أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - التناقض فى كتاب (موسى والتوحيد) لفرويد















المزيد.....

التناقض فى كتاب (موسى والتوحيد) لفرويد


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5101 - 2016 / 3 / 12 - 15:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


التناقض فى كتاب (موسى والتوحيد) لفرويد
طلعت رضوان
من خلال مُــتابعتى لما يصدر من كتب ودراسات فى المجلات ، لاحظتُ إعجاب كثيرين بكتاب (موسى والتوحيد) تأليف العالم الكبير سيجموند فرويد ، والسبب أنّ فرويد اعتبر موسى شخصية حقيقية بل ومصرية ، ولذلك كان عنوان الفصل الأول (موسى مصرى) ولكى يؤكد أنه شخصية حقيقية كتب ((ينتمى الإنسان موسى ، محرر الشعب اليهودى والذى أعطاه دينه وشرائعه ، إلى عصر موغل فى البعد)) (ترجمة د. عبد المنعم الحفنى – مطبعة الدار المصرية – الطبعة الثانية – عام 1973 – ص25) ويبدو أنّ فرويد كان يتأرجح بين الشك واليقين – مثله مثل أغلب العلماء المُـحترمين – لذلك أضاف فى نفس الفقرة ((مما يجعلنا نتساءل : هل موسى شخصية حقيقية تاريخية أم أسطورية ؟ (خاصة) وليس لدينا ما يتحدث عن موسى إلاّ ما ورد عنه فى التوراة وتراث اليهود المكتوب ، وأنّ القرار الذى يحسم هذه المسألة سينقضه اليقين التاريخى النهائى)) (ص26) وهذه الفقرة يتجاهلها المؤمنون بأنّ موسى شخصية طبيعية وليس شخصية أسطورية. كما يتجاهلون ما كتبه فرويد حول اسم موسى بالعبرى (موشيه) وأنّ أميرة مصرية هى التى انتشلته من الماء ، وبالتالى يكون معنى اسم (موشيه) ((لقيط الماء)) وكان من رأى فرويد أنّ ((تفسير التوراة للاسم تفسير شعبى . ويمكن تأييد هذا الرأى بحجتيْن : الأولى أنه من السخف أنْ ننسب إلى أميرة مصرية معرفة اللغة العبرية. والحجة الثانية أنه فى الغالب أنّ الماء الذى أنتشل منه الطفل لم يكن هو ماء النيل)) (ص28، 29)
وذكر أنّ أسطورة (طفل الماء) فى اليهودية سبقتها أساطير بعض الشعوب ، مثل أسطورة ساراجون ، أبعد شخصية تاريخية تنطبق عليها أوصاف هذه الأسطورة التى ترجع إلى مؤسس بابل (نحو2800 ق. م) حيث ورد فى تلك الأسطورة ((إننى ساراجون الملك القوى، ملك أجاد . كانت أمى رقيقــًـا (= عبدة) ولم أعرف أبى. ونشأتُ فى مدينة تقع على شاطىء الفرات. حملتْ بى أمى ووضعتنى فى سلة من البردى، وأغلقتْ فوهة السلة بالقار. والتقطنى من الماء وحملنى (أكى) وجعلنى ابنه. وجعلنى بستانيـًـا . ووقعتْ الإلهة عشتار فى حبى وصرت ملكــًـا وحكمتُ كملك مدة خمس وأربعين سنة)) (ص35، 36) وكان تعليق فرويد ((... وعندما تـلصق مخيلة شعب من الشعوب تلك الأسطورة بشخصية مشهورة ، فإنما لتشير إلى أنّ الشعب قد اعترف به بطلا)) (ص39) وبعد عدة صفحات كتب ((إنّ المزيد من التفكير يقول لنا أنه لا يمكن أنْ توجد أسطورة أصلية لموسى ، أسطورة لا تختلف عن أساطير الميلاد الأخرى ، لأنّ أسطورة موسى إما أنْ تكون من أصل مصرى أو من أصل يهودى ، وقد نستبعد الفرض الأول ، فليس لدى المصريين من الأسباب ما يجعلهم يعظمون موسى ، وهو ليس بطلا عندهم ، ومن ثم فلابد أنْ تكون الأسطورة قد نشأتْ بين الشعب اليهودى)) (ص42) وهنا وقع فرويد فى التناقض ، حيث ذكر فى بداية الفصل الأول أنّ موسى (مصرى) وشخصية حقيقة ، ورغم ذلك كتب أنه شخصية أسطورية نشأتْ بين الشعب اليهودى ، ومع ملاحظة أنّ هذا التناقض – أيضـًـا – لم يلتفتْ إليه أحد من الذين يسعون لتثبيت شخصية موسى على أنه شخصية حقيقية. كما أنّ فرويد استمر فى تناقضه عندما كرّر نفسه فأضاف ((إنّ موسى مصرى ، ومن المحتمل أنْ يكون من أصل نبيل ، ولكن الأسطورة جعلته يهوديـًـا)) (ص44)
ويستمر فرويد فى تناقضه حيث حاول فى الفصل الثانى التأكيد على أنّ موسى (مصرى) وتمثل تناقضه عندما كتب بالحرف ((ليس من السهل أنْ نتكهن بما يمكن أنْ يغرى مصريـًـا مرموقــًـا (يقصد موسى) ربما كان أميرًا أو كاهنــًـا أو موظفــًـا كبيرًا ، وأنْ يضع نفسه على رأس حشد من المهاجرين منحطى الثقافة ، وإلى أنْ يترك بلاده بصحبتهم)) (ص49) ويبدو أنه توقع النقد من علماء يختلفون معه فأضاف ((وإنى أميل إلى الظن بأنّ هذا هو السبب الذى حدا بالمؤرخين إلى عدم الترحيب بفكرة أنّ موسى كان مصريـًـا)) (ص50) وأرى أنّ التناقض الذى لم يلتفتْ فرويد إليه هو: أنّ الأسفار الخمسة الأولى فى التوراة منسوبة لموسى ، وفى تلك الأسفار تبدو الأيديولوجيا العبرانية ، شديدة الوضوح فى تعبيرها عن العداء للمصريين القدماء ، وتحويل النيل وأشجار وبيوت المصريين.. إلخ إلى دم بخلاف باقى (اللعنات) مثل تسليط الذبان والبعوض على حقول المصريين.. وعند الخروج يطلب الرب من أتباع موسى (من السيدات) أنْ يسرقنَ حلى المصريات.. إلى نصل عند آخر محطة وهى مشهد الخروج حيث استطاع (يهوه) أو (الرب) أو (الله) أنْ يشق البحر من أجل شعبه المختار، ويـُـغرق المصريين وينقذ بنى إسرائيل ، فكيف يكون موسى (مصريـًـا) مع كل هذا العداء للشعب المصرى ؟ وكيف لم ينتبه فرويد لذلك التناقض (والأدق لتلك المُـفارقة) ؟ ونفس الأمر حدث مع المؤمنين بالديانة العبرية بشعبها الثلاث (اليهودية/ المسيحية/ الإسلام) ولم يلتفتوا (والأدق لم يهتموا) بهذا العداء العبرى ضد المصريين القدماء.
ولأنّ فرويد عالم كبير- رغم اختلافى معه – فإنه شديد التميز عن غيره من المؤمنين بالديانة العبرية ، ولذلك عقد مقارنة بين الديانة الموسوية والديانة المصرية فكتب ((هناك تعارض حاد بين الديانة اليهودية المنسوبة لموسى وبين الديانة المصرية ، فاليهودية ديانة مُـتزمتة مُـتباهية. أما فى الديانة المصرية فهناك عدد مذهل من المعبودات ، وبعضها تشخيص للقوى الطبيعية الكبرى ، مثل السماء والأرض والشمس والقمر. ثم نجد تجريدًا مثل (ماعت) أى العدالة والحقيقة)) (ص50، 51) وأضاف – بلغة العلم – ((وربما بعض هذه الاختلافات نابعة من التعارض بين مبدأ الوحدانية الصارمة (فى اليهودية) وبين تعدد الآلهة فى الديانة المصرية. وبعضها الآخر نتائج لاختلاف فى المستوى الفكرى ، حيث أنّ الديانة العبرية تقترب جدًا من الديانات البدائية ، بينما الديانة المصرية تــُـحلق فى سوامق التجريد المُـتسامى ، وربما كانت هاتان السمتان هما اللتان تعطيان الإحساس بأنّ التعارض بين الديانة الموسوية ، وبين الديانة المصرية ، هو تعارض مقصود وأستهدف إبرازه ، مثلا عندما تــُـنهى الموسوية عن إتيان أى نوع من أعمال السحر، بينما الديانة المصرية تبيحها ، أو عندما يـُـقابل الرغبة النهمة لدى المصرى فى أنْ يصنع التماثيل لآلهته من الصلصال والمعادن والحجر، هذه الرغبة التى تدين لها متاحفنا كثيرًا ، يقابلها فى الموسوية النهى نهيـًـا مطلقــًـا عن تصوير أى كائن حى أو مُــتخيل)) (ص54)
وأضاف ((ويتبقى اختلاف آخر بين الديانتيْن ، فلم يوجد شعب آخر من الشعوب القديمة – كالشعب المصرى – بذل كثيرًا لينكر الموت ، وأعد أيما إعداد لحياة بعد الحياة ، واتفاقــًـا مع هذا فإنّ أوزير كان هو حاكم العالم الآخر. وكان أكثرالآلهة جميعها شعبية وأصالة لاجدال فيها . أما الديانة اليهودية المُـبكرة فإنها عكس ذلك ، فلم تتحدث عن الخلود إطلاقــًـا ، ولم يذكر فيها فى أى مكان إمكان وجود حياة بعد الموت)) وأشار إلى من اعتقدوا أنّ بدعة (التوحيد) التى اخترعها أخناتون ديانة موسوية وأعطاها موسى لشعبه بينما هى من ديانات المصريين وبالتالى ((ليست الموسوية ديانة مصرية)) (من ص 54- 57)
ولأنّ أخناتون امتدح إلهه (آتون) فى أناشيده ، لذلك نقل اليهود ما ورد فى تلك الأناشيد فى (المزامير) وخاصة فى المزمور رقم 104، ولكن فى مدح الإله اليهودى (يهوا أو يهوه) (ص62) وبعد موت أخناتون عادتْ ديانة مصر القديمة (المؤسسة على تعدد الآلهة) إلى الظهور (ص66) وعن تأثر الديانة الموسوية بديانة أخناتون (التوحيدية) كتب ((وهناك طريق قصير لاثبات ما افترضناه من أنّ الديانة الموسوية ليست سوى ديانة آتون ، فإذا لم يكن التشابه بين اسم آتون المصرى أو آتوم وبين الكلمة العبرية (أدوناى) وبين الاسم الإلهى السورى (أدونيس) مجرد صدفة ، ولكنه نتيجة وحدة بدائية فى اللغة والمعنى ، فإننا نستطيع أن نترجم الصيغة اليهودية ((اسمع يا إسرائيل ، إنّ إلهنا آتون (أدوناى) هو الإله الوحيد)) وأنّ التوحيد اليهودى لا يقل تزمتــًـا عن التوحيد الأخناتونى ، مثلا عندما يمنع كل تصوير مرئى للإله)) ورغم ذلك فإنّ أهم الاختلافات الجوهرية بين الديانتيْن الآتونية والموسوية ، أنّ الديانة اليهودية استبعدتْ تمامًـا عبادة الشمس ، بينما استمرتْ الديانة المصرية فى مشايعتها (حتى فى الآتونية) (من ص68- 70)
وعن موضوع الختان كتب أنّ من كتبوا التوراة تناقضوا فيها كثيرًا ، فزعموا أنّ الختان يرجع أيام زعماء القبائل كعلامة بين الرب وإبراهام ، ومن ناحية أخرى ذكروا أنّ الرب غضب من موسى لأنه أهمل هذا العرف المقدس ، واقترح أنْ يذبحه كعقاب ، ولكن زوجة موسى (وهى من أهل مديان) أنقذتْ زوجها من غضب الرب ، بأنْ أجرتْ العملية بسرعة. وعلى أية حال فهذه تحريفات لا ينبغى أنْ تضل سبيلنا ، وسنكتشف دوافعها ، ويتبقى فى الواقع أنّ السؤال المتعلق بأصل الختان له إجابة واحدة : أنّ مصدره مصر. ويقص علينا هيرودوت (المؤرخ الإغريقى) أنّ عادة الختان كانت تــُـمارس فى مصر، وتأيد قوله بفحص المومياوات وكذلك بالرسومات على جدران المعابد ، ولم يتــّـبع شعب آخر من شعوب البحر الأبيض هذه العادة ((ونستطيع أنْ نقول عن يقين أنّ الساميين والبابليين والسومريين لم يكونوا يختنون)) وبلغة العلم أضاف ((عندما أستخدم رواية التوراة بمثل هذه الطريقة الاستبدادية وأقيس عليها لأثبت ما أقول ، وأرفض شهادتها دون أية شبهة عندما تتعارض مع نتائجى ، أعرف جيدًا أنى أعرض نفسى للنقد.. ولكن هذه هى الطريقة الوحيدة التى يمكن أنْ أعامل بها مادة قد أتلف الوثوق بها بفعل نفوذ الاتجاهات المشبوهة)) (ص72) وكان يقصد بنفوذ الاتجاهات المشبوهة ، كتابات اليهود الذين ادّعوا أنّ الختان عادة يهودية وليست مصرية، ومع ملاحظة أنّ المصريين كانوا يختنون الذكور فقط ، كما توضحه الجداريات والبرديات .
كما أنّ فرويد كان دقيقــًـا وموضوعيـًـا عندما أشار إلى ما ورد فى العهد القديم عن ندم بنى إسرائيل بعد خروجهم من مصر، حيث كانوا يأكلون السمك واللحم مجانـًـا (ص73) ورغم ذلك يُـصر فرويد على تناقضه فكتب فى نفس الصفحة أنّ موسى (مصرى) ثم تناقض مع نفسه عندما اعترف أنّ موسى لم يكن يستطيع التفاهم مع المصريين بلغتهم (ص83) فكيف يكون مصريـًـا ولا يعرف لغة المصريين ؟ ولذلك كتب (بشىء من التحفظ) ((ويبدو الآن كما لو كان قطار الفكر قد بلغ مُــنتهاه ، من افتراض أنّ موسى كان مصريـًـا ، سواء أثبت ذلك أم لم يثبت ، ولا يمكن استخلاص شىء أكثر من ذلك الآن)) ثم أضاف بلغة العلم ((وليس بوسع أى مؤرخ أنْ ينظر إلى القصة التى رواها من كتبوا التوراة عن موسى والخروج ، بأكثر من أنها أسطورة دينية لمصلحة اتجاهاتها (العبرية) ولكننا لا نستطيع أنْ نبقى بغير اكتراث عندما نجد أنفسنا فى تعارض مع البحوث التاريخية اليقظة لعصرنا)) (ص84)
وكيف يكون موسى مصريـًـا بينما إلهه يختلف تمامًـا عن الآلهة المصرية ، فإله اليهود ((مارد مُـهلك مُــتعطش للدماء ، يسير بالليل ويتجنـّـب ضوء النهار)) بينما الآلهة المصرية تظهر فى ضوء الشمس ، وأبدع الخيال المصرى مركبة كان يركبها الإله (رع) واحدة للصباح ومركبة للمساء . وكان فرويد موضوعيـًـا عندما نقل رأى العالم (ميير) الذى اختلف معه فكتب ((ولكن ميير لا يهضم فكرة وجود موسى مصرى ، وأنّ ميير كتب ((إنّ موسى الذى نعرفه هو جد كهنة قادش ، ومن ثـمّ فهو بالنسبة إلى العقيدة صورة لأسطورة النسب وليس شخصـًـا تاريخيـًـا.. ولذلك لم ينجح أحد من أولئك الذين عاملوه كشخص تاريخى (فيما عدا أولئك الذين سيقبلون التراث برمته كحقيقة تاريخية) فى ملء هذا الشكل الفارغ من المضمون ، وفى وصفه كفردية مُــتجسمة ، ولم يكن لديهم شىء يقولونه لنا عما حققه أو عن رسالته للتاريخ)) وأضاف العالم ميير ((إنّ موسى فى مديان لم يعد مصريـًـا وحفيدًا لفرعون ، ولكنه راعٍ يتبدى له إلهه يهوا الذى زوّده بالقوى الخارقة)) (ص87، 88)
وفى حيلة ساذجة فرّق فرويد بين (موسى المصرى) و(موسى التوراتى) ويرى أنّ السبب فى ذلك التناقضات الموجودة فى التوراة فى وصف موسى (فهو يوصف كثيرًا بأنه مُــتسيـّـد حاد الطبع وعنيف ، ومع ذلك يُـقال عنه أنه كان أكثر الناس حلمًـا ووداعة ومن الواضح أنّ الصفات الأخيرة ما كان لها نفع لموسى المصرى.. وأنّ موسى (المديانى) الذى تزوّج ابنة يثرون – كما ورد فى التوراة – لم يضع قدمًـا فى مصر. ولم يعرف شيئــًـا عن آتون... وكان لزامًـا على الرواية أو الأسطورة أنْ تــُـحضر موسى المصرى إلى مديان)) (ص97، 98) وهنا بدا فرويد فى حالة تخبط شديدة عندما اخترع (شخصيتيْن) لموسى ، وقد تأكــّـد تناقضه عندما كتب أنّ موسى التوراتى هو من كتب الأسفار الخمسة الأولى من التوراة وهو الذى كتب سِـفر يشوع (ص99) وهنا وقع فرويد فى المغالطة لمجرد أنْ يؤكد صحة ما رآه عن وجود (موسى مصرى) يختلف عن (موسى التوراتى) وأنّ الأول ((تهذب بحكمة المصريين) بينما الثانى كان مجرد تابع للرب العبرى المُـعادى لمصر وللمصريين. ولكى يؤكد رأيه أضاف أنّ اليهود بعد خروجهم من مصر، كانوا يودون أنْ لا يسلب الخروج منهم ((موسى الإنسان وعادة الختان)) و((من الآن فصاعدًا لابد من رفض كل أثر للنفوذ المصرى ، فتـمّ التخلص من موسى بأنْ نــُـقل إلى مديان وقادش وتمّ دمجه فى شخص واحد بالكاهن الذى أسّـس ديانة يهوه . وكان لابد من استبقاء عادة الختان ، وهى أكثر العلامات دلالة فى الاعتماد على مصر. ولكن رغم كل الشواهد الموجودة ، بـُـذلتْ كافة الجهود المُمكنة لفصل هذه العادة عن مصر، ولا يمكن تفسير الفقرة المُـحيـّـرة فى سـِـفر لخروج ، المكتوبة بأسلوب غير مفهوم ، وتقول أنّ الله كان غاضبـًـا على موسى لاهماله الختان ، وأنّ زوجته المديانية أنقذتْ حياته بإجراء عملية ختان سريعة ، إلاّ بأنها تـناقض مُــتعمّـد للحقيقة الكاشفة.. خاصة وأنّ الإله (يهوه) طلب من إبراهام أنْ يـُـختن نفسه ((كعلامة على الميثاق المضروب بينه وبين نسل إبراهام . وهذه على أية حال بدعة حمقاء، وليس من الممكن أنْ يجهل الإسرائيليون الذين خلقوا نص التوراة ، أنّ المصريين كانوا يـُـمارسون عادة الختان)) (من ص 102- 105)
ووقع فرويد فى التناقض عندما تشكــّـك فى وجود لوح (ميرن – بتاح) الذى ورد فيه أنّ ((إسرائيل خربتْ وزالتْ بذرتها)) وفى نفس الوقت نقل ما كتبه العالم (ميير) الذى كتب أنّ ((ميرن – بتاح لا يمكن أنْ يكون هو فرعون الخروج ، وينبغى أنْ يكون الخروج قد حدث فى فترة أسبق)) وأضاف (ويبدو لى سؤال : من كان فرعون وقت الخروج ؟ سؤالا فارغـًـا ، فلم يكن هناك فرعون فى ذلك الوقت ، لأنّ الخروج حدث فى الفترة التى تخلــّـلتْ حكميْن)) ورغم كل ذلك فإنّ فرويد يـُـصر على رأيه بوجود شخصيْن لموسى أحدهما (موسى المصرى ، الإنسان النبيل) و(موسى العبرانى) التابع للإله يهوه ((وكان إلهـًـا فظــًـا ، ضيق العقل ، عنيفــًـا ومُــتعطشــًـا للدماء ، ووعد أتباعه أنْ يـُـعطيهم أرضـًـا تفيض لبنــًـا وعسلا.. وشجـّـعهم على أنْ يـُـخلــّـصوا البلد من سكانه الأصليين بحد السيف)) (من 111- 113) وأنّ الشعب اليهودى ((قيـّـض له القدر سلسلة من الامتحانات القاسية والتجارب المؤلمة. ومن ثم صار إلهه صلبـًـا قاسيـًـا مُــتـدثرًا بالكآبة)) (ص135)
ورغم دفاع فرويد عن (موسى المصرى) فإنه كتب أنّ ((قيام الديانة المحمدية كان تكرارًا على نطاق ضيق للديانة اليهودية ، وأنّ الديانة المحمدية ظهرت مقلدة للديانة اليهودية ، وهناك من الأسباب ما يدعونا إلى الاعتقاد أنّ النبى (محمد) كان يزمع فى الأصل اعتناق الديانة اليهودية هو وكل شعبه.. لإيمان العرب بالأب الواحد البدائى الكبير. وقد كافأ الله شعبه الإسلامى (العربى) بأكثر مما كافأ به (يهوه) شعبه اليهودى المختار)) (ص189، 190) ولكن فرويد لم يكتب حرفــًـا واحدًا ليُـجاوب عن هذه الأسئلة : لماذا كان الإسلام مُــتطابقــًـا مع اليهودية ؟ ولماذا لم يذكر بعض الأمثلة من العهد القديم وأمثلة من القرآن ؟ ليؤكد التطابق بين اليهودية والإسلام ، ولماذا اختار القرآن (موسى العبرى) وتجاهل (موسى المصرى) الذى اخترعه فرويد ؟ وبينما أشار فرويد إلى أنّ موسى العبرى مات مقتولا، تجاهل ذكر الأسباب (ص192)
ورغم إصرار فرويد على وجود شخصيتيْن لموسى ، فإنه كان شديد الموضوعية عندما وصف المصريين القدماء بالوداعة ، ووصف الساميين بالهمج (ص109) كما أنه اعتبر أنّ ما ذكره مجرد رأى ولا يجب أنْ ((نستخلص منه نتيجة نهائية ، وترك الأمر لتقدير القارىء ، ولو أنه فرض رأيه على القارىء ((لدللنا على أنى كاتب غير قدير وأستحق اللوم على ذلك)) (ص208)
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرد الثانى على السيد (ملحد)
- لماذا تأخر الاعتراف بجرائم حزب الله ؟
- هل سلاح الأحذية هو الحل ؟
- رد على السيد (ملحد)
- هل مراجعات الأصوليين حقيقة أم خدعة ؟
- هل شباب الإخوان المسلمين غير شيوخهم ؟
- عبد الناصر وتبديد موارد مصر
- لماذا العداء للغتنا المصرية ؟
- موجز لتاريخ الطغاة
- النقاب على عقول المتعلمين المصريين
- لماذا مرض عبادة البطل ؟
- العلاقة الملتبسة بين الرب العبرى والأنبياء والإنسان
- لماذا جرّح الإسلاميون بطرس غالى ؟
- تابع المزامير العبرية
- التوجه الأيديولوجى فى المزامير العبرية
- من يمتك مفتاح الفهم الصحيح للإسلام ؟
- كيف اخترقت الأصولية التعليم الجامعى
- متوالية العداء بين الفلسطينيين وبنى إسرائيل
- الرب العبرى مُخلّص إسرائيل
- ما سر ازدواجية شخصية الحجاج ؟


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - التناقض فى كتاب (موسى والتوحيد) لفرويد