلي. وسيعرف مسلسل هجرة اليهود حسب روبير أسراف أحد الوجوه المعروفة داخل الطائفة اليهودية في حوار خص به في الآونة الأخيرة إحدى اليوميات البيضاوية تحولا إثر حادث غرق المركب عام 1961 الذي كان على متنه مجموعة من اليهود المغاربة، حيث عثر على 22 جثة قرب ساحل مدينة الحسيمة، مع الإشارة في هذا الباب إلى أن المركب المذكور كان يقل 43 فردا.
ويؤكد أسراف أن هجرة اليهود أصبحت منظمة بعد وفاة الملك محمد الخامس، حيث تمكنت منظمات ومن ضمنها جمعية "هاياس" من الحصول على الضوء الأخضر من الراحل الحسن الثاني من تنظيم هجرة اليهود المغاربة، مع العلم بأنها لم تكن المنظمة الوحيدة التي كانت تشرف على عملية الهجرة.
وقد ارتكز اهتمام هذه المنظمات المتواجدة في أوربا وأمريكا على الفئات المحدودة الدخل التي لا تملك الإمكانيات المادية للهجرة، حيث هاجرت وفود هامة إلى إسرائيل وكندا وفرنسا.. بينما الفئات ذات الدخل الميسور ظلت تتمتع بنوع من الحرية في إقامتها بالمغرب والسفر إلى بلدان أخرى بحثا عن الاستقرار والطمأنينة...
وقد ساعد المناخ السياسي العام الذي عرفته المنطقة الممتدة من المحيط إلى الخليج بعد حرب 1967 وحرب أكتوبر عام 1973 على تشجيع هجرة اليهود المغاربة خاصة في ظل الشعارات السياسية التي أنتجها الصراع العربي الإسرائيلي وانعكاساته النفسية على اليهود، فضلا عن الضغط الإعلامي الذي مارسته بعض التيارات العروبية القومية..
ويعتبر روبير أسراف أن المغرب ليس دولة دينية تقبل بالغالبية المسلمة وترفض باقي الديانات، فاليهود يتمتعون بنفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات. وقد انخرطوا مبكرا في بناء الدولة المغربية المستقلة، حيث مارسوا حقهم في التصويت كأحد الحقوق السياسية التي يمنحها لهم دستور المملكة، والأكثر من ذلك ـ يقول أسراف ـ أن الطلبة اليهود الذين درسوا في الجامعات الغربية تقلدوا مناصب إدارية ووزارية، وشكلوا ما يعرف بالوفاق، وهو للإشارة مجلس عام يضم مغاربة مسلمين ويهود حيث يجتمعون للتداول حول قضايا شتى تهم البلاد آنذاك. وأكد أسراف أن اليهود المغاربة أقلية دينية تعيش إلى جانب أغلبية مسلمة، وهذا شيء طبيعي، فاليهود متمتعون بجميع حقوقهم وحرياتهم الأساسية بالمغرب، وعلى رأسها، طبعا، حرية العقيدة التي تظل السر الأساسي وراء تعلق اليهود بهذا الوطن، فالمغرب حسب أسراف يسوده نظام منفتح يؤمن بحرية العقيدة لدى الأقليات التي تنعم داخله بالاستقرار عكس الأنظمة الشمولية التي عانى من ويلاتها اليهود سابقا. أما في ما يتعلق بالبعد الثقافي، فيؤكد أسراف أن اليهود كمغاربة يظلون مرتبطين أولا وأخيرا بالتراث المغربي وبتعدده الثقافي الذي يلمس في ذاكرتهم عكس تأثرهم بالثقافة الغربية الأوربية أساسا، الذي يظل سطحيا.



***محمد يتيم، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية

ـ كيف قرأتم التقرير السنوي الأخير لوزارة الخارجية الأمريكية الذي أصدرته بتعاون مع "معهد الديمقراطية وحقوق الإنسان" حول الحريات الدينية وخصوصا تلك المتعلقة منها بالمغرب؟
بغض النظر عن مضامين التقرير التي لا تضيف إلينا جديدا نحن المغاربة ولتقاليدنا الراسخة منذ عصور في التسامح الديني فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو مدى أهلية الولايات المتحدة والكونجرس الأمريكي في أن تضع نفسها في محل الأستاذية في مجال حقوق الإنسان والحريات الدينية، ولذاك فبقدر ما أتفق مع مضمون التقرير إلا أنني مصاب بالامتعاض أن تأتي هذه الشهادة من دولة استباح جنودها حرمة المساجد في الفلوجة وفي عدد من المدن العراقية ودكوها على رؤوس من بداخلها وقتلوا من احتمى بها بدم بارد واعتدوا ودنسوا المصحف الشريف، ومن دولة تدعم دعما مشروطا دولة الكيان الصهيوني القائمة على أساطير دينية وتستبيح يوميا مقدسات المسلمين وتمنع الفلسطينيين من أداء شعائرهم الدينية في هذا المسجد ناهيك عن الإيديولوجية اليمينية المسيحية المتطرفة التي تحكم رؤية الإدارة الأمريكية الحالية، فضلا عما تعرضت له الجالية المسلمة بعض أحداث الحادي عشر من شتنبر بناء على قانون الأدلة السرية من اضطهاد وتمييز.
2ـ هل تعتقدون أن مثل هذا التقرير كاف للحكم على المستوى الذي وصلت إليه حرية التدين في بلد معين؟
إن احترام الحقوق والحريات الدينية بالنسبة لنا لا ينبغي أن يستمد من شهادة أمريكية وإن كانت مثل هذه الشهادة في ظل واقع الاستكبار الأمريكي أصبحت أمنية لكثير من الأنظمة. نحن نعتقد احترام حرية التدين هو جزء من عقيدتنا وكيف لا يكون ذلك في أمة يقول قرآنها بكل وضوح " لا إكراه في الدين " ويقول " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من ديارهم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين "، ويقول " لكم دينكم ولي دين "، والأمة الإسلامية حتى في الوقت الذي كانت فيه دولها هي التي تصنع القانون الدولي أي حين كانت موازين القوى لصالحها ضربت أعظم أمثلة في التسامح الديني وفي حماية حقوق الأقليات الدينية بدءا بصحيفة المدينة التي كان من بين بنودها بند يؤكد حق المواطنة لليهود وهو البند القائل " اليهود أمة مع المؤمنين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم " إلى عهد الحضارة الإسلامية في الأندلس التي لم يخرج منها اليهود محتمين بالمسلمين إلا بعد سقوطها خروج المسلمين منها. ولذلك ففي نظري فالتقرير وإن كان تحصيل حاصل في الحالة المغربية إلا أنه بالنسبة لي ليس مقياسا وليس كافيا بل ينبغي أن نسائل أنفسنا هل فهمنا للإسلام وتطبيقنا له يرقى إلى ما كان عليه المسلمون عبر التاريخ في إقرار والعمل بقيمة التسامح .

ـ ما هو فهمكم لمسألة الحرية الدينية؟
الحرية الدينية كما قلت من أعظم المبادئ التي جاء بها الإسلام وقد أشرت إلى بعض الاستدلالات. الحرية الدينية تعني احترام اختيار الفرد واختيار ضميره لأنه لا يمكن لأي أحد أن ينفذ إلى هذا الاختيار باعتباره من أخص ما يميز الإنسان كإنسان ومخلوق كرمه الله بالعقل والإرادة والتمييز. والإكراه على معتقد ديني أو على شعيرة دينية بالمناسبة لا يقدم أو يؤخر من الناحية الدينية، بمعنى أن الاعتقاد تحت الإكراه أو ممارسة شعيرة دينية أو عقد تحت الإكراه لا ينفع صاحبه في الدنيا والآخرة كما في قوله تعالى " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " وقضية المحنة التي ترض لها الإمام مالك في فتواه المتعلقة بطلاق المكره معروفة لما كان لها أيضا من تداعيات سياسية ترتبط بقضية بطلان بيعة المكره، فالرضى والإذعان التلقائي الطوعي لأحكام الدين وعقائده مسألة أساسية وجوهرية في التصور الإسلامي، بل الأكثر من ذلك أن الدفاع عن حرية المعتقد هو من أحد مبررات الجهاد في سبيل الله إذ لولا هذا الجهاد كما يقول القرآن لما استطاع حبر أو راهب أو معتكف أن يؤدي عبادته لهدمت البيع والصلوات والمساجد كما في قوله تعالى : " وَلَوْلا دفاع اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز ".
وكما أن صون الحرية الدينية للفرد هي واجب علة الجماعة والأمة فإن الحرية الدينية تقتضي أيضا احترام الحقوق والحريات الدينية للجماعة والأمة إذ لا يجوز باسم الحرية الدينية استفزاز الشعور الديني للجماعة والاعتداء على شعائرها ومعتقداتها باسم الحرية الدينية، فالحرية الدينية شأنها شأن أي ممارسة للحرية هي كذبك التزام ومسئولية .

ـ ما هي القيمة السياسية التي يكتسيها مثل تقرير وزارة الخارجية الأمريكية على بلد كالمغرب؟
كما قلت سابقا فالولايات المتحدة اليوم تحكم العالم وتتحكم في الأمم المتحدة نفسها ،والمرضي عنه من رضيت عنه، والمغضوب عليه هو من غضبت عليه. ونحن نلاحظ أنه حتى بالنسبة لدول كبرى وتجمعات دولية كبرى تجاري الولايات المتحدة وتحرص على رضاها، ولذلك من الناحية السياسية فهذا التقرير هو شهادة حسن سلوك معتبرة على الصعيد الدولي وهذا شيء يؤسف له أي أن تكون كما قلت هذه الشهادة صادرة من دولة لا تحترم حقوق الإنسان والحريات الدينية وأن يكون شهادتها معتبرة ولكن يبقى هذا هو الواقع . أمريكا إذن، بحكم قوتها الاقتصادية والعسكرية لها موقع سياسي ولها إمكانيات للضغط والتأثير وتوجيه السياسات العالمية وأنا هنا أقر حقيقة موضوعية ومن هذا المنطلق فمثل هذا التقرير له اعتباره من الناحية السياسية والدول العربية والإسلامية تقيم اعتبارا لمثل هذه التقارير أكثر مما تقيم الاعتبار لاحترام حقوق وحريات مواطنيها من منطلقات مبدئية داخلية وهو ما يفسر أن بعض قوى المعارضة أصبحت تستقوي بالخارج وتتمنى صدور مثل هذه التقارير للضغط على الأنظمة العربية وذلك تطبيقا لما ورد عن الشاعر الساخر أحمد مطر الذي تقول إحدى قصائده:
فيارب بجاه أمريكا وبجاه التبعية
أعطنا يارب جنسية أمريكية
كي نعيش أحرارا في الأوطان العربية

ـ هل تعتقدون أن التنويه الذي خص به التقرير المذكور المغرب بخصوص مسألة احترام حرية ممارسة الديانات غير الإسلامية كاف في وقت لا زال دستور المملكة يؤكد أن الإسلام( بوصفه دين الأغلبية)هو الدين الرسمي للدولة؟
اعتقد أن قضية حرية الأديان في المغرب غير مطروحة لا من الناحية الثقافية حيث تعايش المغاربة المسلمون بدون أي مشكل مع اليهود مثلا، وأكثر من ذلك نلاحظ أن تعامل الدولة حتى مع بعض الممارسات التبشيرية التي تستهدف عقيدة المسلمين على الرغم من أن القانون الجنائي يجرم ذلك تتميز بنوع من التساهل بل إن بعض التقارير تتحدث عن أنشطة تنصيرية سرية تعمل تحت غطاء مؤسسات وشركات تجارية وأن عدد المنصرين يصل إلى الآلاف ولاحظنا أيضا كيف تم التعامل مع عبدة الشيطان، وذلك يدفعني إلى القول بأننا تجاوزنا احترام الحريات الدينية إلى التساهل في استهداف عقيدة المغاربة المسلمين، ولا شك أن الرغبة في تحاشي الضغط الدولي الذي من بين وسائله مثل هذه التقارير هو الذي يفسر هذا النوع من التساهل. ولذلك ففي نظرنا ينبغي التمييز بين ضمان حرية كل المواطنين في ممارسات شعائرهم الدينية وبين استهداف عقيدة المغاربة المسلمين، والصيغة التي يقرها الدستور صيغة متوازنة حيث تقر أن الدولة المغربية دولة إسلامية ولكنها تحفظ لكل المغاربة حرية ممارسة شعائرهم الدينية .

ـ كيف يتعامل حزب العدالـة والتنمية مع مسألة التعدد الديني؟ وهل تقبلون انخراط أشخاص ينتمون لديانة غير الإسلام؟
فيما يتعلق بمسألة التعدد الديني أشرت سابقا إلى مجموعة من المبادئ التي تحكم تصورنا للقضية، وفي ما يتعلق بقضية انتماء أشخاص ينتمون لديانة غير الإسلام فتنبغي الإشارة إلى التمييز الذي نقيمه بين المرجعية الإسلامية التي ينطلق منها الحزب والتي هي مرجعية الدولة المغربية نفسها وبين الانتماء على أساس الدين للحزب. نحن نقول ونؤكد أن الانتماء للحزب ينبغي أن يكون على أساس سياسي أي على البرنامج السياسي للحزب لا على أساس الانتماء الديني تماما، كما أن المرجعية الإسلامية للدولة لا تعني إقصاء غير المسلمين من حقهم في المواطنة. وهذه الصيغة ليست جديدة بل هي الصيغة التي اعتمدها الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة كما هو واضح من خلال وثيقة الصحيفة، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل الانتماء إلى الدولة الإسلامية على أساس الدين وإنما على أساس مجموعة من الالتزامات هي نفسها ذات التزامات المسلمين في عمومها، كما أن إخراجه لهم من المدينة لم يكن بسبب اختيارهم الديني ولكن بسبب نقضهم لعهودهم والتزاماتهم وهي الصيغة التي تعامل بها المسلمون عبر التاريخ ومكنت غير المسلمين من أن يكونوا مواطنين في الدولة الإسلامية ومساهمين في بناء الحضارة الإسلامية، ومعنى ذلك أنه يمكن للمسيحي أو اليهودي أو غير المسلم على العموم أن يكون عنصرا فاعلا في الثقافة والحضارة العربيتين الإسلاميتين
ولذلك هناك من يخلط بين اليهودية والصهيونية ونحن نؤكد على ضرورة التمييز ونحن ضد الصهيونية وضد اليهود المتصهينين، كما أننا ضد المسلمين المتصهينين وضد النصارى المتصهينين ومع اليهود المواطنين غير المتصهينين بل الذين يقاومون الصهيونية ويعتبرونها خطرا على اليهود واليهودية.













#مصطفى_عنترة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عودة حق المشاركة السياسية إلى المغاربة المقيمين بالخارج
- تباين الطروحات السياسية والمدنية حول حاجة وكيفية الإصلاح الد ...
- تأملات حول موقف عباس الفاسي الأمين العام لحزب الاستقلال من م ...
- ماذا أضاف وزير يساري إلى قطاع العدل بالمغرب ؟
- إدريس البصري، وزير الداخلية الأسبق وخبير في شؤون المنطقة الم ...
- سعيد شرشيرة، رئيس الكونغريس العالمي للمغاربة القاطنين بالخار ...
- رسائل عبد الكريم مطيع الموجهة إلى النظام السياسي المغربي
- في انتظار الملك محمد السادس الملك عبد الله بن عبد العزيز يلغ ...
- أحمد رضى بنشمسي، مدير أسبوعية -تيل كيل-، يتحدث عن سياق وخلفي ...
- حراس الأمن الديني بالمغرب
- تأسيس الحزب الأمازيغي بالمغرب: حاجة مجتمعية أم مغامرة سياسية ...
- الدلالات السياسية والرمزية لتعيين حسن أوريد على رأس ولاية جه ...
- إعلاميون، انفصاليون، إسلاميون.. يساهمون في إفراز -نـداء المو ...
- المقدس في الصحافة المستقلة بين تجربة حكومتي عبد الرحمان اليو ...
- أحمد الـدغرني، يشرح أسباب تأسيس الحزب الديمقراطي الأمازيغي
- إدريس البصري، وزير الدولة والداخلية الأسبق، يتحدث عن أحداث ا ...
- الأمـــازيغية والمقاربــات الثـــلاث
- تنامي الأصوات السياسية والمدنية المطالبة بالإصلاحات الدستوري ...
- الباحث أحمد عصيد، يعرض تصوره حول مسألة ترسيم الأمازيغية في ا ...
- محمد حنداين، نائب رئيس الكونغرس العالمي الأمازيغي، يشرح أسبا ...


المزيد.....




- مجلس الشعب السوري يرفع الحصانة القانونية عن أحد نوابه تمهيدا ...
- تحذير عسكري إسرائيلي: إذا لم ينضم الحريديم للجيش فإن إسرائيل ...
- السفير الروسي ردا على بايدن: بوتين لم يطلق أي تصريحات مهينة ...
- بالفيديو.. صواريخ -حزب الله- اللبناني تضرب قوة عسكرية إسرائي ...
- وزير الدفاع الكندي يشكو من نفاد مخزون بلاده من الذخيرة بسبب ...
- مصر.. خطاب هام للرئيس السيسي بخصوص الفترة المقبلة يوم الثلاث ...
- -أضاف ابناً وهميا سعوديا-.. القضاء الكويتي يحكم بحبس مواطن 3 ...
- -تلغراف- تكشف وجود متطرفين يقاتلون إلى جانب قوات كييف وتفاصي ...
- إعلام سوري: سماع دوي انفجارات في سماء مدينة حلب
- البنتاغون: لم نقدم لإسرائيل جميع الأسلحة التي طلبتها


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى عنترة - تقرير أمريكي يشيد بالحرية الدينية بالمغرب